تقع المنطقة الغربية مِن الإمبراطورية تحت سيطرة دوقية غارسيا بنسبة تسعين في المئة.
وكانت المنطقة الغربية آخر ما ضمّتهُ الإمبراطورية مِن أراضٍ، وتتميّز بمناخها الجاف وصحرائها الشاسعة. وبفضل ذَلك، أصبحت المنطقة ذات طابعٍ مختلفٍ عن باقي مناطق الإمبراطورية.
وقد اشتهرت تلكَ المنطقة الغربية بثلاثة أشياء:
أولًا، نبيذُ الإبل، وهو شرابٌ يُخمّر وفقًا للوصفة التقليدية الغربية مِن حليب الإبل، ويجعل سكارى القارة يندفعون نحوه بجنون.
ثانيًا، الدوق الشاب إيمريك، رئيس دوقية غارسيا، وهو ساحرٌ عظيم كاد أنْ يُصبح أصغر سيدٍ للبرج الأحمر.
وأخيرًا، ثالثًا، رسميًا يُقال إنها أسياخُ لحم الضأن المشبّعة بالتوابل الحارّة التي تُخدّر اللسان فورًا، أما غير رسميًا، فهي الأزياء الجريئة المفتوحة التي يرتديها الرجال والنساء أصحاب البشرة البرونزية.
فكما هو الحال في أيِّ مكانٍ يجتمع فيه الناس، لا بد أنْ يُراعوا نظرات صاحب النفوذ. وإذا نظرنا عن كثب إلى حاكم الغرب الصاعد كالنجم، فسنراهُ رجلًا جميل الطلعة على نحوٍ نادرٍ في تلكَ الأنحاء.
شعرهُ الفضي النقي وبشرتُه البيضاء الناصعة، اللذان يصعب العثور عليهما بين رجال الغرب، كانا يضفيان عليهِ هالةً غامضة، أما عيناه الحمراوان كالياقوت، فكانتا جميلتين ومُخيفتين في آنٍ واحد، ليكتمل بهيئته مظهر الحاكم المهيب.
وكانت آراء الناس حول إيمريك تنقسم إلى ثلاثة اتجاهاتٍ رئيسية.
“ليتهُ فقط ينظر نحوي ولو لمرةٍ واحدة!”
“كيف له أنْ يكون كاملًا إلى هَذا الحد؟! يمتلكُ وسامةً وأناقةً تفوق حتى نبلاء العاصمة رغم شجاعتهِ الغربية!”
كان أولئكَ الذين يراقبونه مِن بعيد أو لا يعرفونه جيدًا، يُثنون على وسامته، وابتسامته الرقيقة، وتصرفاته الهادئة. مثل سيدات الحفلات، والنبلاء الشباب، والناس العاديين في الغرب.
أما أولئكَ الذين خالطوه في البرج الأحمر أو يلتقونه بين الحين والآخر بسبب الأعمال، مثل الإداريين والخدم في الدوقية، فكانوا يجدونهُ صعب المراس رغم ابتسامتهِ الدائمة.
وأخيرًا، التابعون الذين خاضوا معه الحرب ضد مملكة كيلت أو أولئكَ الذين عرفوا تفاصيل تحرّكاته، لو سُئلوا: “مَن هو أكثر شخصٍ شيطاني في هَذا العالم؟” مع ضمان إخفاء هويتهم تمامًا، لأجابوا دوّن تردد باسم سيّدهم.
ذَلك لأن إيمريك غارسيا رجلٌ عنيدٌ يكرهُ المربعات ويُفضّل المعينات، أنفُه شامخٌ لا يعرف حدًا، ويملكُ قوى سحرية كافيةً لقلب كل شيءٍ رأسًا على عقب إنْ أغضبهُ شيء.
يا له مِن مزيجٍ مُرعب، أنْ يُوضع أقوى سلاحٍ في يد شخصٍ سيء الطبع!
“أنا متأكدٌ مِن أنْ ملك الجحيم طلب منهُ الانتقال إلى مملكتهِ في كل ليلة.”
“كل مَن يقول إنه يشبه الملاك، يجبُ أنْ يُمسك به ويُرهق بالعمل حتى يموت أمام عينيه، حينها فقط سيتوقف عن ترديد هَذا الكلام.”
“يجب أنْ أهرب مِن هَذا الجحيم… لكن ذَلك الراتب هو سبب بقائي.”
أما جيرارد، المساعد العام للشؤون الخارجية، والذي كان عليه أنْ يُبلّغ إيمريك بخبرٍ مروّع، فقد تمنّى أنْ يغيب عن الوعيّ اليوم ويستفيق في مساء الغد.
“سيدي الدوق، لدي تقريرٌ لأسلمه إليّك.”
كان إيمريك، كما اعتاد، يبدو مرتاحًا خلف كرة الاتصال السحرية.
وكان جيرارد يتوقع تمامًا كيف سيتبَدلُ ذَلك الوجه عندما يسمع ما سيقوله، لذا كان مِن الطبيعي أنْ ينبض قلبُه ضعف المعدّل المعتاد.
“قبل قليل… طُردت زوجة الماركيز مِن قصرهم.”
رمش إيمريك ببطء. وكأنه يُعيد التفكير في ما سمعه للتو.
“حدث ذَلك في ليلةٍ ماطرة، وفي منتصف الليل.”
حتى دييغو، مساعد الشؤون الداخلية، الذي كان بجانب إيمريك، اتسعت عيناه مِن الدهشة. وسرعان ما بدت عليهِ علاماتُ القلق مثل جيرارد، وهو يُراقب سيده بحذر.
وحينما اختفت الابتسامة كليًا مِن وجه إيمريك، وتكلّم بصوتٍ بارد.
“وأين هي الآن؟ هل عادت إلى منزل عائلتها؟”
رغم علمه بأنَّ منزل عائلتها ليس بالمكان الجيّد، لَمْ يشأ إيمريك افتراض أسوأ السيناريوهات، فَلَمْ يجد بُدًا مِن السؤال.
“كما تعلم، قصر الماركيز محاطٌ فقط بمنازل النبلاء الكبار، لذا لا يوجد مكانٌ تلجأ إليه مِن المطر. ويبدو، حسبما قال التابع الذي كان في المكان، أنها اتجهت نحو وسط المدينة بحثًا عن نزلٍ تبيتُ فيه.”
“يبدو؟”
يا ليت هَذا الصوت، المُحمّل بالغضب، كان يسمعه مَن كان في المكان بدلًا مِن جيرارد المسكين.
“الأمر هو أنْ… السيدة قد سقطت مغشيًّا عليها أثناء سيرها.”
“……”
كم يثيرُ الغيظ منظر دييغو وهو يلتقطُ أنفاسه بصوتٍ مسموع، بينما تجمّدت ملامح إيمريك وكأنَّ سحرًا حجريًا أُطلق عليه.
‘أنا اقدم تقريرًا جادًا، ومع ذَلك هَذا المغفل يقفُ هُناك وكأنه يُزيد النار اشتعالًا!’
كيف يُمكنه أنْ يتصرف بتلكَ الطريقة في موقفٍ كهَذا؟!
‘سترَى… حين تُقدِّم تقريرًا عن جنون أولئكَ الحمقى في البرج الأحمر، سأعاملكَ بالمِثل تمامًا.’
رمقَ جيرارد دييغو بنظرةٍ جانبية وهو يُكمِل تقريره.
‘ما إنْ أغمي عليها، حتى حملها، أَعني، رفعها مِن على الأرض وركض بها مُسرعًا إلى النُزل! وأحضر طبيبًا أيضًا!’
لعلّ كلماته الأخيرة التي تفوَّه بها بلهفةٍ خففت مِن حدة التوتّر قليلًا. فقد بدا أنْ تلكَ العينين الحمراوين اللامعتين، والتي أوحت أنْ صاحبها لَن يهدأ حتى يرى دمًا يُراق، قد هدأتا بعض الشيء.
“ماذا عن قصر الماركيز؟”
كان السؤال يُشير بوضوحٍ إلى استغراب إيمريك مِن عدم اصطحابها إلى دار عائلتها بدلًا مِن النُزل.
“لا يوجد بالقرب مِن قصر الماركيز سوى منازل كبار النبلاء، لذا لَمْ يكُن هُناك مكانٌ مناسب للاحتماء مِن المطر. ويبدو، بحسب أقوال الذين كانوا في الموقع، أنها توجّهت نحو المدينة وكأنها كانت تنوي قضاء الليلة في أحد النُزُل.”
“توجَّهت، كما يُقال؟”
كم كان جيرارد يتمنى لو أنهُ سمع صوت عدوٍ في ساحة الحرب ولا نبرة الصوت تلكَ!
“الأمر أنَّ السيدة أغمي عليها وهي في تسير، يا سيدي.”
صمتَ إيمريك كأنّه تحوّل إلى تمثال، وعيناه الحمراوان ثابتتان لا ترمش. وإلى جانبه، شهق دييغو بصوتٍ مسموعٍ، مِما زاد مِن استياء جيرارد.
‘أحقًّا هَذا وقتٌ مناسبٌ للذُّعر؟’
أدرك جيرارد أن مزاج سيده بات يتدهور أكثر فأكثر.
خيم صمتٌ ثقيل، ولَمْ يجرؤ أحدٌ على التنفّس. ثم قال دييغو بنبرةٍ يملؤها الحذر.
“ولِمَ لَمْ تحضروها إلى منزل الدوق؟”
“لو كنا قد اصطحبناها إلى هناك، لانتشرت الشائعات فورًا، ولَن يتمكن أحدٌ مِن كتم الأمر. أعلم أنك لا تبالي بالشائعات، لكن… موقف السيدة مُختلف.”
لو نُقِلت إلى منزل الدوق، لالتصقت بها تهمةُ الخيانة مع إيمريك، فوق ما نالها مِن فضائح.
“أفهم ما تقوله، ولكن أرجو أنْ تُصحّح اللقب عند الحديث عنها.”
لَمْ يكُن دييغو قد فهم المقصود، ولكن جيرارد قد أدركهُ فورًا.
“نعم، حتى تُقدَّم أوراق الطلاق رسميًا إلى المحكمة أو تطلب السيدة ذَلك بنفسها، علينا التعامل معها على أنها آنسة.”
رغم أنْ السحر قادرٌ على إحداث المعجزات، إلا أنَّ الشفاء الداخلي كان لا يزال مجالًا تتفوّق فيهِ المعابد على السحرة. فالسحر يفيدُ في علاج الجروح الظاهرة، ولكنهُ غير فعّالٍ كثيرًا مع الأمراض أو الأضرار الداخلية.
ومِن هُنا، سعى السحرة منذُ زمنٍ إلى تعويض هَذا النقص مِن خلال ابتكار إكسير التعافي، وهو مزيجٌ مِن قلب وحشٍ نادر لا يظهر إلا في الغرب، وأعشابٌ طبيعية، ومانا نقية.
كان تحضيرهُ بالغ الصعوبة، لكنه يُعيد للمريض ما بين 40 إلى 50% مِن حالته الطبيعية، وأحيانًا يُستخدم كما لو أنهُ إكسيرُ الحياة.
‘ويفكّر في إعطائهِ لمريضةٍ مصابة بنزلة برد؟!’
انفتح فم دييغو مِن الصدمة، تمامًا مثل جيرارد.
“سيدي، أنا أتفهّم قلقكَ الكبير، ولكن لحُسن الحظ، حالتها بسيطة، وستتعافى سريعًا إنْ نالت قسطًا مِن الراحة وطعامًا جيدًا. لذا أرجو أنْ تتريّث…”
“لا تُجبرني على تكرار كلامي. أنا بالكاد أكتمُ غضبي حتى لا أُشعل النار في هَذا المكان!”
كان جيرارد يعلم تمامًا أنْ إيمريك، لو لَمْ يكُن يحمل عبء عائلة غارسيا، لفعلها حرفيًا.
‘أجل، مِن الأفضل أنْ نستخدم جرعةً مِن الإكسير بدلًا مِن تحمّل الخسائر الناتجة عن حريق في القصر.’
وبعد أنْ أنهى الاتصال، تواصل جيرارد مع ميلون.
“سموه يطلبُ الإحداثيات فورًا.”
“ماذا؟!”
ومثلما فعل جيرارد سابقًا، شحُب وجه ميلون أيضًا.
***
كانت ليتيسيا تكرهُ المرض.
فمنذُ صغرها، لَمْ يكُن أحدٌ يهتم عندما تُصاب بالزكام أو تعاني مِن ألم في معدتها. بل كانوا يولون اهتمامًا أكثر عندما يُصاب شقيقها رينوك بجرحٍ بسيط مِن ورقة.
ولَمْ يتغير شيء بعد أنْ كبرت. لَمْ يكُن لديها أصدقاء يهتمون بصحتها، ولا حتى زوجها أو والدته، الذين أصبحوا عائلتها الجديدة.
وعندما لا يهتم أحدٌ بك، فإنَّ المرض لا يُؤذي جسدكَ فحسب، بل ينهشُ قلبك أيضًا.
كانت انطوائية، لا تتمتعُ بجاذبيةٍ تُذكر، ولا تملك نصيبًا يُذكر مِن الحظ في الناس.
ولهَذا السبب، قضت معظم حياتها تقاوم بمفردها، وستظل كذَلك. لذا لا ينبغي أنْ تُظهر ضعفها.
لكن… ليتيسيا كانت مريضةً بشدة الآن.
لَمْ تكُن نائمةً تمامًا ولا مستيقظة، بل في حالةٍ غائمة، ترتجفُ مِن الحمى والقشعريرة، وهَذا كل ما استطاعت فعله.
“ليتيسيا.”
صوتٌ نادى اسمها بعطف، ووُضِع قطعة قماشٍ باردة على جبينها.
هل هو وهم؟ لكن، هل يُمكن أنْ يكون الوهم مصحوبًا بإحساسٍ واضحٍ كهَذا؟
لا تدري.
لكن الصوت الغريب، واليد التي وضعت المنشفة، كانا حنونيْن لدرجة أنْ الدموع كادت تنهمرُ مِن عينيها.
“لَمْ أكُن قد فعلتُ كل هَذا… لأراكِ في هَذهِ الحال.”
كان رأسها يغلي فَلَمْ تفهم تمامًا ما يقول، لكنها لَمْ تهتم كثيرًا بذَلك.
ألم يقولوا إنْ الفعل أصدق مِن مئة كلمة؟
بلمسةٍ حنونةٍ واحدة، استطاعت ليتيسيا أنْ تُصدّق صاحب ذَلك الوهم.
“لا تمرضي… أرجوكِ…”
لعلّه كان بسبب التوسّل الذي حفّ بصوته، أو الماء البارد الذي انساب قليلاً إلى فمها… بدأت الحمى تهدأ شيئًا فَشيئًا.
وغاصت ليتيسيا في نومٍ عميق.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"