“يا للأسف، نحنُ نعيش تحت سقفٍ واحد، أليس مِن الأفضل أن نكون على علاقةٍ طيبة؟”
وكانت الابتسامة التي علت شفتي أديلين حين أجابت، هي ذاتها التي رأتها ليتيسيا في وجهها يوم وصولها الأول إلى قصر الدوق.
‘كما توقعت، كانت الغاية هي السخرية.’
كان صوتها وابتسامتها يثيران اشمئزاز ليتيسيا، فأرادت مُغادرة المكان فورًا، لكن كلماتها وصلت إلى آذان الخادمات اللواتي رافقن أديلين بطريقةٍ مُختلفة تمامًا.
“يا لها مِن امرأةٍ طيّبة القلب!”
“لا عجب أنْ يكون الماركيز مولعًا بها لهَذا الحد!”
يا لها مِن تعليقاتٍ مثيرةٍ للسخرية فعلًا.
قد تكون أديلين امرأةً جذّابة، لكنها قطعًا ليست لطيفة أو طيبة، وهَذا ما تقسم عليهِ ليتيسيا بكُل يقين.
فهل كانت لتقترب مِن رجلٍ متزوّج لو كانت تملك قلبًا طيبًا فعلًا؟
“لقد سمعتُ بأنكِ لا تخرجين مِن غرفتكِ هَذهِ الأيام، لذا أردتُ أنْ أُنعش روحكِ بعض الشيء بدعوتكِ لهَذا اللقاء. ما مِن شيء يُضاهي الاستمتاع بمنظر الحديقة وفنجان شاي دافئ.”
وكان الشاي الذي أعدّته أديلين هو شاي يوليان، أصله مِن مملكة كيلت، ويمتاز بعطرٍ حلو يُشبه رائحة الخوخ، ويُفضّله النبيلات وسيدات المجتمع.
وبعد أنْ صبّت الخادمات الشاي، أبعدتهن أديلين قائلة إنها تُفضّل الحديث على انفراد مع ليتيسيا.
“تذوّقيه، فلهُ شعبيّةٌ كبيرة لسببٍ وجيه.”
ومع أنْ ليتيسيا لَمْ تكُن تميل إلى تذوّق شيءٍ تُقدّمه أديلين، إلا أنها شعرت بالحرج مِن تجاهل الكوب تمامًا تحت نظرات أديلين التي كانت تُشعرها بالضيق.
‘إنه لقاءٌ علني، لذا مِن غير المرجّح أنْ تضع فيهِ سمًّا.’
تجرّعت ليتيسيا رشفةً صغيرة مِن الشاي بوجهٍ مُتحفظ، فما كان مِن أديلين إلا أنْ انفجرت ضاحكة.
“هل تظنين أنني وضعتُ فيهِ السم؟ لو كنتُ لأختار طريقةً بهَذهِ السهولة، لما كنتُ أجلس هُنا الآن.”
‘هم؟ ماذا تعني بذَلك؟’
كانت كلمات لا تُفهم.
لكن أديلين تابعت حديثها بهدوء وهي تحتسي الشاي، غير آبهةٍ بتجهّم وجه ليتيسيا.
“سيدتي، لقد كنتُ صادقةً حين قلتُ إنني أردتُ أنْ أقترب منكِ.”
إلا أنْ تصرفاتها لَمْ تُثبت ذَلك أبدًا.
حتى لقب سيدتي هَذا، لَمْ تعُد تستخدمه مع ليتيسيا منذُ أنْ استحوذت على غرفة النوم المُخصصة لابنة الدوق. ومنذئذٍ، أصبحت تُنادي السيدة الكبرى بـ السيدة.
‘هي فقط لا تريدُ الاعتراف بي كـ سيدة هَذا المنزل، حتى لو كلفها ذَلك استخدام ألقابٍ غريبة.’
“لو لَمْ نلتقِ في ظلّ إمبراطوريةٍ شُيّدت فوق دماء عددٍ لا يُحصى مِن الأبرياء…”
رُبما يكون فقدان الوطن مؤلمًا ومُذلًا للغاية، حتى وإنْ لَمْ يكُن المرء مِن الشخصيات البارزة في بلده.
ورغم أنها امرأةٌ حملت بطفلٍ مِن بطلٍ في جيش العدو، إلا أنْ كلماتها كانت تنضحُ بحقدٍ دفين تجاه الإمبراطورية.
“لقد كنتُ دومًا أُعجب بالنساء المنهمكات في ما يُحببن فعله، سواء كان العمل المنزلي، أو معالجة الوثائق، أو العزف والغناء.”
وامتلأت عيناها قليلًا وهي تسترجع تلكَ الذكريات وكأنها تتذكّر أيامًا عزيزة عليها.
“وربما لَن تصدقيني، لكنني لَمْ أكُن أحب النساء اللاتي يتدلّلن على الرجال أو يتصنّعنَ أمامهم. فزوجة أبي كانت مِن ذَلك النوع، ولَمْ أتوقّع أبدًا أنْ أصبح مثلها.”
كان حفل الشاي هَذا غريبًا لأقصى حدّ.
فـ أديلين بدت كفتاةٍ صغيرة تثرثر أمام دميةٍ كبيرة، وتُسرّ بأحاديث لا يُفترض أنْ تقولها لمنافستها.
أما ليتيسيا، فَلَمْ يكُن أمامها سوى الاستماع بصمت.
‘ما الأمر؟ هل أصابها اكتئاب الحمل؟’
على أيِّ حال، بعد أنْ استمعت لما يُقارب الساعة لثرثرة العشيقة التي لا تختلف عن عدوّ، ألا يُعَدّ ذَلك كافيًا كنوعٍ مِن المراعاة لامرأةٍ حامل؟
“لِننهِ الحديث عند هَذا الحد. أظنّني استنشقتُ ما يكفي مِن الهواء النقي.”
“يا إلهي، لَمْ تكوني سوى مستمعةٍ صامتة، والآن تقولين ذَلك؟”
قالت أديلين، التي أخرجت شفتيها بتذمّرٍ، بصوت خلا فجأة مِن أيِّ نبرة ودّ أو مزاح.
ما قالته أديلين لَمْ يكُن خطأ تمامًا. فقد أعلنت السيدة الكبرى بنفسها ذَلك.
[أنتِ الآن بمثابة فردٍ مِن عائلتنا.]
قالت السيدة الكبرى ذَلك بعد انتشار خبر حمل أديلين، وبدأ الخدم مِن حينها بمناداتها بـ آنسة بدلًا من الضيفة. لكن بالطبع، لَمْ تكُن ليتيسيا تنوي الانضمام إلى هَذا الركب.
“عندما تتمعّنين في محيطكِ، يمكنكِ أنْ تري إشارات قدوم المطر. كأنَّ تكون الرائحة أقوى مِن المعتاد، أو أنْ تحلّق الطيور والحشرات.”
وكان ذَلك نهاية الحديث الغريب مع أديلين.
عادت ليتيسيا مُباشرةً إلى غرفة نومها، وبدا أنها أُنهكت مِن سماع كلام أديلين غير المفهوم، فغلبها النعاس.
‘هاه؟ لقد هطل المطر فعلاً، كما قالت آنسة شالامي.’
حين استيقظت، رأت قطرات المطر تترقرق على زجاج النافذة، بعد أنْ بدأ المطر يتساقط بهدوء.
تناولت ليتيسيا العشاء باختصار ببعض الحساء والقليل مِن الخبز، ثم جلست تقرأ كتابًا. وبما أنَّ معظم صلاحياتها الإدارية قد سُلبت، لَمْ تعُد الأوراق تُرفع إليّها كما في السابق، فأصبح لديها وقت فراغٍ يسمح لها بذَلك.
شششش…
مع مرور الوقت، اشتدّ هطول المطر، وأصبح أشبه بضوضاءٍ بيضاء منتظمة.
‘الساعة تقترب مِن العاشرة. حان وقت النوم.’
عندما أغلقت ليتيسيا الكتاب السميك…
دق! دق!
دوّى صوتُ طرقٍ عنيف على الباب، كأنهُ سيُكسَر.
وفي تلكَ اللحظة، شعرت ليتيسيا بقشعريرةٍ باردة وإحساسٍ مشؤوم يصعد على طول عمودها الفقري.
“يجبُ أنْ ترافقينا إلى السيدة الكبرى والماركيز حالًا.”
“لا حاجة لأن تمسكنَ بي. لَن أهرب في منتصف الطريق.”
قالت ليتيسيا وهي تزيح يد الخادمة التي حاولت الإمساك بذراعها.
ثم اقتيدت وسط خادمات يُشرفن على تحركاتها إلى غرفة أديلين، أيِّ الغرفة التي كانت غرفتها ذات يوم قبل أنْ تُطرَد منها في مشهدٍ مُهين.
“يا لجرأتكِ، كيف لَمْ تهربي!”
صرخت السيدة الكبرى بصوتٍ مدوٍّ ما إنْ فُتح باب الغرفة.
وبعدها، انغرست نظرات إليوت الحادة والباردة أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى في وجه ليتيسيا.
ظنّت أنها اعتادت برودة إليوت، لكنها شعرت أنْ قلبها ما زال يتألم، وهَذا ما أحزنها.
“هاههغ… ههك…”
أديلين، صاحبة الغرفة، كانت تبكي تحت الغطاء، وكانت هُناك أيضًا الخادمات يُحدّقن في ليتيسيا بنظراتٍ حادّة، بالإضافة إلى الطبيب الشخصي واقفًا بوجهٍ جامد.
وكأنهُ حدثٌ جلل.
‘لا يمكن…’
ذهن ليتيسيا، الذي لطالما كان حادًّا، توصّل إلى استنتاجٍ واحد، لكنها لَمْ تكُن تعرف السبب الحقيقي لاستدعائها، ففتحت فمها بحذر.
“ما الأمر؟ لماذا طُلِب حضوري؟”
“أيتها الوقحة! أتتصرّفين وكأنكِ لا تعرفين شيئًا بعد أنْ قتلتِ وريث الماركيز العزيز؟!”
صفعة!
عندها فقط، بدأت ليتيسيا تستوعب الموقف.
لقد أجهضت أديلين، ويبدو أنها قد وُجّهت إليّها أصابع الاتهام باعتبارها السبب.
‘كيف وصلنا إلى هَذا الحال؟’
ليتيسيا، رغم أنها بشر، قد كرهت أديلين كثيرًا بسبب سرقتها لحُب إليوت، حتى إنها تمنّت في وقتٍ ما زوالها مِن هَذا العالم.
لكن منذ أنْ علمت بوجود طفل في رحمها، شعرت أنْ الطفل لا ذنب له، ولَمْ تستطع حتى كراهية أديلين أو لومها بشكلٍ صريح.
“ههك… ههك… طفلي المسكين… ما العمل؟ ماذا عساي أنْ أفعل…؟”
“أنا آسف، أديلين. كل هَذا بسببي. كان يجبُ عليّ طرد تلكَ الزوجة الشريرة منذُ وقتٍ طويل…”
بينما كانت ليتيسيا تنظر بصمت إلى دراما أديلين وإليوت، ويداها تتحسّان خدها المتوهّج مِن الصفعة، نطقت أخيرًا.
“لَمْ أفعل شيئًا.”
“ماذا؟! أنتِ!”
“أنا التي تم تقييد يدي وقدمي داخل هَذا القصر، لا أستطيع فعل أيِّ شيء. فكيف لي، امرأةٌ لا تملك حيلة، أنْ تؤذي امرأةً محاطة بعددٍ مِن الخدم وتبقى دائمًا بجانب الماركيز؟”
ولو كانت تملك تلكَ القدرة، هل كانت لتظلّ تُهان بهَذهِ الطريقة حتى الآن؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"