على مدى ثلاثة أيام، كان إيركين يأتي للعب في الجناح المنفصل.
أصبح المكان، الذي كان هادئًا، صاخبًا بفضل الأخوين، خصوصًا بسبب صوت ماريليو الصاخب.
لم تكره لوسي وجودهما، فقد كانت الغابة دائمًا هادئة، حتى زقزقة الطيور كانت خافتة وسط الأشجار الكثيفة.
كان من الممتع التحدث مع الآخرين.
كل ما تعرفه لوسي جاء من ذكريات والدتها.
كانت والدتها قد علمتها القراءة، لكنها تعلمت العلاقات الإنسانية وقوانين العالم فقط من ذكريات والدتها.
لذلك، لم تكن معتادة على التقاء عينيها مع الآخرين أو الاستماع إليهم.
لقد مر أكثر من عام منذ أن التقت بالصبي في الغابة، لذا كان هذا الوضع جديدًا عليها.
رغم أنهم لم يكونوا موجودين في ذكريات والدتها، إلا أنهم كانوا يشبهونها، مما جعلها تشعر بالراحة.
عندما أشعل إيركين شعلة صغيرة في يده، صفقت بإعجاب، وعندما أطلق ماريليو هالة زرقاء من سيفه، هتفت بسعادة.
كانت تستمتع باللعب مع أصدقائها في الغابة، لكن إيركين وماريليو علّماها أشياءً مذهلة جعلتها تفتح عينيها دهشة.
كانا يدرسان في الأكاديمية، حيث يتعلمان الكثير ويكونان العديد من الأصدقاء.
أما لوسي، فلم تستطع حتى تخيل ذلك المكان، فكل ما استطاعت فعله هو التحديق بذهول والشعور بالغيرة.
لم يسبق لها أن تعلمت شيئًا من أي شخص آخر، ولم تستطع تصور وجود مكان يجتمع فيه مئات الأشخاص معًا.
هل يجب أن تطلب من والدتها إرسالها إلى الأكاديمية عندما تتحسن؟
لكن سرعان ما هزّت رأسها ببطء وهي تتخيل نفسها تطلب ذلك من والدتها.
تذكرت السبب الذي جعل والدتها تأخذها إلى الجبال.
الرغبة والطموح كانا سبب ألم والدتها.
كانت والدتها تتوق إلى العائلة، إلى الحب، وحتى إلى اهتمام الأرشيدوق آردين.
لكنها لم تحصل على أي شيء، لذلك رحلت.
قالت إن طموحها جلب لها الكثير من الألم، لدرجة أن الدموع كانت تنهمر دون سبب.
لذلك، إن علمت برغبة لوسي، فستتألم مجددًا.
قررت أن تكتفي بسماع قصص إيركين وماريليو عن الأكاديمية.
طالما يمكنها قراءة الكتب أثناء وجودها في القصر، فهذا يكفي.
لكن حتى بعدما اتخذت قرارها، وجدت نفسها تتخيل الأكاديمية دون أن تدرك أن قطعة من الكعكة قد سقطت على تنورتها.
“يا إلهي، آنستي! عليكِ تغيير ملابسك!”
“همم؟”
حينها فقط لاحظت لوسي أن الكعكة والحليب قد وقعا على ثوبها.
“آه… ماذا أفعل؟”
“فقط غيري ملابسك، لا بأس.”
طمأنتها ميلودي بلطف، ثم غادرت غرفة الاستقبال معها.
“سأخبر الخدم بإعداد الغداء في الجناح المنفصل.”
قال إيميت ذلك وهو ينحني مغادرًا، بعد أن راقب محادثة الأطفال بسعادة.
في غرفة الاستقبال الصغيرة، لم يبقَ سوى إيركين وماريليو.
“أليس شعرها الأسود جميلًا؟”
سأل ماريليو بينما ينظر إلى إيركين وكأنه يتوق لموافقته.
طوال الوقت الذي كان يتحدث فيه مع لوسي، لم يستطع إبعاد عينيه عن شعرها وعينيها.
رغم أنه رآها لثلاثة أيام متتالية، لم يشعر بالملل أبدًا.
كانت هناك لحظات بدت فيها تعابير وجهها مشابهةً نوعًا ما للأرشيدوق.
وشعر ماريليو بالغيرة من ذلك.
عبث ماريليو بغرة شعره الطويلة.
لم يكن يحب شعره الوردي، وكان يعبث به كثيرًا.
في الأكاديمية، كان بعض الأولاد الأشرار يسخرون أحيانًا من لون شعره، قائلين إنه غير رجولي أو لون غريب لم يروه من قبل.
كان لون شعره بارزًا بين الجميع، حيث كانت الألوان الشائعة هي البني والأشقر.
لم يكن أحد يتجرأ على مضايقته علنًا بسبب مكانته، لكنه ظل دائمًا يشعر بالانزعاج من ذلك.
لاحظ إيركين مشاعر ماريليو، فربّت على رأسه بلطف.
كان يفهمه جيدًا.
“أنا أيضًا أغار.”
تمتم إيركين بصوت منخفض.
لقد كان يغار من شعر لوسي الأسود، ومن عينيها البنفسجيتين المتألقتين.
ذلك اللون الذي جعل الجميع يعتقدون أنها من آل كريسميل، كان يملؤه بالغيرة.
كان يأمل أنه مع الوقت، ستختفي غيرته هذه، لكن فكرة “ماذا لو…” لم تفارقه بعد.
تُرى، ماذا سيشعر الأرشيدوق عندما ينظر إلى تلك الفتاة؟ هل سيجدها محبوبة؟
تساءل إن كان مظهرها هو السبب في حصولها على الاهتمام الذي لم يكن لديه أبدًا.
وفي أعماقه، كان يأمل أن يبقى الأرشيدوق كما هو، دون أن يتغير.
على عكس ماريليو، الذي كان يغار ببراءة، أدرك إيركين أن مشاعره كانت أعمق بكثير.
لقد كانت مشاعر قبيحة لا يمكنه امتلاكها، لذا كبحها بصمت.
***
“هل عادت حقًا؟ أين هي؟”
“اهدأ قليلًا، وادخل أولًا.”
نظر إيميت إلى يونيس، الذي طرح سؤاله دون حتى تحية، وهزّ رأسه بأسف.
كان يونيس في حالة يرثى لها، وكأنه لم يرتح أبدًا أثناء طريق عودته.
كان إيميت لم يرَ يونيس منذ وقت طويل.
“هل عادت فعلًا؟”
رغم سماعه أمر الاستدعاء، لم يستطع يونيس تصديق ذلك بعد.
ثم فجأة، تساءل إن كان يستحق حتى مواجهتها، فانحنى وأخفى وجهه بين يديه.
لقد مرّ تسع سنوات منذ أن تخلى عن دوره كنائب قائد الفرسان.
يونيس، الذي أصبح نائب القائد بفضل مهاراته فقط، كانت أول مهمة له هي مهمة شخصية.
حماية السيدة إيسيل.
كان لا يزال صغيرًا ومغرورًا، وكان يأمل أن يُكلّف بمهمة تعزز من مكانة فرسان كريسميل.
لكن بدلًا من ذلك، طُلب منه حماية خطيبة سيده.
لقد كان مستاءً من ذلك، لكنه تحمّله لأن السيدة إيسيل لم تكن متعجرفة مثل غيرها من سيدات النبلاء.
لم تعاتبه أبدًا، رغم أن تعابير وجهه كانت تكشف كل شيء.
ابتسامتها الدافئة، ولطفها، وحذرها حتى لا تثقل عليه—كلها كانت أشياء لم يدرك قيمتها حينها.
اعتقد أنها مجرد أشياء طبيعية.
وبسبب وجوده إلى جانبها، لم يشارك في حملات القمع مع سيده.
لكن عندما غاب الأرشيدوق، كشفت السيدة أودري عن وجهها الحقيقي.
بأمر منها، بدأ الخدم في إهمال إيسيل.
بدأ الأمر بعدم تقديم الطعام لها، ثم تصاعد إلى اتهامها بسرقة مجوهراتها.
رغم معرفته بما يجري، لم تستعن به إيسيل أبدًا. ولم يكن بيده شيء سوى البقاء بجانبها بصمت.
ذات يوم، قالت ببساطة: “سأذهب إلى المدينة.”
كان يومًا عاديًا.
لم يشك يونيس عندما رآها تأخذ حقيبة كبيرة وتستقل العربة.
كان يعلم أن إيسيل كانت تبيع أحيانًا فساتينها ومجوهراتها لإرسال المال إلى عائلة سيلفا.
لم يكن قادرًا على الاعتراض، فاعتقد أنها ربما فقط كانت تبيع كمية أكبر من المعتاد.
تمنى لو أنها تتلقى المساعدة من سيده عندما يعود، لكي لا تضطر إلى المعاناة أكثر.
كانت دائمًا تبدو وكأنها تشعر بالذنب كلما خرجت إلى المدينة.
لم يكن يفهم لماذا كانت تشعر بالذنب رغم أنها لم تفعل شيئًا.
“لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
كان صوتها كما هو المعتاد.
حتى مع وجهها المتعب والمظلم، كان هذا التعبير وجهًا مألوفًا له.
وكان هناك فقط شيء صغير مختلف، وهو أنها ترددت قليلًا عندما دخلت المتجر.
لكنه لم يعتقد أنه شيء مهم. بل لم يكن يتخيل أنه سيكون هناك سبب يجعلها تتأخر لأكثر من ساعتين في عمل عادة ما يستغرق ساعة فقط.
عندما أدرك ان هناك خطبًا ما في الأمر، وعندما دخل المتجر، لم يكن هناك أي أثر لها.
أخبره صاحب المتجر عن خروجها من الباب الخلفي، لكنه لم يجدها هناك أيضًا.
في البداية، شعر وكأنما تلقى ضربة على مؤخرة رأسه ولم يستطع التفكير في شيء.
في تلك اللحظة، لم يكن قادرًا على الاعتراف بأنها قد غادرت.
لقد عاشت عامًا كاملًا تواجه إهمال سيده ومعاناة نصف عام مع السيدة أودري أخرى.
لقد كانت خطيبة الأرشيدوق.
عندما يعود سيده، كان من المتوقع أن يتم عقد زفافهما لتصبح هي الأرشيدوقة.
لم يستطع يونيس أن يفهم فجأة ما الذي جعلها تترك كل ذلك.
بغباء، تخيل أنها ربما ركبت عربة أجرة وعادت إلى القصر في طريق مختلف، فترك البحث عنها.
وعندما حل المساء وظهر القمر، أدرك أخيرًا.
لقد تركت إيسيل القصر.
بسبب تكاسله، لم يلاحظ ذلك في الوقت المناسب.
لأنه لم يكن يتوقع أنها ستتخلى عن مكانتها كخطيبة سيده.
كان يعتقد أنها صمدت رغم كل ماشقته فقط لأنها كانت ترغب في قوة عائلة الأرشيدوق.
لقد تركها ترحل.
لو كان أكثر يقظة، لربما أدرك نيتها.
لكنه لم يفعل.
كل تلك الأفكار لم تكن سوى تخمينات يونيس، وليست حقيقة تخص السيدة.
كانت توبيخات سيده قصيرة، لكنه تحمل المسؤولية.
تنحى عن منصب نائب قائد الفرسان وبدأ في البحث عن السيدة إيسيل.
مر الوقت، وتلقى الجميع أوامر بالعودة، لكن يونيس لم يتهرب من مسؤوليته.
ظل يجوب الشوارع، يمحو من خريطة الإمبراطورية كل مكان لم تكن فيه السيدة.
واستمر ذلك لتسع سنوات.
عندها فقط، صدر له أخيرًا أوامر بالعودة من سيده، الذي لم يطلب منه ذلك حتى ولو من باب المجاملة.
عاد مسرعًا إلى القصر، تاركًا خلفه الإحباط الذي أثقل كاهله لفشله في العثور عليها بنفسه.
“لماذا لا تستحم أولًا وتأكل شيئًا قبل مقابلتهم؟”
“آه…”
أدرك يونيس أخيرًا حالته التي لا تختلف عن حال المتشردين.
ومن تصرف إيميت الهادئ، بدا أن السيدة قد عادت بالفعل.
“يونيس؟”
بينما كان يتجه مع إيميت إلى غرفة الضيوف، أوقفه صوت رقيق.
التفت للخلف، ليرى طفلةً تشبه تمامًا سيده.
“من…”
ارتعش صوته وهو يطرح سؤاله.
لم يكن بحاجة إلى سماع مقدمة الطفلة، فقد عرف على الفور من تكون.
“آه… آه…”
انهار يونيس ببطء.
وأخيرًا، فهمت.
فهمت لماذا كانت السيدة تعاني طوال الشهر الذي سبق رحيلها.
لماذا لم تكن تأكل جيدًا.
لماذا بدت دائمًا متعبة.
كان يعتقد أنها أُنهِكت فحسب من كل تلك المعاناة… ولم يدرك أنها كانت حاملًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات