لم تكن أمي تشبه عائلتها، لذا كانت منبوذة وتعرضت للعنصرية.
أحيانًا، كانوا يحبسونها في المخزن لعدة أيام دون طعام.
اعتقدت أن السبب الوحيد لذلك هو اختلاف ملامحها عن بقية أفراد العائلة.
عندما رأت لوسي ذكريات أمها عن طفولتها، بكت كثيرًا.
كانت تبكي بصمت بجوار والدتها النائمة، وأحيانًا كانت تهرع إلى الغابة لتصرخ وتبكي بحرقة.
لهذا السبب، لم تعد تستخدم قدرتها لرؤية طفولة أمها مرة أخرى.
كانت لوسي لا تملك أحدًا من العائلة سوى والدتها.
لم تكن تشبهها أيضًا، لكن على عكس عائلة أمها، كانت والدتها تحبها دائمًا وتهتم بها.
لا تزال ذكرياتها المفضلة هي تلك التي كانت فيها أمها تحتضنها بحنان بعد ولادتها، وتخبرها بأنها تحبها.
لكن من خلال ذكريات أمها، أدركت أن الاختلاف عن العائلة قد يكون سببًا للإضطهاد.
ولهذا، كانت قلقة بشأنهم.
“لماذا قد يتم مضايقتنا؟”
“لأنكم لا تشبهون صاحب السمو الأرشيدوق.”
تمتمت لوسي بإجابة خافتة على سؤال إيركين المتعجب، واضعة يدها على فمها كما لو كانت تهمس بسر لا يجب أن يُكشف.
“……هاهاهاها!”
“هاهاها!”
انفجر إيركين ضاحكًا، ولحقه ماريليو بضحكة عفوية.
هل كانت لوسي تسأل بدافع القلق؟ حتى لو شكوا في ذلك، لم يكن بإمكانهم إلا أن يضحكوا، لأن فكرتها لم تكن خاطئة تمامًا.
“يعلم الجميع أننا متبنون، لذا من الطبيعي أن نبدو مختلفين.”
“أوه، إذًا لن تتم مضايقتكم.”
أطلقت لوسي تنهدًا صغيرًا وكأنها اكتشفت شيئًا جديدًا، ثم صفقت براحة.
أطلقت تنهيدةً طويلة بشكل غير معتاد بالنسبة لطفلة صغيرة، مما جعل إيركين يبتسم وهو يسألها.
“أين كنتِ تعيشين طوال هذا الوقت؟”
“صحيح، أجل! أين كنتِ تعيشين قبل أن تأتي إلى هنا؟”
كان ماريليو يردد سؤال إيركين.
رغم أن المعنى كان مختلفًا قليلًا، ابتسمت لوسي قبل أن تجيب.
لم تتحدث مع شخص ليس بالغًا منذ فترة طويلة.
لا يمكن اعتبار إيركين طفلًا، لكنه يحمل عيونًا تشبه عيون والدتها، وكانت تحب التحديق بها.
<لماذا تعيشين هنا؟>
تذكرت لوسي الصبي الذي طرح عليها سؤالًا مشابهًا.
كان صبيًا غامضًا، بشعر رمادي لامع وعينين حمراوين كالشمس عند شروقها.
كان الشخص الوحيد الذي التقت به في جبل فلابيس.
بعد بعض الأسئلة المتكررة، أدركت أنه كان قلقًا بشأنها.
ترى، هل كان إيركين وماريليو يشعران بنفس الشيء؟
لإبعاد مخاوفهم، فكرت لوسي جيدًا في كل إجابة ستقولها.
ربما لأن صورة ذلك الصبي، الذي ظل يلحّ عليها للنزول معه من الجبل، لكنه في النهاية استدار بنظرات مؤسفة، لا تزال عالقة في ذهنها.
تُرى، هل هو بخير الآن؟ هل يعيش دون أن يتعرض للأذى؟
منذ أن غادرت جبل فلابيس، كانت تتذكره بين الحين والآخر.
حتى الآن، ورغم أنها لم تكن تعرف عنه سوى اسمه، خطرت لها صورته، مما جعلها تفقد التركيز في حديثها مع إيركين وماريليو، فتطلب منهم أحيانًا إعادة السؤال.
بينما كانت الأطفال يتحدثون بسعادة، نظرت إميليا إليهم بنظرة دافئة قبل أن تتوجه إلى الطابق الثالث.
عندما صعدت الدرج، وصلت إلى غرفة السيدة الكبرى، أودري.
طرقت الباب ودخلت، لتجد أودري تضغط على جبينها، ثم رفعت رأسها ببطء.
بدت مرهقة لدرجة أن حتى الكلام كان شاقًا عليها، فاكتفت بالتلويح بيدها إشارة لإميليا حتى تسرد تقريرها فورًا.
طوال ذلك الوقت، كانت الطفلة هادئةً وكأنها غير موجودة.
لم يكن هناك أي حوادث تذكر، باستثناء مغادرتها للجناح المنفصل لفترة قصيرة.
بما أن السيدة الكبرى بقيت في غرفتها طوال اليوم، لولا تقرير إميليا، لما كانت تعلم حتى بوجود الطفلة وأمها في المنزل.
لكن المشكلة الحقيقية أن لا شيء قد تم حله بعد، لذا كانت مقابلة الآنسة إثيليد عبئًا كبيرًا.
من الواضح أنها تعرف من عاد، لكنها لم تظهر أي رد فعل.
لم تسأل شيئًا.
هل كانت تتظاهر بالهدوء؟ أم أنها تخطط لشيء آخر؟
خشيت أن تكون تدبر أمرًا ما وهي تتظاهر بعدم المبالاة، وهذا ما جعل السيدة الكبرى متوترة للغاية في الأيام الأخيرة.
كانت تعرف جيدًا أن إثيليد امرأة ذكية تعرف كيف تحصل على ماترغب به دائمًا.
صمتها لم يكن مريحًا، بل كان أشد إزعاجًا.
في الواقع، هذا النوع من الشخصيات هو ما جعلها تدخل هذا القصر في المقام الأول.
فهي لا تدع شيئًا ترغب به ومن المستحيل أن تخسر أبدًا.
وإن أرادت قول شيء، فلن تكتمه.
كانت تعرف كيف تحافظ على مكانتها كابنة لعائلة الماركيز.
كل هذه الصفات كانت مثالية لتكون بمنصب الدوقة المستقبلية، لكنها الآن أصبحت مصدر صداع مزمن للسيدة الكبرى.
ربما أحضرتها إلى المنزل في وقت مبكر جدًا.
الندم يأتي دائمًا متأخرًا.
قرارها بمنع الأرشيدوق من التراجع عن الأمر أصبح الآن خطأً فادحًا.
ضغطت السيدة الكبرى على صدغها بينما كانت تستمع إلى تقرير إميليا.
“السيد الشاب إيركين أحضر الآنسة لوسي إلى القصر الرئيسي.”
“ماذا؟!”
منذ كلمتها الأولى، انفجرت السيدة الكبرى برد فعل عنيف.
“كيف تجرأ هذا الوضيع على الاقتراب منها أولًا؟!”
رغم أنها سألت ذلك، لم تجبها إميليا، بل أطبقت شفتيها بصمت.
“ذلك الوغد! هل يحاول خداع الطفلة؟! وأنتِ، هل وقفتِ متفرجة؟!”
“إنها المرة الأولى التي تبدو فيها الآنسة لوسي مرتاحة منذ وصولها، لذا لم أتمكن من التدخل.”
“يا له من ثعبان! يتجول مبتسمًا طوال الوقت، ويبدو أنه قد نجح في التلاعب بها أخيرًا!”
رفعت السيدة الكبرى جسدها قليلًا، ثم شربت الماء بنهم.
لم تكن تحب والدتها بسبب أصولها المتواضعة، لكن لوسي، رغم كل شيء، تحمل في عروقها دماء الدوقية.
لا يمكن مقارنتها بأولئك الأطفال المتبنين الذين جُمعوا من الشوارع.
بالتأكيد، هو يحاول التلاعب بالأمور ليحتفظ بمكانته كوريث للعائلة.
الطفلة التي دخلت القصر حديثًا لا تعرف شيئًا عن أوضاع العائلة.
لو كان بيدها، لذهبت فورًا واستعادتها، لكن مجرد التفكير في ذلك جعلها تتردد.
لم تكن بداية لقائهما جيدة، وكانت تعلم أن الطفلة تعرف تمامًا ما فعلته بوالدتها.
تململت في مكانها، لكنها لم تستطع النهوض بسهولة.
“السيد الشاب ماريليو كان برفقتها، وقضوا وقتًا ممتعًا معًا.”
“ماذا؟! وماذا يفعل إيميت بالضبط؟ هل ترك الأمور تسير بهذه الطريقة؟!”
نهضت السيدة الكبرى، أودري، فجأة وهي تمسك مقدمة رأسها بأنامل مرتجفة، ثم جلست مجددًا وهي تتأوه من الألم.
إنها الجدة، أكبر شخص في هذه العائلة، ومع ذلك لم تتمكن حتى الآن من التحدث مع الطفلة بشكل لائق، بل لم تحظَ حتى بتحية مناسبة منها.
لو أنها التزمت بالإجراءات المناسبة منذ البداية.
لو أنها انتظرت حتى يُحضر إيميت الطفلة لتقديمها رسميًا.
عندها، لما احتاجت الآن إلى التردد بشأن ما إذا كان عليها الذهاب للقائها أم لا.
“آه، رأسي يؤلمني…”
تنهدت أودري بعمق وهي تفكر في لوسي.
لقد ذكّرتها تلك الفتاة، ليس بصور الطفولة الخاصة بالأرشيدوق آردين، بل بشخص آخر… بالأرشيدوق الراحل الذي غادر هذا العالم منذ زمن بعيد.
ذلك الرجل كان صديقها منذ أن كانت في السابعة من عمرها، ثم أصبح حبيبها، وأخيرًا زوجها.
في بعض الأحيان، لا تتذكر سوى ابتسامته، بينما تضيع باقي الذكريات في الضباب، مما يسبب لها إحساسًا خانقًا بالعجز.
ربما، إذا التقت بلوسي وتحدثت معها، قد تعود إليها ذكريات زوجها بوضوح أكثر…
كان لديها أمل غامض في ذلك.
إيفان كريسميل.
الرجل الذي كان حبها الأول والأخير.
أحبّته بشدة، ولم تهتم إن لم يبادلها المشاعر، فقد كانت سعادتها تكمن في الأوقات التي قضتها معه.
كانت تواسي نفسها بأنه شخص بارد بطبعه، إلى أن جاء ذات يوم حاملًا معه آردين، ليمزّق قلبها أشلاءً.
ومع ذلك، عندما عاد إليها جسدًا مهشمًا بعد أن قُتل على يد الوحوش، لم تستطع سوى البكاء عليه بحرقة.
كان إيفان بالنسبة لأودري الحياة نفسها.
والآن، في وقت باتت فيه ذكرياته تتلاشى شيئًا فشيئًا، وصارت الأشياء التي يمكن أن تستعيدها عنه أقل، ظهرت لوسي أمامها… لقد جعلها ذلك تشعر وكأن أنفاسها انقطعت، لكنه في الوقت ذاته منحها بصيص أمل.
رفعت أودري يدها لتغطي بها عينيها.
مرّت أمام ناظريها الأيام التي قضتها مع إيفان في طفولتها.
لو أنها كانت قادرة على إنجاب الأطفال، هل كانت سترزق بابنة تشبه لوسي؟
حتى بعد مرور عقود، لم تتلاشى هذه الأمنية.
بل إن رؤيتها للوسي جعلت هذه الرغبة أكثر شدة.
بعد لقائهما الأول، لم ترَ أودري الفتاة إلا من بعيد أثناء تجوالها في الحديقة.
كانت خطواتها أسرع مما توقعت، ودائمًا ما كانت تمرّ كنسمة عابرة لا يمكن الإمساك بها.
‘ماذا لو دعوتها لتناول العشاء؟ هل سترفض ببرود؟’
لا بد أن ما سمعته عني من والدتها لم يكن جيدًا، وانطباعها الأول عني لم يكن أفضل حالًا.
هل سينتهي بها الأمر كما حدث مع آردين؟ شعرت أودري بالتوتر، إذ لم ترغب سوى بأن تظل في ذاكرة حفيدتها كجدة جيدة.
“آه، لم أكن أعلم شيئًا حتى الآن.”
تمتمت أودري بحسرة وهي تزفر.
لم تكن تعرف حتى أن لديها حفيدة، لكن مع ذلك، لم تستطع طرد صورة لوسي من ذهنها.
تقنيًا، لم يكن بينهما أي رابط دموي، لكن ذلك لم يكن مهمًا الآن.
‘ماذا لو ذهبت إليها متظاهرة بأنها زيارة عابرة؟’
لم تستطع كبح رغبتها المتزايدة، فتحدثت أخيرًا.
“أين هي الآن؟ في أي غرفة؟”
سألت أودري وهي تأخذ رشفة من الماء، وكأن الأمر لا يهم كثيرًا.
رمقتها إميليا بحذر…
هل تنوي الذهاب إليها فعلًا؟ لم يكن هذا ضمن خطتها، فقد كانت تتوقع فقط أن تزداد توترًا ثم تتراجع، مما جعل الموقف محرجًا بالنسبة لها.
“إنها… في الغرفة الوردية.”
لم تجد إميليا خيارًا سوى الإجابة، بينما كانت تراقب ملامح السيدة الكبرى عن كثب.
كانت أودري تلهو بكأس الماء، متجنبة النظر مباشرة، كما لو كانت تحاول جمع شجاعتها.
“حسنًا، فهمت. يمكنكِ الانصراف الآن.”
رغم أن الحديث لم يكن قد انتهى بعد، إلا أن إميليا تلقت أمرًا مبكرًا بالمغادرة.
بعد أن أمعنت النظر في تصرفات أودري، خرجت من الغرفة.
“هممم.”
نهضت أودري ببطء من مقعدها.
كانت الغرفة الوردية تقع في الطابق الثاني، بين غرفتي حفيديها بالتبني.
لم تزر ذلك المكان قط منذ أن دخل إيركين هذا المنزل، فقد كان في السابق مخصصًا لاستقبال الضيوف من قبل إيسيل.
تقدّمت نحو المرآة، ورتّبت شعرها وملابسها بعناية، محاوِلة تهدئة نفسها.
المبادرة أولًا لم يكن أبدًا من طبيعتي…
كنت دائمًا أنتظر أن يأتي الآخرون إليّ.
لكن هذه طفلة… والكبار هم من يجب أن يُظهروا كرمهم أولًا.
لم تفعل ذلك قط مع آردين.
فهل الأمر مختلف هذه المرة لأنها حفيدتها؟ أم لأنها فتاة؟
لم يكن الأمر صعبًا كما تخيّلت.
لم تكن تشعر بالضيق كما كانت مع آردين، ولم يُجرح كبرياؤها أبدًا.
حتى إيسيل، التي لطالما بدت مفتقرة للكثير، لم تعد تزعجها.
اليوم، يجب أن أحييها على الأقل.
بعد أن عقدت العزم، غادرت أودري الغرفة.
“أوه، سيدتي! كنت على وشك زيارتك. هل تحسّن صداع رأسكِ؟”
عند الباب، قابلت فيريا إثيليد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات