أتمنّى لو أنّك أحببتني - 14
الفصل الرابع عشر 🩷
تذكّرتُ وجه إيما وهي تبتسم ببراءةٍ في لقائنا الأول. لم تكن ابتسامة مجاملةٍ مزيفة، بل فرحةٌ صادقةٌ انبعثت من قلبها.
“خطيبكِ جميلٌ جدًا، أظن أنكِ تستمدين منه الكثير من الإلهام أيضًا. في عينيّ، يبدو فالنتين أجمل مني.”
“همم… بالطبع، هو جميلٌ بلا شك، لكن…”
اقتربتُ من إيما التي بدت مترددةً، وسألتُها بهدوءٍ متسلل.
“يبدو أنكِ تشعرين بعدم ارتياحٍ تجاه فالنتين، أليس كذلك؟”
“ليس عدم ارتياحٍ بالضرورة. الزّواج السّياسي هكذا دائمًا، أليس كذلك؟ لو كان الخطيب محددًا منذ الطفولة لكان الأمر مختلفًا، لكننا لم نُخطب إلا قبل أسبوعٍ فقط. لمَ تسألين، يا سمو الأميرة؟ هل بدأتِ تشعرين بالفضول حول الزّواج؟”
واصلت إيما، التي كانت تربط شعري بيديها، حديثها بنبرةٍ مرحةٍ مفعمة بالحماس.
“كنتُ مثلكِ تمامًا عندما كنتُ في سنّكِ. الرجل الذي سأقضي معه حياتي، الذي سأبني معه أسرةً. تُرى، أيّ رجلٍ سأتزوجه؟ أيّ رجلٍ سيجعلني سعيدةً إذا تزوجته؟”
اتجاه الحديث هذا… ليس سيئًا، بل ممتازٌ حتى. فتحتُ عينيّ على وسعهما، متظاهرةً بتعبيرٍ مليءٍ بالفضول، وأومأتُ برأسي بحماس.
“بالضبط، يا إيما. في الواقع، أنا مهتمةٌ بهذا الموضوع كثيرًا هذه الأيام.”
“أليس كذلك؟ الثالثة عشرة هي السنّ المثالية لذلك. اسأليني أيَّ شيءٍ تريدين!”
ما الذي يجعلكِ تعتقدين أن لديّ سببًا لأهتم بفالنتين بهذا الشكل؟
“أيّ نوعٍ من الرجال تعتقدين أنه يجب أن أتزوجه لأكون سعيدة؟”
“بشكلٍ عام، قد يقولون إنه رجلٌ من عائلةٍ مرموقةٍ يملك ثروةً طائلة… لكن بالنسبة لي، أرى أن الاهتمام المتبادل هو الأهم. إذا كان كلانا يهتم بالآخر، فلن تكون هناك مشاجراتٌ أو جروحٌ عاطفيّة، وبالتالي ستكون السعادة أقرب وأيسر، أليس كذلك؟”
إذن فالنتين بعيدٌ كل البعد عن ذلك.
“وماذا عن فالنتين؟ تاتيانا، أقصد تانيا، قالت إنه أكثر الرجال شعبيةً في أوهالا.”
“بمعاييرٍ موضوعيّة، نعم… لكن كحبيبٍ أو شريكٍ في الحُب، لا أدري.”
لماذا؟ ما المشكلة؟
“هل له عيوبٌ أخرى لا أعرفها؟ ألا يعني كونه مرغوبًا أن الكثيرين يطمعون فيه؟ ألا يكون امتلاك جوهرةٍ نادرةٍ لا يملكها أحدٌ آخر أمرًا مفرحًا بغض النظر عن شخصيته؟”
رمشت إيما بعينيها بهدوء، ثم كشفت عن مشاعرها ببطءٍ وحذر.
“في البداية، لم أصدق أنني سأصبح خطيبته. في الليلة التي سبقت لقاءنا الأول، كان قلبي يخفق بشدةٍ لدرجة أنني لم أنم جيدًا. الزّواج… هو أمرٌ يحدد مستواكِ بناءً على مستوى الطرف الآخر إلى حدٍّ ما، أليس كذلك؟ ومن هذه الناحية، هو الخيار الأمثل بكل المقاييس. ظننتُ أنه سيكون من الصعب ألا أحبّه.”
“ثم ماذا؟”
“الشيء العجيب في قلوب البشر هو أنه عندما تتيقنين أن الطرف الآخر لا يهتم بكِ ولن يهتم أبدًا… تبدئين أنتِ أيضًا بفقدان الاهتمام. تلاشى الحماس الذي شعرتُ به فجأة، وحلّت مكانه مشاعرٌ عقلانيةٌ باردة.”
أضافت بنبرةٍ هادئةٍ ومستسلمة.
“ربما لو أُحبُّ شخصًا آخر، قد أشعر بالأذى. لكن، كيف أقولها… أشعر بثقةٍ أن الكونت فالنتين لن يقع في حُب أحدٍ أبدًا. ومن هذه الناحية، الأمر جيد. شخصٌ لا يحبني، لكنه أيضًا لا يحب أحدًا غيري. كزوج، قد لا يكون سيئًا.”
صدمتني صراحة إيما واعترافاتها العميقة.
أن تفقدي الاهتمام لأنكِ متأكّدةٌ من عدم اهتمام الطرف الآخر؟ كيف يمكن ذلك؟ أنا عكس ذلك تمامًا! سألتُها بنبرةٍ متسرعةٍ قليلاً.
“لكن ماذا عن الفضول المستمر؟ حتى لو لم يهتم بي، أجد نفسي أرغب في معرفة المزيد عنه… لماذا يحدث ذلك؟ هل هذا يعني أن هناك خللاً نفسيًّا ما؟”
“خلل؟ كلا، إنه أمرٌ شائعٌ جدًا. لا شيء غريب فيه على الإطلاق. هناك من يفضلون تسلق الجبال العالية الوعرة على السير في التلال السهلة.”
في تلك اللحظة، أضاءت في ذهني فكرةٌ مفاجئة.
أعتقد أنني فهمتُ الآن سبب تعلّقي بفالنتين. أنا، لاريسا نيكولاييفنا نوفاروف، لم أجد أحدًا يعاملني ببرودٍ كهذا سوى فالنتين. كانت هذه التجربة الأولى من نوعها في حياتي، وأنا غير قادرةٍ على تحمّل أن يتعامل معي أحدهم بلا مبالاةٍ أو جفاء. لذا أستمر في التعلّق به، وأشعر بالاستياء من موقفه البارد غير المهتم!
بعد هذا الاكتشاف المذهل، برز سؤالٌ آخر في ذهني: إذن، كيف أتخلّص من هذا التعلّق الذي أشعر به، هذا الشعور بـ”أنتَ أول من عاملني هكذا”؟
“إن كان الأمر كذلك، فهذا مطمئن. لكن كيف أتخلّص من هذا الشعور؟”
“تريدين التخلّص منه؟”
أنا؟ لم أكن أتحدّث عن نفسي! حولتُ نظري بعيدًا متظاهرةً بالجهل، فضحكت إيما بهدوءٍ ثم أجابت بنبرةٍ أكثر جدية.
“كل صديقاتي اللواتي مررن بتجارب مشابهة قلن الشيء نفسه.”
“وما هو؟”
“عندما يبدأ الطرف الآخر في الاهتمام بكِ، يتلاشى ذلك التعلّق الشديد الذي كان يدمر كبرياءكِ في لحظةٍ واحدة.”
“تقصدين أنه إذا بدأ يهتم بي، سيتلاشى اهتمامي به؟”
“بالضبط. عجيب، أليس كذلك؟ سمعتُ أن لهذا سببًا نفسيًا، لكنني لا أتذكّره الآن. أو ربما… إذا ابتعدتِ عنه قسرًا لثلاث سنواتٍ تقريبًا، قد يبرد ذلك الشعور. فالبعد الجسدي يُبعد القلب أيضًا.” (بلوفي: البعيد عن العين بعيدٌ عن القلب)
الاهتمام!
أوه، هذا منطقي جدًا! إذا نجحتُ في كسب اهتمام فالنتين، سأحقق هدفي في كسر بروده تجاهي، وبالتالي سينطفئ تعلقي به تلقائيًا، أليس كذلك؟ لقد كان قراري بزيارة إيما صائبًا بحق.
“احضري حفل خطوبتي، من فضلكِ. سأكون سعيدةً جدًا إذا حضرتِ، يا سمو الأميرة.”
“بالطبع سأحضر. لدي أمرٌ مع فالنتين أيضًا.”
“لا أعرف ما هو، لكن من الأفضل أن تريه بأسرعٍ ما يمكن. سمعتُ أنه سيغادر ماخاتشكالا بعد مراسم الخطوبة مباشرة. رُبّما في أبريل.”
ماذا؟
“سيغادر؟”
“هذا ما يفعله الرجال النبلاء عادةً بعد بلوغهم سن الرشد. سيسلك درب المُصلحين.”
درب المُصلحين هو رحلةٌ دراسيّةٌ تمتد ثلاث سنوات، يرافقهم فيها أساتذةٌ متميزون، تنطلق من أقصى غرب القارة الوسطى، مرورًا بالمدن الكبرى والكرسي البابوي، ثم تعود إلى ماخاتشكالا.
لا أدري لمَ شعرتُ بضبابٍ في ذهني. أبريل؟ أليس ذلك أقل من شهرين؟
“لماذا يعقدون الخطوبة الآن إذن؟ ألا يمكنه تأجيلها حتى عودته؟”
“لا أعرف بالضبط. لكن يبدو أن الأمر ليس قرارًا خاصًا بعائلتَيّ تولستوي ودميتريف فقط.”
كان جوابها غامضًا، يحمل تلميحًا إلى تدخل طرفٍ ثالث في ارتباط العائلتين. ومن كان ليملك سلطة التدخّل في زواج النبلاء العُلويين سوى العائلة الإمبراطوريّة؟
‘ما القصد من ذلك؟’
لمَ يُسرعون بخطوبة فالنتين وإيما قبل رحلته التي ستستمر ثلاث سنوات؟ وجود خطيبة يعني، بعبارةٍ أخرى، وجود سببٍ لعودته…
‘هذه الخطوبة وسيلةٌ لإبقاء فالنتين مرتبطًا بإمبراطوريّة أوهالا.’
نظرتُ إلى إيما بعينين معقدتين.
حتى لو كان زواجًا سياسيًا، فإن انتظار ثلاث سنواتٍ أمرٌ قاسٍ. علاوةً على ذلك، فإن كثيرًا من الرجال الذين يسلكون درب المُصلحين، وهم في ريعان شبابهم، ينتهي بهم الأمر بعشيقاتٍ أو أبناءٍ غير شرعيين في بعض الأحيان.
لا أجزم بأنّ فالنتين من هذا النوع، لكن المؤكَّد أن هذه الخطوبة قد تُعرّض إيما لخسارةٍ كبيرة. ومع ذلك، في ماخاتشكالا، لا شك أن هناك الكثير من السيدات اللواتي يتطلّعن إلى أن يكنّ خطيبته، رغم كل ذلك.
في تلك اللحظة، دخل خادمٌ إلى غرفة الاستقبال بحذرٍ وقال.
“لقد وصل الكونت فالنتين فلاديميروفيتش دميتريف. هل أخبره أنكِ غائبة؟”