أتمنّى لو أنّك أحببتني - 13
الفصل الثالث عشر 🩷
قبل أيامٍ قليلة، تذكرتُ نبوءةً تركها فالنتين، وكانت كالتالي.
[فاسيل نيكولايفيتش نوفاروف، ولي العهد. ستعتلي العرش يومًا ما، لكنك ستُعرف باسم الطاغية فاسيل، وفي عامك الرابع على العرش، سيتم اغتيالك على يد المتمرّدين وقاتلٍ مأجور. هذه النبوءة تخصّ المستقبل بعد 17 عامًا من الآن، وبعدها… ستلقى الدوقة تاتيانا، التي كانت بمثابة مستشارتكَ، المصير ذاته.]
كنتُ أظن، بناءً على نصيحته، أن النبوءة يجب أن تكون واضحة في توقيتها ورسالتها، لكنني أدركتُ الآن أن نبوءات المنبئين الآخرين تبدو مجرد أقوالٍ مأثورة ذات بصيرةٍ نافذة في أحسن الأحوال.
“النبوءات التي يُعلنها المرسولين، هل تتحقّق كلها؟”
“وفقًا للإحصاءات، تحقّقت ثلثها تقريبًا. وهي نسبةٌ مذهلةٌ حقًا.”
لم أعرف أي جزءٍ من ذلك يفترض بي أن أندهش له. أهي النسبة الثلاثين في المئة التي تتحقّق من نبوءاتٍ مثل ‘احذروا الوباء’؟ أم أن سبعين في المئة منها تخطئ الهدف؟
“لكن ألم يقل أحدهم إن فالنتين دميتريف أنقذ أكثر من خمسة آلاف شخصٍ بمفرده؟”
“هاهاها، مهما بلغت عظمة القديسين، فإن مقارنتهم به أمرٌ مستحيل. فالنتين هو مرسولٌ أُرسِلَ لهذه الأرض المريضة.”
لا أعرف إن كان أُرسِلَ حقًّا أم لا، لكن ما أيقنته هو أن الأسقف بارفن يُكِنُّ له تقديرًا عميقًا. اقترب من رفّ الكتب المخصص لدروس اللاهوت، ثم أخرج كتابًا ضخمًا وفتحه أمامي قائلاً.
“هنا، هل تعرفين ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء؟”
مددتُ رقبتي لأتفحّص الصفحة التي فتحها بارفن. كانت تحتوي على أربع صورٍ شخصيّة بالأبيض والأسود، ولم أحتج إلى تأمّلٍ طويل لألاحظ القاسم المشترك البارز.
“فكوكهم بارزةٌ جدًا.”
“نعم، ويُقال إن الأمر كان أشدّ خطورةً في الواقع. بسبب عدم انطباق الفكين، لم يتمكّنوا من تناول الطعام بشكلٍ صحيح، مما أدّى إلى معاناتهم من مضاعفاتٍ صحّيةٍ عديدة، فمات معظمهم قبل بلوغ الثلاثين. قال البعض إنه مرضٌ وراثي ناتج عن زواج الأقارب، بينما اعتبره آخرون عقابًا مقدّسًا على من حاولوا السيطرة على القديسين. لقد انقطع نسلهم منذ أكثر من مئةٍ وعشرين عامًا الآن.”
كان الأمر كذلك. جميع الأشخاص في الصور كانوا من عائلة ‘هوترلوي’، وهي سلالة المرسولين. وفقًا للكتاب، كانت عائلة هوترلوي مُباركةً، وقد أنجبت العديد من المرسولين، وللحفاظ على هذه القوّة والنفوذ، تم ممارسة زواج الأقارب لقرونٍ طويلة.
“منذ القدم، كانت قوّة الوحي تمنح نفوذًا هائلاً. لم تكن الفترة التي مارس فيها مجلس العرّافين تأثيرًا قويًا على انتخاب الباباوات قصيرةً على الإطلاق. حاولت عائلاتٌ أخرى غير هوترلوي تأسيس سلالاتٍ لاحتكار قوّة الوحي، لكن ذلك أفضى في النهاية إلى انقطاع نسل المرسولين في مصيرٍ مؤسف.”
“في كل مكان، حياة الناس متشابهة. أتذكر أمثلةً مشابهة كثيرة من دروس التاريخ.”
“نقدٌ حاد يصعب دحضه. هاهاها… ولهذا أزداد إعجابًا بفالنتين. فمن النادر جدًا في التاريخ أن تجد شخصًا مثله، يتنبأ بحريةٍ تامّة، دون جشعٍ للسلطة أو الثروة، مدفوعًا فقط بالنوايا الطيبة والرحمة الصادقة.”
انتهت محاضرة بارفن عن المرسولين بتكرارٍ لا نهائي لمديح فالنتين.
‘ما هذا؟ إذن، في النهاية، فالنتين شخصٌ عظيم لدرجة أن هوسي به لن يشكّل أي مشكلة؟… لكن بارفن يبدو كمن يُكنّ له التبجيل من بعيد، وليس كمن يندفع نحوه بعنفٍ مثلي.’
بعد تفكيرٍ عميق، أمسكتُ بيد إيفان وتوجهتُ لزيارة إيما. إن كانت إيما، خطيبة فالنتين، فرُبّما تقدم لي إجابةً أفضل. ولحسن الحظ، كان لدي مبررٌ واضحٌ للزيارة، إذ أردتُ شكرها على استضافتها لي في الأمسية الشِّعرية دون دعوةٍ مسبقة. رحّبت بي إيما بحرارةٍ بالغة رغم هديتي البسيطة.
“أنا من يجب أن أشكر سمو الأميرة لتشريفها أمسيتي… ومع ذلك تفاجيئنني بهديةٍ كهذه؟”
“افتحيها وانظري.”
“هنا؟ هل يمكنني ذلك؟”
“نعم.”
عندما رأت إيما محتويات الصندوق، لم تستطع إغلاق فمها من الدهشة. ذوقي مُميّزٌ بالفعل، فالأذكياء عادةً ما يبرعون في اختيار الهدايا. تفحّصت إيما الدانتيل الفاخر المصنوع يدويًا، والخرز، ودبابيس مرصعة بالياقوت وأحجارٍ صغيرة أخرى، واللؤلؤ الأبيض الناصع، والزهور الصناعية الدقيقة، وهي تنظر إليّ بدهشة.
“هذا…”
“فكّرتُ في الأمر عندما أريتِني دبوسكِ في المرة الماضية. كلها أشياء صنعتِها بنفسكِ، أليس كذلك؟ القلادة التي ترتدينها الآن، وشريط الرأس، وحتى قبعة الدانتيل الوردية المعلقة هناك، كلها من صنع يديكِ.”
ردّت إيما بذهول.
“كيف عرفتِ؟ أهي تبدو رديئةً لدرجة أنها تُعرف بسهولة؟”
“بالعكس تمامًا. حتى لو بدت بسيطة، فإن ذوق الإكسسوارات متناسقٌ بشكلٍ لافت. عادةً ما يرتدي الناس مزيجًا من مجوهرات العائلة أو أغراض والداتهم بتصاميمٍ متنوعة، لكنكِ… “
رفعتُ يدها وأشرتُ إلى أصابعها.
“جلد يداكِ خشن. لاحظتُ ذلك عندما لمستِ شعري. كل شيءٍ ترتدينه مصنوعٌ بيديكِ.”
احمرّ وجه إيما كتفاحةٍ ناضجة.
“آه، أنا سعيدةٌ جدًا أنكِ لاحظتِ. ليس لدي مهارةٌ عظيمة، ولا هوايةٌ أتباهى بها… أشعر بشيءٍ غريب. سمو الأميرة أصغر مني بكثير، لكنكِ تبدين ناضجةً جدًا، كأنكِ صديقتي.”
بالطبع، فحتى لو كان جسدي في الثالثة عشرة، فإن عقلي أكثر نضجًا من إيفان.
“بالمناسبة، لقد صنعتُ قلادةً مؤخرًا وأنا أفكر في سموكِ…”
“احضريها، جرّبيها على رقبتي. وأي شيءٍ آخر أيضًا.”
غادرت إيما الغرفة مُبتسمةً بحماس، ممسكةً بالهدية. لكن عندما عادت حاملةً كمًّا هائلاً من الأغراض، ندمتُ على تطوعي بأن أكون دميتها الواثقة.
كثيرٌ جدًا، أليس كذلك؟ كنتُ أنوي استدراج بعض المعلومات بهديةٍ رمزية، لكن هذا أكبر من توقعاتي بكثير.
“إذن، سأبدأ يا سمو الأميرة.”
وهي تزينني بحماسٍ واضح، شعرتُ أن همومي وتأمّلاتي تافهة. ربما تكون إيما فعلاً الشخص المثالي لتقديم الإجابة التي أبحث عنها. ألم تخبرني سرًّا عن خطيبها رغم أنه أمرٌ سرّي؟ قررتُ أن أطلب نصيحتها دون أن أتسبّب بأي ضررٍ لخطوبتها.
“إيما، ما الذي تحبّينه؟ بعيدًا عن أعمال الخياطة.”
لم تتردد إيما طويلاً.
“أحب الأشياء الجميلة. الظريفة، اللطيفة، الناعمة. أمي لا تزال تلومني لأنني لم أتخلَ عن ذوق الطفولة، لكن لا أظن أن تقدّمي في العمر سيغير شيئًا.”
“لهذا تحبّينني كثيرًا؟”
أنا جميلةٌ بالفعل.
احمرّت خدود إيما بخجل.
“نعم. في الحقيقة، كانت سمو الأميرة تاتيانا أكثر من ألهمتني أثناء صنع التصاميم… من بعيد، قد تبدو الأميرة تاتيانا والأميرة لاريسا متشابهتين، لكن من قريب، هما نقيضتان تمامًا. لذا كنتُ سعيدة جدًا عندما حضرتِ أمسيتي الشِّعرية.”