قرية ميل.
كانت قرية نائية تقع على أطراف إمبراطورية سيراڤيوم، متمسّكة بالكاد بوجودها.
ورغم أنها قرية نائية، إلا أنها كانت تمتلك بعض المرافق الأساسية.
مبانٍ مغطاة بأسقف بالية، وطرق غير مرصوفة متعرّجة، وأرض تتجمّد قبل شروق الشمس ثم تتشقق بعنف عندما تدفئها أشعة الشمس.
في وسط القرية، كان هناك ميدان صغير الحجم.
اليوم، كان الميدان يحمل جوًّا مختلفًا عن الأجواء القاتمة المعتادة.
عشرون طفلًا يقفون على الأرض المتجمدة، منتظرين اختيار فرقة النخبة.
ملابس بالية مثقوبة ونظرات ذابلة كانت تعكس واقع الأطفال الحالي.
“سيدي، الطفل الذي رأيته للتو كان الأخير.”
“…….”
عند كلمات المساعد ريات، ارتفع أحد حاجبي إلڤادين قليلًا بحركة خفيفة جدًا.
لم تكن تلك نظرة خيبة أمل أو غضب.
بل كانت ردة فعل تعكس إدراك أن شيئًا ما، تكرر لثماني سنوات، قد انتهى مرة أخرى.
“لنذهب.”
“حاضر، سيدي.”
عندما نهض إلڤادين من كرسيه، صرخ رئيس القرية بلهفة:
“سيدي! من فضلك، تحقق مرة أخرى! لا يمكن ألا يكون هناك ولو واحد—!”
ها!
سحب رئيس القرية نفسًا عميقًا بسرعة.
لقد تجمدت كلماته تحت نظرة إلڤادين الباردة من أعلى المنصة.
كانت عيناه تقولان إنه لن يستمع إلى المزيد من الكلام.
تراجع رئيس القرية متعثرًا إلى الخلف، فاستدار إلڤادين أخيرًا.
تبع ريات إلڤادين، وهو يلقي نظرة على رئيس القرية والناس المجتمعين في الميدان.
الكبار والأطفال على حد سواء كانوا متجمدين، مطأطئي الرؤوس.
كان ذلك بسبب الهالة المهيبة والمخيفة التي تفيض من إلڤادين.
حتى لو قام الدوق الأكبر ديكارت بالعديد من الأعمال الخيرية، وحتى لو كانت الإشاعات المتداولة عنه في الإمبراطورية إيجابية.
فإن هالة الرجل الذي يُطلق عليه لقب “الجزار” في ساحات المعارك لم يكن بإمكان العامة تحملها.
‘حتى الفرسان المدربون يجدون صعوبة في تحمل هالة سيدي.’
ألقى ريات نظرة أخرى على أطفال القرية، متمسكًا بأمل ضئيل.
كان الأطفال الذي يبلغ عددهم عشرون طفلًا قد تجمعوا جميعًا لاختيار فرقة النخبة.
لكن، كما هو متوقع، لا يوجد من يملك قدرات خاصة.
لم يكن هناك أي نتيجة تُذكر بعد رحلة طويلة، فقد كان الأطفال عاديين تمامًا.
صعد ريات إلى العربة خلف إلڤادين وجلس أمامه، وقال:
“في الآونة الأخيرة، أصبح العثور على أطفال يمتلكون قدرات كامنة أمرًا صعبًا للغاية.”
“…….”
“لا أعتقد أن هناك من يسبقنا ويأخذهم، أليس كذلك؟”
“…….”
تحركت العربة.
أدار إلڤادين رأسه نحو النافذة دون إجابة.
أمسك ريات بكومة من الأوراق السميكة وبدأ يتصفحها بسرعة، وقال:
“يبدو أن على سموك إنهاء هذه الرحلة هنا. هناك جدول أعمال متعلق بالقصر الإمبراطوري متراكم.”
“…….”
“كما يعلم سموك، يوم ميلاد الإمبراطورة قادم قريبًا…”
نظر ريات إلى إلڤادين بحذر قبل أن يكمل كلامه:
“هذه المرة، يجب على سموك الحضور حتمًا، إذا تجاوزت الاحتفال بعجلة كما العام الماضي، من يدري أي إشاعات ستُطلق!”
“ومن قال إنني أخاف من تلك الإشاعات؟”
عندها، أمسك ريات بكومة الأوراق بقوة وصرخ:
“أنا! أنا من يخاف! أنا أخاف من الإشاعات التي تُطلق على عائلة ديكارت! هل تعلم كم من الجهد والوقت يتطلبه إسكات إشاعة واحدة؟”
ههه، لا يهم.
أصدر إلڤادين ضحكة ساخرة خفيفة ونظر إلى النافذة.
تنفس ريات بعمق ليهدئ نفسه، ثم تابع:
“على أي حال، لا يمكنك تفويت يوم الميلاد هذه المرة. هل فهمت سموك؟”
“…….”
“وفي الجنوب هذه المرة—”
استمر ريات في سرد جداول الأعمال المختلفة كما لو كان يتذمر.
بعد أن انتهى من قلب الصفحة الأخيرة، وضع ريات كومة الأوراق على المقعد بجانبه، وقال لإلڤادين:
“أليس سموكَ متعبًا؟”
“ليس بالأخص.”
“حتى لو كان الأمر كذلك، حاول أن ترتاح قليلًا حتى نصل. الرحلة إلى البوابة السابعة في الجنوب ستستغرق نصف يوم آخر.”
“لا بأس.”
رد إلڤادين وهو لا يزال ينظر إلى النافذة.
انخفضت زاوية عيني ريات قليلًا وهو ينظر إلى إلڤادين.
‘يبدو هادئًا من الخارج، لكن في داخله ليس كذلك بالتأكيد.’
يقول الآخرون إن عائلة ديكارت قد عززت قوتها بفضل فرقة النخبة، وأن خطة الدوق الأكبر باستخدام هذه الفرقة قد حققت نجاحًا باهرًا.
‘من الناحية السطحية، ليس قولًا خاطئًا.’
لقد نجحت عائلة ديكارت في اكتشاف المواهب المخفية في أنحاء الإمبراطورية باستخدام فرقة النخبة.
وقد أقسم هؤلاء الموهوبون بالولاء للعائلة.
ونتيجة لذلك، أصبحت قوة العائلة تُعتبر الأقوى في تاريخ الإمبراطورية.
‘نعم، نظام فرقة النخبة نجح بالتأكيد…’
لكن،
إلڤادين نفسه لم ينجح ولو مرة واحدة.
‘لأنه لم يجده.’
في الحقيقة، كان الهدف الأسمى لفرقة النخبة مختلفًا.
كان الهدف هو العثور على وريث عائلة ديكارت الذي اختفى قبل ثماني سنوات.
“…إذا كانت لاديا، فلا بد أنها أخفت الطفل في مكان آمن، حتى لو كلفها ذلك حياتها.”
كان إلڤادين يؤمن بذلك.
يؤمن أن الدوقة الكبرى أبقت الطفل على قيد الحياة بطريقة ما.
وأن العثور على ذلك الطفل هو السبيل لجعل موت زوجته ليس هباءً.
لقد تحمل ثماني سنوات بفضل هذا الإيمان.
لكن في أيام مثل هذا اليوم، عندما يعود خالي الوفاض، يظلل وجه إلڤادين دائمًا بظلال الحزن.
كان هذا هو السبب وراء صمت ريات وعدم مزاحه المعتاد.
أمسك ريات بكومة الأوراق التي وضعها جانبًا وبدأ يتصفحها مجددًا.
كان يعتقد أن صمته الآن سيكون مواساة لإلڤادين.
واصلت العربة طريقها نحو البوابة السابعة في الجنوب، المتصلة بالشمال، لساعات طويلة.
* * *
توقفت عربة الدوق الأكبر أمام البوابة للحظات.
كان ذلك لإعادة التنظيم قبل عبور البوابة.
كانت الشمس، التي بدأت تعبر قمم الجبال، ترسم غروبًا قرمزيًا في السماء.
“ابقَ في العربة واسترح، سيدي. سأخبرك عندما تنتهي إعادة التنظيم.”
“لقد استرحت بما فيه الكفاية.”
حثه ريات على الراحة، لكن إلڤادين نزل من العربة على أي حال.
يبدو أن الرحلة الطويلة جعلته يشعر بالضيق قليلًا.
استنشق إلڤادين نفسًا عميقًا وأطلقه ببطء، وهو ينظر إلى فرسان النخبة الذين يعيدون تنظيم العربة والأفراد.
استمر في ذلك للحظات.
وقف ريات إلى جانب إلڤادين.
“ساعة واحدة ستكون كافية. الجو بارد، سيدي. لما لا تعود إلى العربة لتنتظر؟”
“لحظة.”
رفع إلڤادين يده ليقاطع كلام ريات.
كانت عيناه مثبتتين على عربة أمتعة مغطاة بغطاء دائري.
“سيدي، ما الذي يحدث؟”
“……”
بدون رد، بدأ إلڤادين يمشي نحو عربة الأمتعة.
‘لماذا يتصرف هكذا؟’
تبع ريات إلڤادين.
كانت عربة الأمتعة عادية.
بعد أن نظر إليها إلڤادين للحظة، مد يده وأزاح الستار عند مدخل العربة إلى الجانب.
ظهر داخل العربة.
كان الداخل مظلمًا وهادئًا.
كانت هناك أكوام من الملابس مرمية بشكل عشوائي فوق الصناديق، وبطانيات مطوية نصف طيّة تملأ نصف ارتفاع العربة.
“سيدي، ما الذي تبحث عنه— كح!”
تراجع ريات إلى الخلف وهو يكاد يتقيأ بعد أن ألقى نظرة داخل العربة.
كانت الرائحة النفاذة التي تفوح من الداخل قوية للغاية.
كانت العربة مخصصة لجمع الملابس المتسخة التي ارتداها الفرسان، لذا لم يكن هناك مفر من الرائحة الكريهة.
نظر إلڤادين إلى الداخل بهدوء، ثم قال بصوت منخفض:
“اخرج.”
“…….”
“ماذا؟ هل هناك أحد هناك، سيدي؟”
اقترب ريات وهو يسد أنفه، وألقى نظرة أخرى داخل العربة.
لكنه لم يرَ سوى أكوام الملابس المتسخة.
في تلك اللحظة، وضع إلڤادين يده على مقبض سيفه.
“إن لم تخرج، سأقطعك.”
ابتلع ريات ريقه بتوتر.
عندما خرج نصل السيف الفضي نصفه من غمده، تحركت كومة الملابس الثقيلة فجأة.
“آآه!”
فزع ريات وسحب سيفه على الفور.
“من—!”
قبل أن يكمل كلمة “من هناك!”، برز رأس صغير ذو شعر بني فجأة من بين كومة الملابس.
ها…؟ عندما التقت عيناه بعيون الطفلة في الظلام، تمتم ريات بدهشة:
“طفلة… صغيرة؟”
“….…”
كانت فتاة صغيرة ذات شعر بني وعينين بنيتين، بمظهر عادي يمكن رؤيته في أي مكان في الإمبراطورية.
لكن كان هناك شيء غريب.
على الرغم من مواجهتها لرجال ضخام مسلحين بالسيوف، لم تظهر أي علامة خوف في عيني الطفلة.
بل بدت وكأنها تشعر بالارتياح.
مرّ صمت قصير، ثم بدأت الطفلة، التي كانت مدفونة بين الملابس المتسخة، تخرج جسدها بصعوبة وفتحت فمها:
“…آمم.”
في تلك الأثناء، بدأ فرسان النخبة يتجمعون حول عربة الأمتعة واحدًا تلو الآخر.
ألقت الطفلة نظرة خاطفة على الفرسان المجتمعين خارج العربة، ثم واصلت بحذر:
هيهي…
“مرحبًا… يا سمو الدوق الأكبر؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"