Your sweet breath - 7
“لَعَلَّهُ سُحِرَ بي.”
تلك العِبارة جَعلَت “كانغ” تَصمُتُ دُونَ أَن تطرَحَ مَزيدًا مِن الأَسئِلة.
رُبَّما أدركت في تِلكَ اللحظة أَنَّ مَعرِفةَ ما حدَثَ بينَهُما ليسَ أَمرًا يُمكِنُها استِخلاصُهُ من هذا الرَّجُل.
في تِلكَ الأَثناء، عادَ “سام-يونغ” بَعدما ذَهبَ لِشراءِ القهوة.
فَتحَ باب المقْصورة الخلفيّة بِابتِسامةٍ عريضةٍ قائِلًا:
“ها هيَ قهوةُ “كانغ” و “سان”.”
أخذ “سان” القهوة و أَعطاها كوبها بِهدوء. ثُمَّ قال لِـ”سام-يونغ” بِابتِسامةٍ بسيطة:
“شُكرًا، سأَستمتِعُ بِها.”
رَدَّ “سام-يونغ” و هوَ يُغلِقُ الباب:
“لا بأس، لكن اِحذَر، القهوة ساخنة.”
لكن قبلَ أَن يُغلِقَ الباب بالكامِل، توقَّفَ لِلحظة، و نَظرَ إِليهِما بِنظرَةٍ غريبة، مليئَةٍ بالاِرتياح أَو رُبَّما الفخر.
لم تَستطِع “كانغ” تجاهُلَ ذلكَ الشُّعور بِعدمِ الاِرتياح الذي أَثارَتهُ نظرتُه، فَتساءَلت في نفسها:
ما الذي يَدورُ في ذهنه الآن؟
و فجأَة، قالَ بِلهجة إِعجاب:
“يا إلهي! عندما أَنظرُ إِليكُما هكذا، يبدو وكأَنني أُرافِقُ نجمين مشهورين. أَنتُما صورةٌ مِثاليَّة!”
هذا مُبالغُ فيه!
كانت هذه التعليقات مَألوفةً من “سام-يونغ”، و لكن سَماعُها بينما هيَ و “سان” يُعاملان كزوجٍ من النُّجوم جَعلها تَشعُرُ بِارتِباكٍ غريب.
لكن “سام-يونغ”، الذي بدا سعيدًا بِمُلاحظته، صفرَ بسعادة قبلَ أَن يعودَ إِلى مقعدِ السائِق.
و ما إِن جلسَ حتَّى بدأَت “كانغ” اِستِجوابهُ بِحَزم:
“أُوبا!”
أَجابَ بِلا مُبالاة:
“نعم؟”
“كُن صريحًا، ما الذي حدثَ بَينكُما؟”
“ما الذي تَتحدثينَ عَنه؟”
“أَعني بَينكَ و بين “سان”. سَمِعتُ أَنكَ التقيتهُ وحدك. هل يملكُ عليكَ شيئًا؟”
اِنفجرَ “سام-يونغ” ضاحِكًا و قال:
“الوحيدةُ التي قد تملكُ شيئًا عليّ هيَ صاحِبةُ المنزل!”
“إِذن، كيفَ أَصبحتُما فجأَةً صديقين؟”
“آه، “سان” زارَني في المنزل.”
نظرَت إِليهِ بِارتِباكٍ قائِلة:
“هل اِقتحمَ المنزل؟”
ضحكَ بِصوتٍ أَعلى و قال:
“لا، لا، بَل جَاءَ محملًا بهدية. أَحضرَ معهُ لحمَ بَقرٍ فاخِر!”
حتى “سان”، الذي كانَ صامِتًا طِوالَ الوقت، لم يستطِع منعَ نَفسه من الابتِسام بِخِفة.
أَما “كانغ”، التي نسيت تمامًا أَنَّ “سان” يجلِسُ بجانِبِها، رَمقتهُ بِنظرةٍ مُتفحصةٍ قبلَ أَن تعودَ إِلى صمتها.
في تلكَ اللّيلة، تحدّثَ ساميونغ بابتسامةٍ عريضةٍ وهوَ يتذكّرُ قائلاً:
“في المساءِ، شاركتُ أنا و سان الشايَ ولحمَ البقر، وأقمنا رابطةً أخويَّةً.”
ثم أضافَ بضحكةٍ صغيرةٍ:
“كنتُ أظنُّ أن كلَّ الوسيمينَ مغرورونَ بسببِ وسامتِهم، لكن يبدو أنني أستطيعُ أن أكونَ صديقاً حقيقيًّا له.”
قاطعتْ كانغ كلامَهُ بملامحٍ متجهمةٍ:
“ماذا؟! إذن استسلمتَ أمامَ قطعةٍ من لحمِ الواغيو؟”
أجابَ ساميونغ ضاحكًا:
“لا، أنا لم أُعجَب باللحمِ. بل رأيتُ القلبَ الجميلَ لسان و أُعجبتُ به.”
عندَ سماعِ هذا، قطّبتْ كانغ حاجبيها بغضبٍ، بينما اكتفى سان الذي كانَ يجلسُ بجانبِها بهزِّ كتفيهِ بخفّةٍ وكأنّهُ يقول: “ما المشكلة؟” وكأنّهُ يعيدُ التأكيدَ على موقفِهِ، “أردتُ أن أكونَ ودوداً فحسب، لذا التقيتُ بهِ منفرداً.”
بينما ضغطَ ساميونغ على دواسةِ الوقودِ بلطفٍ، أضافَ قائلاً بنبرةٍ مطمئنةٍ:
“على أيِّ حالٍ، لا تقلقي يا كانغ. أنا وسان سنهتمُّ بكِ من الآنَ فصاعداً.”
لكنهُ لم يتوقّفْ عندَ ذلكَ، بل أضافَ:
“بالمناسبةِ، كلاكما في نفسِ العمرِ، أليسَ كذلك؟ يمكنُ أن تُصبحا صديقين!”
ردّت كانغ فورًا بغضبٍ:
“كفى! بالكادِ نعرفُ بعضَنا، كيفَ يمكنُ أنْ نصبحَ صديقين؟”
أجابَ ساميونغ بهدوءٍ:
“لمَ لا؟ الأشخاصُ الوحيدون يجبُ أن يكونوا أصدقاء.”
صرختْ كانغ بحدّةٍ:
“منْ قالَ إنني وحيدة؟!”
ثم استدارتْ غاضبةً، تشعرُ أنَّ حديثَها الجديَّ قد جعلَها تبدو كالحمقاء.
لكنَّ ساميونغ لم يُبالِ بمشاعرِها واستمرَّ في الحديثِ مع سان بوجهٍ ودودٍ، يطرحُ عليهِ أسئلةً مختلفةً.
بالرغمِ من سماعِها لكلِّ كلمةٍ، شعرتْ كانغ وكأنَّها منفصلةٌ عنِ الواقعِ. فقدْ بدا كلُّ شيءٍ غريباً للغايةِ.
ساميونغ كانَ مختلفًا تمامًا…
بدتْ طريقتهُ في التعاملِ مع سان طبيعيَّةً للغايةِ، مما جعلَها تُفكّرُ: “هل تعرّضَ للتنويمِ فعلاً؟”
استعادتْ وجهَ ساميونغ وهوَ يبتسمُ أثناءَ تقديمِهِ القهوةَ لسان، ليترسّخَ في ذهنِها الشعورُ بأنَّ هناكَ شيئًا مريبًا.
أثناءَ ارتشافِها القهوةَ بهدوءٍ، قطعَ ساميونغ الصمتَ قائلاً:
“أوه، بالمناسبةِ، سان.”
ردَّ سان:
“نعم؟”
“سمعتُ أنَّكَ لمْ تتناولِ العشاءَ ليلةَ أمسِ وبقيتَ طوالَ الوقتِ على معدةٍ فارغةٍ. هل منَ الجيدِ شربُ القهوةِ هكذا؟”
أجابَ سان بابتسامةٍ خفيفةٍ:
“لا بأسَ.”
كانتْ كانغ لا تزالُ تُحدّقُ في المناظرِ الخارجيةِ، لكنها كانتْ تُركّزُ أُذنيْها على الحوارِ، خاصةً بعدما تكرّرتْ كلمةُ “جائع.”
سألَ ساميونغ مجدداً:
“هناكَ محلُّ شطائرٍ قريبٌ منْ هنا، يصنعُ شطائرَ لذيذةً. هل تريدُ أنْ نذهبَ لاحقاً؟”
ردَّ سان بنبرةٍ حازمةٍ:
“لا، شكراً.”
تظاهرَ ساميونغ بالإحباطِ، قائلاً:
“آه… يبدو أنَّ ذوقَك صعبُ الإرضاءِ.”
اكتفى سان بالصمت، لكنه رسمَ على وجهه ابتسامةً خفيفة.
“هلْ أنتَ من النوعِ الذي ينتقي طعامَهُ بعناية؟”
ردّ سان بصوتٍ هادئ:
“لديّ ذوقٌ محدّدٌ جداً فيما أتناوله.”
سألهُ ساميونغ بابتسامةٍ فضولية:
“ما الذي تحبُّهُ إذًا؟ أنا طباخٌ ماهرٌ.”
بدلًا من الإجابةِ المباشرةِ، استندَ سان بظهرهِ إلى المقعدِ مستمتعًا بالصمتِ. بدا وكأنه يُفكرُ بعنايةٍ قبلَ أن يجيبَ على هذا السؤالِ البسيط.
أسندَ ذراعهُ على حافةِ النافذةِ وأسندَ ذقنهُ بخفةٍ بيدهِ، ثم استدارَ ببطءٍ لينظرَ نحوَ كانغ.
وأخيرًا، تحرّكت شفتاهُ وقال بهدوءٍ:
“في الواقعِ، هناكَ طعامٌ واحدٌ أحبُّهُ.”
صمتَ لبرهةٍ قبل أن يُكمل:
“لكن لم تسنحْ لي الفرصةُ لتناولهِ مؤخرًا.”
شعرتْ كانغ بنظراتِهِ تخترقُها، فاستدارتْ لتبادلهُ النظر. كانتْ نظراتُهُ غريبةً، مليئةً بالغموضِ.
تابعَ كلامهُ قائلًا:
“لهذا السببِ أصبحَ ذوقي أكثرَ تعقيدًا.”
صمتَ قليلًا، ثم أضافَ بابتسامةٍ غامضةٍ:
“مهما أتناولُ، لا أشعرُ بالرضا.”
في تلكَ اللحظةِ، شعرتْ كانغُ بقشعريرةٍ تسري في جسدِها.
كانَ الحوارُ عادياً، لكنهُ حملَ توترًا غريبًا. لم تستطعْ منعَ نفسها من التفكيرِ: “هلْ هو حقًا يتحدثُ عن الطعام؟”
قاطعَ ساميونغ الصمتَ متسائلًا بفضولٍ:
“إذنْ، ما هوَ هذا الطعامُ الذي تحبّهُ؟”
لكنَّ سان لمْ يُجبْ، بل اكتفى بابتسامةٍ غامضةٍ زادتْ من غموضِهِ.
في نفسِ اللحظةِ، عادتْ إلى ذهنِ كانغ كلماتُهُ الأخيرةُ التي كانتْ تتردّدُ في أحلامِها:
“أريدُ أنْ ألتهمَ أحلامكِ.”
اهتزّتْ نظراتُها بشدةٍ.
في تلكَ اللحظةِ، أصبحتْ شكوكُها يقينًا.
حينَ قالَ إنهُ لمْ يتناولْ طعامَهُ المفضّلَ مؤخرًا، بدا وكأنّهُ يعني شيئًا آخرَ تمامًا.
شعرتْ فجأةً بضيقٍ في صدرِها، وكأنّ الهواءَ قدْ أصبحَ ثقيلًا.
أسرعتْ بفتحِ نافذتها قليلًا لتسمحَ للهواءِ الباردِ بالدخولِ.
سألها ساميونغ بقلقٍ:
“كانغ، هلْ تشعرينَ بالحرِّ؟”
هزّتْ رأسَها قائلةً بهدوءٍ:
“لا، فقط أردتُ بعضَ الهواءِ.”
لفحَ النسيمُ الباردُ وجهها الساخنَ، وحركَ خصلاتِ شعرِها، مما منحَها لحظاتٍ من الراحةِ وسطَ هذا الجوِّ الثقيلِ.
و لكن، رَغمَ ذلكَ، شَعَرت كانغ بِوخزٍ مُستمِرٍّ في مُؤَخرةِ رأسِها.
كانَ نَظرُها موَجَّهاً نَحوَ الخارج، و لكِنَّ كُلَّ انتِباهِها كانَ مُنصَبّاً خَلفها، حَيثُ تَجَمعَت حَواسُّها.
أَمّا ساميونغ، الذي لم يَكُن يُدرِكُ شيئًا من تِلكَ التفاصيل، فتابعَ حديثَهُ بِحماسٍ دونَ توقُّفٍ:
“مَهما كانَ ما تُحِبهُ، دعنا نَذهَب مَعاً لِتناولِه يَومًا ما.”
ابتَسمَ سان ابتِسامةً خَفيفةً و رَدَّ بِصوتٍ هادِئٍ:
“هذا ليسَ من نَوعِ الأَطعِمةِ التي يُمكِنُ مُشاركتُها معَ الآخرين.”
ضحكَ ساميونغ قائِلاً بِنبرَةٍ مليئةٍ بِالمُزاحِ:
“ما هذا الكلام؟ حتّى حبَّةُ الفاصوليا يُمكِنُ مُشاركتُها، فما الذي لا يُمكِنُ تناولُهُ معاً؟”
أَجابَ سان بابتِسامةٍ مُبهَمةٍ:
“لأَنها أَكثرُ لذَّةً عِندما أَتناولُها وحدي. و. أَيضًا، ليست بالضرورَةِ مِنَ النوع الذي يُعجِبُك.”
رَفعَ ساميونغ حاجبيهِ باستغراب و سأَل:
“و لِماذا؟ هل هو طعامٌ نَيِّءٌ؟ أَنا أُفضلُ اللحومَ المطهيّةَ، خاصّةً لَحمَ البقر.”
نَيِّءٌ.
فكرَ سان لِلحظةٍ، ثُمَّ أَومأَ بِرأسهِ موافِقاً:
“نعم.”
رَغمَ أَنَّ الإِجابةَ كانت مُجَردةً و بَسيطةً، إِلا أَنها لم تَكُن بَعيدةً عن الحقيقة.
ثُمَّ، و كأَنهُ يُريدُ إِنهاءَ المُحادَثة، أَضافَ بِابتِسامةٍ هادِئةٍ:
“لِما لا نَذهب لاحِقاً لِتناولِ اللّحم الذي تُحِبهُ، و سأَتكفلُ أنا بالدعوة.”
“أنت!، لِماذا تُحاولُ دائِمًا إغراءَ الناس بالطعام؟ هذا يُضعِفُ القُلوب.”
سَكتَ ساميونغ أخيرًا، بَعدما انساقَ بالكامِل للمُحادَثةِ.
عِندَما كانت السيارة تَعبرُ الجسر المُطِلَّ على نَهرِ الهان، بَدأَ الفَجرُ يَنبَلِج.
رَغمَ تِلكَ الظروف، شَعرت كانغ بِثقلِ النُّعاس.
كانت تَشعرُ كأَنَّ حَجرًا وُضِعَ على جُفونِها، مِمّا جَعلها تُغمِضُ عينيها مِرارًا و تِكرارًا.
يا لَهُ من جَسدٍ صادقٍ لا يُخفي إرهاقَهُ!
“إِذا كُنتِ تَشعرين بالنُعاس، لِمَ لا تنامينَ قليلًا؟”
اخترقَ صوتُ سان الوضعَ المُشوَّشَ لِذهنِها، مُحاوِلاً إيقاظها.
كانت كانغ تسنِدُ رأسها إِلى النافذة، و لكِنَّ نظرها اتَّجهَ إِليهِ بَعدَ سماعِ صوته.
“أَنا أُريدُ أَن أَنامَ، و لكِنَّ ذلِكَ غَيرُ مُمكِنٍ.”
“و لِماذا؟”
“لأَنَّ أَحلامي مُزعِجَةٌ.”
“……”
“مؤَخرًا، ظَننتُ أَنَّ الأُمورَ بَدأَت تَتَحسنُ، و لكِنَّ الأيّام القلائِلَ الماضيةَ كانت صعبةً جِدًا.”
كانت تُلقِي بِكلماتِها على وجههِ بِطرِيقةٍ ذاتِ مَعنًى خَفيّ، وكأَنها تَستكشِفُ رَدَّ فِعله.
تَوقعت أَن تَرى أَيَّ ملامِحَ للتَّوتُّرِ أَو الارتِباك، و لكِنهُ ظهرَ كمَن يَرتَدي قِناعاً، يُبدي الأَسفَ دونَ أَيِّ شُعورٍ حقيقيّ.
“يا لَلأَسف.”
أَكانَ يَتظاهرُ؟ أَم أَنهُ حَقًا لا يَعلمُ شَيئًا؟
بينما كانت تُفكِّرُ بذلك، تَدخلَ ساميونغ بِسؤالِه:
“أَهذا حقيقي؟”
“ما الذي تَقصِدُه؟”
“أعني، قُلتِ إِنَّكِ تنامينَ جَيدًا مُؤَخرًا. هل حقًا لم تَحلُمي بأَيِّ كوابيس؟”
كانَ رَدُّها هادِئاً:
“لم أَقُل إِنني لم أَحلُم، و لكِن كُنتُ أَستَيقظُ بِسُرعةٍ، و ذلِكَ أَعطاني فُرصَةً لِلنومِ جيدًا بَعدها.”
“هل أَنتِ جادَّةٌ؟”
“نعم. دائِمًا يَظهرُ شَخصٌ ما في أحلامي.”
“……”
“و هوَ مَن يُساعِدُني على الاستِيقاظِ.”
بِعدمِ اقتِناعٍ، سأَلَ ساميونغ مُجدَّداً:
“و من هوَ هذا الشّخص؟”
رَدَّت كانغ بِنبرَةٍ صارمةٍ:
“إنهُ هُناك.”
“……”
“شخصٌ مَشبوهٌ، لا أَعرِفُ إِن كانَ في صَفِّي أَم لا.”
بَسمةٌ خَفيفةٌ تَسلَّلَت معَ تيارِ الهواء.
نَظَرت إِليهِ، فوَجَدتهُ يُغطي نِصفَ فَمِهِ بِيدهِ، و زَوايا شَفَتيهِ تَرتَفِعُ فقط.
رَغمَ ذلك، أَحَسَّت بِرغبَةٍ مُلِحةٍ في مُساءَلتهِ عن هويته، لكِنها كبَتت أَحاسيسَها و استَدارت بِنظرِها.
كانَ الفَجرُ يَبدو من بَعيدٍ، يُشرِقُ بِهُدوءٍ.
على الرَّغمِ من أَنَّ الوقت ما زالَ مُبكرًا، إِلا أَنَّ الطُّرُق كانت مُكتَظةً بالسيّارات.
بينما كانت تُحدقُ إِلى نَهرِ الهانِ المُنبسِطِ خارجَ النّافذة، أَتى صوتُ سان مُجَددًا:
“بالمُناسبة، حادِثُ تِلكَ اللّيلة…”
تَجَمدَت أَكتافُ ساميونغ و كانغ في آنٍ واحِدٍ عِندَ سماعِ كلمةِ “الحادث”.
فقد كانَ ذَلكَ الموضوع حساسًا بِشكلٍ لا إراديٍّ لِكِليهما.
بِالتأكيدِ، سان، هوَ الموظّف بسببِ ذَلكَ الحادث، كانَ يعرِفُ كُلَّ شيءٍ، و معَ ذَلكَ لم يَكترث لِردَّةِ فِعلِهما و أَعادَ السؤال:
“هل أَستطيعُ سماعَ التفاصيل؟”
“أَعتقِدُ أَنكَ قد سَمِعتها من الرّئيس بِنفسهِ.”
كانَ رَدُّ كانغ قاطِعاً، لأَنها لا تُريدُ التعمُّقَ في تِلكَ الذكرى. و مَعَ ذلكَ، لم يَبدُ أَنهُ سَيُنهي الأَمرَ بِسُهولةٍ.
“الرئيس ليسَ الطرفَ المُتَضررَ، و لم يَشهَد الحادثَ بِنفسهِ.”
بَدَا كمن يُحَضرُ نفسَهُ لِتَشريحِ الحادثِ.
رَغمَ ذلكَ، لم تَجِد ما تُجادِلُ بِهِ. على العكسِ، مجرَّدُ ذِكرِ الحادثِ كانَ كافيًا ليستدعي ذاكِرتها لِتلكَ اللحظة المُرعِبة، شَاءت أَم أَبَت.
فالأَحداث التي نُريدُ نِسيانها، دائِمًا تَترُكُ أَعمقَ النُّدوب.
و لا يَزالُ ذلكَ الصَّوتُ المُخيفُ عالِقًا في ذاكِرتِها:
“تَنبعِثُ مِنكِ رائِحةٌ شَهيةٌ جِدًا… أَرجوكِ، دَعيني أَتذَوق لُقمَةً… فقط لُقمَةً واحِدةً.”
كالرصاصَةِ التي غَرِسَت أَنيابَها في جِلدِها.