Your sweet breath - 5
“…لِماذا السَّيدُ ‘سان’ هنا؟”
عِندَ سؤالِ “ساميونغ”، وقفَ “سان” ببطءِ وأصلَحَ وَضعَه. ثمَّ مالَ بِرأسِهِ قَليلًا ونظرَ بِهدوءٍ نَحوَ “كانغ”.
“حَقًا، لِما أَنا هنا؟”
لَم يُظهِر أَيَّ إشارةٍ لِلارتباكِ، وهُوَ ما كَانَ طَبيعيًّا في مَوقفٍ كَهذا.
أَغمضَت “كانغ” عَينَيها وضَغطت على جَبِينِها.
…لَقد انتهى الأَمر.
هَل كَانَ طَلبُها أَن يُخفِيَ نَفسَهُ في مَكانٍ ما تَصرُّفًا مُبالغًا فيه؟
في النِّهاية، مِن الصَّعبِ تَخيُّلُ “سان” وهُوَ يَضغطُ جَسدَهُ بَينَ كُومةٍ مِن المَلابِس.
مَن سَتَلوم؟ فَقط نَفسَها، بِسببِ تَفكِيرِها المُفرطِ.
بَعدَ لَحظاتٍ قَليلة، اجتَمَعَ الثَّلاثةُ في غُرفةِ الجُلوسِ وجَلَسوا على الأَريكة.
حَلَّ الصَّمتُ الثَّقيلُ بَينَهُم.
كَانَ “ساميونغ” يُحدِّقُ بِوُضوحٍ في “سان” بِنَظرةٍ مليئةٍ بِاللَّومِ، بَينما جَلسَ “سان” بِهدوءٍ وقد عقدَ سَاقَيهِ يَشرَبُ مِن القَهوةِ الَّتي صُبَّت حَدِيثًا.
لَم يُبرِّر لِنفسِهِ أَو يُظهِر أَنَّ وُجُودَهُ كانَ دونَ إِرادَتِهِ، لَكِنَّهُ أَيضًا لَم يُقدِّم أَيَّ عُذرٍ مِن أَجلِ “كانغ”.
بِالتَّالي، كان على “كانغ” أَن تُبرِّر الموقف بنفسها.
“لَا تفهم الموضوعَ بِشَكلٍ خاطِئٍ، أَخي.”
كَانت قَد قَرَّرت إِخفاءَ “سان” بِسببِ مَعرِفتِها بطبيعتها الانطوائيةِ وصُعُوبةِ تَكوينِ عَلاقَاتٍ جَديدةٍ.
تَذكَّرت كَم استغرَقَ “ساميونغ” وَقتًا طَوِيلًا حَتَّى أَصبَحَ قَرِيبًا مِنهَا، وكَيف بَذَلَ جُهدًا كَبِيرًا لِذلك.
كيفَ إِذَن يُمكنُها تَفسيرُ دَعوةِ رَجُلٍ بالكَادِ تَعرفُهُ إِلى مَنزلِها؟
فِي الظُّروفِ العاديّة، كان هذا أَمرًا مُستحِيلًا.
عِلاوةً على ذلك، لَم تُرد أَن يَعرِفَ “ساميونغ” بِأَنَّ المدير “هوانغ” أعطى شقّةَ “سان” فِي الطابقِ العلويِّ لِأغراضِ الحِمايةِ الشَّخصيَّةِ.
كَانت ترى ذلِكَ غَيرَ عَادلٍ، خاصَّةً بِالنَّظرِ إِلى الجُهودِ التي بذلها “ساميونغ” لحمايتها.
كما أَنَّ قِصةَ الكوابيس والمواقِفِ الغَرِيبةِ كانت أَمرًا تَعرِفُهُ بِمُفرَدِها ولَم تُرد أَن يُشارِكَه أَحد.
بَدَأت بالكلام لِتَوضِيحِ الأَمرِ، لكن لم تَجِد شَيئًا فِعليًّا تَقُولُه، واكتفَت بِالعبثِ بزاويةِ الأَريكةِ أَمامَها.
أَخيرًا، قَررَ “سان” التَّدخُّلَ و قال:
“لقد انتقَلتُ إِلى الشَّقةِ العلوية بِنَاءً على اقتِراحِ المدير ‘هوانغ’. جِئتُ لِلتعارُفِ وشَرِبتُ كُوبَ قَهوةٍ هُنا.”
مَا أَن انتهى مِن كلامِهِ، حَتَّى قَفزَ “ساميونغ” بِلهجَةٍ حادَّةٍ:
“انتقلتَ إِلى الطابقِ العُلويِّ؟”
“نعم، بِنَاءً على اقتِراحِ المدير.”
ظَهَرَ التَّشككُ على وَجهِ “ساميونغ”.
“المدير هوانغ؟ ذلِكَ الرَّجُلُ البَخيلُ؟ مُستحيل!”
“أَخي… فِي الواقع، أَنا من دَعوتُهُ لِلدخولِ.”
حَاوَلت “كانغ” التَّحدُّثَ سَريعًا لِتَخفِيفِ التوتُّرِ، ولكِنها شَعرت بِصدمَةٍ جَدِيدةٍ عِندما لاحظت تَعبيرَ الخيانة على وَجهِ “ساميونغ”.
“أَنتِ دَعَوتِه؟”
“نَعَم. فَكرتُ أَنَّهُ مِنَ الأَفضلِ أَن يُعرِّفَ عَن نَفسِهِ بدَلًا مِن أَن نُصادِفَهُ فَجأَةً. بِالإِضافةِ إِلى ذَلِكَخ، أَحضَرَ كعكة كهدية!”
وأَشَارت إِلى كعكة وُضِعَت على الطاولة.
“هذا أَولُ مرَّةٍ أَتعاملُ مع حِمايةٍ مُشدَّدةٍ، لِذا أَردتُ أَن أَعرِفَ كيفَ سَتَسِيرُ الأُمورُ بيننا لِتَجنُّبِ أَيِّ إِزعَاجٍ.”
بَعدَ سَماعِها، هَدَأ “ساميونغ” وأَومَأ بِهدُوءٍ، رَغمَ أَن بعضَ الريبةِ ما زالت قَائمةً.
ثمَّ نَظَرَ مَرةً أُخرَى نَحوَ “سان”، الَّذِي رَدَّ بِنظرةٍ ثَابِتَةٍ وشرِبَ القَليلَ مِنَ القَهوةِ.
فِي هَذِهِ اللَّحظةِ، صَاحَت “كانغ” وكَأَنَّهَا تَذكرت أَمرًا هَامًّا:
“آه، صحيح! صُندوقُ الإِسعَافَاتِ الأَولية!”
أحضرتْ صندوقَ الإسعافاتِ مِنْ دُرجِ غرفةِ الملابسِ، وبدأتْ في معالجةِ جُرحِ “ساميونغ” المتأخّر.
قالتْ بنبرةٍ قلقةٍ:
“أخي، هذا لا يُمكنُ تركُهُ هكذا. يجبُ أنْ نذهبَ إلى المستشفى!”
ردّ بثقةٍ مُصطنعةٍ:
“كلا، الأمرُ بسيطٌ. لا داعي لكلِّ هذا القلق.”
لكنه، بسبب وجودِ “سان” أمامه، حاولَ إظهارَ القوةِ، إلا أنّ يدهُ المرتجفةِ خانتْهُ وكشفتْ عن حقيقتهِ.
“سان” الذي كان يُراقبُ الموقفَ بهدوءٍ، أضافَ تعليقًا خفيفًا:
“يبدو أنّ الجرحَ عميقٌ. أظنُّ أنهُ منَ الأفضلِ الذهابُ إلى المستشفى قبلَ أنْ يتفاقمَ الوضع.”
ردّ “ساميونغ” ببرودٍ:
“أنا بخير.”
ابتسمَ “سان” بخفةٍ، وكادَ أنْ يضحكَ، لكنهُ رفعَ يدهُ ليُغطي ابتسامتَهُ، كي لا يزيدَ منْ إحراجِ “ساميونغ”.
لاحظَ “ساميونغ” ذلك، وزادَ انزعاجُهُ منْ هذا الرجلِ الذي يبدو أنيقًا حتى في أصغرِ تصرّفاته.
وفي خِضمِّ هذه التوتراتِ، قالتْ “كانغ” بحدّةٍ:
“كيفَ تُصِرُّ أنكَ بخير؟ الجُرحُ واضحٌ جدًا، والجلدُ بالكادِ يتماسكُ!”
تراجعَ “ساميونغ” داخليًا، لكنهُ رفضَ الاستسلامَ، وقالَ بنبرةٍ متهورةٍ:
“أنا الشخصُ الذي تعرّضَ لإصاباتٍ أسوأَ مِنْ ذلك. هذا لا يُعدُّ شيئًا!”
لكنْ، ما إنْ نطَقَ هذهِ الكلماتِ، حتى أدركَ أنّه فتحَ جرحًا قديمًا، إذ كان يُشيرُ إلى حادثةٍ وقعتْ أثناءَ تصويرِ مشهدٍ خطيرٍ.
شعرتْ “كانغ” بالذنبِ وقالتْ بصوتٍ منخفضٍ:
“لا أقصدُ ذلك… فقط… لا أريدكَ أنْ تُصابَ بأذى بسببي.”
نظرَ إليها “ساميونغ” وأطلقَ تنهيدةً ثقيلةً، ثمْ قالَ بهدوءٍ:
“لنْ أتركَكِ. مهما حدث، سأبقى دائمًا مديرَ أعمالِك.”
راقبَ “سان” هذا الحوارَ منْ بعيدٍ بابتسامةٍ خفيفةٍ وقالَ بنبرةٍ ساخرةٍ:
“يا لها مِنْ لحظةٍ مؤثّرة.”
“علاقتكما تبدوُ متينةً للغاية.”
ما إنْ انتهى “سان” من كلامِه حتى ردّ “ساميونغ” سريعًا:
“نَعم، كما ترى، علاقتُنا متينةٌ جدًّا.”
ابتسمَ “سان” بخفّةٍ، وهزّ رأسَهُ موافقًا.
“هذا ما يبدو عليهِ الأمرُ. وكأنّكما…”
وكأنّهما ماذا؟
رفيقانِ روحيان؟ أم عاشقانٍ منذ زمنٍ بعيد؟ أم عائلة؟
“ساميونغ”، الذي كان يُحدّقُ بشفتي “سان” في انتظارِ إكمالِ عبارته، استمعَ إلى الكلمةِ التي أخيرًا خرجت:
“وكأنّكما أُمٌّ وابنتُها.”
“ماذا؟!”
“كانغ”، التي لم تتوقع هذا الوصفَ على الإطلاق، انفجرت بالضحك.
أمّا “ساميونغ”، فقد تجهمت ملامحُه على الفور، وكان من الطبيعيّ أن يشعرَ بالإهانة.
استغلّ “سان” هذه اللحظة التي خفّ فيها التوترُ دونَ قصد، ليشرحَ لهما تفاصيلَ عملِه.
كان الشرحُ في مجملهِ مشابهًا لما هو متعارفٌ عليهِ في مهامِ الحراسةِ الشخصيّة: حمايةُ العميلِ بأيّ ثمن. لكنهُ أضاف تفاصيلَ جديدةً تتعلقُ بالتصاقِه بالعميلةِ حتى خارجَ جدولِها الرسميّ.
“ساميونغ”، الذي شعرَ بأنّ الأمرَ ينتهكُ الخصوصيّةَ، عبّرَ عن اعتراضِه قائلاً:
“أليس هذا انتهاكَاً لحياةِ الفنانِ الخاصةِ؟ حتى في أيامِ الراحة؟!”
ابتسمَ “سان” وأجابَ بهدوءٍ:
“وإذا حدثَ شيءٌ غيرُ متوقّعٍ لـ ‘سيو كانغ’ في يومِ راحتِها، هل ستتحملُ أنتَ المسؤولية؟”
أدركَ “ساميونغ” أنَّ هذا تلميحٌ للحادثِ الذي وقعَ منذ بضعةِ أشهرٍ، ولم يستطعِ الرد.
كان واضحًا أنَّ “سان” أرادَ أن يُؤكّدَ أنَّ مهمّتَهُ تختلفُ تمامًا عن مهمّةِ المدير.
رغمَ التوترِ الطفيفِ الذي خيّمَ للحظات، استأنفَ “سان” كلامَهُ بنبرةٍ مريحةٍ:
“لا داعيَ للقلقِ. في معظمِ الأوقات، سأكونُ موجودًا فقط عندما تحتاجني ‘سيو كانغ’.”
ثمَّ وجّهَ نظرَهُ نحوَ “كانغ” وأضافَ:
“لذا، إذا شعرتِ يومًا أنَّكِ بحاجةٍ لي…”
“ما عليكِ سوى الاتصالِ بي.”
—
في تلك الليلة.
عادَ “ساميونغ” إلى منزلِه الصغيرِ، مشغولًا بإنهاءِ الأعمالِ المنزليةِ المتراكمة.
جمعَ الغسيلَ الذي نَشرَه صباحًا، وطواهُ بعنايةٍ قبلَ ترتيبِه.
ثمَّ أمسكَ بالبصلِ الأخضرِ المزروعِ في صندوقِ “ستيرو فوم”، وقطّعهُ لاستخدامِه لاحقًا، قبلَ أن يضعَهُ في المُجمِّد.
بعدَ أنْ انتهى من كلِّ شيءٍ، أحضرَ جَرَّةَ الزنجبيلِ المُخلّلِ التي صنعَها بنفسِه.
أخذَ القليلَ منهُ في وعاءٍ، وسكبَ عليهِ الماءَ الساخن.
خرجَ إلى السطحِ، حيث كان الهواءُ الباردُ يُلامسُ بشرتَه، في حينِ انتشرتْ رائحةُ الزنجبيلِ الدافئة.
جلسَ على المقعدِ الخشبيِّ أمامَ غرفتهِ الصغيرةِ وارتشفَ من كوبِه، بينما وجهُ “سان” لا يزالُ يشغلُ ذهنَه.
“هاه…” تنهدَ بعمقٍ، محاولًا تهدئةَ أفكارِه المتشابكة.
بتنهيدةٍ ثقيلةٍ خرجتْ دونَ وعيٍ، نثرَ “ساميونغ” مشاعرهُ المتضاربةِ في الظلامِ الحالِك.
“واو، القمرُ اليومَ كاملٌ بشكلٍ مذهل.”
بينما كان يُتمتمُ لنفسِه وهو ينظرُ إلى هالةِ القمرِ المتألقةِ في السماءِ، سمعَ فجأةً صوتَ خطواتٍ ثقيلةٍ تخترقُ السكونَ.
“طَق… طَق…”
تجمّدَ مكانهُ، ثم استدارَ ببطءِ وهو يُمسكُ وعاءَ المشروبِ بيديه.
كان الحيُّ الهادئُ المُضاءُ بضوءِ القمرِ قد أصبحَ مُوحشًا فجأةً بفضلِ ظهورِ شخصٍ غيرِ متوقَّع.
وبالكاد صدَّقَ “ساميونغ” عينَيْه حين رأى “سان” يقفُ أمامَه.
“مدير ‘سان’، ما الذي أتى بكَ إلى هنا في مثلِ هذا الوقت؟ وكيفَ علمتَ بمكانِ منزلي؟!”
تلعثمَ “ساميونغ” بينَ تساؤلاتِه، بينما كانَ “سان” يُقابلهُ بابتسامةٍ غامضةٍ لمْ تحملْ أيَّ إجابةٍ.
ورغمَ أنَّ الرياحَ كانت ساكنةً، فإنَّ أطرافَ معطفِ “سان” الطويلِ كانت تتراقصُ وكأنَّها تعانقُ الهواء.
كان المشهدُ غيرَ مألوفٍ تمامًا: هالةُ القمرِ، أضواءُ الحيِّ الشعبيِّ المُتناثرةُ، و”سان” المُغطّى بالسوادِ من رأسِه إلى أخمصِ قدميهِ.
بينما كان “ساميونغ” يُحدّقُ بهِ مُذهولًا، انحنى “سان” قليلاً نحوَهُ وقالَ بصوتٍ عميقٍ:
“أتعلمُ جيدًا لماذا جئتُ إلى هنا، أليس كذلك؟”