Your sweet breath - 12
“هان سان.”
“ماذا؟”
“هل تريد أن تجربه الآن؟”
“ماذا؟”
“ألم تقل إنك تريد التهام حلمي؟ إذن، جربه الآن.”
أسند “هانسان” مرفقه إلى رأس السرير، مستندًا برأسه إلى يده، وحدق بصمت في “كانغ”.
كانت قريبة بما يكفي ليشعر بأنفاسها، وكانت عيناها تتلألآن بترقب وحماس.
بدت تمامًا كغزال شجاع يقف أمام أسد ويقول له: “تعال، التهمني إن استطعت.”
لا، بل لم يكن هذا شجاعة، بل كان أمرًا يفوق المنطق تمامًا.
لم يكن هناك أي تفسير لهذا سوى أنه أمر لا يُصدق.
ربما لأنها قضت عشرين عامًا غارقة في الكوابيس، باتت “كانغ” بلا خوف، وكأن شيئًا لم يعد يثير رهبتها.
بالطبع، فهي من كانت مستعدة لإنهاء حياتها ببرود، لذا من المستبعد أن يكون هناك شيء يخيفها حقًا.
“هل عليَّ فقط أن أبقى هادئة؟ هل يكفي أن أنام دون حراك؟”
نظر إليها بصمت وهي تثرثر بحماسة، ثم أطلق ضحكة صغيرة وكأنه استسلم للأمر.
لم يكن أمرًا يمكن التراجع عنه، وتأجيله لن يحل شيئًا.
لذا، من الأفضل إنهاء الأمر عاجلًا بدلًا من المماطلة أو تأجيله.
“استمعي جيدًا، سأشرح لك كيف يتم ذلك.”
عندما قال ذلك، أومأت “كانغ” برأسها عدة مرات بحماس، مظهرة استعدادها التام.
“عندما تنامين، كل ما عليكِ فعله هو أن تبقي على أتصال بي.”
“أتصال؟”
“أي جزء من جسدكِ، طالما كان يلامسني. هذه هي الطريقة التي تضمنين بها عدم رؤية الكوابيس، وفي الوقت ذاته أتمكن أنا من الحصول على وجبتي.”
تصلّب وجه “كانغ”.
إذًا، في كل مرة كنتُ أنام فيها، كان بجانبي طوال الوقت؟
بل والأسوأ، أن شرط تفعيل الأمر هو التلامس الجسدي؟
لكن… أي جزء كان يلامسني؟
بينما ارتسمت على وجهها تعابير تعكس أفكارها، ضحك “سان” بخفّة.
“لا تقلقي.”
“…….”
“لهذه الليلة، سنكتفي بالإمساك بالأيدي فقط.”
أضاف ذلك بنبرة مطمئنة.
“تريدين التجربة؟ لنبدأ بالخنصر أولًا.”
لفَّ إصبعه الصغير حول إصبعها كما لو كان فخًّا محكمًا.
ثم همس لها بهدوء:
“ثقي بي ونامي.”
“لا أستطيع النوم وأنت تراقبني.”
“عليكِ أن تعتادي. فهذا ما سيحدث كل ليلة من الآن فصاعدًا.”
حدّقت “كانغ” في أصابعها المتشابكة معه، ثم شدّت قبضتها قليلًا وكأنها اتخذت قرارها، وأحكمت تشابك إصبعها مع إصبعه.
وما إن أغمضت عينيها، حتى شعرت بإحساس غريب يتركّز في موضع التلامس.
كان شعورًا غريبًا حقًا.
درجة حرارة يده، التي كانت دائمًا باردة، بدت الآن ساخنة، وكأنها اشتعلت فجأة.
“يدك… ساخنة جدًّا.”
“لأنني متحمّس لتناول الطعام.”
جاءها الرد ببرود مخيف، غير واضح إن كان يمزح أم يعني ما يقوله تمامًا.
وفي اللحظة التي بدأت تغرق فيها في النوم، سمعت صوته يتردد في أذنها للمرة الأخيرة:
“سأستمتع بوجبتي، يا صغيرتي.”
“…….”
“تصبحين على خير.”
و كأن إشارة انطلاق قد أُطلقت في السماء، اجتاح الظلام كل شيء في لحظة.
تلاشى وعيها كما لو وقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي.
جلس “سان” بجوارها، متأملًا بهدوء ملامح “كانغ” النائمة.
الفتاة التي كانت تتحدث بحماسة منذ لحظات خفتت تمامًا، وأصبحت ساكنة كالموتى.
تسلّل ضوء القمر البارد إلى الغرفة، وانعكس على وجهها، ليجعله يبدو كتمثال شمعي منحوت بإتقان.
طوال ذلك الوقت، كان “سان” يظهر متأخرًا في اللحظة التي تبلغ فيها كوابيسها ذروتها، حين تكون غارقة تمامًا في أعمق أعماق رعبها.
عندها، كان يدخل إلى أحلامها، يعلن وجوده أمامها وأمام الجميع، ثم يحتضن وعيها المرتجف ويخرجها من الكابوس.
ما تبقى كان مجرد تفاصيل بسيطة.
كان يراقبها وهي نائمة، يلتهم بقايا الأحلام المتناثرة حولها، ثم يختفي بهدوء، كما لو لم يكن هناك أبدًا.
ذلك كان كافيًا بالنسبة له ليشبع جوعه.
ولكن من الآن فصاعدًا، عليه أن يمتص كوابيسها في اللحظة ذاتها التي تبدأ فيها بالحلم.
كان من المفترض أن يشعر بالنشوة لكونه الوحيد الذي سيتلذذ بألذ الأحلام الموجودة، لكن القلق كان يسبقه إلى ذلك.
فحتى “المونغما” لا يختلفون كثيرًا عن البشر.
فالنكهة المألوفة هي الأخطر دائمًا.
كان مترددًا في مدّ يده، خائفًا من أن يفقد عقله وينغمس في التهامها بنهم.
لكنّه تذكّر كلماتها، كلمات صاحبة الحلم التي واجهته بحقيقة لم يستطع إنكارها:
“عدم حاجتك إلى ضبط النفس، لم يكن سوى لأنك لم تكن تتوق إليها بصدق.”
إن ماتت “كانغ” بالفعل، فإن الخسارة لن تكون سوى خسارته.
ببطء، سحب إصبعه من بين أصابعها المتشابكة، وفي اللحظة ذاتها، بدأ الكابوس يتشكّل كما لو كان ينتظر تلك الإشارة.
التوتر زحف إلى ملامح وجهها المسالم، وتجعد جبينها الجميل بانقباض مؤلم.
الآن فقط، بدا وجهها وكأن روحًا حقيقية قد حلّت فيه.
أي مشاعر أكثر حياة من الخوف البشري؟
قرر أن يراقبها قليلًا، كعقاب على استخدامها حياتها كورقة مساومة لابتزازه.
كان من العبث أن تطلب منه أن يتناول جزءًا من روحها، وكأنه مجرد قطعة بسكويت يمكن اقتسامها. لهذا، فضّل أن يتركها لبعض الوقت.
“هممم…”
بدأت تئن بصوت خافت.
عندها فقط، اقترب “سان” ببطء، ثم رفع يده ليدلك بإبهامه التجاعيد الصغيرة التي تشكّلت بين حاجبيها.
وفي لحظة، عادت ملامحها إلى السكون كما لو أن شيئًا لم يكن.
مجرد امتصاص بسيط لجزء من كابوسها كان كافيًا ليشعر بتدفق الدماء في جسده كما لو أنه يشرب الحياة ذاتها.
كان ممسكًا بيدها الشاحبة فوق الغطاء، وبهدوء بدأ يستنشق رعبها، كما لو كان يستنشق الهواء.
كل أنفاسها المتقطعة، كل رجفة خافتة تصل إليه عبر أطراف أصابعها، كانت تنساب إليه دون أن يفلت منها شيء.
وكما هو الحال دائمًا، كانت كوابيس “كانغ”… مذهلة.
لكنها لم تكن مجرد وليمة ممتعة، بل كانت توقظ في داخله جوعًا لا يرحم.
شعر بقشعريرة تجتاحه.
رغبة قاتلة اجتاحته، رغبة بأن يمتصها حتى آخر قطرة…
رغبة كادت تلتهم آخر ما تبقى من عقله.
أصبح “سان” متوترًا وهو يحدق في عنق “كانغ” الأبيض، كأن حلمها كان مجرد بداية، بينما يثير في نفسه جوعًا لا يُصدق على الروح.
في تلك اللحظة، شعر وكأن كل شيء بدا أكثر حيوية، أكثر إغراءً، وكل جزء في جسده كان يناديه ليتنعم بما كان على وشك الحصول عليه.
لكن شيئًا ما في أعماقه كان يصرخ ضده. كان عليه أن يسيطر على نفسه.
“اللعنة.”
هتف بغضب وهو يسقط على الأرض، ليضرب بقبضته.
كان يعتقد أن الحصول على ما يريد سيكون سهلاً بعد طول الانتظار، لكن اللحظة التي كان يتمناها قد تكون أكثر عذابًا مما تصور.
لم يكن يتخيل أبدًا أن الشهية التي كانت تتغذى على الكوابيس ستكون بهذا الثقل، وأن الضغط الذي يواجهه الآن سيجبره على التراجع.
وفي تلك اللحظة، أدرك تمامًا ما كان يفعله.
كان يسعى للسيطرة على نفسه، للامتناع عن الانجراف وراء غرائزه المظلمة.
فتحت “كانغ” عينيها ببطء، متوجهة نحو السقف المألوف، كانت ترتجف قليلاً، ومع كل رمشة عين، شعرت بشيء غير طبيعي.
“هااه!”
هل ما زلت في الحلم؟ هل استيقظت حقًا؟
أخذت تقرص خدها، لكن كل إحساس كان يؤكد لها أن هذا ليس حلمًا، بل واقعًا.
حاولت أن تشدّ تركيزها على ذكرياتها، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى شيء واضح.
كان هناك شعور غريب، وكأن جزءًا من ذاكرتها تم محوه.
“هل… حقًا لم أكن في كابوس؟”
لكن ما كانت تختبره كان صعبًا على الفهم، حتى بعد أن مرّت بكل شيء.
الواقع كان أكثر غرابة من الحلم، لكن حين أدركت أنها استفاقت من كابوسها، شعرت كما لو كانت قد نفضت عنها عبءًا ثقيلًا.
الجسد كان خفيفًا، والراحة التي شعرت بها لا تُقارن بتلك اللحظات القصيرة من النوم العميق.
مقارنة بما كانت تشعر به من قبل، كان هذا الإحساس غير عادي، وكأن حياتها بأسرها انفجرت فجأة نحو الأفق، مجتازةً كل القيود.
كانت تغمرها مشاعر مختلطة، وكأنها على وشك البكاء من شدة الفرح.
لقد ابتعدت أخيرًا عن تلك الكوابيس التي طالما عذبتها، وكأنها بدأت من جديد.
“يا إلهي.”
غطت “كانغ” وجهها بكلتي يديها واهتزت كتفاها.
أي كلمات يمكن أن تعبر عن مشاعرها الآن؟
ليالي لا حصر لها مرّت بسرعة في ذهنها، وكأنها شريط سينمائي.
“آه!”
ثم تذكرت فجأة وجود “سان”.
لفتت نظرها بسرعة حولها، لكنها لم تجد له أثراً.
كل ما كان يشير إلى أنه كان هنا هو الفراش المبعثر.
‘ماذا لو بدأ يشتهي تناولك أيضاً؟’
كما قال سابقًا، هو الذي ليس لديه قدرة على التحكم في نفسه، بدت كأنها مهمة صعبة و عبئًا ثقيلًا عليه.
إذ بدت تلك اللحظات التي التهم فيها الكوابيس أكثر مرارة مما توقعت، حيث كان يبدو أن جوعه يزداد بشدة.
بمجرد أن اختفى هاربًا، أصبح من الواضح أنها كانت تلك اللحظات العصيبة التي اختبرها.
هي، التي لم تكن تعلم عن معاناته و عن صراعه الداخلي، كان كل ما شعرت به هو سعادة غير مألوفة جعلتها تبتسم دون أن تدرك.
ثم نظرت إلى السماء التي بدأ ضوء الفجر يتسلل إليها بهدوء.
—
“صباح الخير!”
فتحت “كانغ” الباب الأمامي للسيارة، وألقت التحية بحيوية، بينما كان “سان” جالسًا في المقعد الخلفي، و ببطء حوّلَ نظره إليها.
لكن المفاجأة كانت في رد فعل “سام يونغ” الذي، عند سماعه نبرة صوت “كانغ” القوية، ارتبك فجأة قبل أن يبتسم مجددًا بطريقة مشعة.
“هل تبدو “كانغ”…… سعيدة جدًا؟”
“نعم، لقد نمت جيدًا.”
“نمت جيدًا؟”
“نعم.”
“هل لم تحلمي؟”
“لا، لم أحلم على الإطلاق.”
سألها “سام يونغ” بصوت مفعم بالدهشة، فأجابت “كانغ” بابتسامة واسعة، وهي تُومئ برأسها بتأكيد.
“إذا كنت في حالتي هذه اليوم، أعتقد أنني يمكنني إتمام أكثر من عدة جداول أعمال في اليوم الواحد.”
راقب “سام يونغ” “كانغ” لفترة طويلة، ثم ابتسم مطمئنًا، وأدار السيارة لتبدأ في السير.
لكن ما كان أكثر دهشة لم يكن هذا فقط.
“مرحبًا، سان.”
قالت “كانغ” بابتسامة لطيفة وهي تتوجه إلى “سان” بجانبها، مما جعل “سام يونغ” يضغط على المكابح فجأة.
…مرحبًا، سان؟
التفت “سام يونغ” فجأة نحو “كانغ”، التي أومأت بابتسامة.
“ماذا؟ ألم تقل أنت أنني يجب أن أكون صديقة جيدة مع أقراني؟”
“آه… صحيح، من الجيد أن تكونوا أصدقاء مقربين.”
كان من الواضح أن “سام يونغ” كان يفكر في شيء ما، ويبدو أن الوضع كان غريبًا تمامًا.
ماذا حدث في يوم واحد فقط؟
هل تناولت “كانغ” لحم البقر؟
تلك الأفكار المضحكة جعلت “سام يونغ” يحك عنقه بغرابة.
بينما كانت السيارة تتوقف عند الإشارة ثم تتحرك مجددًا، سألته “كانغ” مجددًا.
“هل نمت جيدًا البارحة؟”
وأجاب “سان” وهو يلتفت نحوها بنظرة هادئة.
“لا.”
“…”
“لم أتمكن من النوم بسبب الإفراط في الأكل.”
ضحك “سام يونغ” عندما سمع الإجابة، فاندفع قائلاً:
“صحيح، حتى لو كانت الأشياء لذيذة جدًا، الإفراط في الأكل يؤدي إلى مشاكل، أليس كذلك، سان؟”
“بالفعل.”
“كنتِ تقولين إنك ستذهبين لتناول شيء لذيذ بمفردك.”
ضحك “سام يونغ” وهو يلتفت بالسيارة نحو المقهى الذي اعتادوا الذهاب إليه، وهو يعكس عادته التي أصبحت جزءًا منه الآن.
لكنها، على غير العادة، طلبت سموثي بدلاً من القهوة المعتادة مع إضافة مكعبات قهوة.
“سموثي الفراولة باللبن الزبادي؟”
“نعم، مع الكثير من الكريمة والسيروب والبسكويت.”
لقد كانت تظهر لأول مرة حماسًا تجاه الطعام، وهو ما أثار فضول “سام يونغ”، فهز رأسه علامةً على أنه فهم.
أما “سان” فقد كان لا يزال يشعر بكثرة الطعام الذي تناوله البارحة وكأنه ممتلئ لدرجة أنه لا يستطيع تناول المزيد.
وبعد لحظات، بدأت “كانغ” في تناول السموثي الذي أحضره لها.
ورغم أن التغطية كانت غير محكمة بسبب الكمية الكبيرة من الإضافات، إلا أنها كانت تأكله بشهية كبيرة، دون أن تحاول التخفيف من التزيين الزائد.
“سام يونغ” الذي كان يراقبها من خلال مرآة السيارة ابتسم بلطف.
“كانغ، هل هو لذيذ؟”
“نعم، يبدو أنني أحب الأشياء الحلوة.”
“لكنك في الأصل لم تكونِ تحبينها.”
“كان ذلك في الماضي.”
“…”
“لم أكن أعلم أن الحلوى لذيذة هكذا.”
ابتسمت “كانغ” بسعادة وهي تلعق الكريمة التي كانت عالقة على شفتيها.
“ربما لأنني نمت جيدًا. أصبح لدي شهيّة قوية.”
كانت هذه أول مرة تكتشف فيها هذه المتعة البسيطة.
تلك السعادة الصغيرة، رغم كونها بسيطة، بدأت تطرق قلب “كانغ” بقوة.