Your sweet breath - 11
أغمضت كانغ عينيها المبللتين ببطء، ثم فتحتها مرة أخرى، محدقةً فيه.
كان ذهنها ضبابيًا.
كما لو كانت غارقة في الماء، تسمع الأصوات من على سطح الماء.
كان الدفء الذي مسح بلطف على زاوية عينيها حقيقيًا جدًا، لكن عقلها كان لا يزال ضائعًا في حالة من الحذر.
هل هو أمامها نتيجة لندائها الشديد، أم أنها ترى واقعًا يشبه الحلم؟
“هل هذا… حلم؟”
سألته بتلك الكلمات التي خرجت منها كـهمسات، فأجابها سان بابتسامة خفيفة.
“نعم، إنه حلم.”
“……”
“لكن عندما تستيقظين، سيختفي.”
بينما ضربَ بإصبعيه الإبهام و السبابة معًا، بدأت الأشياء المتناثرة في كل مكان في استعادة أماكنها تدريجيًا.
نظرت كانغ، شبه غافلة، إلى المشهد الذي كان فيه الزمن يسير إلى الوراء.
قطع الزجاج المتناثر، والأشياء المكسورة، والشظايا التي تطايرت في كل مكان بدأت تعود إلى أماكنها وكأنها هلوسة.
المكان الذي كان يشبه ساحة حرب تحول فجأة إلى مشهد مألوف.
بينما كانت تنظر إلى سان الذي بدا غريبًا وسط هذا المشهد، أدركت أن كل شيء كان سيصبح واقعًا قريبًا.
“من الآن فصاعدًا، هكذا يجب أن يكون.”
“بما أنكِ بدأت تُدركين الأمر في الحلم، الآن يمكنكِ منادتي دون عناء.”
مد يده ومسح بلطف على رأس كانغ.
استقبلت هي لمسته بهدوء.
ثم، عندما استقام فجأة وكأنه انتهى من مهمته، سألته بصوت هادئ.
“ألا يمكنك المجيء قبل أن أناديك؟”
“……”
“لماذا لا تبقى معي منذ البداية قبل أن أنام؟”
لم يرد سان بكلمة.
ربما كان في مأزق.
كان من المحتمل أنه كان يرغب في فصل نفسه بين الواقع والحلم، وإذا كان سيرد على طلبها، فكان عليه أن يكشف عن هويته.
لكن كل ذلك أصبح غير مهم الآن.
كل ما قاله في حلمها،
“أريد أن ألتهم حلمك.”
هي تتذكر ذلك جيدًا.
“أنت قادم لتأكل حلمي، أليس كذلك؟”
إذا كان يمكنه تحقيق ما يرغب فيه.
“إذن، لا تترك شيئًا، وابتلع كل شيء من البداية حتى النهاية.”
“لن أسمح لنفسي بعد الآن أن أغرق في كوابيس ضبابية.”
مهما كان كائنًا بشريًا أو غيره، لم يعد لذلك أي أهمية.
فبعد أن علم أنه يستطيع إزالة كوابيسها، أصبحت مصالحهم مرتبطة ببعضها البعض، في “صفقة” حيث يقدم كل منهما ما يحتاجه للآخر.
بينما كان يستمع بصمت، تسلل الهواء بين شفتيه.
“هل تُريدينني أن ألتهم كل شيء بلا استثناء؟”
كان صوته مزيجًا بين تنهيدة وضحكة، وكأنه يحاول أن يفكر في الأمر لبرهة قبل أن يتابع بنبرة أكثر جدية:
“ليس بالأمر السهل كما تعتقدين.”
“لماذا؟ كل ما كنت أتمناه هو أن تأتي لي في وقت أبكر قليلاً…”
“وماذا لو رغبت في أن ألتهمك أنتِ أيضًا؟”
“هل ستبكين وتستعطفينني لتنجين عندما يحين ذلك الوقت؟”
جاء الصوت بطيئًا ولكن الكلمات كانت واضحة جدًا، فأخذت “كانغ” تتذكر الحادث الذي وقع منذ عدة أشهر.
وتذكرت أيضًا ما قاله “سان” عن ذلك الحادث.
كان قد قال لها:
“كان من أصعب الأمور أن يتحمل ذلك الكائن الدنيء، الذي كان يواجه صعوبة في مقاومة الجوع، وقد استهدف حياتك.”
وبذلك، أصبح كل شيء واضحًا.
“لقد سألت عن هويتي.”
أما هويته “هانسان” فهي:
“البشر يطلقون عليّ اسم ‘مونغـما’ عندما يتحدثون عن كائن مثلي.”
“أنا فقط واحد من العديدين الذين يرغبون في كابوسك.”
كان، في الواقع، كائنًا يعيش على خوف البشر.
بينما كان يقترب منها شيئًا فشيئًا، رفع أطراف أصابعه ليرفع ذقنها برفق.
“الـمونغما” كائِن يتبعُ غرائِزهِ، لذلك لا يهتمُ كتيرًا بتطوير ضبط النفس.”
وبالتالي، فإن تحطيم قواعد الكون من أجل الحصول على ما يريد، لم يكن أصعب من التنفس في يوم عادي.
“لماذا تعتقدِ أنني أحتفظُ بكوابيسك و أتناولها بحذر؟”
مرت شفاهه، التي اقتربت ببطء، على خديها.
ثم همس بالقرب من أذنها:
“لأُبقيكِ على قيد الحياة.”
“……”
“إذا حاولت أن ألتهمَ كل شيء، و عندما تُديرين عينيكِ عني، عِندها سيكون كل شيء قد انتهى بالفعل.”
لذلك، كل ما عليك فعله هو أن تعيش كما كنت تعيش من قبل.
في النهاية، كل ما يُهم هو أنني سأكونُ في عالم الأحلام و سأحميك، و هذا يكفي.
نظرَت “كانغ” إليه بنظرة ثابتة بينما كان يقول ذلك.
ثم قالت بهدوء:
“لم يكُن هُناك حاجة لِضبط النفس.”
“…”
“لأنك لم تكن مُلحًّا بما فيه الكفاية.”
قالت ذلك، ثم نزلت من السرير وتوجهت إلى الشرفة.
ظل “هانسان” واقفًا في مكانه يراقب تصرفات “كانغ” بهدوء.
عندما أدارت رأسها، قالت بوضوح:
“ساعدني في أن أعيش دون أن أرى الكوابيس بعد الآن.”
كان طلبها واضحًا، وقد التقت بالشخص الذي يستطيع حل هذه المشكلة، لذا كانت مصممة على الحصول عليه بأي وسيلة.
بالطبع، لن تتمكن من هزيمته بالقوة الجسدية، لكن على الأقل كانت تعرف نقطته الضعيفة.
“إذا رفضت، سيكون الوضع سيئًا بالنسبة لنا جميعًا.”
كان هذا أكبر خوف لدى “هان سان”.
على الأقل، كان هذا هو الطريق الوحيد لأيقافه من الدخول إلى أحلامها كما يشاء.
“لن تتمكن من دخول أحلامي بعد الآن.”
كانت المساومة على حياتها.
دون أدنى تردد، وقفت على المقعد الموجود في الشرفة، ثم صعدت على الحاجز ووقفت هناك، مستندة إلى الجدار.
هبّت الرياح العاتية وكأنها ستسحبها إلى الأسفل في أي لحظة.
كانت قدماها ترتعشان ويديها ترتعشان، لكنها نظرت إلى “هان سان” بشجاعةٍ، ترقبًا لتفاعله.
بينما كانت الرياح تعِصف بشعرها، كان وجهه الخالي من التعبير مرئيًا.
من المؤكد أنه كانَ غاضبًا.
لكن إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة، فكانت مستعدة للمحاولة عدة مرات.
“إذا لم يكن هناك أي خيار آخر، فسأموت جوعًا.”
“لذا، من الأفضل لك ألا تختار الخيار الذي ستندم عليه.”
ابتسمت “كانغ” ابتسامة مليئة بالثقة.
ثم، وبوجه خالي من التعبير، رأت “هان سان” ينظر إليها، فاندفعت نحو الحافة.
شعرت برياح قوية تعصف حولها، واختفى العالم الذي كان حولها بسرعة.
وفي تلك اللحظة، رأت “هان سان” وهو يقف فوق الحاجز يحدق بها بتعبير غامض.
ماذا يفكر الآن؟
هل يعتقد أنني إذا لم أكن موجودة، فلن يكون ذلك مهمًا بالنسبة له؟
زاد تسارع نبضها و كأنها ستتحطم على الأرض في أي لحظة.
كان جسدها يقترب بسرعة من الأرض.
وفي اللحظة التي اقترب فيها ظل الموت منها بشكل حاسم.
ظهرت على وجه “هان سان” ابتسامة خفيفة.
لقد كان يراقبها طوال الوقت، لكن قدميه ابتعدتا عن الحاجز دون تردد في تلك اللحظة.
يد “كانغ” التي كانت تهبط بسرعة لامست “هان سان” أولًا قبل أن تلامس الأرض.
سقطت بقوة!
لكن بـذراعيه القويتين أمسك بها برفق وثبات، وجعلها تشعر وكأن اللحظة التي قاومت فيها الجاذبية كانت تتساقط ببطء شديد.
‘…رائحة الرياح.’
كلما احتضنته في أحلامها، كانت رائحة الرياح التي شعرت بها خفيفة تنتشر في جسدها.
ببطء، فتحت “كانغ” عينيها ورفعت نظرها، و واجهتها عيون داكنة وصامتة مثل الليل نفسه.
بينما كانت تحدق في عينيه بشيء من الشرود، نزلت كلمات قصيرة إلى أذنيها.
“لا تخافين على الإطلاق.”
“……”
“هل لديك عدة أرواح، على ما يبدو؟”
نزلت إلى الأرض، وشعرت بنبض قلبها الذي عاد للحياة، وتنهدت ببطء.
“هل أصبحت مستعد الآن لقبول طلبي؟”
شعرت بالارتجاف الذي تسرب من أطراف يده وهو ممسك بها، فابتسم “هان سان” ابتسامة قصيرة.
“نعم. إذا كانت هذه هي عزيمتك، فقد فهمت تمامًا.”
ربما كانت هي نفسها تتمنى هذا.
أن تُمحى أوقاتك التي عشتها بدوني، وأن يكون لديك أمر لا يمكن أن يتم من دوني.
حتى وإن كنت لست إنسانًا.
لقد كنت أنتظر ذلك.
“لقد فهمت كل شيء. لذا، هذه هي المرة الأخيرة التي تُظهري فيها إرادتك أو تهددينني بهذه الطريقة.”
ابتسم بلطف، لكن ابتسامته كانت تحمل ضغطًا هادئًا.
“……”
بعد العودة إلى غرفة النوم.
ساعد “سان” “كانغ” المترنحة على الاستلقاء على السرير براحة.
لم يكن من السهل تصديق أن نفس الشخص الذي قفز بلا تردد كان هو ذاته، فقد كانت “كانغ” جسدًا صغيرًا يكاد ينهار.
انتابه شعور بالخوف وهو يرى أطراف أصابعها التي أصبحت شاحبة، هذا الشعور الممزوج بالخوف تسلل إلى جسده.
بينما كان يراقب أصابع يديها الرفيعة كالعظام فقط، سألته بصوت خافت:
“لماذا لم تظهر في الآونة الأخيرة؟”
ظل “هان سان” يحدق في وجه “كانغ” كانت عينيها لا تزال مبللتين، ثم أجاب بصوت هادئ:
“كنت مشغولًا. كان هناك الكثير من الأشخاص حولك يحومون، وكان عليّ أن أكتشفهم واحدًا تلو الآخر.”
بالنسبة له أيضًا، كان من المؤسف أنه لم يتمكن من دخول أحلامها.
كانت الكوابيس التي تراود “كانغ” والزفرات التي كانت تخرج منها أكثر من مجرد مجرد أشياء مفقودة؛ كان ذلك أمرًا مؤلمًا للغاية.
وكان ما يشعر به الآن هو الجوع والعطش، وكأنهما يحرقانه.
كان يرغب في الانقضاض على المرأة أمامه وابتلاعها كاملة، أو ربما يُفضل أن يأخذها برفق و يستمتع بتذوقها على مهل.
اقترب “هان سان” منها ببطء، وعندما أغمضت “كانغ” عينيها مفزوعة، تسربت قطرات الدموع التي كانت تتجمع على أطراف عينيها عبر رموشها الكثيفة.
كان يحاول كبح رغبته التي كانت على وشك الانفجار، ثم انحنى برأسه.
لامس شفتاه الجفن المرتجف بحرص، ثم امتص دمعة واحدة كانت لا تزال عالقة عند زاوية عينها.
كانت تلك اللحظة بمثابة إطفاء شوقه
كان شعورًا محيرًا، حيث تخللته رائحة الخوف الحلوة التي امتزجت في تلك القطرات، مثل ندى الفجر الطاهر والنقي.
كانت مجرد دمعة واحدة، لكن تلك الرجفة العابرة كانت كافية لتجعله يشعر بذلك الشوق القوي.
“أنتِ تجعلينني أفقد عقلي.”
كان الطعم لا يُقاوم.
تجمد وجه “سو كانغ” وأصبح شاحبًا عندما قبض “هانسان” على يدها بشدة.
وبينما كان يتذوق خوفها، ابتعد “هان سان” عن وجهها ببطء، محافظًا على صبره.
من أجل تلبية طلب “كانغ”، يبدو أنه سيكون عليه فعل هذا كل ليلة.
الأمر الذي كان بسيطًا مثل تناول حبة حلوى بعد الطعام، سيصبح مختلفًا تمامًا في المستقبل.
إنه كأن تمنح طفلًا صغيرًا، بلا صبر حتى بمقدار دمعة نملة، حفنة من الحلوى، وتنتظر نصف يوم لتسمح له بتناول واحدة فقط.
“ها.”
سيجن جنونه، حقًا.
كان مجرد تخيله يجلب له شعورًا مروعًا، مما جعله يضحك بسخرية.
لكن، وبينما كانت هي تقترب منه، عيونها تتألق بالحماس، كانت بلا أي فكرة عما يمر به.
“هان سان.”
“ماذا؟”
“هل تريد تجربته الآن؟”
“ماذا؟”
“ألم تقل أنك تريد أن تأكل حلمي؟ إذن، جربه الآن.”
ابتسمت “كانغ” بابتسامة جديدة تمامًا على وجهها لم يراها هو من قبل.
كما لو أنها طفلة سعيدة للغاية.
دون أن تدرك، كانت تلهو بمشاعر الآخرين،
“……”
دون أن تعرف أن تلك المشاعر كانت تحترق بداخله.