Your sweet breath - 1
—
في غرفة المعيشة المعتمة التي يضيئها مصباح جانبي واحد، استقرت رائحة الإسبريسو الغنية في الهواء.
كانت تصب جرعة مزدوجة في الكوب، ثم تملأه بالماء البارد وتخلط، بحركة آلية كأنها عادة قديمة.
لم تكن القهوة لا ساخنة ولا باردة، بل كانت في درجة حرارة مثالية للشرب دفعة واحدة.
رفعت كانغ الكوب، وابتلعته دفعة واحدة.
كانت حركتها تشبه تماماً من يبتلع دواءً مرّاً.
وكان هذا هو الواقع.
بالنسبة لها، لم تكن القهوة سوى علاج مؤقت لمقاومة النوم.
لكن حتى هذا “العلاج” كان له حدوده.
فعندما تمضي أيام من النوم المتقطع، يصبح حتى دلواً من الإسبريسو عاجزاً عن دفع النوم المتسلل إليها.
لذا، ما تناولته الآن كان مجرد…
“….”
كانه مشروب روحي خفيف، أكثر من كونه مشروباً ذا تأثير جسدي.
كان الهدف منه هو الطمأنينة النفسية أكثر من تأثيره المادي.
حين وضعت الكوب، رن هاتفها المحمول الذي كان مرميًا على الطاولة.
كان المتصل هو مديرها سام-يونغ، وكان من الواضح سبب اتصاله في هذا التوقيت، فهو دائمًا يتصل في الوقت المحدد.
“نعم، أخي.”
“كانغ، هل أكلتِ؟”
كان وقت الطعام قد حان.
مع علمه بما تفعله، كان من المستحيل عليها أن تكذب عليه.
أفضل إجابة هنا كانت أن تقول “لا، بعد” ومن ثم “أنا على وشك الأكل” لتقليل من محاضراته.
بفضل هذه الإجابة، انخفضت محاضراته إلى النصف.
أنهت المكالمة بعد أن ردّت عليه بما يُطمئنه.
بينما كان وجهها خاليًا من أي تعبير، بدأ يطفو على شفتيها ابتسامة خفيفة.
كان من المفترض أن تتجاوز العشاء اليوم، لكنها قررت تغيير رأيها واتجهت نحو المطبخ.
كان هناك في الثلاجة وجبة غداء معدة بدقة من قبل سام-يونغ.
كانت أغلب المكونات جاهزة للأكل مباشرة، مثل السلطة أو الخضار المقطعة، وكان الطعام يحتوي على توازن جيد بين الكربوهيدرات والبروتينات والدهون.
فتحت أحد الأوعية وأخذت قضمة من عصي الجزر المصفوفة بعناية.
ثم أغلقت الثلاجة ببرود، غير راغبة في تناول المزيد رغم حرص سام-يونغ.
في تلك الأيام التي تكون فيها الإرهاق في أوجه، لا يكون لديها شهية للطعام.
أكملت تناول عشاءها المتواضع، ثم توجهت نحو سريرها.
وقفت أمامه للحظة، تتأمل السرير وكأنها تفكر في شيء عميق.
قبل عدة أشهر، كان هناك حادث اختطاف جريء لنجمة مشهورة في كوريا، وكانت هي الضحية.
وكان ذلك السبب الذي جعلها تنعزل في منزلها طوال هذه الفترة.
على الرغم من أنها كانت ترغب في الاستسلام والنوم لأيام طويلة للهروب من كوابيسها، إلا أن النوم العميق كان شيئًا مستحيلاً بالنسبة لها.
“مستحيل.”
لقد كانت تعيش في كوابيس كل ليلة، لذا النوم العميق كان بعيدًا عن متناولها.
استسلمت في النهاية، واستلقت على السرير، لتقرأ كتابًا لساعات، حتى استغرقها النوم المتقطع بعد الساعة الثانية صباحًا.
كانت عيونها ملتهبة من الإجهاد، في محاولة يائسة للحفاظ على يقظتها.
حتى أن يدها، التي كانت ممسكة بالكتاب، سقطت دون إرادة منها، لتهوي على السجادة.
ثم، سمع صوت سقوط الكتاب وكأنه إشارة لبداية غرقها في غياهب النوم.
خلف ضباب الرؤية، بدأ يظهر شكل ضبابي غريب.
صرير مرتفع… صرير أجهزة الألعاب القديمة المصدئة.
الأصوات المبهجة التي كانت تصدر من الناس في الماضي اختفت، ليحل مكانها صمت مهيب، والمكان كان أشبه بملاهي مهجورة.
كانت الظلمة تسيطر على المكان، والجميع اختفى.
على أحد المراجيح الدوارة القديمة، كانت كانتغ جالسة، ملامح وجهها مشدودة كأنها قد تجمدت من الخوف.
“أمي.”
صوتها كان كصوت طفل صغير، مليء بالخوف، رغم أن شكلها كان يشير إلى أنها بالغت.
كان الأمر وكأنها عادت إلى تلك اللحظة، عندما تُركت بمفردها في الملاهي القديمة.
“كانغ، هنا.”
من بعيد، ظهر شخص في الظلام، يشير إليها بيديه.
“أمي؟”
“تعالي إليَّ.”
“هل أنتِ أمي حقًا؟”
بدون أن تجيب، استمر الشكل في تحريك يده لتدعوها.
تركت كانغ المكان بحذر، لتتقدم خطوات نحو ذلك الشكل.
“تعالي هنا، ابنتي.”
ظهرت الأم أخيرًا، مبتسمة، وفتحت ذراعيها في استقبالها.
لكن عندما اقتربت منها، توقفت كانغ في مكانها، إذ أن ملامح الأم كانت مشوهة تمامًا، وكان شكلها بعيدًا عن البشر.
“آآآآخ!”
صرخت كانغ، وركضت بأقصى سرعة هربًا.
لكن، على الرغم من محاولتها، كانت قدميها ثقيلة، وكأن شيئًا ما كان يجرها للأسفل.
“لا تبتعدي!”
كانت خطوات متسارعة تلاحقها، وشعرت وكأنها تغرق في ظلامٍ عميق.
“من فضلك، أحدهم…”
كانت تتوسل بصوتٍ غير مسموع.
“أساعدك؟”
صوت واضح جاء من الظلام ليوقظها.
كانت عيونها مليئة بالخوف، واتجهت تلقائيًا نحو مصدر الصوت.
بين أجهزة الألعاب المتداعية، كان هناك رجل، يواجهها، وقد وقف تحت ضوء القمر.
لحظة، بدت وكأن الزمن قد توقف، ولفت الأجواء حولهما هالة غريبة.
ابتسامة الرجل على شفتيه، وكأن الوقت قد عاد للسريان، ورياح خفيفة كانت تعصف بشعره الأسود اللامع.
كان يرتدي بدلة سوداء ورباط عنق، وكأن ملامحه تتناسب تمامًا مع هذا الظلام.
مد يده نحوها، وابتسم لها بلطف، كأنه يعد بأن ينقذها.
“تعالي.”
قال بصوت هادئ وحنون، وكأن حركته كانت خفيفة جدًا.
“سأنقذك.”
ركضت كانغ نحوه، وهي تقاوم ثقل قدميها.
ومع اقتراب الأم منها من خلفها، شعرت أن الوقت يمر ببطء، ثم اندفعت في اتجاهه.
وفي اللحظة التي اقتربت فيها منه، سُمِعَ صوت تحطم الزجاج الكبير، وانتهت المطاردة.
“…”
عم الصمت التام، واختفى كل شيء.
مد يده إلى وجهها بلطف، وكأن يده كانت تطوق وجهها الصغير، ثم اقترب منها وهمس في أذنها.
“أريد أن أتناول حلمك.”
كانت عيونه الزرقاء الضبابية تبتسم.
وفي نفس اللحظة،
“آه!”
صرخت كانغ مستيقظة، وأدركت أنها كانت في حلم.
الواقع عاد ليخترق ذهنها، وكأن الضغط على عنقها قد اختفى.
على الرغم من أنها لم تكن تعرفه جيدًا، إلا أنها بدأت تشعر أنه منذ أن أدركت بديهيًا أن مساعدته ضرورية لكي تستفيق من هذا الحلم.
“أريد أن آكل حلمك.”
همسات مثيرة تردد صداها في ذهنها.
… ماذا يعني ذلك بالضبط؟
الآن، أصبح وجهه واضحًا لدرجة أنها تستطيع رسمه على الورق في أي لحظة.
حتى وإن كان مختلطًا بين مئات أو آلاف الغرباء، يمكنها إيجاده على الفور.
ذاكرتها كانت تتبع تفاصيل وجهه بدقة.
شعره الأسود كالحبر، وبشرته البيضاء كثلوج لم تطأها قدم، وشفاهه الحمراء كزهرة كاميليا حمراء لامعة على وجهه.
كان وكأنّه وُلد من الظلام، بارد وغامض.
عينيه الرماديتين، كضوء القمر المنعكس على ضباب أزرق، كانتا تشبهان الليل، مملوءة بالغموض والجمال الذي يكاد يبتلع كل جمال آخر في العالم.
لقد أنقذها عدة مرات من كوابيسها، لكن الجو الذي كان ينبعث منه كان غريبًا، حيث كانت الحدود بين الخير والشر ضبابية.
لذلك، كان هذا الرجل بالنسبة لها مجرد أمل غامض ومخيف لا يمكنها تحديد هويته.
—
في اليوم التالي.
استفاقت ببطء من سريرها وتوجهت نحو النافذة لفتح الستائر الثقيلة.
كانت الرياح تعطي رائحة شمس دافئة.
أشعرت وكأن تلك الرياح اللطيفة تقول لها: “لقد تجاوزت كل شيء اليوم أيضًا.”
كان الجو صافٍ وواضحًا، كما لو أن الليل الكئيب الذي مر لم يكن إلا كالحلم.
كأن المستقبل الذي تحلم به قد بدأ يتجسد.
“هل أذهب للتنزه؟”
أو ربما زيارة المكتبة بعد غياب طويل.
لكنها تذكرت أصوات زملائها في العمل، الذين نصحوها بعدم الخروج بمفردها، لكن إذا بقيت هنا هكذا، فقد تخنقها تنهّداتها.
وفي تلك اللحظة، رن الهاتف.
كان اتصالاً من الرئيس “هوانغ” يطلب منها التوجه إلى المكتب فورًا.
لقد مرَّ شهران وأربعة أيام منذ أن تم إعلامها بتوقف نشاطها، وكان قد تغير الموسم.
—
عندما دخلت المكتب مع “سام يونغ”، حاولت أن تبتسم أكثر من المعتاد.
“مرحبًا، كيف حالكم جميعًا؟”
انطلق الجميع نحوها للترحيب بها، وكان الرئيس “هوانغ” يتقدمهم.
“أوه، كيف حالك يا كانغ؟ يبدو أنك أخيرًا حصلت على قسط من الراحة.”
“نعم، شكرًا لك.”
التقط “سام يونغ” نظرة غير راضية من الرئيس “هوانغ” وأومأ برأسه باستياء.
“لماذا تنظر إلي هكذا؟” قال الرئيس “هوانغ” موجهًا كلامه إلى “سام يونغ”.
“ماذا؟ لماذا عيناي هكذا؟”
قالها “سام يونغ” وهو يبتسم.
الرئيس “هوانغ” شعر بالغضب وقال: “توقف عن التلويح بعيونك هكذا، اذهب واصنع لنا القهوة!”
بينما كان “سام يونغ” يدخل المطبخ لإعداد القهوة، استمر الرئيس “هوانغ” في المزاح.
بينما كان “سام يونغ” يبتسم، سألته “هوانغ” عن السبب في استدعائها.
“آه! صحيح! لقد وجدنا حارس شخصي جديد لك، يا كانغ!”
“حارس شخصي؟”
“نعم! هذه المرة سيكون مختلفًا!”
ولكن في نفس الوقت، كانت قد خاضت عدة تجارب فاشلة مع أفراد الأمن السابقين الذين تركوها بسبب كوابيسها المستمرة.
قال الرئيس “هوانغ” وهو يداعب يديه: “اسم رئيس الأمن الجديد هو “هان سان”.”
فجأة، فتح الباب ودخل الرجل الذي كان قد تركت قلبها في تساؤل.
كان يرتدي بدلة سوداء، وكان طويلاً للغاية، وعيناه الرماديتان، وشعره الأسود لامعًا.
عرفت في لحظة أنه كان نفس الرجل الذي رأته في أحلامها.
“أنا هان سان.”
توقف قلبها، وعادت تلك الهمسات التي قالتها: “أريد أن آكل حلمك.”