Who made me a princess - 124
“آثاناسيا.”
في خضم تلك الفوضى، ناداها كلود باسمها أخيراً.
توقفت الأميرة عن التنفس وهي تواجه وجهه. هل أتخيل الأشياء؟ لم تستطع شرح الأمر بالكلمات، لكن شيئاً ما مختلف به.
“آثاناسيا.”
هذه ليست الطريقة التي نظر بها إليها والطريقة التي ناداها بها بالأمس. حدقت آثي بصمت في كلود عندما همس بهدوء باسمها مرة أخرى. أخيراً، ازدهر الهدوء على وجهه. كما لو أنه التقى أخيراً بالسلام بعد عاصفة، أصبحت عينيه هادئتان دون تردد.
وسرعان ما مد كلود يده نحوها.
“تعالي إلى هنا.”
فتحت آثي فمها دون وعي وتمتمت.
“أبي…؟”
رد عليها كلود دون تردد.
“نعم.”
الطريقة التي ينظر بها إليها مألوفة أكثر عن مما رأته بالأمس.
ولكن آثي ما زالت غير قادرة على تصديقه، فسألته بهدوء مرة أخرى.
“هل أنت حقاً أبي؟”
عبس كلود للحظات. أطلق تنهيدة صغيرة. ثم مد يده نحو خد آثي الرقيق.
“نعم، إنني والدكِ.”
وجهه اللا مبالي وصوته الفظ هو نفسه كالمعتاد. ومع ذلك، فإن الطريقة التي ينظر بها إليها ضغطت على قلبها بالدفء.
أدركت الأميرة أن ذكريات كلود المفقودة قد عادت. دون أن تستوعب، بكت آثي وهي تقفز نحو أحضان كلود.
“أ-أبـــــي…!”
اعتقدت أنها ستكون بخير حتى لو لم يستعيد ذكرياته أبداً، لكنها كانت تكذب على نفسها. كانت بالكاد تستطيع التنفس وكأنها التقت بشخص لم تقابله منذ فترة طويلة. شعرت آثي بذراعيه القويتين تعانقان ظهرها دون تردد، وفركت وجهها على صدر كلود.
آه… إنه أبي. إنه حقاً أبي.
“يبدو أنكِ أصبحتِ أثقل.”
“أبي، أيها الغبي.”
سمعت آثي ضحكة مكتومة منخفضة، وعانقت كلود بقوة أكبر في حالة إذا اختفى.
وفي صباح عامها الخامس عشر، عاد كلود إليها. كما قال لوكاس، كانت هذه أفضل هدية عيد ميلاد على الإطلاق.
********************
“جلالتك، من فضلك لا تقلق. سأحضر تلك الأميرة الشائنة، لا، الفتاة الشائنة وسأجعلها تركع أمامك.”
قال البارون كرزابا للإمبراطور خلال حفلة العشاء.
مع مزاجه السيء للغاية مؤخراً، لم يتحدث كلود بكلمة واحدة خلال حفلة العشاء. ومن ثم، أصبح من الطبيعي أن يصبح جو الحفلة ثقيلاً وصامتاً. من كلمات البارون كرزابا، تحركت عينا كلود نحو شخص ما للمرة الأولى. نظر كلود بقسوة إلى البارون، لكنه تحدث بحماس أكبر معتقداً أنه لفت انتباه الإمبراطور أخيراً.
“كيف تجرؤ على عصيان كلمات الإمبراطور والهروب؟ يجب جر المجرمين مثلها أمام الجميع ومعاقبتهم!”
“آه، بارون كرزابا، دعنا لا نتحدث عن مثل هذه الأشياء بينما نقيم وليمة.”
“ماذا تقصد بأن أتوقف؟ ماركيز إيرين، يبدو أن رد فعلك ضعيف جداً على هذه القضية. سمعت أن ابنتك تعرف الأميرة آثاناسيا. لذلك هذا هو السبب الذي يجعلك تعتقد أنه يجب عليك حماية المجرمة، أليس هذا يُعد خيانة لجلالته؟!”
“ماذا؟!”
توتر الماركيز إيرين للحظات، ولكن بعد إلقاء نظرة خاطفة على وجه كلود بالإضافة إلى النبلاء الآخرين الذين يحاولون بهدوء تجاهل الوضع، قرر إغلاق فمه.
وتمنى أن يصمت البارون كرزابا أيضاً. لسوء الحظ، ليس لدى البارون القدرة على قراءة الحالة المزاجية.
“يا إلهي! أنتم أيها الناس لا تفكرون حتى في جر تلك الفتاة، التي قال جلالته أنها مجرمة وليست أميرة! لكن جلالتك، من فضلك لا تقلق! ديون كرزابا سوف يمسك بتلك الفتاة بالتأكيد!”
نادى كلود على البارون بصوته الجليدي المنخفض.
“بارون كرزابا.”
“نعم، جلالتلك!”
“هل تريد أن تموت؟”
هـ-هاه…؟ شعر السيد كرزابا بالذهول من هذا الرد غير المتوقع من الإمبراطور. لا يعرف لماذا يبدو كلود غاضباً للغاية. على الرغم من أن الإمبراطور كان في مزاج سيء بشكل واضح حتى قبل بدء الوليمة، إلا أن مزاجه السيء للغاية الآن لا يمكن مقارنته بما كان عليه من قبل.
“هل يجب أن أقتلك؟”
قطعت هذه الكلمات الحادة الصمت.
نظر البارون كرزابا حوله بعينان حائرتان، لكن النبلاء الآخرين حدقوا في أطباقهم متجاهلين إياه. الشخص الوحيد الذي لا يفهم الوضع الحالي هو البارون كرزابا نفسه.
في نهاية المطاف، رفع كلود زاوية شفتيه بشكل خطير وابتسم.
“نعم، يجب أن أقتلك.”
تردد صوت تحطم في الغرفة.
شهق البارون كرزابا للحصول على الهواء. وفي غضون ثوان، وقع كرسي البارون فجأة على الأرض. انفجر الكرسي الصلب الذي كان موجوداً أمام الطاولة العملاقة. وفي وسط الحطام كان البارون كرزابا مستلقياً على الأرض.
ضجيج متفجر ملأ الهواء.
“آه!”
قوة قوية ضغطت على البارون كرزابا من الأعلى. شعر كما لو أنه يتم سحقه تحت صخرة ضخمة ألقاها عملاق على سبيل المزاح. تحت الضغط الشديد، بدأت الأوردة تظهر على وجه البارون. اعتقد أن عينيه ستخرجان من رأسه وسوف تتحطم عظامه إلى مليون قطعة. عندما شعر البارون بأن الموت يقترب منه، تمكن بشكل غريزي من فتح فمه للتوسل.
“غاه…! أ-أنا آسف…! آه، جلا… لتك…!”
“ما هو خطأك؟”
رن الصوت المنخفض المخيف في آذنيّ البارون.
“أننـ…ي… آه! أنني… تحدثت… عن هذا الموضـ… وع… في هذه الوليمة… المقدسة…”
“خطأ. إذا كنت لا تعرف، سأخبرك.”
كان البارون كرزابا عاجزاً عن الكلام.
“أنا لا أحب بروش ريش الطاووس الرخيص الذي ترتديه على ملابسك المثيرة للشفقة.”
شهق البارون بحثاً عن الهواء.
“الـ-المعذرة؟”
“إن أنفك الخشن والقبيح يكون قبيح، خاصة اليوم.”
“ما… ماذا…!”
“آه نعم، عند إلقاء نظرة فاحصة، أرى أن عينيك الملونتان القبيحتان مزعجتان.”
شهق البارون كرزابا للحصول على الهواء مرة أخرى عندما استمر الضغط. غير قادر على تحمل قوة الجاذبية الشديدة، بدأت عظام البارون في التكسر. أولاً، كُسرت عظمة ساقه اليسرى.
ثم معصمه الأيمن. التالي كان أضلاعه.
لما يحصل هذا لي؟! صرخ البارون كرزابا تحت الضغط. لم يستطيع تحريك إصبع قدم واحد.
“بعد بعض التفكير، أعتقد أن حقيقة أنك أيها الوغد تتنفس نفس الهواء الذي أتنفسه في نفس المكان هي المشكلة.”
ربما لأن البارون كرزابا ظن أنه قد يموت بالفعل، تبادر إلى ذهنه لأول مرة الإدراك الصحيح لما فعله.
“جلا… لتك… آه! أنا… أنا… كنت فقط…!”
هل هو هكذا لأنني دعوت الأميرة آثاناسيا بالمجرمة؟!
“آه…! أنا… فقط تجر… أت… على عدم… الإتفاق… مع… جلا… آه! لتك…!”
لكن اللورد كرزابا فكر أن هذه المعاملة ليست عادلة. قلت أنها ليست ابنتك! قلت أن نحضرها أمامك فوراً!
“عدم الإتفاق معي؟”
تردد صدى صوت كلود الجليدي المخيف في غرفة الطعام.
النبلاء الآخرون، الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم لتجاهل الوضع الحالي، شعروا جميعاً بأن ظهورهم غارقة بالعرق البارد. فكروا جميعاً في انسجام تام، لقد خطى هذا الوغد على لغم أرضي مرة أخرى!
“إذن، أنت ستقول بالضبط الكلمات التي سأقولها…”
هـ-هاه؟ عندما سمع البارون كلمات الإمبراطور الحادة، شعر أن هناك خطأ ما.
“… وأنت ستتصرف مثلي تماماً؟”
لقد كان إحساس البارون كرزابا صحيحاً. صلى النبلاء الآخرون بصمت من أجل البارون.
“هل أنت أيها الوغد تجرأت على قول ذلك الآن؟”
توقفت القوة التي كانت تضغط على جسده، لكن البارون كرزابا بطريقة ما لم يتمكن من تحريك جسده. مثل حافة سكين حادة للغاية، تسبب الصوت الجليدي فوق البارون في قشعريرة في جمجمته. وعندما هدده كلود بغضب، شهق البارون كرزابا بصوت عالي.
“لماذا، يجب أن تقول أيضاً أنك ترغب في الجلوس على عرش الإمبراطور.”
لم يكن البارون كرزابا يتخيل حتى مثل هذه الخيانة. خيانة! هذه خيانة! سأصبح مجرماً لجرأتي على التفكير في أن أصبح إمبراطوراً!
“جـ-جلالتك! هذا ليس صحيحاً! أنت تُسيء الفهم، جلالتك–!”
“اخرس.”
“آه! آكـك–!”
بعد ذلك، تردد صدى صرخة البارون في جميع أنحاء غرفة الطعام لفترة من الوقت.
“تسك تسك. لم يكن لديه عادةً ذرة من القدرة على قراءة الجو.”
“لقد أمر جلالته بالعثور على الأميرة آثاناسيا وإحضارها، وليس بجرها. لا أستطيع أن أصدق أنه لم يكن يعرف ماذا يعني ذلك.”
“بالإضافة إلى ذلك، إذا فقدت الأميرة آثاناسيا حقاً حب جلالته، فلم تكن لتكون قادرة على مغادرة حفلة مأدبة عيد الميلاد بقدميها. تسك تسك. كيف يمكن لشخص أن يكون بهذا الغباء.”
في النهاية، غادر الإمبراطور كلود الغرفة أولاً، وغادر النبلاء الآخرون الوليمة واحداً تلو الآخر وهم ينظرون إلى البارون كرزابا ملقى على الأرض. وبما أن فارس كرزابا الشخصي سيعتني بالبارون، لم يشعر الآخرون بالحاجة أو الالتزام بمساعدته. بالنسبة لهم، حقيقة أن كلود لم يقتل البارون كرزابا كانت معجزة في حد ذاتها. لقد تذكروا جميعاً كيف لم يُظهر الإمبراطور من قبل أي رحمة تجاه أولئك الذين أزعجوه. ومن ثم، فإنهم يرون الجثث يتم سحبها لخارج الباب…
أصبح الإمبراطور كلود وكأنه وحش هاديء بسبب قيلولة بفضل الأميرة آثاناسيا. لذلك فإن الشجار بين الزوج والزوجة… لا، الأب وابنته مثل تقطيع الماء بسكين — حتى بدون القدرة على قراءة الجو، يمكن لأي شخص أن يكون في المنطقة المحايدة إذا لم يفعلوا أي شيء. تسك تسك. صلى النبلاء بشدة من أجل عودة الأميرة آثاناسيا بأمان كل يوم لأنهم أرادوا الموت كلما واجهوا هالة الحقل الجليدي للإمبراطور كلود.
********************
“ما الذي يدور في عقلك؟”
الصوت الواضح الذي اخترق أذنيه أبعد كلود عن أفكاره. حرك عينيه ورأى جانيت جالسة أمام الطاولة، وتحدق به.
“تعبير وجه أبي ليست مُبهجة وأنا قلقة بشأن هذا.”
وبينما كانت تتحدث، كانت تنظر إلى وجه كلود، الذي كان وجهه مظلماً ومتجهماً، ونقر كلود على لسانه لأنه كان ضائعاً جداً في أفكاره.
“هل لديك أي مشاكل كنت تفكر فيها؟”
“لا، لا يستحق الأمر حتى القلق بشأنه في المقام الأول.”
“باختصار، أنت تقول إن هناك أشياء تشتت انتباه أبي.”
قلت ذلك بأسلوبي اللا مبالي المعتاد، كما لو لم يكن شيئاً، لكن جانيت لاحظت بسرعة.
تذكر كلود الوجه الذي التقى به. آثاناسيا، التي التقى بها وهو في طريقه إلى قصر الزمرد لوقت الشاي مع جانيت التي وعدها بها بالأمس.
[ماذا عليّ أن أفعل لكي تحبني؟]
عندما فكر في جلوسها عند قدميه، وتحديقها به بعينان دامعتان، صوت التوسل الذي سمعه منذ فترة طويلة ومض في ذهنه مرة أخرى.
[هل يجب أن أكون مثل جانيت، وهل ستحبني لذلك؟ هل ستناديني باسمي وتنظر إليّ بدفء في عينيك، كما تفعل مع جانيت؟]
[هذا لن يحدث حتى يوم وفاتي.]
[لماذا؟ أنا ابنتك أيضاً، وقد عشت هنا لفترة أطول بكثير منها.]
رد كلود على آثاناسيا ببرود، وهي تبكي بينما متشبثة به للمرة الأولى.
[أيتها الحمقاء. لم أعتبركِ ابنتي أبداً.]
بالنظر إلى الطريقة التي بدا بها تعبير وجهها في تلك اللحظة، لا بد أن كلمات كلود كانت قاسية جداً عليها. ولكن إذا عاد بالزمن مرة أخرى، فمن المؤكد أنه سيكرر نفس الكلمات، كلمة تلو الأخرى.
لأول مرة، قال كلود بصراحة ما كان يدور في عقله تجاه طفلة كانت تصطدم به، لذلك ليس من شأنه إن تأذت الطفلة من ذلك أم لا.
نعم، أنا متأكد من هذا……، ولكن لماذا أستمر في تذكر عينيها الدامعتان التي رأيتهما سابقاً هكذا. أملت رأسي قليلاً، بينما أضيق عينيّ.
لديها قلب كبير، وعلى الرغم من أنها لا تعرف ما الذي يثقل كاهل والدها، فقد أرادت أن تفعل شيئاً لتخفيف العبء.
“إذا كان هناك شيء يجعلك غير مرتاح، فمن الأفضل أن تغطيه وتتظاهر بأنه لم يحدث أبداً.”
تحركت عينا كلود عندما سمع كلمات جانيت، وجهها بريء وجميل مثل ملاك، وهي تتحدث.
“أو تخلص من سبب المشكلة.”
ارتعشت يد كلود، المستندة على الطاولة، للحظة.
“هذا حل غير متوقع.”
قال هذا، وعبست جانيت.
“أياً يكن، هذا الوجه العابس لا يناسبك، كنت أتطلع إلى وقت الشاي الذي يمكن أن نقضيه معاً منذ فترة، هل ستستمر في إظهار هذا الوجه المتصلب لي؟ هنا، دعني أعد لك بعض الشاي، الجريبيشا، إنها جيدة جداً.”
التقطت جانيت إبريق الشاي وسكبت الشاي في فنجانيّ الشاي، وسرعان ما حصل كلود على كوب دافيء من الجريبيشا أمامه.
“تفضل. هذا هو الشاي الذي سيزيل هموم أبي بضربة واحدة.”
عند الهمس الخبيث، تنهد كلود وابتسم قليلاً.
بالطبع، ليس هناك شاي يزيل الهموم، لكنها لم تفكر في الأمر مرتين، لأنها شعرت بالأسف على الشخص الذي أمامها. وسرعان ما رفع كلود فنجان الشاي. وجانيت لا تزال تبتسم له.
والغريب أن عقله استرخى ببطء. إنه شيء غريب، ولكن كلما يواجه جانيت وجهاً لوجه هكذا، يشعر بأن كل جزء من القلق يتبخر من عقله.
حسناً، لن يزعجني الأمر لأنني يمكنني نسيانه. أو كما قال الشخص الذي أمامي للتو، يمكنني أن أبعدها بعيداً.
بالطبع، قالت جانيت ذلك دون أن تدرك أن آثاناسيا هي التي جعلته يشعر بالإنزعاج.
“كيف هو طعم الشاي؟ لقد تحسنت كثيراً، أليس كذلك؟”
“هذا ليس سيئاً كثيراً.”
“ما المشكلة إذا أخبرتني أنه جيد؟”
ارتشف كلود الشاي مرة أخرى وهو يفكر في ما قالته.
—『أميرة محبوبة』الفصل 9، اليوم الذي يسبق العاصفة.
********************
“هل أنت حقاً أبي؟”
“نعم.”
عادت ذاكرة كلود.
بمجرد أن أدركت ذلك، بكيت بصوت عالي. لم أكن أعتقد أنني سأفعل ذلك أيضاً، لكن عندما وقفت أمام كلود، الذي نظر إليّ بعينان مختلفتان عن الأمس، انهمرت الدموع وكأنني كنت أنتظر منذ وقت طويل.
كلود، الذي كان يربت عليّ بينما أبكي وأنا أستند على صدره، بدأ يشعر بالذعر بينما صوت بكائي يعلو أكثر فأكثر.
“توقفي.”
توقفي، قال لي وأنا أبكي، وكأنني فقدت شيئاً ما. لا أعلم إن كان السبب هو مزاجه الحالي أم لا، لكن نبرة صوته مختلفة عن نبرة صوته وهو فاقد للذاكرة، حتى وهو يطلب مني ألا أبكي.
“آآآآآه……!”
“دموعكِ تبلل صدري.”
لأكون صادقة، ملابس كلود مبللة بالدموع. نظرت إليه باستياء قليلاً، وما زلت أبكي.
إيه، حتى لو كان ذلك صحيحاً، فهل يجب حقاً أن تقولها الآن، في هذه اللحظة، في هذه اللحظة العاطفية؟!!
“أنا أبكي، آه، لمن أبكي؟”
عبس كلود من كلماتي.
“أنا فقط قلت ذلك لإيقافكِ.”
فظاظة صوته جعلت أنفي يحكني وعينيّ تدمعان. استلقيت على صدره، وأنا أبكي، وقام بالتربيت على شعري وكأنه لا يتحمل النظر إليّ هكذا.
عيناه، اللتان كانتا مضطربتان للغاية قبل لحظات فقط، أصبحتا هادئتان مرة أخرى. لكنني استطعت أن أرى الإضطراب المُختفي فيهما وأدركت أن كلود ليس هادئاً كما يبدو.
انفجرت في البكاء تحت لمسته الخشنة، وفتحت فمي للتحدث على الرغم من ذلك.
“اشتقت لك.”
توقفت يد كلود فجأة عند سماع صوتي المكتوم. للحظة، أصبح تعبير وجهه غريب للغاية.
“لقد اشتقت لك، أبي.”
لم يسعني إلا أن أقول ذلك مرة أخرى، ثم تشبثت بملابسه وأنا أبكي، كما لو أن الرجل الذي أمامي سيختفي.
بعد فترة طويلة كلمة ‘أنا أيضاً’ اخترقت أذنيّ.
********************
توافد رجال البلاط والسحرة مرة أخرى إلى قصر جارنيت، وهتف كل منهم في رهبة أن جسد كلود في حالة جيدة لدرجة أنه من المدهش أنه طبيعي حتى.
إنه ليس مهدداً للحياة، لكن القوة، التي كانت غير مستقرة إلى حد ما حتى الأمس، أصبحت الآن مستقرة تماماً، وقد زادت قوته فجأة.
عند سماع الأخبار، كان أولئك الذين عرفوا بحالة كلود، وخاصة رجال البلاط في قصر الزمرد، الذين كانوا ينتظرونني بفارغ الصبر، في مزاج احتفالي تقريباً.
“واو، وجهكِ غريب.”
نظر لوكاس إليّ، وأنا عينيّ منتفختان من البكاء، وسخر مني.
الآن، هو في غرفتي، مستلقياً على الأريكة ويتناول الوجبات الخفيفة التي على الطاولة، وبدا طبيعياً جداً لدرجة أنه لم يبدو أنه كان بعيداً لفترة طويلة حتى الأمس فقط.
تساءلت أين ذهب بعد الليلة الماضية، لكنه كان في غرفتي. هل رأى اللقاء المؤثر بين الأب وابنته؟
أعرف كيف يبدو وجهي، لذلك فركت عينيّ بيدي ونظرت إلى لوكاس.
ثم لوكاس، الذي كان يفحص وجهي للحظة وهو يتناول وجبته الخفيفة، ابتسم وهو يضع طبقه نصف الفارغ جانباً.
“أنتِ ممتنة لي، أليس كذلك؟”
تساءلت عما إذا كان يعرف ما قاله، لكنني وافقت عليه.
“نعم، شكراً.”
بدا صوتي غريباً بعض الشيء بسبب عناق كلود والبكاء لأكثر من ساعة، وهو الأمر الذي كان محرجاً بعض الشيء، لكنني أعتقد أنه لا بأس أمام لوكاس.
بصراحة، شعرت بالرعب عندما قام بطعن الغصن الغامض في رأس كلود، لكن برؤيته وهو يعمل عليه بسرعة كبيرة أظهر لي أن شجرة العالم ليست عادية.
بالحديث عن ذلك، قال لوكاس بالأمس أنه أكل شيئاً أفضل من الثمار الذي ذهب ليحصل عليه. هل كان يقصد غصن شجرة العالم؟
إذن لقد قدمت لي شيئاً قيماً جداً في عيد ميلادي، وليس فقط لكلود، ولكن لي أيضاً. لقد شعرت أنني بحالة جيدة منذ أن استيقظت، لذلك ربما لم أدرك ذلك، أو ربما كنت أشعر ببعض الاضطراب منذ انفجار سحري.
“لولاك، لم أكن لأعرف ماذا سأفعل.”
لم أقل ذلك، لكنني كنت أبحث عن طريقة لإستعادة ذاكرة كلود طوال هذا الوقت.
حتى أنني ذهبت إلى الجد، رئيس البرج، الذي يطمع في دمي وشعري في كل فرصة، وسألته إذا كان هناك أي شيء يمكنني القيام به، لكن جميع السحرة في البرج هزوا رؤوسهم قائلين إن السحر الروحي نادراً جداً بين السحر العام، ويجب ألا أحاول القيام بذلك، لأنه قد يحدث خطأ ويكون له عواقب خطيرة.
كنت أتمنى أن أقابل ساحر البرج الأسود، الذي كان كلود قد وصفه سابقاً بأنه مزيف، لكن قيل لي إنه اختفى مرة أخرى.
لم تكن كتب التعاويذ التي وجدتها في أتلانتا، ولا الكتب التي تتحدث عن تاريخ السحر، تحتوي على أي تعويذات يمكنها استعادة الذكريات المفقودة. لقد بحثت حتى في الكتب المحرمة في القصر، لكن السحر الوحيد الذي يبدو مفيداً هو السحر الأسود الذي يظهر كهالة مريبة.
لكن الأهم من ذلك كله أنني لم أستطع استخدام مثل هذا السحر الخطير على كلود دون ضمان سلامته.
“إذن أنتِ مدينة لي؟”
لذلك أنا حقاً أدين للوكاس بدين كبير من الإمتنان، لأنه حتى عودته، لم أستطع فعل أي شيء.
“هل هناك شيء تريده مني؟”
ومع ذلك، عندما قالها لوكاس بابتسامة كبيرة على وجهه، جعلني ذلك حذرة. كانت استعادة كلود لذاكرته بمثابة أمر مهم وكبير بالنسبة لي، لذلك لا أستطيع أن أتخيل ما الذي قد يريده لوكاس في المقابل.
“دعينا نأخذ الأمور ببطء، حسناً؟”
لكن لوكاس كان رائعاً حيال ذلك.
“هل تقول هذا لأنك تريد شيئاً مني؟”
“لا، فكرت أنه لن يضر أن أجعلكِ مدينة لي بمعروف.”
لوكاس، أنت…… لقد فكرت في الأمر من قبل، ولكن أعتقد أنك ستكون مناسباً للعمل كمقرض.
آه، نعم. على أي حال، سأتأكد من رد الدين يوماً ما. ألقيت نظرة سريعة على لوكاس، الذي بدأ يأكل الحلوى التي أعدتها له ليلي، وبعد لحظة سألته.
“ولكن من أنت حقاً؟”
“لوكاس. أنتِ تعرفين اسمي، أليس كذلك؟”
“ليس هذا ما قصدته.”
“أنا لا أعرف ماذا تقصدين.”
مرر لوكاس سؤالي ببساطة. لم أشعر أنه يخفي أي شيء، لكن لم أشعر أيضاً أنه أعطاني إجابة مباشرة، مما جعل الأمر يبدو غريباً.
أصبحت متوترة بشأن ما إذا كان لوكاس متردداً في إخباري من هو أم لا، لذلك قررت عدم إجراء المزيد من التحقيق، كما كنت أفعل.
“هل هناك أي شيء آخر تريدين أن تقوليه؟”
“ماذا تقصد؟”
“كمثل أن تقولي لم أستمع إليك وهذا ما حدث.”
“أوه، حسناً.”
أخذ لوكاس قضمة من آخر قطعة بسكويت وقال.
“لأنها أنتِ، كان لا بد أن يحدث ذلك في مرحلة ما، وبصراحة، أنا مندهش أنكِ لا تزالين على قيد الحياة، ناهيكِ عن والدكِ. أعني، قلتِ إن والدكِ كاد أن يموت بدلاً منكِ، أليس كذلك؟ لم أعتقد أنه سيكون هناك شخص مجنون يحاول أن يعترض انفجار سحري لشخص آخر. هذا مثل محاولة انتحار. إنها معجزة أنكِ نجوتِ.”
آه، لقد طعنتني كلمات لوكاس، لكن ردة فعله غريبة إلى حد ما ولم يقل لي أي شيء آخر. توقعت منه أن يسخر مني لأنني فعلت شيئاً غبياً.
“لكن بصراحة، أنا لا أهتم حقاً إذا مات والدكِ أم لا، ولديكِ ما يكفي من القوة الآن وهي مستقرة.”
آه، أنت لا تزال وقحاً، ألا تعتقد أن هذا مبالغاً به جداً؟ أيها الأحمق…….
لكن من الناحية الفنية، هذا كلام لوكاس، لذلك لا يهم حقاً. يجب أن أكون ممتنة لأنه كان على استعداد لمساعدتي.
“وهذه المرة، ليس بالضرورة أنه خطأكِ.”
هل من المفترض أن يكون هذا لإراحتي؟ أنت تفعل شيئاً عكس شخصيتك.
“بالتفكير في الأمر، ألم تخبرني في ذلك اليوم أنك ستأخذ مني شيئاً مقابل عدم أكل بلاكي؟”
ثم تذكرت فجأة شيئاً حدث من قبل وفتحت فمي. في المرة الأولى التي التقيت فيها بلوكاس في قصر روبي، أعتقد أنه قال شيئاً عن عدم أكل بلاكي أو شيء من هذا القبيل، وأنه سيأخذ شيئاً آخر مني؟ لقد مر وقت طويل، لذلك ذاكرتي مشوشة.
“أوه، هذا. لقد حصلت عليه بالفعل.”
“ماذا؟ ماذا أخذت؟”
أوقفني رد لوكاس في مكاني. في هذه الأثناء، أراد الشوكولاتة الموجودة على الطبق، بعد الحلويات التي انتهى للتو من تناولها.
“إنه ليس بالأمر الكبير، اعتقدت أنني لن أشعر بالملل من حولكِ، لكنني استمتعت أكثر مما كنت أعتقد أنني سأفعل حتى الآن، لذلك أعتقد أن هذا ثمن بسيط قد دفعتيه.”
كانت إجابة لوكاس غير متوقعة.
إذن…… هل تعتقد أنه من المضحك أنك أخذتها مني أو شيء من هذا القبيل؟
“ما هذا، هل هذه هي كل الشوكولاتة الموجودة؟”
ماذا؟ الشوكولاتة لم تكن ملكك من البداية!
نظرت بعدم تصديق إلى لوكاس، الذي يأكل الشوكولاتة، وسواء كان يعلم ذلك أم لا، فقد أحصى عدد الشوكولاتة الموجودة على الطبق ونظر إليّ بنظرات ساخطة.
نظر إليّ لوكاس، الذي كان قد تناول للتو قضمة من الشوكولاتة الموجودة على الطبق، وقال.
“الآن بعد أن فكرت في الأمر، أنا لا أمانع أن يموت والدكِ، ولكن سيكون الأمر سيئاً نوعاً ما إذا متِ أو تعرضتِ للأذى.”
هاهاها. إذن أنت تقول أنك منزعج لأن اللعبة التي تلعب بها كانت ستختفي فجأة؟ هل يجب عليّ أن أنحني لك لأشكرك على هذا؟ حدقت في لوكاس بحدة.
“إنها شوكولاتة رائعة. هل هناك المزيد؟”
لا، أيها الوغد!
********************
“مرحباً يا أميرة. جلالته في انتظاركِ.”
حديقة تزهر بالزهور الأرجوانية. سرت على العشب نحو المكان الذي يكون فيه كلود، وأخيراً، بعد لحظات قليلة، رأيته، عند الزهور الأرجوانية.
لم يكن يجلس على كرسي في انتظاري، بل يقف تحت ضوء الشمس بجوار شجيرة مزهرة. تجمدت في مكاني.
“لماذا تقفين هناك؟”
يبدو أن كلود علم أنني هنا بالفعل. وسرعان ما أدار رأسه نحوي، وأنا أقف في مكاني، أراقبه من بعيد قليلاً.
“اقتربي.”
توقفت مكاني للحظات عند مناداة كلود، ثم توجهت نحوه وعانقته بقوة.
“ماذا تفعلين؟”
للحظة، جفلنا معاً. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي نعانق فيها بعضنا البعض، لكن بدا الأمر جديداً، ربما لأنه لم نكن مقربين كثيراً أثناء فقدانه للذاكرة.
هززت رأسي، وما زلت أعانقه، ابتسمت لكلود.
“لديكِ تعبير وجه سخيف.”
ثم نقر على أنفي بإصبعه، وتنهد.
“هذا صحيح، آثي حمقاء تحب أبيها!”
تراجعت خطوة للوراء ورفعت ذراعيّ وقمت له بشكل قلب بأصابعي.
هذه أنا، زهرتك! هنا، خذ هجومي العاطفي الذي طال انتظاره! كما توقعت، تمنيت أن يتأثر كلود بشكل خطير ويتعثر…… كان من الممكن أن يكون أمر جيد، لكنه لم يحدث.
إجفال.
أنزلت يديّ ببطء وأنا أشاهد تعبير وجه كلود يبدأ بالبرود. حسناً، لقد مر وقت طويل منذ أن كنت في موقف كهذا، لذلك ربما لم يكن عليّ أن أفعل هذا.
“هناك نسيم مفاجيء. الجو بارد نوعاً ما اليوم.”
لا أستطيع أن أصدق أنني أقوم بهذه الفوضى بنفسي، إيك.
“لقد قلت أن هناك حلوى هناك، فلنذهب.”
تجاوزت كلود وسرت أمامه، محاولة إخفاء ارتباكي.
بعد ساعة.
“أعتقد أنني أشعر بالحر قليلاً، لذلك ارتديه أنتِ.”
قال كلود وهو يضع الرداء الذي كان يرتديه فوق كتفيه عليّ.
“لماذا أنت تشعر بالحر؟ بعد كل شيء، القلب الذي أعطيته لك كان دافئاً……”
“لا أعرف ما الذي تتحدثين عنه.”
قال كلود، لكنني ابتسمت له. في الواقع، لم أكن أشعر بالبرد حقاً.
ومع ذلك، لم أرغب في نزع الرداء الذي أعطاه لي كلود للتو، لذلك وضعت رداءه على كتفيّ.
“بالتفكير في الأمر، هذا غريب. كيف عرفتِ أنني كنت في غرفتي في الصباح الذي استعدت ذاكرتي فيه؟”
تباً!
كنت في مزاج جيد عندما قاطعني كلود، الذي كان يتمتم لنفسه وهو يفكر بذلك.
“آه، الطريقة الغريبة التي يفكر بها أبي……”
“في الليلة السابقة، رأيتكِ في غرفتي مع شخص ما……”
“واو. أبي، لا بد أنك افتقدتني كثيراً، لأنني بطريقة ما استيقظت في ذلك الصباح وافتقدتك كثيراً أيضاً! أعتقد أننا متوافقان، أليس كذلك؟”
قبل أن أعرف ذلك، ضحكت وقاطعت كلماته.
ولكن لكي أشرح ما حدث في اليوم السابق، يجب أن أتحدث عن لوكاس، ولا أعرف إلى أي مدى يمكنني أن أتحدث عنه……
لوكاس هو بمثابة منقذي، لكنني لا يجب أن أتحدث عنه دون موافقته.
حدق كلود في وجهي وكأنه شعر بشيء مريب بشأني. لم أقصد خداعه، ولكنني قد فعلت ذلك بالفعل دون أن أدرك ذلك، وتصبب عرق بارد في ظهري.
“حسناً إذن.”
وبعد فترة وجيزة، استدار بنبرة صوت غير مبالية، مما جعلني أشعر بطريقة ما بعدم الإرتياح، وكأنه قال، ‘سوف أترك هذا الأمر يمر بسبب جهودكِ’ ماذا؟ هل هذا الشخص يعرف شيئاً ما؟
هذه المرة ضيّقت عينيّ وفحصت وجهه، لكن كلود لم يظهر أي تغيير في تعبيرات وجهه، لذلك في النهاية لم يسعني سوى أن أهز رأسي وأسير خلفه.
“نعم، قلت لكِ أنني سأعطيكِ النجوم والقمر؟”
“سعال!”
وبعد لحظات، صدمني كلمات كلود للمرة الثانية، فسعلتُ، وبصقت الشاي من فمي. أوه، لا! ما الذي تتحدث عنه!
كلود، دون أن يزعجه ذعري، واصل سلسلة من الكلمات اللامبالية. لكنها كانت كافية لتوجيه ضربة مزدوجة وثلاثية.
“أتذكر أنها كانت قصة مثيرة للإهتمام للغاية. ألم أخبرك أنني أهتم بكِ كثيراً لدرجة أنني أستطيع أن أقدم لكِ أي شيء؟”
“هـ-هذا!”
هذا بالضبط ما قلته لكلود أثناء فقدانه للذاكرة! كنا معاً على القارب قبل عيد ميلادي، وخطرت لي فكرة خبيثة لمضايقته، وهذا هو رده!
وكما تبين، فإن الهدوء بيننا لم يدم طويلاً.
لم أعتقد أنه سيتحدث عن الماضي بهذه الطريقة، لكنه فعل ذلك. ارتشف كلود فنجان الشاي على مهل، وتركني في حالة من الإرتباك.
كافحت لأُهديء نفسي وفتحت فمي.
“ها، لكنها ليست كذبة، أليس كذلك؟”
قررت أن أكون وقحة.
نعم، أنت تحبني، ولا فائدة من التظاهر بخلاف ذلك الآن!
“أنا أعلم أنك تحبني حقاً، أبي.”
رفع كلود حاجبه عند كلامي، لكن لسبب ما، لم يقل أي شيء رداً على ذلك، فقط حدق في وجهي بنظرات غريبة. إنه لا ينكر ذلك، أليس كذلك؟ لماذا لا يزال صامتاً؟
بالطبع، لم يجعل ذلك تعبيره أقل غرابة، لكن على الأقل لم يرد كلود على كلماتي بـ’هراء’ أو ‘أنتِ تحلمين’. كنت أتوقع سخرية أو شيئاً من هذا القبيل، لكن ما هذا؟
“آثاناسيا.”
بعد لحظات قليلة، ناداني كلود باسمي، واعتقدت أنني على وشك الحصول على ردة الفعل التي كنت أتوقعها. لكن الكلمات التي خرجت من فمه لم تكن كما توقعت.
“أنتِ ابنتي، بغض النظر عما يقوله أي شخص.”
تحت أوراق الشجر المهتزة، حيث يوجد الضوء والظل، نظر كلود إليّ.
“حتى يوم موتي…… لا، حتى لو مت، فهذا لا يغير حقيقة أنكِ ابنتي.”
أعتقد أنه كان في تلك الثانية. الجزء الجبان مني الذي لا يرغب في أن يتأذى منه طوال هذا الوقت، وكان يستعد لإيذائه بدلاً من ذلك، انهار، ولم يترك حتى حفنة من الغبار خلفه.
“لذلك لا تنسي هذا تحت أي ظرف من الظروف.”
عندما استدار كلود ونظر إليّ وهمس بذلك بصوت منخفض.
فكرت بهذا دون أي أكاذيب.
“نعم.”
كما فعل هو في الماضي، سأموت بكل سرور من أجل الشخص الذي أمامي في أي لحظة.
“أنا أعرف.”
ليس هناك عودة الى الوراء الآن؛ لا أستطيع العودة للعيش بمفردي تماماً، وعدم الإعتماد مطلقاً على أي شخص، ولا أستطيع غض الطرف عن التدفق الساحق من العاطفة التي أتلقاها الآن.
“أنا أعرف أنني ابنة أبي.”
لذلك ربما إذا خسرت هذا الشخص، ستكون تلك هي اللحظة التي سأنهار فيها تماماً بدون أن أستطيع النهوض مرة أخرى.
“لن أنسى ذلك أبداً.”
ومن الآن فصاعداً، سأفعل كل ما في وسعي لحمايته، حتى لو يعني ذلك المخاطرة بكل ما أملك، حتى أتمكن من أن أكون بجانبه كما أنا الآن.
“لذلك لا تنسى أنت أيضاً يا أبي.”
ابتسمت لأبي. آمل سراً أن يكون سعيداً بجواري مثلي.
********************
“أنا مسرور للغاية لأن جلالته استعاد ذاكرته.”
قال فيليكس ونحن نخرج من القصر. لقد أصبح الفارس المرافق لي مرة أخرى، بأمر من كلود، وسرنا معاً نحو قصر الزمرد.
قلبي، الذي كان ينبض ببطء خلال لقائي مع كلود، زاد نبضه الآن، كما لو أنه سينفجر على الفور إذا طعنه شخص ما. ربما كان ذلك بسبب تلك المشاعر التي ملأت صدري منذ وقت سابق وكانت تستمر بالظهور.
أوه، لسبب ما أشعر أنني أستطيع فعل أي شيء الآن.
في تلك اللحظة سمعت صوت شيء بداخلي يرفرف بجناحيه. حركت يدي ببطء، مدفوعة بقوة مجهولة. شعرت بفيليكس ينظر إليّ بحيرة من تصرفاتي المفاجئة. لوحت بيدي بخفة في الهواء.
أوه!
في تلك اللحظة حدث شيء مذهل أمامي.
“أميرة……؟”
تردد صوت غير مصدق ومذهول في أذنيّ. شهق الفرسان ورجال الحاشية الذين تبعوني مع فيليكس.
هاه.
تحول ما أمامي من اللون الأخضر إلى ألوان عديدة في لحظة. من المدهش رؤية شجرة مليئة بأوراق جديدة ذات ألوان مخططة تبدأ في التفتح في انعكاس موسمي.
رفعت يدي إلى أعلى قليلاً، وفجأة، أزهرت الزهور بشكل يشبه فصل الربيع. وسرعان ما شهدنا حيث نقف عرضاً رائعاً للزهور الملونة.
“أوه يا إلهي……”
“ماذا بحق خالق الجحيم هو هذا……”
سمعت صوت زقزقة الطيور، ومن خلالها سمعت الناس يشهقون من المفاجأة، وسرعان ما تلاشت هذه الأصوات في الهواء.
رائحة الزهور الحلوة غطت جسدي كله. هذا الإمتلاء، هذا الفيضان، ملأني من الرأس إلى أخمص القدمين.
كان هذا هو السحر الأول الذي صنعته في هذا العالم، وهو المظهر الأكثر اكتمالاً برأيي.
********************
“ماذا؟ قولي ذلك مرة أخرى.”
لوكاس، الذي يتناول الوجبات الخفيفة في غرفتي، نظر إليّ كما لو أن ما سمعه للتو أمر سيء.
لكنني خشيت أنه إذا أخبرته بما كنت أفكر فيه بمجرد لقائنا، فإنه سيشعر بغرابة أكثر، لذلك حاولت أن أُبقي المحادثة عادية. لقد دفعت كل الحلويات التي أعدتها لي ليلي إلى لوكاس!
حسناً، إذا كنت لا تزال فضولياً، فربما يستحق الأمر أن أكرر ما قلته.
أخذت نفساً عميقاً وقلت مرة أخرى للوكاس، الذي لا يزال عابساً.
“اجعلني تلميذتك!”
********************
“أريد أن أدرس السحر بطريقة أكثر تنظيماً، هل تعتقد أن البرج يمكن أن يساعد؟”
كان ذلك بعد وقت قصير من قطع الطريق من قصر جارنيت إلى قصر الزمرد، وهو حقل من الزهور. اعترفت بكل تواضع أن حقيبتي من الحيل تكون قصيرة وذهبت لرؤية جدي، رئيس البرج الأسود.
آه، بالتأكيد، ما زال يجعلني أشعر بالذعر لأنه يسعى لدمائي في كل مرة أراه فيها، لكن بعد عدة زيارات، اعتدت على ذلك، لذلك لم أمانع. والآن بما أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بي، حتى لو كان ذلك بسبب كلود، فأنا متأكدة من أنه لم ينسى ما حدث أبداً……
إجفال.
نظرت بعيداً عن الفتحة الكبيرة في السقف. كان من المفترض أن يكون البرج الأسود هو المكان الأكثر حرية لإستخدام السحر، ولكن قيل إن كلود أصبح غاضباً وقام بتقييد استخدام السحر لإصلاح البرج. ونتيجة لذلك، لا يزال للبرج الأسود سقف جيد التهوية.
شعرت بالذنب إلى حد ما في كل مرة رأيتها، لكن يبدو أن السحرة لا يهتمون كثيراً بحالة البرج.
“الحديث عن المساعدة من البرج……”
“أريد فقط أن أتعلم كيفية القيام بالسحر بشكل صحيح أكثر.”
“على الرغم من أنه لم يكن هناك وقت طلبت فيه العائلة الإمبراطورية رسمياً مساعدة البرج لممارسة السحر.”
نظر إليّ الرئيس بنظرات غريبة وتمتم بشيء غامض لم يكن رفضاً ولا موافقة.
“أليست الأميرة تستخدم سحرها بالفعل بحرية؟ تنتشر الشائعات بالفعل في القصر بأنها جعلت الربيع يزدهر في القصر الإمبراطوري.”
“لقد علمت نفسي، لذلك لا يزال هناك الكثير الذي أحتاج إلى معرفته، وقد سمعت أن البرج الأسود لديه سحرة عظماء معترف بهم من قِبل القارة، وليس فقط أوبيليا.”
اهتزت زاوية فم الرئيس لا إرادياً بينما كنت أتحدث.
قال إن ممارسة السحر في العائلة الإمبراطورية كان يتم التعامل معها داخلياً لأجيال، ولذلك كلود قادر على ممارسته بشكل طبيعي منذ البداية، دون الحاجة إلى التعلم من أي شخص.
لذلك لم تفهم لماذا عليها أن تدرسها بمفردها. هل أنا فقط أم أن كل العباقرة من حولي لا يمكن المساس بهم؟
“إذن…… ماذا عن ذلك الرجل لوكاس؟”
“لوكاس؟”
تجمدت عند سماع الإسم المألوف الذي خرج من فم الرئيس.
“نعم، أكره أن أقول هذا، لكنه إضافة مفيدة لبرجنا، وقد قضى بعض الوقت كصديق للأميرة، لذلك أنا متأكد من أنكِ ستشعرين براحة أكبر معه أكثر من السحرة الآخرين. ليس الأمر أنني أريد التخلص منه، هيهيهي.”
آه، المعذرة، لا أعرف إذا كنت مخادعاً، لكن لدي شعور بأنك ربما كنت صريحاً كثيراً الآن.