أصغر خادمة أخفت كل شيء - 2
مهما كان القرار الذي اتخذته، فأنا ما زلت الآن مجرد يتيمة بائسة، غارقة حتى النخاع كفأر مبتل.
بينما كنت أمشي بخطوات ثقيلة، تُساقط قطرات الماء من أطراف ملابسي المبللة، دخلت إلى دار الأيتام.
حينها، غطى رأسي منشفة سميكة، وصوت صارم بدأ يعاتبني. كان صوتًا مألوفًا.
“هل جننتِ؟”
“ري… كح كح!”
“كيف تجرأتِ على تحدي تلك السيدة المجنونة؟ هل ترغبين في الموت حقًا؟”
الشاب الذي وضع المنشفة على رأسي همس بصوت خافت وهو يفرك المنشفة على شعري بقوة، كانت انتقاداته حول ضرورة تجفيفي بسرعة في هذا البرد حتى لا أصاب بالزكام تخترق أذني.
بغرابة، وجدت نفسي أضحك. ليس فقط لأن كلمات القلق هذه كانت الأولى منذ وقت طويل، بل لأن عبارته الصريحة كانت مدهشة بطريقة ما.
“السيدة المجنونة.”
كان أطفال دار الأيتام يطلقون هذا اللقب سرًا على تلك السيدة النبيلة.
أمام النبلاء وأفراد العائلة الملكية والكهنة، تتظاهر وكأنها ملاك. ولكن أمامنا نحن، تكشف عن وجهها الحقيقي المجنون.
كما فعلت للتو عندما دفعتني في الماء.
“شعركِ قد جفّ قليلاً. اذهبي بسرعة وغيّري ملابسك، تي.”
“شكرًا، ليندل. في النهاية، أنت الوحيد الذي يهتم بي.”
“…من الجيد أنكِ تعرفين ذلك.”
أحمرّ وجه ليندل قليلاً بينما كان يخدش خده بخجل.
عندما نظرت إليه مجددًا، أدركت كم كان صغيرًا حقًا.
كم كان عمره حينها؟، ثلاثة عشر عامًا؟، كان يكبرني بأربع سنوات.
كان ليندل هو الشخص الوحيد الذي شعرت بأنه مثل العائلة لي، خاصةً أنني لم أرَ عائلتي الحقيقية أبدًا.
منذ أن كنا نتسكع معًا في الشوارع قبل دخولنا إلى دار الأيتام، كان دائمًا بجانبي.
‘لا أتذكر حتى متى أو كيف التقينا. هل كان ذلك لأننا كنا صغارًا جدًا حينها؟’
لهذا، كان ليندل بالنسبة لي كالأخ الأكبر.
دخلنا معًا إلى دار الأيتام يدًا بيد.
كان ليندل الوحيد الذي يعتني بي ويساعدني هنا.
ثم…
‘ومن المقرر أن يموت قريبًا. وذلك أيضًا… على يد سيرين.’
حتى لو كان ذلك فقط، كانت رؤية هذا الواقع تثقل قلبي.
ولكن الأمر أكبر من ذلك. كان الألم يخترق صدري.
‘ليندل… مات بدلًا مني.’
سواء في حياتي السابقة أو الآن، كان هذا الدار مكانًا صغيرًا وبائسًا.
لم أفهم أبدًا لماذا عائلة دوقية أثيريون تتبرع لمكان كهذا.
لكن الأطفال هنا كانوا يعرفون السبب جيدًا.
‘إنه منزل اللعب الخاص بسيرين.’
كان أيتام هذا الدار هم لعب سيرين.
كانت سيرين تزور هذا المكان أحيانًا، تعبث بلعبها أو تحطمها، وفي أوقات أخرى، تأخذ طفلًا لتستخدمه كلعبة جديدة.
كان ليندل واحدًا من الأطفال الذين أُخذوا ثم ماتوا.
في الواقع، عندما جاء دور ليندل، كنت أنا من تم اختياري لتصبح “اللعبة”.
كان الأطفال يعرفون سيرين جيدًا، ولم يكن أي منهم يرغب في الذهاب طوعًا، لذلك لجأنا إلى القرعة لتحديد من سيرسَل.
وكانت الورقة التي سُحبت في يدي.
“هذا… كان من المفترض أن يحدث اليوم.”
في تلك اللحظة، كان ليندل هو من أخذ الورقة من يدي المرتعشة.
“لي… ليندل؟”
“أنتِ… هذا خطير! أنتِ تعرفين ذلك!”
“الطفل الذي ذهب آخر مرة مات خلال ثلاثة أشهر فقط!”
كان ليندل طويل القامة، وسيمًا، وطيب القلب، مما جعله محبوبًا في دار الأيتام.
كان الأولاد يعتبرونه قائدهم، وكانت الفتيات ينظرن إليه كأول حب لهن. لم يرغب أحد في أن يكون ليندل بديلًا لي.
باستثناء ليندل نفسه.
ابتسم الصبي تلك الابتسامة المشرقة التي اعتدت عليها.
“إنها فرصة للعمل لدى عائلة الدوق، كيف أضيع مثل هذه الفرصة؟”
ثم، بينما كان يمسح على رأسي المليء بالقلق، همس: “لا تقلقي. سأكون بخير.”
“لكن، ليندل…”
“سأحقق النجاح بسرعة وأعود لأخذك.”
وهكذا، ذهب ليندل بدلًا مني إلى عائلة دوق أثيريون.
وبعد بضعة أشهر، وصلنا خبر وفاته.
لم أستطع منع دموعي من الانهمار، رغم أنني اعتقدت أنني جففت كل شيء بداخلي.
لكن حتى تضحية ليندل لم تنهِ علاقتي الملعونة مع سيرين.
لو كانت كذلك، لما كنت سأحظى بفرصة للعودة والعيش مجددًا.
كانت سيرين مختلفة تمامًا عن صورتها العامة.
كان النبلاء والكهنة والجماهير يرونها كفتاة لطيفة تستحق لقب “المختارة، السيدة الملائكية، قديستنا النبيلة.”
هذه هي الألقاب التي نُسبت إليها.
لكن ذلك كان بعيدًا كل البعد عن حقيقتها.
كانت سيرين تتصرف كقديسة أمام الآخرين، ولكن عندما لا تستطيع السيطرة على غضبها أو عندما تحدث أمور سيئة، كانت تبحث عن أشخاص “يجدر بها معاقبتهم”.
عادةً، كانت تختار أيتامًا بلا معيل… أو أسرى في السجون.
“وفي حالتي، كنت الاثنتين.”
في دار الأيتام، كنت يتيمة.
وعندما عملت كخادمة في القصر الملكي، واكتشفت سيرين هويتي الحقيقية، أصبحت أسيرة في السجن.
كانت سيرين المنقذة التي خلصت سكان القارة والعائلة الملكية من لعنة الشياطين.
“بفضل دمي، بالطبع.”
كي يطلق الأثر المقدس قوته في التطهير، كان بحاجة إلى دمي.
-“يا لها من نعمة أننا اكتشفنا أن الأثر المقدس يتفاعل مع دم أفراد عائلة أثيريون المباشرين.”
-“لا حاجة للشخص نفسه، يكفي الدم وحده لتفعيل الأثر.”
-“كما توقعتِ… أنتِ مجرد كيس دم.”
-صفعة!-
أمسكت سيرين بشعري بعنف، حتى كادت شعيراتي الباهتة تنقطع.
“انظري إلى هذا الشعر البائس الذي يشبه الجرذان، من الواضح أنكِ لستِ من السلالة المباشرة الحقيقية.”
كانت بنات العائلة المباشرة لعائلة أثيريون معروفات بشعرهن الفضي المتلألئ، حتى أمي، في الصور المرسومة، كانت تمتلك هذا الشعر الفضي.
لكنني، ولسبب لا أعرفه، وُلدت بشعر بني عادي.
كانت سيرين تضحك بتفاخر بينما تشير إلى ذلك.
“من الواضح أنني القديسة الحقيقية.”
وكما قالت، كان شعرها يبدو أكثر إشراقًا باللون الفضي من شعري، رغم أنني كنت السليلة الحقيقية.
وهكذا، قضيت أيامي في الزنزانة، أُعامل كالحيوانات، يُسحب مني الدم يومًا بعد يوم، حتى مِتّ.
—
كما في حياتي السابقة، كانت القرعة لتحديد “اللعبة” تقع في يدي.
حتى عندما تعمدت اختيار ورقة من مكان مختلف، انتهى بي الأمر بالحصول على الورقة نفسها.
ابتسمت بسخرية.
“انتظري!”
مرة أخرى، تصرف ليندل كما في حياتي السابقة.
مد يده وأخذ الورقة مني.
“آسف يا تي. سأحتفظ بهذه.”
“……”
“إنها فرصة للعمل لدى عائلة الدوق، لا يمكنني تفويت شيء كهذا.”
ابتسم ليندل نفس الابتسامة التي تذكرها قلبي، وقال نفس الكلمات التي قالها من قبل.
لكن هذه المرة، لم أحاول إيقافه أو الاعتراض.
‘لا بأس، الأمور ستكون مختلفة هذه المرة. على أي حال…’
-دووووم!-
انفتح باب مكتب مدير دار الأيتام بعنف.
كانت الخادمة التي دفعتني إلى البحيرة هي من دخلت، بلا احترام.
وقف ليندل، ممسكًا بالورقة، ليواجهها.
“أنا من تم اختياره هذه المرة، أرجو أن تعتمدي عليّ…”
“تنحَ جانبًا.”
“ماذا؟”
جذبه الخدم الذين رافقوا الخادمة وأبعدوه.
ثم أشارت إليّ بإصبعها بابتسامة قاسية.
“جهزوا هذه.”
“ماذا؟”
كانت هذه سابقة غير معهودة، فتملك الحيرة مدير دار الأيتام والمعلمين.
“سيدتي الكريمة مليئة بالرحمة، لقد قررت منح هذه الحمقاء الغبية فرصة خاصة، اعتبريه شرفًا.”
حلّت بين أطفال دار الأيتام موجة من الذهول والارتياح.
‘آه، يبدو أنني كنت مستهدفة منذ البداية.’
‘حقًا، لماذا تقفين في المقدمة بحماقة وتعرضين نفسك؟’
‘كما لو أن دفعك في البحيرة سيكون كافيًا للعفو عنك’
كان واضحًا أن “اللعبة” هذه المرة قد تم اختيارها مسبقًا منذ البداية، والكل شعر بالراحة لأن الاختيار لم يقع عليهم.
الجميع باستثناء شخص واحد.
“هذا غير ممكن! لا يمكن أن يحدث ذلك، تيي!”
ابتسمت له بابتسامة مشرقة، مثل تلك التي رأيتها على وجه ليندل في حياتي السابقة.
“لا بأس يا ليندل، هل تعتقد أن فرصة مثل هذه للعمل لدى عائلة الدوق ستتكرر؟، يمكنني القيام بذلك!”
كررت له الكلمات التي قالها لي في حياتي السابقة بابتسامة هادئة، تجمد ليندل للحظة، لكنه ازداد غضبًا بعد ذلك.
“قلت لكِ، لا يمكنك! هل تريدين الموت؟”
حين لم تفلح كلماته معي، توجه إلى المدير وحاول إقناعه.
“هذه الفتاة نحيفة جدًا، إذا ذهبت هناك، فلن تصمد حتى يوم واحد!”
“هممم! ليندل، كلماتك قد تُفسر بشكل خاطئ ضد شرف الدوق، عليك اختيار كلماتك بعناية.”
“ماذا؟”
“اختيار خادم أو خادمة من دار الأيتام هو لطف من الانسة، إذا مات الأطفال الذين تم اختيارهم، فهذا بسبب سوء حظهم، لا أكثر.”
“ومن سيصدق هذا الهراء؟!”
لم يستطع ليندل كتم غضبه وأطلق كلمات غاضبة لأول مرة، لقد صدمت، لم أره يتحدث هكذا من قبل، كان غاضبًا بشدة.
“الجميع يعلم أنك تبيع الأطفال إلى الموت خوفًا من توقف الدعم المالي لعائلة الدوق—!”
-صفعة!-
صفعه المدير البغيض، الذي كان دائمًا يدلل ليندل كواحد من أطفاله المفضلين.
“لقد أفسدتُك كثيرًا، والآن تجاوزت حدودك! احبسوه في المخزن!”
حتى أثناء جرّه بعيدًا، استمر ليندل في الصراخ.
“لا تفعلي ذلك، تيي! اهربي!!!”
ابتسمت له ولوّحت بيدي مودعة.
“إلى اللقاء، ليندل.”
وداعًا، يا أخي العزيز.
ليندل كان عائلتي الوحيدة وأخي.
“لااا، تييي—!!!”
‘على الأقل، تمكنتُ من إنقاذ ليندل في هذه الحياة.’
لكن ذلك لم يكن كل شيء.
‘والآن… أنا أذهب إلى عائلة الدوق بإرادتي. هذه المرة، سأعيش!’
قبضت يدي الصغيرة بإحكام، وتركت دار الأيتام وأنا أسير خلف خادمة سيرين.