The two heirs - 01
في الحياة، قد تأتيك لحظات مفاجئة تغير مجرى حياتك بالكامل.
“كل ممتلكات فيلاريا أنديل هوسن تنتقل إلى وريثتها، ريلا تينير.”
مثل هذه اللحظة الآن.
الفصل الأول: اللقاء
بدأت السماء في العاصمة تشرق، بينما ما زالت نسائم الليل الباردة تعبق في الهواء. بدأ الناس يخرجون تدريجيًا إلى الشوارع للتحضير لأعمالهم، ومن بينهم كانت ريلا.
تحمل بين يديها باقات من الزهور، لدرجة أنها لم تستطع رؤية ما أمامها، ولكنها كانت تسير بخطى سريعة نحو متجرها الصغير.
“ريلا، هل نمتِ جيدًا؟”
“صباح الخير، سيد كايل!”
استقبلت تحية صاحب المخبز الذي تمر به يوميًا، وقفزت برشاقة فوق بركة مياه صغيرة في طريقها. أخيرًا، وصلت إلى محلها المتواضع في نهاية الشارع.
“آه، كم هو ثقيل.”
وضعت باقات الزهور بحذر على الأرض، ثم أخرجت المفتاح من جيبها وفتحت باب المتجر. كان المتجر بسيطًا للغاية؛ لافتة صغيرة مكتوب عليها “حديقة ريلا”، وبعض الدلاء المعدنية، وطاولة خشبية واسعة فقط. ولكن ريلا كانت تنظر إلى محلها بفخر وكأنه أكبر متجر في المدينة، ثم دخلت إلى الداخل.
أخرجت جميع الدلاء من المتجر وملأتها بالماء. كان العدد كبيرًا، وبحلول الوقت الذي انتهت فيه من ملئها، كانت حبات العرق تتساقط من جبينها. مسحت العرق بظهر يدها ثم بدأت برفع الزهور التي وضعتها على الطاولة داخل المتجر وارتدت المئزر المعلق على الحائط.
“حسنًا، لنبدأ العمل!”
ارتدت ريلا قفازاتها السميكة وبدأت في فك ورق الصحف الذي كان يغلف الزهور. تطايرت ورقة مكتوب عليها عنوان: “هل سيعود الدوق هاون هذا العام من الجبهة الشمالية؟”، وسقطت على الأرض.
ظهرت باقة من الورود الحمراء، تلتها باقة من الفريزيا الصفراء، ثم زهور التوليب الوردية. مع كل حركة ليدها، كانت ألوان الزهور تتراكم على طاولة العمل.
أول ما أمسكته كان توليبًا ورديًا ببتلات مفتوحة قليلًا. قامت بقطع الشريط الذي كان يربط الزهور، ثم بدأت في نزع الأوراق بعناية، وقصت السيقان لتتناسب مع طول الدلاء.
صوت نزع الأوراق كان يتردد في أرجاء المتجر الهادئ. أوراق كبيرة ملتفة تسقط على الأرض، وريلا تزيل الطين العالق على السيقان. بعدما انتهت من تجهيز التوليب، جمعتها معًا، ثم أمسكت المقص الحاد وقطعت الأطراف السفلية من السيقان.
غسلت الأطراف بعناية وأدخلتها في الدلاء المملوءة بالماء. عادت مرة أخرى إلى المتجر وأكملت العمل على باقي الزهور.
بينما كانت تضع آخر وردة في الماء، سمعت صوتًا مألوفًا.
“ريلا!”
“لقد وصلتِ؟”
كانت صديقتها لينا تقف على الجانب الآخر من الشارع، تلوح بيدها وتحمل سلة كبيرة. عندما اقتربت لينا، عبق المكان برائحة لذيذة من الخبز الطازج والزبدة الذائبة ولحم البيكون المشوي قليلاً.
عندما رأت ريلا ذلك، ابتسمت لينا وضحكت وهي تخرج من السلة ساندويتشًا ملفوفًا وعبوة زجاجية من العصير وتضعهما على الطاولة.
كانت عائلة لينا تمتلك أكبر مطعم في شارع بريكس، وكان يُسمى “القط الأسود”. في هذا الوقت المبكر، لم يكن هناك أي مطعم آخر مفتوح سوى مطعمهم، ولذلك كان معظم تجار الشارع يتناولون إفطارهم هناك. أما الأشخاص الذين لا يستطيعون ترك متاجرهم، فكانت لينا تحضر لهم الإفطار كل صباح.
بينما كانت ريلا تغسل يديها، كانت لينا قد سحبت كرسياً وجلست كما لو كان المتجر ملكها.
“هل سمعتِ الخبر؟ ابنة السيد كارسون الثانية تخرجت من الأكاديمية بالمرتبة الأولى.”
حتى قبل أن تجلس ريلا لتناول الساندويتش، بدأت لينا في الحديث.
“كانوا يتفاخرون كثيرًا بذكائها، ويبدو أن الأمر كان حقيقيًا. سمعت أنها ستعود الأسبوع القادم.”
كان السيد كارسون معروفًا بحبه الكبير لابنته، ومن المؤكد أنه سيقيم حفلة كبيرة في الفناء الخلفي للمنزل احتفالًا بعودتها. وبينما كانت ريلا تقضم الساندويتش، بدأت تفكر في الزهور التي يحبها السيد كارسون وابنته، وفي أي الزهور الأجمل والأرخص التي يمكن أن توفرها لهم.
“أوه، صحيح! التقيت بأمّا التي تعمل في قصر إيتون بالأمس.”
“كيف حالها؟”
“ليست بخير. تبدو شاحبة للغاية، فلا عجب في ذلك بعد أن سقطت سيدة القصر. منذ يومين وهي لا تأكل شيئًا، والأطباء قالوا إنها لن تصمد طويلاً.”
“هذا مؤسف…”
كان قصر إيتون واحدًا من أكبر وأفخم القصور في نهاية شارع بريكس. وكانت الليدي إيفلين، سيدة القصر، معروفة بكرمها الكبير تجاه سكان الشارع، وكان الجميع يحترمها ويقدرها.
“عليّ الذهاب الآن. أراكِ لاحقًا!”
بعد أن تحدثت لينا لمدة طويلة، نظرت إلى ساعتها وغادرت بسرعة عائدة إلى مطعم والديها. جمعت ريلا بقايا الطعام، ثم خرجت إلى الشارع ونظرت إلى نهاية الطريق. هناك، كان القصر الأبيض يظهر في الأفق. وقفت لبضع لحظات، وصلت من أجل السيدة إيفلين.
عند غروب الشمس، بدأت أجراس برج شارع بريكس تقرع بقوة، مما جعل الجميع يتوقفون عن السير ويخلعون قبعاتهم، وينحنون باتجاه قصر إيتون.
كانوا يصلون من أجل أن تجد الراحلة سلامها في مكان أفضل.
في اليوم التالي، جاءت ريلا إلى متجرها محملةً بزنابق بيضاء، خلافًا لعادتها في شراء تشكيلة متنوعة من الزهور.
سرعان ما قامت بريلا بتهذيب الزهور، ثم لفت كل زهرة بورق تغليف أبيض، وربطت قاعدتها بشريط أسود بسيط دون أي زينة.
قبل أن تتمكن من وضع الزهور في الدِلاء، وصل أول زبون.
“بكم سعر الزهرة الواحدة؟”
“ثمانون شلن.”
دفع الزبون المال بصمت وأخذ الزهرة، متوجهًا إلى قصر إيتون.
منذ ذلك الزبون الأول، استمرت الأعداد بالتزايد، حيث توافد العديد من الزبائن على متجر ريلا بحثًا عن الزنابق. في نهاية المطاف، وبحلول منتصف النهار، كانت الزنابق التي جلبتها ريلا قد نفدت تمامًا. هؤلاء الذين وصلوا متأخرين أصابتهم خيبة الأمل، وسألوا إن كان هناك متجر زهور آخر في الجوار. ومع ذلك، كان عدد الأشخاص المتجهين نحو قصر إيتون يزداد باستمرار.
أثناء وقوفها أمام الدلاء الفارغة، شاهدت ريلا عددًا من الأشخاص المارين في الشارع. كانوا غرباء عن هذه الحي، وهو أمر أثار فضولها. عندها قررت أن تغلق متجرها للحظات، وسرعان ما انطلقت تسير بخطوات سريعة.
بعد فترة، عادت ريلا إلى متجرها، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وفي حضنها زنابق طازجة كما لو أنها قُطفت لتوها. قامت سريعًا بتهذيب الزنابق ووضعها في الدلاء، ثم توقفت لوهلة تتأمل الأمر، قبل أن تمسح سعر الزهور عن اللوحة الحجرية أمام متجرها وتكتب رقمًا جديدًا.
“الزهرة الواحدة بعشرة غيلدر.”
في تلك اللحظة، اقترب زبون لشراء الزهور، وحينما قرأ السعر الجديد ظهرت على وجهه علامات الدهشة. الزنبق عادة ما يُباع بأغلى الأثمان بسعر غيلدر واحد للزهرة، أما عشرة غيلدر فهي سعر باهظ للغاية.
“ألا تُبالغين؟ هل تنوين حقًا استغلال الزبائن بهذا الشكل في وقت العزاء؟”
كان الرجل، الذي يرتدي قبعة عالية، يلوم ريلا بنبرة غير راضية. نظرت ريلا إلى الدِلاء لبعض الوقت بتأمل، لكنها لم تُغيّر السعر.
“لقد كنت أبيع الزنبق في السوق صباحًا بثمانين شلن للزهرة الواحدة.”
بدت على الرجل ملامح عدم الفهم. فالغلدر الواحد يساوي مائة شلن، وبالتالي كان سعر الزهرة في السوق ثمانين شلن، وهو سعر متوسط، لا مرتفع ولا منخفض.
“إذًا، لماذا هذه الزنابق تُباع الآن بعشرة غيلدر للزهرة الواحدة؟”
“لأن هذه الزهور تستحق ذلك.”
“حقًا؟ هذا غريب.”
تفحص الرجل الزنابق التي أحضرتها ريلا، كانت تبدو نضرة بالفعل، لكنها في النهاية كانت مجرد زنابق عادية. بعد أن لم يجد أي سبب يجعله يدفع عشرة أضعاف السعر المعتاد، قرر الرجل أن يترك الزهور ويذهب.
بعد فترة قصيرة، بدأ غرباء آخرون يمرون في الشارع، على ما يبدو أنهم وصلوا للتو إلى المنطقة بعد سماعهم الأخبار. كانوا يحملون زنابق بيضاء ويصرخون بصوت عالٍ:
“زهور للبيع! الزهرة الواحدة بخمسة غيلدر!”
بالرغم من أن السعر كان مرتفعًا جدًا مقارنة بالسعر الطبيعي، إلا أن الرجل الذي رفض الزنابق التي باعتها ريلا في البداية، عاد واشترى الزهور من هؤلاء الغرباء.
حتى مع ازدياد عدد الغرباء في الشارع طوال النهار، وبالرغم من أن غروب الشمس قد اقترب، فإن زنابق ريلا لم تُبع زهرة واحدة منها.
كانت السماء تكتسي باللون القرمزي، وبدأ الشفق يتحول إلى الأرجواني فوق شارع بريكس. حل الظلام تدريجيًا على الحي، وبدأت المتاجر في إغلاق أبوابها، باستثناء عدد قليل من المطاعم والحانات التي كانت لا تزال مضاءة بضوء ساطع. جلست ريلا بعد أن نظفت أرضية متجرها بعناية، واتجهت إلى الدلو الوحيد المتبقي أمام المتجر، وأسندت ذقنها عليه وهي تجلس بتأمل.
“يبدو أن هذه الزهور لا تراها سوى عيناي.”
في الظلام الذي كان يخيم على الشارع، بدأت الزنابق تتلألأ بشكل أوضح في عيني ريلا، وهي تشع بنور لامع.
منذ صغرها، كانت ريلا ترى ما لا يراه الآخرون. اكتشفت هذه القدرة لأول مرة عندما كانت في الخامسة من عمرها.
“غريب حقًا، الزهور التي تجلبها ريلا تبقى متفتحة لمدة أطول.”
كانت والدتها تنظر إلى المزهرية في غرفة ريلا بدهشة. حين كانت الأسرة تخرج للتنزه على التلال القريبة من المنزل، كانت الأخوات الثلاث تركضن بحماس في الحقول المزهرة. وبينما كانت ريلا تتبع خطوات شقيقتيها، توقفت فجأة لتحدق في مكان معين.
“كم هي جميلة.”
لم تعد ريلا تبالي بشقيقتيها اللتين كانت تلاحقهما بحماس منذ قليل، واتجهت عوضًا عن ذلك نحو الأدغال. وبين الأعشاب الطويلة، كانت هناك زهرة زرقاء متفتحة.
“إنها تتلألأ.”
في عيني ريلا، كانت بتلات تلك الزهرة تلمع كالجواهر.