The strongest magician, tired of life, decided to give up and go to sleep - 1
في خضم ساحةِ المعركة، كانت الساحرة التي ترتدي رداءً أسودًا تظل هادئة، وتسيطر على كل ما يهجم عليها.
عندما تهطل سهام الجليد، تصدها برياحٍ عاصفة، وعندما تهاجم السيول، تجمدها بالكامل. دوامات النار تبتلعها بالمياه، والصخور الكبيرة تحولها إلى رمال.
شعرها الطويل السماوي يتطاير خلفها، وعيناها البنفسجيتان تحدقان إلى الأمام. الساحرة الأقوى في إمبراطورية غارغود، فيونا، كانت تقف هادئة في ساحة المعركة اليوم أيضًا.
تطلق السحر بعفوية كالتنفس، ولا تتأثر بأي هجوم يأتيها. تقف بثبات بوجه بارد وجميل.
كانت تؤدي واجبها بصمت، وقاربت على السيطرة على الوضع.
تنهدت بتثاقل ونظرت إلى الأمام، حيث يقف عشرات السحرة من مملكة إيرشيدا بملابسهم الخضراء الداكنة، وحدثت نفسها بأنها ستتمكن أخيرًا من العودة بمجرد التخلص منهم.
“أشعر بالنعاس.”
في الليلة السابقة، كانت قد همت بالنوم، لكن تم استدعاؤها فجأة لمهمة في كهف مليء بالوحوش. بعد إنهاء المهمة، عادت عند الفجر، وبعد استحمام سريع، كانت على وشك النوم قبل أن تستدعى مجددًا إلى هذه المعركة.
لم تنعم بنوم كافٍ منذ فترة، ورغم أنها الأقوى ويقال إنها لا تقهر، لا يمكن لأحد أن يتغلب على قلة النوم.
“أنا مستاءة، ذلك الأمير السخيف، أكرهه بشدة.”
ما إن همست بذلك في نفسها حتى شعرت بحرارة في بطنها، وبدأت أشواك لعنة الالتزام المزروعة فيها تنتشر في جسدها.
“آه…”
ألم قوي اجتاح جسدها بالكامل، ولكن عندما توقفت عن الشكوى في نفسها، بدأ الألم يخف تدريجيًا، فتنهدت مرة أخرى.
قررت أن تركز على أعدائها أمامها، فرغم إطلاقها عدة عواصف لتحطيمهم، لم يتزحزحوا. فهم سحرة ذو مقاومة قوية للسحر.
جمعت فيونا طاقتها الساحرة مجددًا، ورسمت دوائر سحرية متعددة في الهواء، التي توهجت فوق السحرة باللون الذهبي.
“أخيرًا، سأتمكن من النوم.”
ستسقط الصواعق عليهم مثل المطر، لكنها كانت تعلم أن هذا لن يقتلهم. إذا استنزفوا طاقتهم الدفاعية، فسيتراجعون سريعًا، وتنتهي المهمة. كانت تتمنى بصدق أن ينتهي هذا بسرعة لأنها بلغت حدودها.
لكن أملها كان عبثًا؛ فقد ظهرت ومضة زرقاء وقضت على جميع الدوائر السحرية.
كان الشخص الذي أطلقها فارسًا في زي أسود، بعيون زرقاء حادة وشعر ذهبي، يحمل سيفًا متوهجًا باللون الأزرق. كان هذا الرجل أقوى محارب في مملكة إيرشيدا، والخصم الذي كانت تستطيع فيونا مواجهته في أفضل حالاتها.
رغم تعبها الشديد، حاولت عدة مرات إيقافه، ولكنه مزق كل تعويذة وكل دائرة سحرية.
“أكره هذا…”
بسبب النعاس، لم تتمكن من التركيز، وحدقت بذهول في السيف الأزرق اللامع. تساءلت بصمت إن كان بإمكانها أن ترتاح لو قُتلت بسيفه الجميل هذا.
فكرت أنها حتى لو تمكنت من التغلب عليه وعادت، فلن تجد سوى حياة مليئة بالعذاب الذي لا ينتهي. إذا كان بإمكانها أن تتحرر في لحظة، فسيكون هذا رائعًا.
“إنه خيار جيد.”
تخلت فيونا عن رغبتها في الحياة.
استسلمت لتعبها، وأغلقت عينيها، وراحت تغرق في النوم العميق.
***
“أين أنا؟”
فتحت فيونا عينيها ونظرت بتثاقل إلى السقف. السقف الرمادي المائل إلى الزرقة أمامها لم يكن سقف غرفتها.
شعرت براحة غريبة في رأسها، إذ كانت تعاني من قلة النوم مؤخرًا وكانت تشعر بثقل مستمر، لكنها أخيرًا نالت قسطًا جيدًا من الراحة.
عندما رفعت نصف جسدها، سمعت صوتًا معدنيًا. نظرت إلى يديها وفهمت أن هذا الصوت صادر منهما، دون أن تشعر بأي قلق.
كانت هناك قيود فضية على معصميها مزينة بنقوش سوداء. لم تكن لديها معرفة بالنقوش السحرية، لذا لم تتمكن من تحديد طبيعتها، لكنها اعتقدت أنها تهدف إلى كبح قواها.
حاولت أن تُشعل النار بأطراف أصابعها، لكنها لم تستطع حتى إنتاج لهب صغير بحجم شمعة، ما أكد لها أن هذه القيود تقيد قواها السحرية.
كانت القيود مربوطة بسلسلة تمتد إلى أسفل السرير، وتبدو طويلة بما يكفي للتجول داخل الغرفة.
عندما نظرت أسفل السرير، رأت السلسلة مثبتة بقفل حول قدم السرير، مما جعل فكها يبدو صعبًا.
تم تبديل ملابسها بملابس مريحة، حيث كانت ترتدي سروالاً أسود فضفاضًا وتونيك أبيض قصير الأكمام، وشعرها مضفر بطريقة مريحة.
بدأت تفكر في وضعها الحالي. كانت متأكدة من أنها أسيرة، لكن الغرفة التي كانت فيها كانت فاخرة بشكل مدهش.
كان السرير كبيرًا وناعمًا بفضل الفراش السميك، وكانت الأغطية ناعمة الملمس وتبعث على الراحة.
كانت هناك وسائد جميلة مرتبة على السرير، بالإضافة إلى أثاث فاخر ودمية دب وضعت بعناية على أريكة منجدة.
على الطاولة قرب النافذة، كان هناك إناء مزين مثل الزجاج الملون يضم أزهارًا جميلة وذات رائحة عطرة.
كانت الغرفة أنيقة جدًا بحيث لا تبدو مناسبة لأسيرة. أيمكن أن غرف الأسرى كانت ممتلئة؟ على أي حال، كان لديها انطباع بأن الأسرى يرمى بهم عادةً على أرضية باردة في الزنازين.
“لماذا يحدث هذا…؟”
لم تستطع فهم وضعها مهما حاولت التفكير. لم تكن قد تمكنت من الشعور بالراحة كما تمنت.
بينما كانت جالسة متأملة، فتح باب الغرفة.
دخل رجل ذو شعر ذهبي يرتدي بنطالاً أسودًا وقميصًا رماديًا، وكانت هناك سيف مغطى بغمد أزرق يتدلى من خصره.
عندما تلاقت عيناه مع فيونا، توقف مكانه.
“آسف. لم أكن أظنك مستيقظة، فدخلت دون طرق الباب.”
اعتذر الرجل فورًا. كان هذا أول مرة تسمع فيها صوته. على الرغم من أنها واجهته في المعارك عدة مرات، إلا أنها لم تتحدث معه من قبل.
كان صوته عميقًا وجذابًا، أفضل مما كانت تتوقعه، فوجدت نفسها تتأمل صوته للحظة. ثم فتحت هي الأخرى فمها لتتحدث.
“لا داعي للقلق، لا أعتقد أنه من الضروري أن تهتم براحة عدوك.”
تحدثت بلهجة هادئة ومريحة، كانت تبدو غير متناسبة مع مظهرها الرصين. كان أسلوبها هادئًا لدرجة أن أغلب الناس يجدون فيه غرابة. وبدت الدهشة على وجه الرجل للحظة.
“حسنًا، هذا مطمئن. أعلم أن القيود تسبب بعض المتاعب، وأشعر بالأسف لذلك. لم أرغب في تقييد امرأة بالسلاسل، لكن هذا كان الحل الوحيد الآن. آسف.”
اعتذر مرة أخرى، فوجدت فيونا ذلك غريبًا وضحكت برفق.
“ما الأمر؟ هل قلت شيئًا مضحكًا؟”
“نعم، إنه غريب لأنك تعاملني بلطف رغم أنه من المفترض أن تعاملني بإهمال.”
كان ذلك شعورًا غريبًا وممتعًا، إذ لم تُعامل برفق من قبل، فحياتها في مملكتها كانت مليئة بالمتاعب بسبب الأمير الفاسد.
──على الأرجح سيتم إعدامي هنا في النهاية.
هل سيكون مؤلمًا؟ لا أحب الألم. الأمير السخيف. عديم الرحمة. أكرهه.
بينما كانت تعبر عن غضبها في قلبها، لاحظت شيئًا غريبًا. كانت تتوقع ألمًا نتيجة النقوش السحرية التي تمنعها من التفكير السيء، لكن الألم لم يظهر.
رفعت فيونا ثيابها لتتأكد من أن الختم السحري ما زال موجودًا على بطنها.
“ما هذا…؟”
ارتبك الرجل قليلاً عندما رأى الفتاة أمامه فجأة تكشف عن بشرتها بلا أي تردد، فصرف بصره على الفور. دون أن تلقي بالاً لتصرفه، ظلت تحدق في بطنها بهدوء، ثم تحدثت إليه بلا مبالاة.
“هل تعرف شيئاً عن الختم الذي كان هنا؟ كان مثل نقش وردة سوداء.”
أجاب الرجل دون النظر إليها.
“نعم، لقد جعلت ساحر الأختام عندنا يزيله. لم أعرف ما كانت وظيفته، لكنه لم يكن شيئاً جيداً بالنسبة لك.”
“…فهمت.”
أدركت أنهم تخلصوا أثناء نومها من شيء كان يقيّد قلبها وجسدها. كان لعنة فرضها عليها الأمير الذي تكرهه، لذا بدأت تشعر بفرحة تتسلل إليها.
“شكراً، يا فارس السلاح الأزرق.”
ابتسمت بلطف من قلبها، معبرة عن شكرها. لم تستطع منع نفسها من الشعور بالسعادة، رغم أنها فكرت أن أهل هذا البلد طيّبون بشكل مفرط لإزالة أختام الأعداء.
“لا داعي للشكر. بالمناسبة، هل لي أن أعرف اسمكِ؟ أنا ماتياس.”
“أنا فيونا، تشرفت بمعرفتك يا ماتياس.”
“فيونا… اسم جميل.”
ارتخت تعابير ماتياس قليلاً. فيونا بدت مستغربة من هذه النظرة اللطيفة التي ظهرت على وجهه، الوجه الذي كان دائماً مكفهراً في ساحات المعارك.
“ما هذه النظرة؟”
“كنت أفكر… أنكِ تبتسمين أيضاً.”
“هذا غير لائق منك.”
“أعتذر، لكنني لم أكن أرى سوى ملامحكِ المخيفة.”
عندها عبس ماتياس قليلاً وأمسك بخده.
وجه مخيف؟ رغم أنها تعرف أن تعبيراتها ليست مرحة، لكنها لم تتوقع أن يُنظر إليها على أنها مرعب. ومع ذلك، هذا الرجل أيضاً ليس في موضع يسمح له بانتقاد الآخرين.
“أنت أيضاً…..”
كادت تكمل كلامها، عندما فتح شخصٌ ما باب الغرفة فجأة.
“ياااه! كنتِ مستيقظة إذن، أعتذر على الدخول بدون طرق الباب.”
دخل رجل ذو شعر أحمر طويل، مرتدياً رداءً أبيض، بابتسامة مشرقة. شعره الطويل كان مربوطاً خلفه.
“هل استعدتِ قوتكِ يا ساحرة الذهب؟”
تحدث الرجل بودية.
“نعم، لقد نمت طويلاً لذا أشعر بالنشاط، شكراً.”
أجابت فيونا بهدوء، وبطء. فتح الرجل عينيه البنيتين بدهشة.
“آه، غريب! كنت أظن أنكِ ستنظرين إليّ بنظرة كأنني حشرة، أو تتجاهلينني بابتسامة باردة. أنا مذهول، بالمناسبة، اسمي لوك.”
“سُررت بمعرفتك يا لوك، أنا فيونا.”
تجاهلت تماماً ملاحظاته السابقة وردت عليه بتحية هادئة.
بعد لحظة من الاندهاش، اقترب لوك من ماتياس ووضع يده على كتفه، ثم دار ظهره تجاه فيونا وبدأ يهمس له.
“ماتياس، ما الذي يحدث مع هذه الفتاة؟ لقد كانت انطباعاتي عنها باردة ورائعة، لكنها تغيرت تماماً الآن. أصبحت لينة ومحببة، حتى أنني أشعر بشيء يحرّكني، فماذا أفعل حيال هذه المشاعر؟”
أسرّ بسرعة لماتياس.
“آه، كنت أفكر في الأمر ذاته، لكن من الأفضل أن تتخلى عن هذه المشاعر.”
“هذا قاسٍ جداً.”
“اصمت.”
ظل الاثنان يتحدثان بصوت خافت لفترة، بينما كانت فيونا تنظر إليهما بحسد، وتفكر كم هي جميلة صداقتهما.
لم يكن لديها أحد يمكن أن تسميه صديقاً. فكرت بأسى أنه كان سيكون من الجميل أن تملك صديقاً واحداً قبل أن تموت، ثم عادت لتردد بصمت شتائم ضد الأمير البغيض الذي كان السبب في ذلك.
–ترجمة إسراء