The sinister 's wise retirement plan - 112
تجمّدت أطراف أصابعي بلحظة، وبرودة غير مألوفة سرت فيها.
“أجل؟”
تظاهرتُ بالهدوء وسألتُ بلا مبالاة، محاولةً تحويل بصري إلى مكانٍ آخر. لكنني شعرتُ بنظرةٍ تتسلل إلى وجنتي.
بدأ قلبي ينبض بسرعة أكبر.
“لم أفعل شيئاً.”
“حتى هذا الصباح، كنتِ طريحة الفراش وكأنكِ جثة، ومع ذلك استيقظتِ وبدأتِ تتسرعين. كأنكِ شخصٌ يطارده الوقت.”
خفق قلبي بوتيرة أسرع قليلاً.
خشية أن يظهر أي تعبير على وجهي، حركتُ رأسي بسرعة لنفي ما قيل.
“هل سبق وأن رأيتني أضيع الوقت؟”
قلتُها بنبرةٍ غير مبالية بينما أخفيتُ ابتسامتي خلف كأس عصير الفاكهة.
نظر إليّ إيدن بتأنٍّ، ثم تنهد ببطء.
“عندما تتصرفين بغرابة، أشعر بأن الأمر غير واقعي.”
“ما الأمر؟”
“أن تكوني هنا معي، سيدتي.”
“…”
وخزة.
شعرت بألم حاد في صدري وكأنني طُعنت بإبرة.
لو لم تكن تلك اللعنة، لربما كان بوسعي الاستمتاع بهذه اللحظة بشكل أرحب.
ربما كنت سأتباهى بنفسي أمام إيدن، الذي لا يعرف شيئاً عن العالم الخارجي، وأتجول معه هنا وهناك.
‘ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، بالنهاية…’
كان المصير واحداً، وإن طال الزمن.
هو بطلٌ مقدّرٌ له إنقاذ العالم منذ ولادته، بينما أنا غريبة الأطوار، أهوى العبث بالآلات في ركني الخاص.
طريقانا مختلفان تماماً منذ البداية.
إذا كان يُقال إن حياة الإنسان خط، فكل خط يتقاطع مع خطوط أخرى مرة واحدة في العمر، ويُطلق على هذا التقاطع اسم “القدر”.
ونحن كنا نمرّ بهذا التقاطع.
كان ذلك اللقاء ممتعاً، لكنه كان لحظةً عابرة.
“ما قلته كان حقيقياً، أليس كذلك؟”
ابتسمت وأنا أتحدث في موضوعٍ آخر.
“قلتُ لك أن هناك أماكن آمنة لا توجد فيها وحوش، ولم تصدقني حينها. لكن انظر، كنت محقةً، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
أومأ إيدن برأسه، لكن تقطيب حاجبيه عبّر عن شيء آخر.
“لكن ربما هذا هو مصدر المشكلة.”
“ماذا تعني؟”
“كان من الأفضل لو كانت هناك بعض الوحوش.”
“ماذا؟ وحوش؟ ولماذا؟”
“لأن الشيء الوحيد الذي أجيده هو استخدام السيف.”
كان إيدن يتحدث ونظره منصبٌّ نحو الأرض.
“إن لم يكن هناك وحوش، فما الذي سأهاجمه لأجني المال؟”
“…”
“لم أفكر في هذا الأمر سابقاً.”
بدت ملامح إيدن شديدة الجدية، لدرجة أنني كدت أن أنسى الكآبة التي شعرت بها منذ لحظات، وانفجرت ضاحكةً.
“هاهاها.”
“ما الذي يضحككِ؟”
نظر إليّ إيدن بدهشة، وقد بانت عليه الصدمة.
“أتحدث بجدية.”
“أعلم، أعلم، الأمر جادٌّ فعلاً.”
أومأت له برأسي وأنا أبتسم، محاولةً كتمان ضحكتي.
“أجل، صحيح. هذا سنٌّ مليء بالقلق حول المستقبل.”
“…تتحدثين كما لو كنتِ بالغة.”
عبّر إيدن عن تذمره بعبوس، مما جعلني أضحك أكثر.
كان الأمر غريباً. قبل لحظات فقط، كنت في قاع الكآبة، والآن أضحك وكأن شيئاً لم يكن.
“إيدن، لماذا تقول إن السيف هو الشيء الوحيد الذي تجيده؟”
“ماذا عدا ذلك؟”
حدقتُ إليه للحظات بنظرة مستغربة.
أيُّ مهارة لديه، وقد وُلِدَ بكل هذا، ومع ذلك لديه هذا المستوى المتدني من تقدير الذات!
هززت كتفي وقلت له بنبرة مفعمة بالمرح.
“ألا تمتلك وجهاً جميلاً؟”
“…مهارة؟”
عبس إيدن وكأنه سمع شيئاً غريباً.
“هل وجهي جميل؟”
“نعم.”
“…”
نظر إليّ إيدن بنظرة غريبة، ثم تحوّل تعبيره فجأة إلى الجدية.
“أنتِ تمزحين.”
“ماذا قلت؟”
“أعني، لدي عينان ضيقتان وشعرٌ أسود.”
أهذا حقيقي؟
صدمت من قلة ثقته بنفسه إلى هذا الحد.
كنت أعلم أن إيدن ليس من محبي نفسه. في الواقع، هو أقرب إلى كاره لنفسه.
ولكن لدرجة أن لا يملك هذا التقييم الموضوعي لنفسه؟ كيف سيواجه العالم القاسي إذن؟!
“إيدن.”
نظرت إليه بجدية.
“أنت وسيم.”
تجمد إيدن للحظة وتلعثم.
“أجمل من سير رافي؟”
“ماذا؟”
صوته كان ضعيفاً لدرجة أنني طلبت منه الإعادة. عض إيدن شفته.
أصابني القلق، لم أكن أعلم أن ثقته بنفسه منخفضة إلى هذا الحد.
“أصغِ لي جيداً. إذا عرض عليك شخص مبلغاً كبيراً بطريقة مشبوهة، فلا تتبعه أبداً. فهمت؟”
“…ماذا؟”
“خصوصاً لو حاولوا إغرائك بطعام لذيذ، فلا تدع نفسك تنخدع أبداً!”
عندما التقطه والدي من الأحياء الفقيرة، كان متسخاً بالبقع. ولكن بعد أن أطعمته جيداً وغسلته بالماء الدافئ في القصر، أصبح وجهه يلمع بوضوح.
‘هل بالغت في تنظيفه؟’
ندمت قليلاً.
“لماذا سأتابع شخصاً يعرض عليّ طعاماً؟ لست طفلاً!”
نظر إليّ إيدن بغضب.
لكنني ابتسمت بخفة دون ردّ.
إيدن تحت أشعة الشمس، كان هو نفس الشخص الذي عهدته.
تلك الليلة التي جثا فيها أمامي بلا تردد… ذلك المنظر الغريب كان مجرد حلم عابر.
بدت الشمس الساطعة وكأنها قادرة على إذابة كل مشاكلنا.
“على أي حال، كنت أريد أن أقول….”
لكن فجأة، ضغط إيدن على صدره بقوة.
“…آه.”
“إيدن؟!”
قفزت واقفةً بقلق.
هزّ إيدن رأسه، وجهه شاحب تماماً.
“ليس هناك شيء.”
“لا شيء؟! ما الذي تقوله!”
ظهر العرق البارد على جبين إيدن، وكانت علامات الألم واضحة عليه.
“ما بك؟ ما الذي يحدث؟”
“قلتُ لا شيء…!”
إجابته العنيدة جعلت قلبي يغرق.
بدت عليه آثار المعاناة، مما يعني أنه لم يكن المرة الأولى التي يعاني فيها من هذا الألم.
‘هل هو بسبب اللعنة؟’
عضضت شفتي بإحكام.
لقد حذرني كير من قبل. هذه اللعنة لن تبقى ساكنة، ومع مرور الوقت، وبخاصة بالقرب مني، ستزداد قوة وتأثيرها.
“هذا ليس بلا سبب!”
صرختُ في إحباط.
“منذ متى- لا، هذا ليس المهم الآن. تعال، لنعد إلى النزل!”
أمسكتُ بيده وعدتُ إلى الغرفة بسرعة.
لم أكن غير مستعدة. كانت هناك طرق عديدة في ذهني تعلمتها مسبقاً.
‘كنت أظن أن ثمرة الشجرة المقدسة ستساعده مؤقتاً.’
لكن يبدو أن حالة إيدن قد ساءت لدرجة أن الثمرة لم تستطع السيطرة على الألم.
‘… هل السبب حقاً هو قربي منه؟’
ربما كان يجب أن أترك أمر إيدن لكير منذ البداية.
بينما كنت ألوم نفسي، أخذت قدماي تتحركان بسرعة دون توقف.
وضعت إيدن، الذي كان يتظاهر باستمرار بأنه بخير، على السرير بالقوة، وبدأت أجهز المواد اللازمة.
كانت تلك المواد ضرورية للقيام بطقوس التطهير، من أجل تخفيف أعراض اللعنة ولو قليلاً.
“انتظر قليلاً فقط، اقتربت من الانتهاء!”
أخرجت حجر الطاقة وبدأت في استخدام سحر التطهير الذي علمني إياه كير.
تسلل الضوء الأبيض المنبعث من حجر الطاقة إلى بشرة إيدن.
كان ذلك هو الوقت الذي انفجر فيه جسد إيدن فجأة كما لو أنه يعاني من نوبة تشنج.
“أوتش!”
“إيدن!”
ظهرت علامات الألم بوضوح على وجه إيدن.
تجمد ذهني وأصبح خاليًا تمامًا.
سحر التطهير الذي أعددته لم يكن له أي تأثير. بل على العكس، بدا وكأنه يزيد من معاناته.
“أنا بخير…”
تلفظ إيدن بصوت مرتعش ووجهه شاحب، وهو يحاول كبح تأوهاته.
“هذا ليس بالأمر الكبير… سأكون بخير قريبًا.”
“كاذب.”
ارتعشت شفتاي.
كون سحر التطهير لم يعد يجدي نفعًا يعني أن حالة إيدن وصلت إلى نقطة لا يمكن العودة منها.
قال كير إن هذا الألم قد يكون أشد من الموت ذاته.
كيف يتحمل هذه الآلام؟
دون وعي، انهمرت دموع على وجنتيّ. رفعت يدي الباردة وأمسكت بكتف إيدن.
“انتظر قليلاً فقط، انتظر قليلاً.”
أحطت رأس إيدن بذراعي وهمست بصوت مرتعش بلا حول.
“سأجعلك تتخلص من الألم قريبًا.”
كان هناك حل جذري يمكن اللجوء إليه عندما لم يعد سحر التطهير يجدي نفعًا.
بما أن إيدن بدا متماسكاً طوال هذا الوقت، لم أتخيل أنني سأضطر يومًا لاستخدامه.
لكن، هذا لا يعني أنني لم أكن مستعدة لذلك.
ركضتُ بسرعة نحو أمتعتي، وأخرجتُ شيئًا من أعماق الحقيبة.
كانت زجاجة دواء طويلة تحتوي على سائل أحمر داكن يبدو مشؤومًا.
كان هذا السمُّ مركبًا من جذور زهرة خانقة وسم العقرب، وقد تم تطويره لمعالجة الأمراض باستخدام تقنية “السم يداوي السم.”
رغم أن تناوله يسبب ألمًا شديدًا قد يصل حدّ الموت، إلا أنه كان قادرًا على تحييد السموم المميتة.
ولكن… كان هناك تأثير جانبي، ألا وهو فقدان الذاكرة.
“إيدن. إيدن!”
حاولت هزّ إيدن الذي كان بلا حراك، لكنه بدا وكأنه فقد وعيه.
أمسكت بجسده الشاحب الذي كان يرتجف دون حول.
اللّعنة ليست سوى نوع من السمّ الذي يُسبب ألمًا للروح.
وبحسب ما توصل إليه سحرة هذا العالم، فإن ذكريات الإنسان تُخزن في الروح وتُعتبر العنصر الأهم في تكوينها.
وهذا يعني أنه إذا تم محو الذكريات… فسيتمكن جزء من الروح المريضة باللعنة من العودة إلى حالته الطبيعية.
كمن يبتر جزءًا متعفنًا من الجسد بأكمله.
ضغطت على شفتاي وفتحت غطاء زجاجة السم.
“لم أتخيل أنني سأستخدم هذا يومًا.”
بصراحة، لم أكن أرغب في استخدامه.
إيدن كان أول شخص منحني شعورًا بالارتباط.
مجرد التفكير في أن الشخص الذي أرتبط به لن يتذكرني على الإطلاق جعلني أشعر بوحدة باردة حدّ القشعريرة.
نعم، كان هذا الشعور بالنفور مجرد أنانية مني.
ضغطت على الزجاجة بقوة، ثم عانقت رأس إيدن مرة أخرى بشدة.
“إيدن، اسمعني.”
وبدأت أودعه بكلماتٍ قد لا يسمعها.
“ربما لن يكون هذا الشعور مماثلًا تمامًا لما تحمله، ولكن…”
لم يكن لكلماتي جدوى في غياب من يسمعها، ومع ذلك واصلت همسها.
“أنا أيضًا أحبك. قضيت أوقاتًا ممتعة حقًا معك. وشكرًا لك.”
شكرًا لأنك وثقت بي، واعتمدت علي.
شكرًا لأنك جعلتني أشعر بأن لي قيمة، حقًا، شكرًا لك.
كان جسد إيدن متصلبًا وكأنه حجر، حتى في حالته اللاواعية، كما لو أنه يشعر بالألم.
أدركت أنني لم أعد أستطيع التأخير، فرفعت الزجاجة.
وبينما كان السائل الأحمر كالدّم يوشك على التدفق منها..
قبضة قوية أمسكت بمعصمي فجأة، مما أصابني بالدهشة.
نظرت للأسفل، فرأيت عيونًا ذهبية تحدق بي، فقد استيقظ إيدن دون أن أدرك ذلك.
“إيدن! هل عدت إلى وعيك؟”
“كنت أفكر أنه ربما الأمر كذلك.”
كان صوته المتعب من الألم منخفضًا وباردًا لدرجة مُريبة.
“لقد كنتِ جادة حقًا، يا سيدتي.”
رغم أنه كان يعاني من ألم لا يُحتمل، إلا أن صوته بدا هادئًا على نحو غريب.
“كنتِ تنوين التخلي عني.”
تألقت عيناه الذهبيتان بوميضٍ داكن.