The Obsessed Tyrant in the Fairy Forest - 1
“لقاء في الضباب”
كان الليل يزحف ببطء، يغطي الغابة بسكون ثقيل. لا يُسمع سوى صوت الرياح التي تهمس بين أغصان الأشجار القديمة، كأنها تحذر من شيء قادم. تحت ضوء القمر الخافت، كانت “إيفيريل” تتجول على أطراف الغابة، تبحث عن أعشاب نادرة لصنع ترياق لجنية مريضة.
فجأة، تجمدت في مكانها. شعرت بوجود غريب، أنفاس ثقيلة تقترب منها بخطوات واثقة. التفتت، وعيناها الفضيتان تلمعان كوهج النجوم في الظلام. هناك، على بعد خطوات منها، ظهر رجل طويل القامة، يلفه عباءة سوداء كالليل نفسه.
“إيفيريل؟” نطق اسمها بصوت عميق كأنه ينحت الهواء.
تراجعت خطوة للخلف، تحدق فيه بذهول. كيف يعرف اسمها؟ كانت الجنيات محمية بسحر يمنع البشر من رؤيتهن أو حتى معرفة وجودهن.
“من أنت؟ وكيف تجرؤ على دخول الغابة؟” قالت بصوت مهتز، تحاول إخفاء خوفها.
ابتسم الرجل ببرود، وكأن أسئلتها لا تعنيه. “أنتِ من جئتِ لي. كنت أعرف أنكِ ستظهرين الليلة.”
أضاء البرق السماء فجأة، كاشفًا عن ملامحه بوضوح. وجهه كان حادًا كالنحت، وعيناه بلون الدم، لكن خلف قسوتهما كان هناك شيء آخر… شيء أعمق وأكثر غموضًا.
“أنتِ لي، سواء برغبتكِ أو رغماً عنكِ.”
قبل أن تفهم “إيفيريل” ما يحدث، أحاطها الضباب الكثيف، وقبل أن تتمكن من الهروب، كانت يده تمتد نحوها، كأنها قد حاصرتها القدر نفسه.
ابتسم الرجل ابتسامة باردة، كأنها شظية من الجليد اخترقت قلبها. “اسمي؟” قال بصوت منخفض لكن قوته حملت صدى كأنه صادر من أعماق الأرض. “أنا لوكريثيان.”
تجمدت إيفيريل في مكانها، وعيناها تتسعان برعب. الاسم كان مألوفًا، يتردد كهمس بين جنبات الغابة. لوكريثيان، الطاغية الذي لا تعرف الغابة مثيلًا له، الرجل الذي قيل إنه دمر ممالك، وأخضع شعوبًا، وسخر الطبيعة لخدمته. لكنه كان مجرد أسطورة… أو هكذا اعتقدت.
“لوكريثيان؟” همست، كأنها تخشى أن ينطق الاسم بصوت عالٍ فيوقظ قوى شريرة كامنة.
خطا خطوة نحوها، ومع كل خطوة كان الظلام يزداد كثافة حولهما، وكأن الغابة نفسها تنكمش خوفًا منه. “لا داعي للخوف مني… بعد.” قال بابتسامة جميلة لكنها تحمل خلفها تهديدًا لا يمكن إنكاره.
مد يده نحوها، وارتفعت الرياح كأن الطبيعة بأكملها تستجيب لإرادته. “تعالي معي، إيفيريل. لا تقاومي. مصيركِ مرتبط بي منذ ولادتكِ، سواء أردتِ أم لا.”
شعرت بالهواء يثقل حولها، وكأن يده لم تمتد لجسدها فقط، بل لروحها نفسها. رغم رعبها، شعرت بشيء غريب يجذبها إليه، كأن اسمه يحمل سحرًا لا يمكن الفكاك منه.
“لن أكون لك!” صرخت، مستجمعة ما تبقى من شجاعتها، لكن كلماتها تحولت إلى صدى ضائع وسط الضباب.
ضحك لوكريثيان، وكانت ضحكته كوقع مطرقة على الحديد. “آه، إيفيريل… هذه الغابة، هذا العالم… وكل شيء فيهما سيكون لي. وأنتِ البداية.”
قبل أن تستجمع “إيفيريل” قوتها للهرب، بدأ الضباب يلتف حولها كالأطياف الحية، يقيد حركتها برفق لكن بحزم. كانت قوة لوكريثيان ساحقة، لكنها ليست عنيفة. كان كأنه يعلم أنها ستأتي إليه، عاجلاً أم آجلاً.
“لماذا أنا؟” تمتمت بصوت مرتجف، تحدق في عينيه الحمراوين اللتين تحملان عالماً من الأسرار المظلمة.
“لأنكِ مختلفة، إيفيريل. أنتِ مفتاحي للسيطرة على كل شيء. الغابة، الطبيعة، وربما…” توقفت كلماته لوهلة، وكأنها اعتراف خفي، قبل أن يضيف بصوت أكثر خفوتًا، “روحي التي لم أعد أملكها.”
كلماته الأخيرة تردد صداها داخلها، توقظ شيئًا في أعماق قلبها. شعرت أن وراء هذا الطاغية قناعًا يخفي جرحًا عميقًا. لكن هذا الشعور تلاشى بسرعة مع ابتسامته المستفزة.
“لن أسمح لك!” صرخت إيفيريل، وأطلقت دفعة من طاقتها السحرية. انفجرت حولها شرارات من الضوء الفضي، تقطع الضباب وتجبر لوكريثيان على التراجع خطوة.
رفع حاجبه بإعجاب طفيف، وقال بنبرة ساخرة: “أرى أن لديكِ بعض الحيلة، لكن ذلك لن يغير شيئًا. أنتِ لستِ مجرد جنية، إيفيريل. أنتِ قدرٌ لا يمكن الهروب منه.”
قبل أن تتمكن من الهرب، أشار لوكريثيان بيده، وتشققت الأرض بينهما، فاندفعت جذور الأشجار الضخمة لتشكل قفصًا من حولها.
“هذه مجرد البداية.” قال وهو يخطو للخلف، تختفي ملامحه تدريجيًا في الظلام. “لن ألاحقكِ، لأنكِ ستأتين إليَّ بنفسكِ، حين تكتشفين الحقيقة.”
ثم اختفى، تاركًا إيفيريل وحدها وسط القفص، تتنفس بصعوبة، وعقلها يموج بمئات الأسئلة. من هو لوكريثيان حقًا؟ ولماذا تشعر أن جزءًا منها يريد معرفة ما يخفيه هذا الطاغية المهووس؟
إيفيريل، محاصرة بين الجذور الملتفة كأصابع عملاقة، كانت تتنفس بصعوبة. حاولت استخدام سحرها مرة أخرى، لكن القفص بدا وكأنه يمتص قوتها، كأن الغابة نفسها خانتها وأصبحت أداة في يد الطاغية.
وفجأة، وسط صمت الغابة، انطلقت صرخة مرعبة، ليست بشرية ولا حيوانية. كان الصوت يأتي من أعماق الأرض، يهز الجذور ويمزق السكون الثقيل. شعرت إيفيريل بذبذبات الصوت تخترق جسدها، وكأن شيئًا قد أُيقظ من سبات طويل.
بدأت الأرض تهتز تحتها، وتشققت التربة لتكشف عن هوة مظلمة. من داخلها، تصاعدت يد ضخمة مغطاة بالظل، كأنها مخلوق من كابوس.
صرخت إيفيريل وهي تحاول التحرر، لكن يد الظل امتدت نحوها بسرعة مذهلة، وأمسكت بمعصمها. كان ملمسها باردًا كالجليد، لكنها شعرت بنبض حي يجري فيها.
“إيفيريل!” دوى صوت لوكريثيان فجأة، قادمًا من بعيد. عاد إلى الظهور على قمة تل قريب، وعيناه تتوهجان كجمرتين. بدا غاضبًا، لكنه لم يتحرك لإنقاذها.
“لا!” صرخت وهي تُسحب ببطء نحو الهوة، بينما كان لوكريثيان يراقب، كأن الموقف اختبار لها. “أنت السبب! ساعدني!”
ولكن بدلاً من التدخل، رفع يده وأشار بحركة مبهمة. توقفت يد الظل للحظة، ثم بدأت تتلاشى ببطء، كأنها تخشى غضبه.
عندما انتهى الأمر، سقطت إيفيريل على الأرض، تلهث من الرعب. نهضت بصعوبة، ووجهت إليه نظرة ممتلئة بالكراهية والخوف.
“ما الذي يحدث هنا؟” صاحت، لكن لوكريثيان لم يجب. ابتسم تلك الابتسامة التي تحمل ألف سر وقال بهدوء:
“أنتِ قوية، لكن قوتكِ ستوقظ أمورًا لا يمكنكِ التحكم بها. فكري جيدًا في خياراتكِ القادمة، لأن المرة القادمة… لن أتدخل.”
ثم اختفى مرة أخرى، تاركًا إيفيريل وحدها، قلبها ينبض بجنون، وعقلها غارق في دوامة من الأسئلة.