المصير - 1
الوجود
.. ما الغرض منه؟
أهو الشقاء؟
إن كان كذلك فلقد شقيتُ طوال حياتى بين الإسمنت و الرمل و الطوب الأحمر وذلك ظاهر بوضوع فى خشونة يداى وإسمرار وجهى
أهو الفناء؟
لكن
لم وجدتُ فى المقام الأول إن كنت سأفنى لاحقًا؟
ما الغرض الذى يبتغيه الإله فى معاناتى أثناء الوجود؟
لا لا أستغفر ربك يا “زين” الشقاء ماهو إلا جزء من الحياة وما الفناء إلا نهاية إختبارك القاسى على كلٍ ما كان فقدان عملك والفتاة التى تحبها ومأواك أن يفعل بك كل هذا ويدفعك نحو هذه الأفكار فهو مجرد عمل ربما لا تجيد غيره ولا تعرف أحد آخر كى يوظفك عبدًا عنده ولن تجد فتاة أخرى ولا مأوى لكنك لن تيأس على أى حال أرضُ الله واسعة فقط لا تستسلم أيها الأحمق
“يبدأ بالبكاء” لكن أنت لم تعد تحتمل صحيح؟
ضاقت بك الأرض بكل براحها وكل التراكمات السيئة كونت بركانًا لم ينفجر إلا الآن أليس كذلك؟
لا بأس يا “زين ” هون عليك
“يمسح دموعه”
ستكون الأمور بخير فقط عِش ليوم آخر
اللعنة على كتبك يا سلمى وتعاليمك لقد كنت بخير لما كنت جاهلًا!
كان زين يتمشى فوق الجسر الذى يعبر من فوق النيل جسر طويل نوعًا ما يؤدى إلى المدينة الأخرى هو ليس ذاهبًا لأى مكان فقط كان يريد أن يصل حتى منتصف الجسر و يقف كى يتأمل الغروب ولربما كان هذا ما هوَّن عليه حياته فمنذ ولد لم يعرف له أب ولا أم ولا أهل
فقط عرف طعم الإسمنت و الرمال فى فمه وعرف معها “المعلم عبده” رجل قصير وسمين وقاسى الملامح خشن اللحية قال له أنه ألتقفه عندما كان طفلًا من حاوية قمامة _حرفيًا_ وهو من رباه و أطعمه وأعطاه غرفة بها مرتبة قاسية ولحاف مرقَّع وأنه هو الذى سماه” زين” فقد كان طفًلًا حسنًا قبل أن تتلف الشمس وجهه وتجففه وتفعل الرمال و قطع الطوب بيداه الأفاعيل أثناء ممارسته شِفت العبودية فى وظيفته كبناء تحت يد “المعلم عبدو” لكن من الناحية الإيجابية فقد كانت لهذه النشأة القاسية أثرًا لا يغفل على جسد الفتى زين برغم أنه نحيل فلديه تقسيمات عضلية يحلم بها كل لاعب كمال أجسام و قوة كبيرة تكاد لا تنضب فقد عرفه العمال وحشًا فبينما يحمل أفتاهم و أقواهم اربع شكائر من الإسمنت كان زين يحمل خمسًا ولما يكون قد نال حظه من قطعة لحم قد تركها له المعلم عبدو فكان يحمل ثمانية مع العلم أن وزن الشكارة الواحدة يبلغ خمسين كيلو مما يعنى أنه يحمل أكثر من ربع طن
مما جعله محل مفاخرة المعلم عبدو
لكن لما حدث أن كبر زين وبدأت غرائز المراهق تؤرق نفسه بدأ يشعر بالحب إتجاه إبنة المعلم
” سلمى” لطيفة وقصيرة ممتلئة قليلًا لكنها بالتأكيد تستحق فقد عرفها دومًا وهى تقريبًا فى نفس عمره
فى النهاية تمكن من آسر قلبها ولم يكن ذلك بالصعب فمع أن الشمس و الإسمنت والطوب الأحمر قد قتلا نصف وسامته لكن بقى منه شىء منها تكمن من سحر سلمى
ظلا يتواعدان سرًا لمدة ثلاث سنوات ولما كانت سلمى طيبة حنونة ما أحبت أن ترى زين شابًا فى السابعة عشر جاهلًا لا يقرأ ولا يكتب لذا على مدار ثلاث سنوات علمته القرأة و الكتابة عرفته على الكتب و الروايات على مدار ثلاث سنوات إتسعت مدارك زين الذى راح يغترف الحروف ويحشرها داخل عقله إنه جائع للمعرفة نهم للفنتازيا و الرعب.
أصبح يلقى شعرًا في عيون سلمى ويقول لها كلامًا لم تسمعه حتى من أصدقائها المثقفين مما زادها به تعلقًا أحبته بجنون أرادت أن تتزوجه حتتى تتمكن من عناقه أكثر وتقبيله أكثر فأكثر
لكن فى النهاية هذه قصة حب كتب لها الفشل لقد عرف المعلم عبدو بالأمر
ضرب سلمى ووصفها بالعاهرة عدة مرات
و ضرب زين الذى لم يتأثر كثيرًا بضربات العجوز عبدو
_ تواعد إبنتى ياكلب بعدما إئتمنتك على على بيتى و كسوتك و ربيتك تخوننى بهذه الطريقة إتفو عليك
_لم أخونك بشىء أنا أحب سلمى و أريد أن أتزوجها فى الحلال
_ أى حلال ها أى حلال لابد أنك إبن زنا لهذا رموك فى القمامة أيها القمامة !
لم يعرف زين ما حدث لكنه فجأة وجد عنق المعلم فى يده بينما كان أنفه يقطر دمًا لم يكترث وراح يضغط أكثر و أكثر
لتوقظه فى النهاية صرخة من سلمى التى خرجت من غرفتها لترى والدها يخنق مثل الدجاج
_أبي!!!!
ترك زين المعلم وراحت يداه ترتجف وهو ينظر لسلمى التى أحاطت والدها بينما تبكى سعل المعلم قليلًا ثم قال بصوته المتحشرج المختنق: أخرج أخرج من بيتى ولا ترينى وجهك مرة أخرى
لم يكترث له ونظر لسلمى
_سلمى أأنا
رفعت كفها بينما تدفن وجهها فى صدر والدها
_فقط إرحل!
_سلمى!
صرخت: قلت لك إرحل حالًا!
لم يعرف زين ما يفعل سوى الرحيل فقط عبر الباب وهو يعرف انه لن يعود مرة اخرى وان هذا المكان سيصبح ذكرى سيئة له بعد مدة ذكرى ستؤرقه فى منامه وتشغل عقله أكثر الوقت
كان زين لا يزال واقفًا يشاهد الغروب لا يفعل شىء ولا يفكر بشىء فقط يقف بوسط الكوبرى الخالى وهو يشاهد الغروب قلبه يبتهج و لسبب ما هذا المشهد لا يكف عن ملىء قلبه حبورًا
وقد كان ما قاطعه هو إهتزاز السور الحديدى الذى يستند عليه نظر على يمينه فوجد فتاة شقراء تقف على السور من بعيد فإرتعب وتسأل هل تبغى أن تنتحر؟ وتسأل أيضًا لم فتاة بشعر أشقر تتواجد فى مصر
قال بصوت عال: قد تقعين يا آنسة أنزلى بسرعة
إقترب منها ورأها وهى تشعل سيجارًا أسود اللون لم يره من قبل بقداحة سوداء هى الأخرى
تعجب لكنه قال مرة اخرى:يا آنسة أرجوك قد تقعين!
إلتفتت له فعرف أنها حتمًا ليست من مصر فهذه العيون الزرقاء والبشرة التى تقترب من بياض القشدة و الشفاه القرمزية لا تمت لمصر بشىء
قالت: هذا ما أبغاه*قالتها بالإنجليزية
_ماذا؟
_ هذا ما أبتغيه * قالتها بالعربية بلهجة سليمة*
_ و لم ذلك؟
_الحياة قاسية أقسى مما تتصور
_ أنا أفهمك
نظرت له فى شفقة وقالت:لا أعتقد
كانت تسير برشاقة وتوازن على السور الرفيع بينما تدخن هذه السجائر الغريبة تضع يدها فى جيب بنطالها الأسود ثم تخرجها لتنفض بعض من تراب السيجارة الذى تناثر على التيشيرت الأسود الذى ترتديه عاشقة هى للأسود كما يبدو
_ لا يهم أنا أفهمك وكفى لقد عانيت أنا الآخر وأفهم كيف أن هناك لحظات قد تتمنى فيها الموت لكن لا شىء يستحق الموت على الأقل هذا ما أقنع نفسى به وهذا ما يمليه علي إيمانى بالله
_ هاهاهاهاها
كانت تضحك تضحك بشدة
_م ما المضحك فى كلامى !
نظرت لساعتها التى كان سوداء هى الأخرى وقالت : إتبعنى
_ها؟
فجأة قفزت !
_مهلا لاااااااا!
_هييه يا فتى فلتقفز هنا
كان ذلك مرفأ لسفن الصيادين يقبع تحت الكوبرى لحسن الحظ لم تمت غرقًا
لكن كيف قفزت هذه المسافة !
_يا آنسة كيف لك أن..
_أسرع وأقفز!
كانت المسافة فعلا كبيرة نوعا ما لكنى كنت واثقًا أننى أستطيع قفزها لذا هوب قفزت
آلمتنى رجلى قليلا لكنى فعلتها بينما لم يبد على الفتاة أنها تأثرت
كانت قد تقدمت حتى آخر المرفأ فتبعتها فجلست وطلبت منى الجلوس ففعلت
نظرت مرة أخرى لساعتها وقالت:بعد عشر ثوان ستنكسر الحدود الفزيائية بين كوننا و كون الوحوش
_ها؟
_10
_مهلا مهلا
_9
_عن أى كون تتحدثين يا آنسة
_8
_ ماهو كون الوحوش؟
_7
_ هيييه يا آنسة
_6
_ يا آنسة لا تتجاهلينى!
_ 5 لقد بدأ
أشارت بإصبعها نحو الأفق فلنظرت لكنى لم أر شيئًا
_لا أر شيئًا
_4 أنظر بتمعن
نظرت بتمعن فلاحظت شيئًا غريبًا الأفق من على مسافة ما راح وكأنه مرآة تنكسر
_مهلا ما ذلك
_3
المرآة تنكسر أكثر
_2
أكثر و أكثر
_1!
لوهلة توقف قلب زين الذى لم يواكب الأمر
الأفق إنكسر فجأة كما المرآة وخرجت من يد عملاقة خضراء ذات مخالب لم تبد يد بشرية بالتأكيد ان كنت تتسائل
بعدها إنكسر كل الأفق
خرج وحش عملاق لديه وجه يشبه السمكة وجسد عملاق مهول الحجم جسد غير منتظم الشكل بحيث تشبهه بشىء فى عالمنا
وفجأة رفع رأسه للسماء و إنشق فمه و زأر
زار بقوة لدرجة أن زأيره قد هز الكوبرى و المرفأ وزلزل المياه
هنا قالت الفتاة الجالسة والتى لم يبد عليها التأثر بجانب زين الذى كان قد نهض مرعوبًا يحملق فى هذا المسخ
_ و الآن هل إيمانك يملى عليك شيئًا ما؟
نهاية الفصل الأول