في اليوم التالي للزفاف، اختفى زوجي || The Day After Wedding, My Husband Disappeared - 18
أجابني ببرود:
“لقد قلت إنني ألقيتها بعيداً”
رمقني إردان بنظرة متعالية، وقد تجسدت على ملامحه كل معاني الاحتقار، ثم قال بنبرة متهكمة:
“ولماذا عليّ أن أفتش في نفايات امرأة مثلك؟
لقد تخلصت من كل شيء يخصكِ، تماماً كما تخلصت من تلك الأشياء القذرة التي كنتِ تستخدمينها”
ما هذا الجنون الذي يعيشه هذا الرجل؟
هل يعقل أنه ألقى بكل تلك الوثائق التي كانت تملأ المكتب؟ أيعقل أن سيدًا لأراضٍ يتجاهل إدارة ممتلكاته طوال فترة غيابه، ثم يعود ليتحدث بهذه الثقة؟
“من أين أختلستِ الأموال من أراضيّ؟”
وقفت مذهولة من شدة العبثية التي تكتنف كلامه، فيما اقترب إردان مني بخطوات واثقة، ويداه مسترخيتان في جيوبه.
ركل حافة ثوبي بطرف حذائه وقال:
“أوه، هل ارتديتِ هذا الفستان البالي عمداً؟ لتتظاهري بالتقشف؟
من المضحك أن شخصاً مهووساً بالمال مثلكِ يقوم بمثل هذه المسرحية السخيفة”
كنت مشدوهة إلى حدٍ يجعلني غير قادرة حتى على الضحك.
الفستان الذي ارتديته لم يكن يستحق حتى أن يُسمى فستاناً؛ كان مجرد قطعة بسيطة من “ليريبيل” أحضرتها معي منذ ست سنوات حين قدمت إلى هنا.
العمل تحت إمرة بريسيلا، التي كانت تلوثني بالقذارة باستمرار، جعل من ارتداء فستان جديد ضرباً من الرفاهية التي لا أتحملها.
لذا، حتى عندما كان لدي المال، لم أكن أشتري ملابس جديدة.
وبعد أن توليت مهام السيدة المدبرة، لم أجد حتى الوقت الكافي لشراء ملابس جديدة.
رئيسة الخدم، التي شعرت بالأسف عليّ، عرضت أن تملأ خزانة ملابسي، لكنني فضلت أن أنفق المال في إدارة الأراضي، فرفضت عرضها.
بالطبع، كان بإمكاني شراء ملابس جديدة بمالي الخاص، ولكن إذا كنت سأصرف مالي، كنت أريد أن أشتري شيئاً أحببته حقاً، عندما أجد الوقت لذلك.
ومرت سنتان وأنا أؤجل ذلك.
لذا، فإن هذا الفستان المهترئ الذي أشار إليه إردان، هذه القطعة البسيطة، كانت دليلاً على أنني خدمت بريسيلا، شقيقة إردان، بإخلاص، وفي الوقت ذاته كانت شاهداً على تفانيي في العمل من أجل أراضيه.
قال بازدراء:
“النفقة… حسنًا،
إذا كان هذا ما تبتغينهُ سأعطيكِ إياها.
“
وبعد لحظة قصيرة، سمعت صوت تمزيق النسيج.
“هذا يكفي لشراء بعض الفساتين، فاقبليه بامتنان”
رمقت المكتب بنظرة لأرى زرًا للكفة مزقه إردان من كم قميصه.
“ولا تحلمي بتقسيم الممتلكات، بما أنكِ جئتِ إلى هذا القصر دون فلس واحد”
شعرت بالإهانة تجتاحني من رأسي حتى أخمص قدمي، لكن بدلاً من الاستسلام للغضب، حافظت على رباطة جأشي.
“هل ستبحثين عن المستندات التي ألقيتها؟”
قال إردان بازدراء وهو يرمقني.
“لقد أحرقتها كلها.
لا تضيعي وقتكِ في البحث عنها”
تجاهلت كلماته والتقطت زر الكفة من على المكتب.
“إذا كنتِ ستأخذين هذا، فعليكِ التوقيع على أوراق الطلاق…”
إردان، الذي كان يتجه نحو الباب، توقف فجأة في منتصف جملته، إذ رأى الأشخاص الواقفين خلف الباب المفتوح.
بادر أحد الرجال ذوي المظهر المعتدل بالقول:
“نعتذر عن التدخل بينكم.
جئنا لنقدم احترامنا، لكن الباب كان مفتوحًا، فدخلنا دون قصد”
“من أنتم؟”
سأل إردان بلهجة حانقة.
“أقدم نفسي لحضرتكم أنا الفيكونت زيبرون.
جئت إلى القصر بناءً على أوامر من جلالة الإمبراطور”
“بأوامر من جلالة الإمبراطور؟ ما معنى ذلك؟”
“لقد أرسلت الماركيزة عريضة إلى جلالة الإمبراطور،
تفيد بأنها تتعرض للظلم والإجبار على الطلاق دون سببٍ عادل”
بينما كنت أستمع لكلمات الفيكونت زيبرون، أدرتُ رأسي نحو إردان.
“لقد أرسلنا جلالة الإمبراطور للتحقق من صحة العريضة”
ربما شعر إردان بنظرتي، فالتفتَ نحوي.
والتقت أعيننا في الهواء.
في تلك اللحظة، رفعت زاوية فمي بابتسامة خفيفة.
هل كنت تظن أنني سأكتفي بإرسال رسالة إلى الصحيفة بعد أن قررت الصمود هنا؟
كان ذلك مجرد إجراء وقائي بسيط.
في موقفٍ مهدد للحياة،
لا يمكنني الاعتماد على الحد الأدنى من الاحتياطات فقط.
الآن، لم يعد بمقدورك أن تقترب مني.
لو حاول إردان اغتيالي بينما أفراد العائلة الإمبراطورية يحققون في قضية طلاقنا في القصر الماركيزي، فإنه لن يكون معرضًا للشائعات فحسب، بل سيتعرض أيضًا لتحقيق رسمي.
سيتم القبض عليه ويصبح قاتلًا في العاصمة.
ولهذا السبب، لن يتجرأ على محاولة قتلي.
“الإمبراطور لن يتجاهل نداءكِ للمساعدة وسيضمن لكِ الحماية، أعدكِ بذلك”
لقد كنت أتصرف بدافع اليأس عندما تذكرت تلك الكلمات، لكن لم يخطر ببالي قط أن الإمبراطور سيتدخل بالفعل.
بل وبهذه السرعة، وكأنه كان ينتظر وصول هذه العريضة بفارغ الصبر.
لو لم تستجب العائلة الإمبراطورية، كنت قد خططت لإنفاق كل أموالي لتوظيف حراس شخصيين.
ولكن يبدو أن الأمور سارت في الاتجاه الصحيح.
ضحك إردان بسخرية وهو يرى ابتسامتي، وكأنه لا يصدق ما يحدث.
“خُذ هذا”
أدرت رأسي ومددت يدي باتجاه الفيكونت زيبرون، وكان في يدي زر للكفة.
“هذه هي القطعة التي تلقيتها كـنفقة”
أخذ الفيكونت زيبرون الزر من يدي، والذي كان بمثابة دليل على الظلم الذي أعانيه والإجبار على الطلاق.
ثم نظر إلى إردان للحظة، بعينين مليئتين بالازدراء الواضح.
“سنقيم هنا لبعض الوقت لنحقق في محتوى العريضة التي قدمتها زوجتك.
أرجو أن تتفهم حاجتنا لفحص الأمور الداخلية للقصر الماركيزي”
انحنى الفيكونت زيبرون قليلاً ثم غادر مع مرافقيه.
لم نحاول أنا ولا إردان إيقافهم.
لو رفضنا زيارتهم من البداية لكان الأمر شيئًا، ولكن قبولهم ثم طردهم لاحقًا لن يكون إلا دليلًا على الاضطهاد الذي كنت أتعرض له.
“لماذا تعقد الأمور بهذا الشكل السخيف؟”
أدرت ظهري وتحدثت إلى إردان الذي كان يمرر يده بين شعره وكأنه يحاول كبح غضبه.
“لو أنك أعطيتني النفقة عندما طلبتها، لما كانت هناك شائعات مزعجة عنك في الصحف،
ولا كانت العائلة الإمبراطورية أرسلت من يزعجك”
تنهد إردان بعمق وبدأ بالابتعاد دون أن ينبس ببنت شفة.
“متى ستجهز المال؟”
توقف إردان فجأة، وكان على وشك المرور بجانبي، ثم أمسك بياقة ثوبي بيد واحدة.
“هل خططتِ لكل هذا وأنتِ تعرفين كل شيء؟”
نظرت مباشرة في عينيه الغاضبتين، اللتين كانتا تتلألآن بلونٍ بنفسجي داكن، وقلت بهدوء:
“عن ماذا تتحدث؟”
عند سؤالي الهادئ، شدّ إردان على أسنانه بغضب.
“احذري،
إذا كنتِ ترغبين في الاستيقاظ غدًا وعينيكِ سالمتين”
“تفضّل، وجرب إن كنت تملك الجرأة”
كنت قد قررت بالفعل أن أبقى هنا وأبتز المال بعد أن نجوت من تجربة كادت أن تودي بحياتي.
هل سيكون لتهديد بقتلي أي تأثير عليّ الآن؟
حدق إردان في وجهي بعينين مشتعلتين لفترة، ثم ترك ياقة ثوبي وكأنه يلقي بي بعيدًا.
“أنتِ امرأة مثيرة للاشمئزاز”
ومع تلك الكلمات، غادر الغرفة.
“…”
بينما كنت أشاهد ظهر إردان المتراجع وأعدل ياقة ثوبي، نظرت إلى يدي.
هاه…
كانت يداي المتصلبتان والباردتان ترتجفان.
رغم عزمي على تحدي إردان وعدم الاكتراث بتهديداته، لم أستطع منع الخوف من التسلل إليّ وأنا أواجه الرجل الذي حاول قتلي.
لقد اختبرتُ عن قرب خوف الموت الذي كاد أن يدفعني إلى الاستسلام واليأس، وكان هذا الشعور طبيعيًا.
ولكن ارتجاف يدي لم يكن نتيجة للخوف.
“مهووسة بالمال؟ ان اكون ممنونة له؟ ملابس بالية؟
هاه،
ما هذه الدعابة السخيفة”
كنت أشعر بالغضب الشديد.
غضبًا يكفي لتجاوز الخوف بسهولة.
“عليّ أن ابتزه للحصول على
المزيد من المال”
كنت بحاجة إلى ابتزازه ما يكفي من المال لأعيش حياة مترفة لبقية حياتي، حتى بعد تقديم طلب اغتيال إردان.
فقط حينها قد يهدأ بعض من هذا الغضب الذي أشعله إردان.
***
“سيدتي ليريبيل”
جاءت رونا لرؤيتي بعد فترة وجيزة من انتهاء الفوضى.
“جلبت لكِ بعض الطعام.
من فضلكِ، تناولي منه”
نظرت إلى الطعام المكدس على العربة التي جلبتها رونا.
هل يمكنني تناول الطعام الآن؟
منذ أن استيقظت، لم أتناول حتى رشفة ماء.
لم أرد أن أتسمم بواسطة إردان.
الآن بعد أن زال خطر إردان، ربما حان الوقت لتناول الطعام.
لم يكن من المنطقي الاستمرار في الصيام.
“ينبغي عليكِ تناول الطعام لاستعادة نشاطكِ”
ربما كان ذلك بسبب ترددي بعد أن رفضت تناول الطعام بشدة.
سارعت رونا بوضع اطباق الطعام على الطاولة.
بينما كنت أراقبها، كنت على وشك أن أنهض لتناول الطعام.
ما هذا…؟