Surviving As A Maid In A Cursed Mansion || خادمة في قصر ملعون: حكاية نجاة - 1
ليلةٌ مظلمة كالهاوية
خلف النافذة، شقّ البرق السماء كحدّ سيفٍ مسلول، تلته هزّة مدويّة، ثم انهمر المطر بعنف، يتساقط كالسياط على الأرض المشبعة بالماء.
ششششااااه…
وسط العاصفة، اخترقت نغمة مألوفة الأجواء، لحنٌ تردّد في مسامعها عشرات، لا، بل ربما مئات المرات من قبل.
♪♫♫♪♫♪♪♫♫.
كان عزف البيانو مبهِرًا، لكنه لم يبعث في نفسها السكينة، بل تسلّل إلى عظامها بردٌ خفي، وانحدرت قطرة عرق باردة على امتداد عمودها الفقري.
[📜 لوائح العمل في قصر روزيبينا
المادة الثالثة:
“إذا سمعت عزف البيانو منتصف الليل، فلا تقترب منه.”]
عضّت باطن شفتيها بقلق، تحاول أن تتشبث بهدوئها.
ثم—
[أين. أنتِ؟]
اندسَّ الصوت المشؤوم بين النغمات، وكأن البيانو لم يعد يعزف وحيدًا، بل صار ناقلًا لهمسات قادمة من الفراغ.
أدركت في لحظة…
لم يكن بعيدًا.
[انزلي للأسفل.]
[فريستك أمامنا.]
[تعالي بسرعة قبل أن يبزغ الفجر.]
وهذه المرة، لم تعد اللوحات المعلّقة صامتة…
بل ترددّت من بينها قهقهات مكتومة، أعقبتها أصوات رخيمة تتحدث بنبرة ساخرة:
[مــن. هــناك؟]
لم يعد هناك مجال للتردد.
بمجرد أن تيقّنت أن “الكائن” أدرك وجودها، لم يبقَ أمامها سوى خيار واحد…
الهرب بحياتها.
“أين… إلى أين أذهب؟!”
حينها، التمعت عيناها برؤية باب مفتوح على مصراعيه—غرفة بلا سيّد.
إنها غرفة الوصيفة الرئيسية، المشرفة على خدم القصر.
لم تمنح نفسها فرصة للتفكير، اندفعت إلى الداخل، أغلقت الباب بعنف، ثم أدارت المفتاح على عجل.
[هل. أنــتِ. هنــا؟]
تمتماته المريعة تردّدت بين أروقة القصر، وهو يفتح أبواب الغرف المغلقة، واحدة تلو الأخرى.
ما زال لديها بعض الوقت… لكنه لن يكون كافيًا.
“إذن…”
بيد مرتجفة، التقطت قلمًا قديمًا وورقة خاوية من على المكتب، وبدأت تخط كلماتها بأسرع ما يمكن.
[📜 إلى من يقرأ هذه الرسالة،]
لم تكن تكترث إن وقعت الورقة في يد الوصيفة الرئيسية،
فالوصيفة الليلية لم تكن تجيد القراءة،
أما الوصيفة النهارية… فكانت بشرًا عاديًا.
“لطالما ظننت أن لوائح العمل مجرد تعليمات روتينية، لكن القواعد الغريبة أثارت شكوكي…”
ارتعشت يدها، لكنها تجاهلت ذلك وأكملت الكتابة:
“وكان ذلك خطئي—أن أتعامل مع القوانين باستخفاف.
والآن، أدفع الثمن غاليًا”
دق. دق. دق. دق.
خفقات قلبها علا صوتها فوق كل شيء، فيما اقترب صوته أكثر فأكثر.
“أرجوك، لا تكرر الخطأ الذي ارتكبته.
اهرب من هذا القصر فورًا، وإن بقيت، فاتبع القواعد جميعها بلا استثناءر
[ليس. هنا. أيضــًا…؟]
“وأخيرًا، هناك أمر أخير…
لا أملك الحق في قوله، لكن سأمنحك نصيحة أخيرة: إذا كنت ترغب في النجاة—فاختر تضحية.
حتى لو اتبعت القواعد، سيبقى الخطر يحيط بك، لذا من الأفضل أن يكون هناك من يُؤخذ بديلًا عنك”
“حيثما وُجدت الحياة، وُجد الموت”
“أن يُضحّى بشخص واحد، خير من أن يُباد الجميع”
“لا تشعر بالذنب… فبعد فترة كافية داخل هذا القصر، ستدرك أن الأخلاق لا معنى لها، وأن النجاة هي الشيء الوحيد الذي يستحق التفكير فيه”
“لذا أرجوك…”
قبل أن تنهي جملتها الأخيرة، انفتح الباب بعنف.
[وَجــدتُــك.]
“لذا أرجوك… اهرب وابقَ حيًا”
وفي لحظة، تخلى “الكائن” عن مظهره البشري، وانفرج فمه الهائل…
وفي قضمة واحدة، ابتلعها بالكامل.
✦✦✦
في الأيام التي تلت، تحولت كلماتها إلى شريعة محفورة في ذاكرة كل من يخدم في القصر:
[📜 لوائح العمل في قصر روزيبينا
القاعدة الأخيرة:
“إذا أردت النجاة في قصر روزيبينا، فمن المستحسن أن تقدّم أحد أفراد الطاقم كقربان… من حين لآخر.]
✦✦✦
“نعم؟ إلى أين؟”
كانت السماء صافية، بلا غيمة واحدة.
السائق، الذي كان يطوي جريدته ببطء، سألها عن وجهتها ببرود، لكنه ما إن سمع الرد، حتى تجمدت أصابعه على الورق.
“هاه… غريب، لا بد أنني أكثر إرهاقًا مما ظننت، لأنني أسمع أشياء غير معقولة…
آسف يا آنسة، هل يمكنكِ تكرار ذلك مجددًا؟ إلى أين قلتِ أنكِ ذاهبة؟”
حاول أن يبتسم، لكنها كانت ابتسامة متوترة، كأن أذنيه خدعتاه.
كررت وجهتي مرة أخرى بصوت هادئ ومتزن.
“أودّ منك أن تأخذني إلى قصر مركيز روزيبينا”
كأنما تجمعت غيوم عاصفة فوق ملامحه في لحظة، إذ انقبض وجهه وارتسم عليه ظل ثقيل من القلق.
“أعتذر، لكن لا يمكنني الذهاب إلى هناك.
إن كنتِ مصممة على الأمر، فمن الأفضل أن تطلبي من أحد هؤلاء”
اتّبعتُ نظره لأجد مجموعة من السائقين الآخرين يرفعون أصواتهم، معلنين استعدادهم للذهاب إلى أي وجهة مقابل الأجرة المناسبة. تقدمت نحوهم دون تردد.
أحدهم، وقد بدا أنه شهد محادثتي السابقة، حاول أن يخفف من وقع الموقف، لكن كلماته لم تحمل في طياتها أي طمأنينة حقيقية.
“لا تأخذي كلامه على محمل شخصي، إنه رجل طيب رغم كل شيء.
حسنًا، إلى أين تريدين الذهاب؟”
لم يكن لدي وقت لأضيّعه، فأعدت ذكر وجهتي من جديد.
“إلى قصر مركيز روزيبينا.
وأفضّل أن ننطلق فورًا”
لكن، وعلى الرغم من تصريحه السابق باستعداده للذهاب إلى أي مكان لقاء الأجرة المناسبة، انعقد حاجباه في تعبير يعكس ترددًا واضحًا.
“هل أنتِ جادة؟”
أعاد السؤال بنبرة تنمّ عن شكوكه في مدى إدراكي لحجم قراري.
قابله صمتي، وكان وحده كافيًا ليُدرك أنني لست أمزح.
زفر بضيق قبل أن يميل نحوي قليلاً، وكأنما أراد أن يهمس بسر خطير لا ينبغي لغيري سماعه.
“لا شأن لي بالأمر، لكن… ذلك المكان ليس وجهة مأمونة أبدًا.
استمعي إليّ جيدًا”
تفحّص ما حوله بحذر، كمن يخشى أن تلتقط الآذان الخاطئة حديثه، ثم ثبت نظره عليّ وقال بنبرة ثقيلة بالدلالات.
“ذلك القصر… تحيط به طاقة كئيبة. طاقة سيئة، بل شديدة السوء”
ما إن انتهى من حديثه حتى بادر سائق آخر بالتدخل، وكأنما لم يستطع كتمان ما يعرفه.
“ليس كما يصفه، في البداية لم يكن ذلك المكان مشؤومًا.
كان قصرًا عاديًا، شأنه شأن غيره.
لكن بمرور الوقت، بدأ الناس ينعتونه بـ’الأرض الملعونة'”
“حين تتوالى الأحداث الغريبة في موقعٍ واحد، من الطبيعي أن يكتسب سمعة سيئة”
وبدت الحكايات تتدفق من أفواههم تباعًا.
“آنستي، يبدو أنكِ تجهلين طبيعة ذلك المكان، لذا دعيني أخبرك—إنه ملعون.
كل من تطأ قدماه تلك الأرض التي يقوم عليها القصر، لا بد أن يشهد أمرًا غريبًا”
“حتى لو لم يحدث شيء خارق، فالمناخ هناك مريب بما يكفي.
باستثناء بضعة أيام في الشهر، السماء إما ملبدة بالغيوم أو تمطر بغزارة”
في البداية، كان حديثهم محصورًا في اضطراب الطقس.
“قبل ثلاث سنوات، دُعي بعض الأشخاص إلى القصر… وما رأوه هناك لم يكن طبيعيًا”
“رأوا أشياء غريبة؟ هذا تبسيط مخلّ!
ماذا عن بقية الضيوف؟
واحدًا تلو الآخر، انتهى بهم الأمر إلى مصائر مأساوية”
تجاوز النقاش الطقس والمظاهر غير المألوفة، ليصل إلى أولئك الذين زاروا القصر وما آل إليه مصيرهم.
“الأهم من ذلك، لماذا تريدين الذهاب إلى هناك، آنستي؟
هل تمت دعوتك؟”
بدت عيونهم متوجسة، كأنهم يأملون ألا أكون مجرد اسم جديد يُضاف إلى لائحة الضحايا.
“لا، لم أُدعَ.
أنا ذاهبة للعمل هناك”
وظيفة وجدتها عبر إعلان في إحدى الصحف.
بعد مقابلة خارجية، تم قبولي للعمل كخادمة تحت الاختبار، على أن أصبح لاحقًا موظفة دائمة في القصر.
“هل يُمكن اعتبار هذا حظًا؟”
قبل أسبوع واحد.
بعد وفاة والدتي، لم يتبقَّ لي من العائلة سوى والدي المدمن، الذي كنت أخفي عنه المال بشق الأنفس لأتمكن من العيش.
لكن غلطة صغيرة أودت بكل شيء.
كنت قد خبّأت النقود في خزانة ذات رفّين، وحين نهضت بسرعة، ارتطم رأسي بخشب الرف العلوي.
ألم حاد اخترق جمجمتي، ومعه، اندفعت ذكريات منسية إلى ذهني كالسيل الجارف.
“تُبًا لهذه الشركة اللعينة!
سأستقيل يومًا ما، أقسم بذلك!”
حياة سابقة، انتهت بي إلى الموت من الإرهاق في شركة كانت تمتص أعمار موظفيها بساعات العمل المجحفة وتأخير الرواتب المستمر.
“كل ما أحتاج إليه هو النجاة”
لم أكن مستعدة لأن أعيش مجددًا كضحية مستنزَفة من قِبل عائلة لا تكف عن استغلالها.
عقدت العزم على ألا تنتهي حياتي الثانية بمأساة أخرى، فجمعت كل ما استطعت حمله وهربت.
“كان يجدر بي أن أولد في عائلة ثرية، أن أحيا في رخاء”
لكن بما أنني لم أنل هذا الامتياز، لم يكن أمامي خيار سوى البحث عن عمل يكفل لي الاستقرار.
وظيفة، إن أديتها بإخلاص، قد تتيح لي الحصول على توصية مرموقة—خادمة في قصر إحدى العائلات النبيلة.
وهكذا، وجدت نفسي هنا، أحاول استئجار عربة تأخذني إلى قصر مركيز روزيبينا في أول أيام عملي.
“على الأقل، هذا يبعث بعض الطمأنينة.
صحيح أن الضيوف الذين قُدر لهم دخول القصر لم يخرجوا منه سالمين، لكن لم يُذكر يومًا أن أحد العاملين قد لقي المصير ذاته”
السائق الذي كان يستجوبني أطلق زفرة ارتياح، وكأن جوابي أزال عنه بعض القلق.
“بما أننا نتحدث عن الأمر، طالما أنكِ غير متورطة في تلك الحادثة، فلا ضير حتى لو تلقيتِ دعوة، أليس كذلك؟ كل من لاقى مصيرًا مأساويًا هناك كان على صلة بذلك الحدث”
“أي حادثة؟”
ما إن طرحت سؤالي حتى ساد صمت ثقيل، وكأنني تطرقت إلى أمر محرم.
لم أسمع سوى تلميح غامض—أي شخص أضرّ بشخصٍ معين، سواء بالكلام أو بالفعل، كان مصيره الهلاك.
“بما أنكِ مصممة على الذهاب، سأوصلكِ. لكنني لن أقترب كثيرًا من البوابة الرئيسية.
حياتي تهمني، بعد كل شيء”
بحلول نهاية وقت الغداء، استسلم السائق أخيرًا ووافق على إيصالني.
قاد العربة إلى الأمام، بينما تفرق بقية السائقين بعدما أدركوا أن لا زبائن آخرين في انتظارهم.
“سأوصلكِ بهدوء ثم أغادر فورًا، لذا دعينا نحسم الأجرة الآن”
ناولته النقود التي أعددتها مسبقًا، ثم صعدت إلى العربة برشاقة.
“ارجو ان هذا اليوم لا يكون سيئًا… لأيٍّ منا”