Secret Lady - 3
كان الشبح يدور ببطء حول روزنتاين، يراقبها بصمت. بدا وكأنه يحاول تهدئتها، لكن كلماته التي قالها لاحقًا كانت أكثر فاعلية من أي حركة قام بها.
– “يمكنني مساعدتكِ، روزنتاين.”
نظرت إليه بتوتر وسألت:
“ما الذي تقصده؟؟”
– “إنهم أشباح. المشكلة ليست فيكِ، بل في طبيعة جسد أختك. إن جسدها يجذب الشرور التي لا شكل لها.”
توقفت روزنتاين عن المشي، متسمّرة في مكانها. كانت تنظر أمامها نحو الفراغ، حيث ظهر رجل ذو ملابس فاخرة ينظر إليها مباشرةً.
تساقطت أشعة الشفق الحمراء من النافذة المفتوحة في الممر على جسده، ملأت المكان بالنور، لكنها لم تكن مزعجة أو مشرقة بشكل زائد.
نظرت إليه روزنتاين بعزم وثبات، كانت إرادتها القوية تشع من عينيها الزرقاوين. كان الشبح، المعروف باسم “رانون”، يبتسم وكأنّه وجد متعة في تحدّيها.
“هل تستطيع إنقاذ كورت؟”
– “دون أن يعلم أحد.”
“هل ستساعدني؟”
– “بالطبع يا روزنتاين. هذا وعد بيننا. سأبقى دائمًا بجانبك.”
كانت كلماته مليئة بالسحر والجاذبية. لم يكن مثل أي شبح آخر قابلته من قبل. بدا مخطّطًا، ذكيًّا، ويمتلك معرفة واسعة. لكن رغم ذلك، لم يكن لديها خيار آخر.
“دون أن يعلم أحد.”
كانت هذه الكلمات بمثابة بصيص أمل. لكنها كانت تدرك جيدًا أنّ كل شيء له ثمن. قبضت الفتاة ذات الستة عشر عامًا يدها الصغيرة بإحكام، ثم نظرت مباشرةً إلى الشبح بنظرة تُوحي برغبتها في عقد صفقة.
“ما الذي تريده؟”
– “عندما يحين الوقت، سأطلب منكِ شيئًا. عندما أعتقد أن اللحظة المناسبة قد جاءت.”
نظر رانون للحظة خارج النافذة، وكانت نظرته مليئة بشوق غامض. لكنه سرعان ما أعاد نظره إليها وابتسم تلك الابتسامة الشفافة المعتادة.
– “أريد فقط أن تلبي طلبي عندما يحين الوقت.”
بمجرد أن أومأت بالموافقة، ركضت روزنتاين بسرعة نحو الغرفة حيث كانت كورت موجودة.
—
عندما وصلت إلى الغرفة، رأت جسد كورت يرتجف وقد أصبح نصفه أسود اللون. كانت تتلوّى وكأنها تبحث عنها. دون تفكير، هرعت نحوها واحتضنتها، محاولةً تهدئتها.
لكن برودة جسدها صدمتها، فضمّتها بقوة أكبر، وعيناها تشتعلان بالغضب وهي تنظر نحو الشبح الذي كان يقف بهدوء عند زاوية الغرفة.
“ما الذي عليَّ فعله؟”
كان شعر كورت قد تحول بالفعل إلى نصف أسود. إن استمر الأمر، فقد يغطي السواد جسدها بالكامل، كان واضحًا أنها تعاني من ألم شديد في الأماكن التي أصبحت سوداء.
قضمت روزنتاين على شفتيها بعزم، وشعرت بأن قلقها أصبح يدفعها إلى التفكير بهدوء أكبر.
– “في القصر الإمبراطوري، هناك أشباح كما تعلمين. لكن هناك قوانين عليكِ أن تفهميها.”
“ما هذه القوانين؟”
– “الأسماء. عليكِ أن تنادي اسمه، روزنتاين. هذا كل ما عليكِ فعله. ولا أحد غيركِ يستطيع ذلك.”
استدار رانون حولها بهدوء، حركته كانت خفيفة كالنسيم. شعره الفضي يلمع وكأنه جزء من الغروب.
– “اسمه كان، ذات يوم، هاسْتين كارتاجين.”
ترددت للحظة، لكنها قررت أن تصدق كلماته. وضعت يديها على وجه كورت، متجاهلة الألم الناتج عن البرودة الشديدة في جسدها.
“استيقظِ، كورت.”
قالتها بصوت واضح وثابت، ثم نظرت مباشرةً في عيني شقيقتها اللتين كانتا تتحولان تدريجيًا إلى السواد.
صرخت بكل قوتها:
“اخرج منها، يا هاسْتين كارتاجين!”
فجأة، ارتفع جسد كورت في الهواء وأطلقت زفيرًا عميقًا.
ظلّت تمسك بها بإحكام، مصممةً على ألا تفقدها. وبعد لحظات، خرج من جسدها شبح كان قد استحوذ عليها.
للمرة الأولى، استطاعت رؤية وجه هذا الشبح بوضوح. كان شابًا ذا شعر بني وملامح إنسانية.
– “وداعًا، هاسْتين.”
انحنى الشبح باحترام تجاه رانون قبل أن يختفي.
أما روزنتاين، فقد كانت تحتضن كورتت بقوة، بينما بدأ السواد يختفي من جسدها تدريجيًا، وعاد شعرها الأشقر ليضيء كما كان من قبل.
بقيت روزنتاين تحتضن كورت، وهي تبكي فرحًا لأنها عادت إليها سالمه. كانت تعلم أن ما حدث لن يكون النهاية، وأن عليها أن تكون قوية دائمًا، من أجلها ومن أجل نفسها.
في تلك اللحظة، فتحت كورتي عينيها بصعوبة، وهي تنظر إلى أختها الكبرى بصوت ضعيف:
“أختي…؟”
ابتسمت روزنتاين برفق وقالت:
“نعم، كورت. أنا روزنتاين.”
قالت كورتت بصوت مكسور:
“أختي… لقد تألمت كثيرًا…”
ردت روزنتاين وهي تمسح على شعرها بحنان:
“أعلم، لكن الأمر انتهى الآن. كل شيء سيكون بخير. صدقيني، إنه بخير حقًا.”
تابعت كورت، وعيناها شبه مغمضتين:
“أنتِ طلبتِ مني أن أفتح عيني… شعرت أنني لا أستطيع التنفس، ثم فجأة شعرت بالراحة. هل أنتِ من ساعدتني؟”
صوتها كان واهنًا لكنه مليء بالبراءة. لم تستطع روزنتاين سوى معانقتها بشدة. أجابتها على الفور:
“نعم، نعم، أنا من ساعدتك.”
لم يمر وقت طويل حتى غرقت كورت في نوم عميق.
وبما أن روزنتاين لم تكن قادرة على حملها بمفردها، اضطرت إلى إبقائها مستلقية على ركبتيها، منتظرة وصول من يمكنه المساعدة.
خلال هذا الانتظار، تحدث رانون بهدوء وكأنه يهمس بالأسرار:
“هناك أشياء عليك معرفتها. عندما وصلت كورت إلى القصر الإمبراطوري وحدثت أول عملية تلبس لها، لم يكن ذلك مجرد صدفة. لقد كانت المخاطر دائمًا موجودة حولها.”
كان كلامه يشير إلى حقيقة مريرة أدركتها روزنتاين.
كانت تعلم أنه من الآن فصاعدًا، سيكون عليها إخفاء الحقائق ليس فقط لحماية نفسها، بل لحماية كورت أيضًا.
كما أدركت أنها ستحتاج إلى استخدام قدرتها هذه مرارًا، بغض النظر عن الأثمان التي قد تدفعها.
بأناملها المرتجفة، مررت روزنتاين يدها بلطف على شعر كورت المبلل بالعرق، وتابعت تحديقها في وجهها الطفولي، الذي بدا جميلًا حتى في هذا الوضع المأساوي. بينما أفكارها كانت تتجول في عواقب ما حدث.
همس رانون مرة أخرى، بصوته الناعم كأنه يتغلغل إلى أعماق عقلها:
“لقد اتخذتِ قرارًا صعبًا.”
نظرت إليه روزنتاين بعينين حادتين، وقالت بلهجة واثقة:
“وأنت تعرف أنه لا يوجد خيار آخر. أنت شبح، لا بد أنك تفهم تمامًا الرغبة في البقاء على قيد الحياة.”
ابتسم رانون بخفة، ورد بنبرة تفيض بالهدوء:
“بالطبع أفهم، روزنتاين.”
كان يبدو كما لو أن رانون سيظل دائمًا شابًا، بوجهه الوسيم وملابسه الراقية وعينيه العميقتين اللتين تنبئان بحكمة خفية.
لكن روزنتاين أدركت أن الحكمة ليست سوى وجه آخر للمكر، وكلاهما قد يكونا وجهين لعملة واحدة.
قال رانون مبتسمًا:
“أن أجد رفيقًا مثلك هو أمر يسعدني للغاية.”
ردت روزنتاين بحدة:
“أنا لست رفيقتك.”
لم يكن ذلك ليزعجه، بل واصل الحديث وكأن كلمتها لم تؤثر عليه:
“قد لا تعتبرين نفسك كذلك، لكنني سأظل دائمًا صديقك، حتى لو اخترتِ الحذر مني.”
كانت تعلم أن كلماته صادقة جزئيًا فقط، لكنها لم يكن أمامها خيار آخر. كان عليها أن تعتمد على مساعدته، لأنه الشخص الوحيد الذي يعرف أسماء الأرواح الساكنة في القصر.
سألت روزنتاين وهي تراقبه بحذر:
“كيف تعرف الأسماء؟”
أجابها بابتسامة غامضة:
“عندما تبقى في مكان ما لفترة طويلة، تتعلم الكثير من الأمور.”
كان من الواضح أن معرفته هذه كانت مفتاحًا لكل ما حدث.
نظرت إليه روزنتاين بتمعن، وهي تحاول قراءة ما يخفيه خلف تلك الابتسامة اللطيفة. أما هو، فاقترب منها ببطء، وأمسك بيدها بلطف شديد، ثم انحنى ليطبع قبلة خفيفة على ظاهر يدها.
كان ذلك فعلًا غريبًا، لم تشعر معه بأي دفء أو أثر، لكنه حمل معنى أكبر مما بدا عليه.
قال بنبرة ناعمة:
“تذكري اسمي دائمًا، روزنتاين.”
بينما كانا في خضم هذا الحديث، وصل أخيرًا الحراس. كانت روزنتاين منهكة، وقد غفت بينما كانت تحتضن كورتي بين ذراعيها.
عندما وصل قائد الحرس الشخصي، طلب من الجميع التزام الهدوء حتى لا يوقظها. رفع كورت بين ذراعيه برفق، فيما رفع قائد الحرس روزنتاين بحذر ووضعها داخل العربة الملكية.
استيقظت روزنتاين لاحقًا داخل العربة، ورأت المشاهد الخلابة تمر من خلال النافذة. كان أحد الحراس الشبان يبتسم لها بلطف، وسألها بصوت دافئ:
“هل أنتِ بخير؟”
شعرت بشيء من الراحة عندما سمعت صوته، وردت بابتسامة باهتة:
“نعم… أنا بخير.”
كانت تحاول تهدئة نفسها، لكنها لم تستطع التوقف عن التفكير في كل ما حدث. وفي حين كان جسدها يسترخي أخيرًا، بقي عقلها مستيقظًا، يدور حول سؤال واحد:’ما الذي سيحدث بعد ذلك؟’