Run Away, From Me - 1
ترجمة : أليس.
إوستا : alicess_97@
°°°
تحت السّماء الزرقاء والشّمس الحاميّة، كان الجنود يتحركون كسربٍ مِن النّمل، هتف الجميع بصوتٍ عالي، عند عودة الجيش الأسود.
” لوراب قد عاد.”
النّزاع الحدودي مع أسالا، الّتي كانت تُقاتل بثباتٍ منذُ حوالي مئة عام بعد الجيل الثالث، اِنتهتِ في ثلاثة أعوام بظهورِ ولي العهد أشراد، الشّاب الّذي يبلغ مِن العمر ثلاثة وعشرون عامٍ.
اِبن الإمبراطور ، الّذي لم يُظهرِ أهمية كبيرة في فترة الحرب، تركَ بصمةٌ قويةٌ لنفسهِ لدي الشّعب بالإنجازاتٍ الّتي حقّقها في هذه الحرب.
بين الحشدٍ المُبتهج، اِبتسمتِ دافني ببرودٍ.
كان عليها الفِرار بِسرعةٍ، ولكنّها لم تكن تعلمُ حتّى سببُ وقوفِها هنا.
دافني ، اِختفتِ بين الحمقى اللذين لم يعلمُوا لماذا هؤلاء الجُنودِ يرتدون الأسود، نظرتِ إلى الشّخص الّذي يقبعُ أمامها.
لوراب ، إلهُ الشّمس والحرب.
هذا ما أطلق عليهِ مِن قبَل النّاس، حيثُ أنّ جيشهِ فاز بسلسلةٍ شتّتٍ مِن الإنتصارات.
مَع أنّهم تجرّأوا على مُقارنتهِ بإلهِ ، إلاّ أنّ مظهرهُ لم يكن يفتقرُ لشيء.
عندما نزعَ خوذته ، شعره الأسود اللامع الّذي قد ظهَر كان يُرفرف بكلِ هدوءٍ اثناء تحركهِ وهو يمتطي الخيَل، أنفهِ العالي الّذي يمكن رؤيتهِ مِن بقعةٍ بعيدةٍ كتمثال ، عيناهُ الخضراءُ الحادة كانت كأعين الصّقرغير مُباليةٌ، و أحيانًا كان ينظرُ لناسٍ بتجبّرٍ وملل.
يبدو أنّ ظهورهِ وهو يرتدي درعًا ضخمًا يثبتُ أنّهُ قد عاد على عجلٍ.وظلّتِ بقع الدّماء المشؤومة على تلكَ الدّروع اللامعة.
في الحقيقة ، فقد بدا أنّ جسدهُ الضّخم أكثر رعبًا في الدّرع، ولكن بدا أنّ النّاس أكثر حماسًا لهذا المشهد.
على عكسِ صورتهِ ، الّتي بدت وكأنّها تحوى الشّمس، تُرفرفُ على ظهرهِ عباءةٍ منقوشةٌ بأنماط الإمبراطوريّة بيناين.
الآمبراطور بيلينوس قد لقى حتفهُ.
ومعَ ذلكَ ، عندما عادتِ الشّمس الجديدة بقوةٍ أمامهم، لم يكن لديهم شعورًا بالحزن على فقدانهم شمس الإمبراطوريّة ولا الخوف مِن الوضع الرّهن الّذي قد يكون على الأرجح متزعزعًا لفترةٍ مِن الوقت.
حتّى أنّ فرسان والجُنودِ كانوا مليئون بالفخر بدون أنّ تجتاحهم الكآبة.
الشّعب رحبَ بلوراب أشراد ، الّذي أصبَح الإمبراطور الجديد.
نظرت لهُ دافني كما لو كانت مملوكةٌ، جراءَ الذّبح في سَاحة المعركة، اِشتدّدتِ عيناهُ عمقًا، وشحذت خطوطَ وجههِ.
الرّجل الّذي نضح بجوٍ أنيق كان قد وقف في طليعة الجيش بشخصيّةٍ صلبَةٍ كإلهٍ عسكري في هذه اللحظة.
كان هنالكَ وقتٌ عندما كانت فيهِ سعيدةٌ لرؤية هذه الشّخصيّة، فأما الأن صارتِ هذه الشّخصيّة مكروهةٌ، لقد رأت وجههُ، لذلكَ كان ذلكَ كافيًّا، لم يكن هنالك وقت.
عندما حاولتِ الإلتفاف ، شعرتِ وكأنّ عينيها إلتقتَا بأعين الرّجل الّذي كان يلوّح للحشد.
ولكنّها عندما نظرتِ لأشرد مُجددًا ، كان يحدقُ إلى الأمامِ ويلوّح لأنصارهِ.
ثمَّ ، نبَض قلبها على مهلٍ مرّة أخرى. ولأنّها الأن ترتدي زيَّ الرٍجال و قبعةً على رأسها تخفي بها معالمها، هو لم يكن قادرًا على التّعرف عليها.
في الواقع، لم يكن عليها التّسرع هكذا، فأشراد سيكون مشغولٍ بتنظيف بعد موت الإمبراطور و الإستيلاء على العرش. .
فهي بالكاد دميّة لهُ، فلماذا سيتعقبُها؟
كانت دافني تعلم مكانها حقّ المعرفة، على أيّ حال، ينبغي عليها مغادرة العاصمة اليوم.
وبتروي تفقدتِ تقدّمها و امتطتِ خيلها.
كانتِ تُغادر العاصمة ، المكان الّذي كانت قد ولدتِ وترعرتِ فيه لبقيّة حياتها، الرّحيل مِن المكان الّذي كانت بهِ مع والدتها، بدون زيارة قبَر أمّها أسرعت برحيل.
كانت تُوجد لحظة مرارة وهي تصعدُ على ظهر الحصان، ولكنّها أمسكتِ اللجام بإحكامٍ واِنطلقت إلى الأمام.
***
تمتطي خيلها هكذا لوقت طويل، غربت الشّمس وقد حلّ الليل بالفعل.
دافني الّتي كانت بالفعل خارج العاصمة ، نبض قلبها بوتيرة سريعةٌ مرّة أخرى، كان عليها الإسراعُ و العثورعلى مكانٍ تمكثُ فيهِ هذه الليلة.
الأمن لم يكن سيئًا لأنّهُ كان قريبًا مِن العاصمة، ولكنّها قد تقتل على أيادي قطاع الطّرق و الوحوش البريّة.
خاصة، وأنّها شابةٌ تبلغ مِن العمر واحد وعشرون عامًا ستكون فريسة جيّدةً لقطاع الطّرق.
برغم مِن أنّ هذه الحياة حقيرة، إلاّ أنّها لم ترد أنّ تكون غنيمة لقطاع الطّرق، ولم ترد الموت.
وبعد أنّ اِرتفع القمرُ في مُنتصفِ السّماء، وصلتِ دافني إلى مدنية نائيّة، وهي المدنية الأقرب إلى العاصمة.
كان جسدها مُرهقًا، دخلت إلى أضخم نزل، ودفعت المال، وحصلت على غرفةٍ، ألقتِ صاحبة النّزل نظرةٍ سريعة عليها مِن الأسفل حتّى الأعلى، وهي تُجعد حاجباها بريبةٍ، ولكنّها لم تتفوه بأيّ شيء لأنّ دافني قد دفعت لها بعملاتٍ ذهبيّة.
عندما دخلت إلى الغرفة، فرّتِ تنهيدةٌ مِن شفاهها.
وقامت حرفيًّا بطلب غرفةٍ جيّدةٍ، لم تكن الغرفة سيئةٍ، تحولتِ جدران الغرفة الغارقة بضوء القمر إلى الأخضر، و الفراشُ كــان جديدًا، كان هنالكَ حتّى مرحاضٍ مرفقًا بالغرفة، كانت الغرفة أفضل بكثيرٍ مِن الغرفة في القصر الإمبراطور أينما كانت تقيمُ.
كما أنّها ذكرتها بالغرفة الجميلة، الّتي كانت تعيش فيها دافني مع والدتها عندما كانت صغيرة.
في القصر الإمبراطور حيثُ عاشت ، كانت تفوحُ منها رائحة نتنه على الدّوام، وكان عليها العيش في عفنٍ آخر، مأواها كان في مكانٍ حيثُ أنّ خشخشة الفئران في السّقف.
ولكنَّ الأمر كان مختلفًا الأن.
عندما أدركتِ أنّها اِبتعدت عن كل ذلكَ، كانت متعبةٌ.
ألقت دافني بأمتعتها وخلعت قبعتها.
ثمَّ سال شعرها الذّهبي اللامع على ظهرها، مشّطتِ شعرها بيديها و اِستلقت على السّرير كما لو كانتِ منهرةٌ.
مِن الواضح ، أنّ كلما كانت بعيدة عن العاصمة، كلما ساءت حالة الغرفة، وقد تخيلتِ مدى سوء الأمر.
ولكن كلما فعلت تخيلت ذلكَ، اِرتفعت زوايا شفتيها، لدى دافني مستقبل، مستقبلٌ جديد، على الرّغم مِن أنّها كانت تخشى مستقبلها، إلاّ أنّها أخيرًا تحرّرتِ مِن القصر الإمبراطور الّذي سئمت منهُ.
” أريدكِ أنّ تكوني حرةً. ”
تكرّر صوت رجلٍ بائس في ذهنها.
حاولت دافني نسيان ذلكَ.
كان بمقدورها الشّعور بخوفها وبفرحتها الصغيرين في ذات الوقت.
“ساره.”
تتذكر صديقتها ذات البشرة السّمراء ذو النّمش، شكرتها بإخلاصٍ.
فلولاها و لولا موت الإمبراطور، لم يكن مِن السّهل عليها الفرار مِن القصر.
تذكرتِ أيامها في القصر الإمبراطوري، مُفكرة في أنّها يجبُ عليها أنّ ترسل رسالة لسارة عندما تستقر في مكانٍ ما لاحقًا.
فلقد تحملتِ سنوات بتلقيها العقاب عوضًا عن والدتها، ولكن هذا كان أيّضًا النّهاية، لأن الملك قد مات.
فكرتِ في أشراد ، الّذي سيصبحُ الإمبراطور التّالي ، فلولاهُ ، لما كانت قادرةٌ على تحمل الوقتِ هناك، للأسف كان صحيح، ولكن…
ضغطتِ دافني على عيناها المُغلقتين.
حتّى مع عيناها المغلقة، تبادر ذلك الرّجل الدّموي إلى ذهنها، قال الرّجل المُغطى بالدم الأحمر بكل مودةٍ :
” عزيزتي دافني.”
دقَّ قلبها وهي تتذكر ذلكَ ببطء، الصّوت الحلو الّذي كان مختلفًا عن مظهرهِ الوحشيّ ، ولكن قد مضى وقتٌ طويلٌ منذ ذلكَ الحين، ففي سنوات الثّلاثة الماضيّة الّتي ذهبَ فيها أشراد إلى ساحة المعركة، ربّما يكون قد نسيها بالفعل.
ألم يكن هنالكَ أيّ اِتصال كدليلٍ على ذلكَ؟، عندما غادر لساحة المعركة، العلاقة بينهما قد انقطعت.
في مكانٍ حيث يتعايشُ فيه الموت والحياة، لم تكن سوى مخلوق.
كان من الغطرسة إلى حد ما الإعتقاد بأنّهُ وضع في اِعتبارهُ مثل هذا المخلوقِ التّافه كإبنة عشيقة متواضعة.
فهي لم تكن سوى دميّةٌ، كانت كلب أشراد.
كان عقلها يمتلكُ أفكارًا معقدة عندما تذكرتِ الرّجل الّذي يقفُ في مكانٍ بدا وكأنّ كل أضواء العالم مسلطةٌ عليهِ ، شعرتِ بالكرهيّة و بمرارة غريبة في آنٍ واحد.
أجل ، لن يتذكرها، أغلقت عينيها، مهدئةً قلبها المرير.
وفجأة، سمعتِ أصوات خُطوات أقدامٍ.
جلست دافني على صوتِ خطوات تلكَ الأقدام، نهضتِ على قدميها واِرتجفتِ مثل يرتحفُ الحيوان العاشب على صوت خُطى أقدام الصّياد، ولكن كان الباب لا يزالُ مثلما هُو، ألم يكن عازلاً لصوت؟، لقد كان مفهومًا.
اِقتربتِ مِن الباب، بالتفكير بالأمر، هي لم تغلقهُ، ستكون هذه مشكلة ولكنّها بعد ذلكَ سمعتِ صوتًا خلف الباب.
” والأن، هل ستقومين بإغلاقهِ؟ “
كان صوتًا خافتًا مرعبًا، وذو بحّةٍ، نظرتُ إلى الوراء في دهشة، وأطلقت صرخةٍ قصيرةٍ، عندما رأى الرّجل اِرتباكها، اِبتسمَ ببرودةٍ.
كان الرّجل عاريًّا تمامًا، فقد كان جسدهُ مغطّى بنذبات هي لم تكن تعرفها، وعضلاتهِ كانت صلبةٌ، تألق جسد الرّجل الجميل بالماء، كمَا لو أنّهُ كان قد اِغتسلَ حديثًا.
ثمَّ أدركتُ دافني أنّ صوت الخطوات الّتي سمعتها كانت رطبةٌ بطريقةٍ ما.
يقطرُ الماء مِن شعرهِ الأسود المجعد، حينما الرّجل أخذ خطوة نحوها، عادتِ هي خطوةً إلى الوراء، ضاقتِ عينيه اللتان باللون الأخضر الفاتح.
” دافني.”
” جلالتكَ.”
” جلالتكَ ؟”
اِرتفعتِ زاوية شفاه الرّجل قليلاً، لم يكن ذلكَ جيّدًا، كان ذلكَ يعني أنّه غاضب.
” كيف وصلتِ إلى هنا؟ “
قال وهو ينظر إلى النّافذة.
” كيف لا أستطيع التّعرف عليكِ؟”
“…”
” كان الأمرُ واضحًا مِن أنّكِ ذاهبةٌ إلى مكانٍ ما.”
يبدو أنّهُ قد تنبأ بالفعل بطريقة الّتي ستتصرفُ بها، لذلكَ، لابد مِن أنّهُ قام برشوة صاحبة النّزل وجاء إلى الغرفة الّتي تُقيمُ فيها واِستحمَّ مسبقًا.
” لماذا هربتي؟”
“….”
” أخبريني.”
على الرّغم مِن أنّهُ كان صوتهُ وديًّا وناضجًا، إلاّ أنّهُ كان بهِ نصل جاد.
كما لو أنّها قابلت عيون وحش، النّظر إلى عيون الرّجل ذات اللون الأخضر الزّاهيّة، جعلتِ دافني تبتلعُ ريقها.
” جلالتكَ.”
” كلا، عليكِ أنّ تكوني صادقةٌ.”
” أشراد.”
“….”
سقطتِ الدّموع مِن عيون دافني، هل هو حقًا لا يعلمُ؟، لماذا هربتِ؟، لابد مِن أنّهُ يعلم لماذا غادرت القصر.
عندما لم تتمكن حتّى مِن فتح شفتيها، تمّ سحبُ جسدها واِختنقت أكثر.
“هاااااا!”
الأنفاس السّاخنةٌ الّتي تسربت ضربت وجهها، تلقّتِ دافني قبلة أشرد بعينيها المفتوحتان على مصراعيهما، ومِن ثمَّ تسلّل لسانهُ الأحمر إلى فمها.
لقد واجهت وقتًا عسيرًا في قبول قبلتهِ تلك، أخذت خطوةٍ إلى الوراء على حين غرّة، وفي النّهاية اِصطدام ظهرها بالحائط.
فخذه السّميك كان قد فرقتِ ساقيها عن بعضهما، وقد شعرتِ برغبتهِ القويّة على خصرها وقد اِتسعتِ عينيها.
صوت صرير ملأ أذنيها، بعد إلتهمَ شفتيها لوقتٍ طويل، تركهُمَا.
وعلى عكسها هي الّتي كانت تلهثُ مِن أجل أخذ أنفاسها، كان أشرد بخير.
قال أشرد وهو يمسحُ بلطفٍ على شفاهِ دافني الملطّخة باللعاب بإصبع السّبابة.
” لطالما فكرتُ بكِ دائمًا.”
“….”
” ألم تفعلي؟”
بدت أنّ النّظرة اللاذعةُ تحرقُ وجه دافني.
يتبع…