Regressed baby refuses to be nursed - 3
قبل عشرة أيام.
كنت ألح على المعلمة آن للخروج إلى المدينة، وهناك أرسلت رسالة كنت قد أعددتها مسبقًا إلى ذاك الرجل، دوق إفنر. بالطبع، لم أنسَ استخدام الخاتم السري المعدّل الخاص بي عند إغلاق الرسالة، فهذا الخاتم هو الطريقة الوحيدة لضمان وصول الرسالة إلى شارون إفنر شخصيًا.
“لقد تأكدت مرارًا وتكرارًا. الرسالة وصلت بأمان. لكن رغم ذلك، لم يصل بعد…”
في تلك اللحظة، كانت المسافة بين المسؤولين من دوقية رونغتون تضيق شيئًا فشيئًا.
شعرت بعيني تتهدلان من الإحباط.
“لا شك أنهم اعتبروا الأمر مجرد مزحة طفولية.”
حتى في نظري، كان محتوى الرسالة غريبًا. لم أطلب إلا أن يأتوا لأخذي بحجة أنني سأكون مفيدة للعائلة…
“ولكن، ما الذي يمكنني قوله غير ذلك؟!”
لم يكن بوسعي أن أفشي لأي أحد حقيقة عودتي بالزمن. فلو فعلت، سأتعرض لمزيد من الاستهزاء أو قد أُجر مباشرة إلى مختبر برج السحر.
نظرت خلفي بقلق.
لقد أعددت بالفعل مخرجًا في الأدغال القريبة تحسبًا لهذا الموقف.
“لا خيار أمامي.”
إذا لم أهرب الآن، سأصبح بلا شك ابنة دوقية رونغتون.
بالطبع، فكرت أنه بما أنني أعرف المستقبل، قد أتمكن من العيش بشكل مختلف هذه المرة.
لكن هذا التفكير تبدد تمامًا عندما رأيت وجه دوق رونغتون قبل قليل.
“لا أستطيع. إذا دخلت إلى ذلك المنزل، سأعيش بنفس الطريقة مجددًا.”
العرق البارد كان يتساقط من يدي وقدمي فقط لمجرد النظر إلى دوق رونغتون.
عضضت شفتاي من شدة القهر.
“ليتني كنت أكثر حرصًا عند نحت الخاتم…”
من الواضح أن الخاتم كان مليئًا بالتشققات. لا عجب في ذلك، فقد نحتته بسكين نحت كبير جدًا بالنسبة ليدي.
بدأت عيناي تدمعان.
حتى البثور والجروح التي غطت راحتي يديّ كانت تزداد ألمًا بطريقة ما.
لكن لم يكن هناك وقت للحزن الآن.
هززت رأسي بقوة، وحملت الحزمة التي أعددتها على كتفي.
توصلت إلى أن الهروب هو الخيار الأفضل الآن.
“لنذهب إلى المدينة. ربما يستغرق الأمر ثلاثة أيام على الأكثر.”
ثم سأختبئ في عربة متجهة إلى منطقة أخرى!
بمجرد وصولي، سأجد طريقة ما.
وفي اللحظة التي كنت على وشك الانطلاق فيها…
هيييييينغ—!!
سمعت صوت خيل مفزوع، فجأة ظهر ضوء دائري أزرق في فناء دار الرعاية.
وسرعان ما بدأت أشكال عديدة تظهر واحدة تلو الأخرى في ذلك الضوء.
كانوا رجالاً أقوياء يرتدون معاطف زرقاء داكنة تصل إلى الفخذين، ويحملون سيوفًا عند خصورهم.
اتسعت عيناي بدهشة.
كانوا بلا شك جنود إفنر.
رأى دوق رونغتون هؤلاء الرجال وتصلب مكانه.
حتى المعلمة آن غطت فمها بدهشة بعينيها المتسعتين.
“حسنًا، من هذا الذي أراه هنا.”
وسرعان ما ظهر بينهم شخص آخر.
كان شعره الأبيض الكثيف مسحوبًا إلى الوراء فوق جبينه.
عيناه البنفسجيتان تلمعان مثل وحش يتربص بفريسته.
“لم أتوقع أن ألتقي بك هنا يا لامبرت.”
ذاك الرجل، شارون إفنر.
بلا شك، كان شارون إفنر يرمق دوق رونغتون بنظرة حادة.
“هل لا تزال تجول بحثًا عن ابنة بديلة؟ حتى وصلت إلى هذه الأرض النائية؟”
***
هناك حقيقة يعرفها كل مواطن في إمبراطورية تارنتا.
عائلة إفنر الشمالية وعائلة رونغتون الجنوبية عدوتان لدودتان.
“لم أرك منذ زمن طويل يا سيد إفنر. آه، هل يجب أن أناديك بالدوق الآن؟”
قال دوق رونغتون بنبرة مليئة بالعداوة، فابتسم شارون إفنر بتكلف.
“طبعًا، هذه بديهيات. منذ متى وأنا أحمل لقب رأس العائلة؟”
“نعم، لقد مر وقت طويل بالفعل. منذ أن انتزعتِ لقب زوجك من ابنك البالغ، على ما أعتقد.”
تجمدت الأجواء للحظة…
قد اشتدت ملامح جنود إفنر حتى بدوا وكأنهم جبال متجهمة، وهم يضعون أيديهم على أغماد سيوفهم، في حين لم يكن حال موظفي رونغتون أقل استنفارًا، فقد أخرجوا لفائف الهجوم دون أن ينبسوا ببنت شفة.
“ما الذي يجري بحق السماء؟”
كنت أراقب المشهد بدهشة من خلف الحظيرة، وقلبي يخفق باضطراب.
لم يكن مجيء شارون إفنر إلى هنا إلا بشرى سارة؛ إذ يعني أن رسالتي قد وصلت وأتت أُكلها.
لكن المشكلة كانت في تلك الأجواء المشحونة التي توحي بأن الحرب على وشك أن تندلع في أي لحظة.
“لماذا جاءوا في هذا الوقت الحرج؟ ألن يسبب هذا كارثة حقًا؟”
لطالما كانت عائلة إفنر في الشمال وعائلة رونغتون في الجنوب على عداء مرير منذ أمد بعيد.
كانا على خلاف دائم، تتصادم مصالحهما وتتفاقم نزاعاتهما جيلاً بعد جيل، حتى باتت الهوة بينهما لا تُردم.
لدرجة أنه في أيام الاحتفالات الكبرى في العاصمة، كان مقعدا العائلتين يوضعان في طرفي القاعة المتقابلين، إذ علم الجميع في الإمبراطورية أن خيرًا لا يرجى من لقاء هاتين العائلتين.
لكن في السنوات الأخيرة، مال ميزان القوى الذي كان متساويًا بين العائلتين إلى صالح عائلة رونغتون.
فقد استثمرت عائلة رونغتون في علوم السحر وأبحاثه، مما عزز نفوذها في أرجاء الإمبراطورية.
أما عائلة إفنر، فقد باتت تتراجع شيئًا فشيئًا.
لم يكن أسلاف إفنر يُحسنون شيئًا من علوم السحر كصناعة الأدوية أو دراسة المعادلات السحرية.
لم يكن لديهم سوى تدريب الجنود أو التمسك بصناعات محلية بائدة.
ثم زادت المصائب بمجيء الجفاف الذي ضرب شمال الإمبراطورية.
انتشرت المجاعة في أراضي إفنر، وراح الناس يظنون أن هذه العائلة العريقة ستنحدر نحو الهاوية لا محالة.
إلى أن جاء شارون إفنر وتولى قيادة الأسرة.
“لم أكن أعلم أنك مهتم بشؤون أسرتنا إلى هذا الحد.”
قال شارون إفنر بلهجة هادئة وسط جو مشحون بالتوتر.
ابتسم دوق رونغتون ابتسامة خبيثة وقال:
“لا، ليس لدي اهتمام كبير. إنها مجرد أخبار وصلتني. ألا تجدها حادثة غريبة؟ أن تنتزع الأم مكان ابنها وتستولي عليه.”
كانت ضحكته ساخرة وواضحة.
ومع ذلك، لم يُبدِ شارون إفنر أي تأثر.
“لا أظنها حادثة غريبة. ربما يكون نظرك ضيقًا جدًا. أعتقد أنني بدأت أفهم الآن السبب الذي جعل والدك يتردد في توريثك اللقب.”
غضب لامبرت رونغتون وظهرت الكراهية جلية على وجهه.
ابتسم شارون إفنر ابتسامة ملؤها السخرية وتابع حديثه:
“هل تجد صعوبة في قيادة الأسرة؟ يمكنني مساعدتك. على عكسك، أشعر أنني مناسب تمامًا لهذا الدور.”
“…أنت تجاوزت حدودك، سيدتي.”
“لست سيدتك، بل الدوق. يبدو أن ذاكرتك لا تختلف عن القمامة المتناثرة على الطرقات. كيف يمكن لمن يقود عائلة أن يكون بهذا الضعف؟”
صوت صرير أسنان لامبرت رونغتون كان يكاد يُسمع من خلف الحظيرة.
بلعت ريقي بصعوبة.
كانت هناك موجة هائلة من الغضب المستتر بين الدوقين.
وكذلك كان الحال بين جنود إفنر وموظفي رونغتون.
حينها، لاحظت المعلمة آن واقفة أمام باب دار الرعاية.
كانت تقف هناك كالأرنب وسط الذئاب، مذهولة وكأنها لا تفهم ما يجري، وقد تجمدت في مكانها.
تنهد دوق رونغتون بامتعاض وقال:
“يجب أن ننهي هذا الحديث العقيم هنا. ما الذي أتى بك إلى هنا، وجلبت جيشك معك؟”
“هل ينبغي لي أن أطلب إذنك عندما أتنقل في أراضيّ؟ ثم إن هذا سؤالي، ما الذي أتى بك إلى أراضيّ؟”
“ليس من غير القانوني أن نتنقل عبر الحدود، أليس كذلك؟”
“ولكن، بصفتي مالك الأرض، لدي الحق في الاستفسار عن السبب.”
ابتسم شارون إفنر بثقة، بينما كان دوق رونغتون يحدق فيه بعينين مشتعليتين بالغضب.
“لسنا مقربين بدرجة تسمح بفتح بوابات دون سابق إنذار في أراضي بعضنا البعض، أليس كذلك؟”
“…”
“ما لم يكن هناك نية لخوض حرب الآن.”
وعلى الفور، وكأن هذه الكلمات كانت إشارة، استل جنود إفنر سيوفهم دفعة واحدة.
ظهرت عشرات السيوف في الهواء، وسقطت المعلمة آن على الأرض من شدة الخوف.
كان أطفال دار الرعاية يراقبون المشهد من داخل المبنى بوجوه مليئة بالرعب.
قبض لامبرت رونغتون على أسنانه بتعب وقال:
“…حقًا.”
اندفع خادمه الذي كان يراقب الموقف بسرعة قائلًا:
“لا، لا يوجد سبب سياسي أو عسكري! لقد جئنا لأخذ السيدة التي ستكون ابنة دوقية رونغتون.”
“أوه. من دار الرعاية في إيفهيل؟”
“نعم، صحيح. لقد لفت أحد الأطفال انتباه صاحب السعادة…”
ارتسمت على وجه شارون إفنر ملامح اهتمام فجائية وقال:
“إذن ستتخذون تلك الطفلة كابنة لدوقية رونغتون؟”
“هذا صحيح.”
ثم انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ ملأ أرجاء الفناء.
أمال شارون إفنر رأسه قليلاً وقال:
“ومن الذي سمح بذلك؟”