Please Kill Me - 2
الفصل 002
لم تفهم إيكاترينا كلمات سيرجي للحظة، فحدقت فيه بتشتت فقط.
سخر منها سيرجي.
“كان يجب أن تعرفي الآن. على أي حال، ستموتين قريبًا. أنتِ محقة، يجب أن تعرفي سبب موتكِ قبل أن تموتي، حتى لا تشعري بالظلم.”
بهذه الكلمات، أمسك سيرجي بشعر إيكاترينا الطويل، رافعًا رأسها لتلتقي نظراتهما في الهواء.
عيناه السوداوان التقتا بعيني إيكاترينا التي تحمل نفس اللون تمامًا.
“ألم تتساءلي يومًا لماذا لديكِ نفس لون العينين مثلي؟”
“……؟”
أغمضت إيكاترينا عينيها وفتحتهُما بلا طاقة.
كما قال سيرجي، كان لديهما لون مماثل بشكلٍ غريب لدرجة أنهما لا يُمكن أن يكونا غرباء تمامًا.
لكن العيون السوداء ليست نادرة إلى هذا الحد، لذا أعتقدت أنها مصادفة.
ألم تكن كذلك؟
“نعم، لن تفعلي. يبدو أنكِ لا تتذكرين.”
أستمرَّ سيرجي في الحديث بسخرية.
“العيون السوداء هي رمزٌ لمن ورث سحر عائلة أوفنباخ. أنها علامة سيد العائلة، وكذلك سحر حماية. هذا السحر يعمل على شخص وأحد في كل جيل، وكان من المفترض أن يلقيه ديميتري على نفسه في مراسم خلافة العائلة.”
شد سيرجي شعر إيكاترينا بعنف وكأنهُ على وشك اقتلاعه.
“لكنكِ سرقتِ هذا السحر بطريقة ما، ثم نسيتِ كل شيء وكأن هذا لم يحدث. هل تعتقدين أنهُ منطقي؟ أن تمتلكي العلامة رغمَ أنكِ مجرد طفلة بالتبني؟”
لا يُصدق. تمتم سيرجي وكأنهُ يتحدث إلى نفسه، ثم رمى بشعر إيكاترينا بعيدًا كما لو كان يتخلص من شيء قذر.
لكن نظرًا لقوة يده، سقطت إيكاترينا على الأرض بلا حول ولا قوة.
نفض سيرجي يديهِ وأضاف.
“السبب الوحيد لموتكِ هو أنكِ تجرأتِ على التعدي على شيء يخص ديميتري.”
قذرة. ترك سيرجي هذه الكلمات وراءه وغادر مع أتباعه إلى الزنزانة تحت الأرض حيث احتُجزت الوحوش.
صدى خطواته الباردة وصوت الباب المعدني الذي أُغلق بلا رحمة.
عندما عمّ السكون أخيرًا، استطاعت إيكاترينا أن تفهم كل شيء.
كانت كقطعة أحجية لم تتناسب طوال الوقت، وقد وجدت مكانها أخيرًا.
‘إذن هذا هو السبب.’
عندما كان سيرجي ينظر إليها، كان تعبيره يتغير بشكلٍ دائم.
تلكَ النظرة الباردة، كأنهُ يرى لصًا.
كل الأسباب التي جعلته يرى ضرورة موتها، كل شيء بات واضحًا.
كانت هناكَ قاعدة مقدسة تخص إيكاترينا، ألا تتوقع شيئًا أبدًا.
لقد كافحت طوال حياتها للحفاظ على هذه القاعدة، ولكن الحقيقة أنها كانت تخالفها منذُ البداية.
لذا، كان من الطبيعي ألا تكون محبوبة، وأن تعيش حياة ملؤها السعي نحو الموت.
بعدَ أن أدركت هذه الحقيقة، لم تذرف دمعة واحدة، على عكس ما كانت عليهِ قبلَ قليل.
لم تشعر بالغضب، ولم تشعر بالحزن، ولم يكن هناكَ لوم.
لقد عاشت حياتها كدمية بلا مشاعر حتى نسيت كيفَ تغضب.
تركت دموعها مع ضحكتها البريئة في مرحلة طفولتها، واستخدمت كل مشاعر الحزن والألم كحطب للوقود.
على عتبة الموت، أدركت إيكاترينا الحقيقة.
‘أنا مجرد قوقعة فارغة.’
في النهاية، إنهارت إيكاترينا على الأرض.
حاولت بشكلٍ لا إرادي أن تمسك بشيء، ولكن لم يكن هناكَ شيء.
شعورٌ فارغ تمامًا.
تسللت أشعة القمر إلى الزنزانة تحت الأرض. ذلك الفراغ العميق الذي كان يجعل إيكاترينا الصغيرة تبكي كل ليلة أصبح يملأ المكان تدريجيًا، فيما كانت البرودة التي تغمر الأرضية الحجرية تتلاشى ببطء.
رغمَ أن سيرجي قال هذه المرة أيضًا إنها محاولة فاشلة، إلا أن إيكاترينا كانت تشعر بشيء غامض.
هذه المرة، إنهُ الموت.
لم يكن هناكَ شعور بالخوف، ولا بالحزن. فقط سعادة عميقة لأن معاناتها الطويلة ستنتهي أخيرًا.
أليسَ الموت راحة أبدية؟
أغمضت إيكاترينا عينيها بارتياح، واستقبلت الموت القادم بفرح. ربما ستتمكن الآن من الراحة.
“هل استيقظتِ، يا آنستي؟”
لكن، عندَ فتحت عينيها، تلاشت راحة إيكاترينا.
* * *
هل هذا حقيقي حقًا؟
جلست إيكاترينا على السرير تتأمل في أفكارها، محاولة استيعاب حقيقة ما يحدث. أستغرق الأمر بعض الوقت حتى تدرك أنها عادت إلى الماضي. لم تستوعب الوضع إلا بعدَ أن لاحظت نظرات الخادمة الغريبة، وسألتها عن الوضع حتى بدأت أفكارها تتوضح تدريجيًا.
المعلومات التي جمعتها كانت بسيطة. إيكاترينا الآن ليست في الخامسة والعشرين، بل في الرابعة والعشرين، واليوم هو اليوم الرابع من فصل الشتاء. هي ليست في سجن القصر تحت الأرض، بل في قصر أوفنباخ بالعاصمة.
بعبارة أخرى، عادت بالزمن عامًا كاملًا إلى شتاء ما قبلَ موتها.
كان من الصعب عليها تصديق ذلك، لكنهُ بدأ حقيقيًا جدًا ليكون مجرد حلم. حتى حينما قرصت نفسها برفق، شعرت بالألم بوضوح. بدأ الأمر غير منطقي، لكنها عادت بالفعل إلى الماضي.
رغمَ عدم وضوح السبب، كانت لديها فكرة بسيطة عن التفسير.
‘سحر الحماية الخاص بالعائلة.’
لم تكن تعرف التفاصيل، لكن يبدو أن هذا السحر هو ما أعادها إلى الماضي. فمثل هذه الأمور الخارقة لا تحدث إلا بسبب السحر، والسحر الآن هو بقايا قديمة وقد أختفى منذُ زمن بعيد.
الشيء الوحيد الواضح الآن هو أنها عادت إلى الماضي.
المفارقة هي أن أول شعور شعرتُ به عندما أدركتُ هذه الحقيقة هو.
‘كنتُ أظن أنني سأتمكن أخيرًا من الراحة.’
إنهُ أمر مخيب للأمان.
بالنسبة لـ إيكاترينا، الموت لم يكن مصدر يأس بل كان أقرب إلى الراحة الأبدية. لم يكن هناكَ ما تتمنى تحقيقه، لذا فقدت الحياة معناها بالنسبة لها. الشيء الوحيد الذي كانت تسعى إليه ربما كان أن تكون فخرًا لعائلة أوفنباخ.
‘لكنني اتُهمت بسرقة سحر الحماية والعلامة التي كان من المفترض أن تذهب إلى ديميتري، لذا حتى ذلك لم يعد ممكنًا…….’
ربما لأنها عادت من الموت، عادت إلى ذهنها ذكريات لم تكن تتذكرها في حياتها السابقة، مثل صورة ديميتري وهو يبتسم لها بابتسامة طفولية وهو يمسك يدها. السبب الذي جعله يبتسم بتلكَ الطريقة.
—أختي، جئتُ لكِ بشيء جيد. بهذا الشيء، لن تتألّمي بعدَ الآن.
—لكنني لا أعرف إذا كان بإمكاني قبوله. لو كان هنالكَ مثل هذا الشيء، فمن الأفضل أن يكون لك.
—لا، أنا قوي بما يكفي بدون مثل هذه الأشياء. أنتِ من تحتاجينه، أختي التي تبدو وكأنها ستموت قريبًا لو تركتُها بمفردها.
ربما كان هذا هو الوقت الذي ‘سرقت’ فيه إيكاترينا سحر الحماية، كما قال سيرجي. في حياتها السابقة، لم تكن تهتم بكلماته، لكن الآن، وقد عادت لها الذكريات، لم تستطع إنكار ما حدث.
هكذا عادت إلى نقطة البداية، فارغة كما كانت دائمًا.
طفت في ذاكرتها صور من ذكريات طفولتها المبكرة، قبلَ أن تصبح يتيمة وتعيش كطفلة شوارع. كانت الذكريات ضبابية، لكنها تذكرت شيئًا وأحدًا بوضوح.
كلمات أختها الكبرى قبل وفاتها.
‘يجب أن تبقي على قيد الحياة، يا إيكاترينا.’
حينها، كانت إيكاترينا تتوسل لأختها ألا تتركها وتبكي. لكنها الآن تدرك أن أختها كانت قلقة عليها، وأنها كانت تعرف أنها ستتركها وحيدة في هذا العالم القاسي.
عاشت إيكاترينا في إمبراطورية إيتيل، حيث شتاء دائم وقارس، وكان موت الأطفال اليتامى من البرد في الشوارع أمرًا شائعًا.
كانت إيكاترينا تتذكر تلكَ الكلمات كلما فكرت في إنهاء حياتها. كانت تلكَ الوصية هي صوت الأمان الأخير في عالمها الموحش.
لم تعد تتذكر وجه أختها، لكنها ظلت تستذكر تلكَ الكلمات بوضوح، وكأنها سمعتها للتو. ربما لهذا السبب، كانت تعود لتتشبث بالحياة في كل مرة تشعر فيها باليأس.
لكن الآن.
“…….”
نظرت إيكاترينا إلى يدها الفارغة بتمعن، ثم أغلقتها ببطء، لتفتحها مرة أخرى، وكأنها تتخلى عن شيء عزيز.
‘أنا آسفة، يا أختي.’
لقد فعلت كل ما في وسعها.
ربما الآن ستسامحها أختها على عدم التمسك بوصيتها.
‘إذن، يجب أن أموت بأسرع ما يُمكن.’
بهذا، كان أول قرار أتخذتُه إيكاترينا بعدَ عودتها إلى الماضي هو إنهاء حياتها.
* * *
لكن، مع قرارها بالموت، واجهت إيكاترينا مشكلة واحدة.
‘ماذا سأفعل بشأن سحر الحماية الخاص بالعائلة؟’
كانت الحقيقة أن جسد إيكاترينا لم يكن من السهل القضاء عليهِ. فكرة أنها تحتاج للتفكير في كيفية الموت كانت مثيرة للسخرية بالنسبة لها.
‘لا أريد أن أموت مثل المرة السابقة، بعدَ أن ينهشني عدد لا يحصى من الوحوش.’
في حياتها السابقة، قاتلت إيكاترينا وحوشًا من الدرجة الأولى، واستغرقت وقتًا طويلًا حتى تُهزم بفضل سحر الحماية، مما جعلها تمر بتلكَ التجربة المروعة مرارًا وتكرارًا.
لقد كان أمرًا مؤلمًا لم ترغب في تكراره أبدًا.
لكن من زاوية أخرى، هذا يعني أن أي شيء أقل من وحش من الدرجة الأولى لن يتمكن من قتلها.
سحر الحماية الخاص بعائلة أوفنباخ هو رمز قوة سيد العائلة، ويُنقل فقط إلى الوريث الشرعي.
لقد وصف والدها، سيرجي، هذا السحر بجملة بسيطة.
—إنهُ سحر الأقوى. هل يُمكن للأرنب أن يلتهم الأسد؟
سحر حماية أوفنباخ يمنع الوريث من التعرض للأذى من أي كائن أضعف منه أو يمتلك نفس قوته. بمعنى آخر، لا يُمكن لـ إيكاترينا أن تؤذي نفسها، ولا يُمكن لأي شخص أضعف منها أن يؤذيها.
‘هل أستخدم السُمَّ بدلًا من السيف؟ لا، فقد كوّنت مناعة ضد السموم. إذن، ماذا عن القفز من مكانٍ عالٍ؟ لكنني أشك أن ذلك سيكون فعالًا.’
إذا اعتبرنا أن هذا السحر يعمل كدرع حول الجسد، سيكون من السهل فهم سبب صعوبة تعرضها للأذى.
كانت قد قرأت في أحد الكتب عن سيد العائلة الأول الذي نجا من السقوط من على جرف دون أن يصاب بأذى.
في ذلك الوقت، ظنت أن الأمر مبالغ فيه، لكن بالنظر إلى سحر الحماية، ربما لم يكن الأمر مجرد خيال.
ماذا عليّ أن أفعل؟
يُتبع….