Please Kill Me - 1
الفصل 001
ما الخطأ الذي أرتكبته بالضبط؟
“كُح، كُح!”
إنهارت إيكاترينا على الأرض، وأطلقت سعالًا جافًا.
رغمَ أن ذلك كان كل ما حدث، إلا أن جسدها المتهالك كان يعاني من ألم شديد.
كان الألم يأتي من كل مكانٍ في جسدها، الذي كان مليئًا بالجروح والكسور لدرجة أنها أرادت الصراخ.
أمسكت إيكاترينا بذراعها المكسورة وتنفسّت بصعوبة.
في كل مرة تتنفس فيها، كان شعور بالغثيان يسيطر عليها ويغلق مجرى تنفسها، وكان فمها متورمًا لدرجة أنها لم تكن تستطيع التمييز بينَ طعم الدم داخل فمها أو رائحة الحديد المنتشرة في المكان.
لو كان لديها القليل من القوة، كانت ستتصرف، ولكن إيكاترينا الآن لم تكن تمتلك حتى القدرة على تحريك إصبع وأحد. كل ما كانت تستطيع فعله هو عدم فقدان وعيها وسط هذه الآلام الفظيعة.
مع ذلك، الأشخاص الواقفون أمامَ إيكاترينا كانوا يتصرفون بهدوء.
لا، في الواقع، كانوا يبدون مستائين من أن إيكاترينا لم تمت بعد رغمَ وصولها إلى هذه الحالة.
والدها بالتبني، سيرجي، الذي كان يراقبها، نقر بلسانه وتحدث.
“فشل مرة أخرى. كم مرة إلى الآن؟”
“هذه المرة الخامسة، يا سيدي.”
المقصود بالخمس مرات هو عدد المرات التي دخلت فيها إيكاترينا إلى قفص الوحوش العليا وخرجت منه.
لو كان شخص آخر، لما صمد حتى دقيقة واحدة قبل أن يموت، لكن إيكاترينا كانت تنجو في كل مرة من ذلك الجحيم، ولكن بحالة أسوأ في كل مرة.
بسبب احتجازها في قفص الوحوش حتى يبقى ناجٍ وأحد فقط، كانت إيكاترينا هذه المرة في حالة جسدية مزرية.
مع ذلك، كانت تحاول البقاء على قيد الحياة وتتنفس، لكن في كل مرة يمر الهواء عبر رئتيها، كان الألم يخترق أعضاءها الداخلية.
حتى في وعيها المتلاشي، حاولت إيكاترينا أن تبقى بوعيها عن طريق عض لسانها.
لكن لم يكن لديها القوة الكافية لتحريك أصابعها، لذلك لم تتمكن من عض لسانها بشكلٍ صحيح، واضطرت إلى المحاولة عدة مرات.
مع ذلك، حتى في وعيها المتلاشي ومع تدفق السوائل الساخنة التي أعاقت رؤيتها، كان هناكَ شيء واضح بشكلٍ خاص.
تعبير سيرجي المتجهم وصوته المزعج.
“حتى بعد كل هذا، لم تموت. هذا غريب. ألا يوجد وحش أقوى؟”
“آسف، يا سيدي. الوحوش التي قتلتها الآنسة كانت من أقوى الوحوش التي نمتلكها.”
“تسك، لا فائدة منهم. لا شيء مفيد. كان يجب أن تموت إيكاترينا الآن.”
كلمات ‘لا فائدة’ غرست في قلب إيكاترينا وكأنها تُغرس بمسمار حاد.
في الواقع، كان الأمر دائمًا هكذا. كلما قال والدها بالتبني إنها بلا فائدة، كانت إيكاترينا تشعر بالقلق والحزن.
لكن إيكاترينا، التي عاشت دون أن تدرك أنها كانت تتأذى، لم تكن تفكر في جراحها هذه المرة أيضًا. كانت تتساءل فقط لماذا يؤلم قلبها أكثر من جسدها المليء بالجروح.
في الوقت نفسه، كانت تتعجب.
‘ما السبب يا تُرى؟’
ما الذي فشلتُ فيهِ حتى لا أستطيع الموت وأظل أعاني؟
بل لماذا يجب أن أموت؟
إيكاترينا، الابنة بالتبني لعائلة أوفنباخ.
كانت حياتها تعتمد على إثبات فائدتها.
أيضًا، كانت حياتها لا يُمكن أن تستمر وهي تحتضن مشاعر لا فائدة منها.
لم ترغب يومًا في أن تكون محبوبة. كانت السعادة كلمة بعيدة حتى عن أحلامها.
سواء عندما كانت تعيش كطفلة يتيمة في الشوارع، أو عندما تم تبنيها في عائلة أوفنباخ النبيلة وعاشت تحت أسم ‘الآنسة’ الذي لم تكن تحلم به يومًا.
لكن لماذا إذن؟
لم تطلب شيئًا. كانت فقط سعيدة أن تعيش كل يوم دون أن تجوع أو تشعر بالبرد.
كان هذا طبيعيًا. كانت إيكاترينا دائمًا تعرف وضعها جيدًا.
كل ذكرياتها تبدأ من هنا.
عندما كانت فتاة يتيمة تبلغ من العمر سبع سنوات فقط، تم تنظيفها جيدًا ووضعها أمام المرآة، قال لها والدها بالتبني سيرجي هذه الكلمات.
“استمعي جيدًا، إيكاترينا. الطفل الذي ينام في الغرفة هو الطفل الذي سيصبح أخيكِ، ديميتري.”
لم يكن هناكَ أي لطف أو حنان في حديثه، بل كان حديثًا صارمًا فقط.
هل كانت هذه أولى كلمات سيرجي كوالدها بالتبني؟ هذا ليسَ مؤكدًا.
لكن سيرجي أكد لها موقعها بشكلٍ واضح.
“كل ما ترتدينه وتتناولينه وتستمتعين به، يُمكن حدوثه بفضل ديميتري. هو وريث عائلة أوفنباخ، وأنتِ هنا فقط من أجله.”
“نعم.”
“إذن، كيفَ يُمكنكِ، وأنتِ التي لا تنفعين لشيء، أن تقومي بدوركِ هنا في أوفنباخ؟ عليكِ أن تجدي فائدة لكِ، أليسَ كذلك؟”
“نعم.”
“جيد. سمعتُ من المعلم أنكِ لم تتعلمي الحروف كاملة بعد، هل هذا صحيح؟”
“……نعم.”
“سأخبركِ بأمرٍ وأحدٍ. يا إيكاترينا، أوفنباخ لا يحتاج إلى شخصٍ أحمقٍ لا يستطيع تعلم حرفٍ وأحدٍ في غضون أسبوع.”
قامَ سيرجي بتربيت على كتف إيكاترينا وغادر. لم يظهر أي علامة على الاستياء. فقط أوضح لها بشكلٍ آلي أن ما لم تتمكن من فعله كان أمرًا لا تستطيع فعله.
لم يكن يهم سيرجي أن هذا الأمر كان مستحيلًا على طفلةٍ تبلغ السابعة من عمرها والتي كانت تتجول في الشوارع حتى وقت قريب.
منذُ ذلك اليوم، أصبحت إيكاترينا أفضل طالبة على الإطلاق.
كل المعلمين أشادوا بها بأنها لا توجد طالبة مثلها، وبفضل ذلك استطاعت إيكاترينا الحفاظ على حياتها.
تعلمت كل أنواع المعرفة. العلم. الآداب. حتى الفنون القتالية واستخدام الأسلحة. إذا كان هناكَ شيء يُمكن للبشر فعله، فإنها تعلمته.
كان والد إيكاترينا شخصًا يقدر الكفاءة، وكلما زاد كفاءة التابع، كلما كان أفضل.
بالطبع، كان يهتم أيضًا بتعليم تابعيه الأكفاء كي لا يتجرؤوا على التفكير بأمورٍ فارغة.
“إيكاترينا، سمعتُ أنكِ أتقنتِ إستراتيجيات رويل بالكامل. تجاوزتِ معلميكِ في الرماية والمبارزة.”
“نعم.”
“جيد. لقد أظهرتِ قيمة المال الذي أنفقته.”
كان والد إيكاترينا بالتبني يستدعيها كل شهر ويعرض عليها تفاصيل الأموال التي أنفقها عليها.
بمّا أنهُ وظف هذا العدد الكبير من المعلمين لتعليمها، فمن الطبيعي أن يتكبد الكثير من المال. لكن، وهو يرى تلك المبالغ الضخمة، كان يقول هذا أيضًا.
“أن أخذتُكِ ورعيتُكِ رغمَ أنكِ لا تنفعين لشيء وأن استثمرتُ فيكِ بهذا الشكلٍ، فهذا أمرٌ يجب أن تكوني ممتنة له. فلا تنسي هذا المعروف واجتهدي لأجل أوفنباخ وديميتري.”
بمعنى آخر، كان يعني ألا تطلبي شيئًا.
فقط لأنكِ تعيشين وتتنفسين الآن، فإنكِ قد نلتِ من المعروف ما يكفي، وإذا تجرأتِ على طلب شيء آخر، فسوفَ تتعرضين لعواقب وخيمة.
كان من المستحيل على إيكاترينا، التي تعلمت كيفية البقاء على قيد الحياة قبلَ أن تتعلم الحروف، أن تتجاهل هذا التحذير.
لقد أطاعت إيكاترينا كلام والدها بالتبني بكل إخلاص. كان تحذيره محفورًا بعمق في عظامها ولحمها وعروقها.
لم تطلب شيئًا. فقط عاشت محافظةً على حياتها.
مشاعر الحزن والغيرة كانت قصصًا لا علاقة لها بـ إيكاترينا.
كمّا يقال، يجب على الشخص أن يعيش وفق قدره. كانت اليتيمة التي كادت أن تموت من البرد في الشوارع قد أصبحت ابنة متبناة لعائلة أرستقراطية عليا، وهذا كان شرفًا كافيًا.
لذلك، الأيام التي كانت تبكي فيها وجهها مدفونًا في الوسادة، عندما كانت تتسرب برودة الفراغ إلى قلبها، باتت مجرد ذكرى قديمة.
في الخامسة والعشرين من عمرها، أصبح أهم شيء لـ إيكاترينا هو التفاني لأوفنباخ فقط.
حماية ديميتري وحماية أوفنباخ.
حتى قبل خمسة عشر يومًا فقط، كانت تعتقد أنها ستعيش حياتها كلها بهذه الطريقة.
“هناكَ أمر يجب أن تقومي به قبل حفل تنصيب ديميتري.”
على الأقل، قبل أن تحني رأسها بسهولة لكلمات والدها بالتبني، الذي كان يتحدث بنبرة لطيفة على غير المعتاد.
عندما قيل لها إن هناكَ أمرًا يجب أن تقوم به، أعتقدت أنهُ سيصدر أمرًا بذبح وحشٍ أو قتل شخص ما كما كان يفعل عادةً، ولكن بدلًا من ذلك، أخذها سيرجي إلى السجن تحت الأرض واعتقلها.
أُلقيت إيكاترينا في زنزانة الوحوش دون أن تعرف السبب. تساءلت إن كان يريد منها أن تذبح تلكَ الوحوش كلها. لكن ما كان يريده سيرجي هو موت إيكاترينا.
خلال تلكَ الفترة، دخلت وخرجت من قفص الوحوش خمس مرات. بينما كانت الشهور تمر، نجت إيكاترينا من العديد من اللحظات الخطيرة.
حتى الآن.
عندما وصلت أفكارها إلى ذلك الحد، بدأت دموعها تتساقط دون سبب معلوم.
في البداية، ظنت أن هذا السائل الساخن هو دمها. ظنت أن هذا الشعور الكئيب الذي كان يسد حنجرتها كان نتيجة للغثيان الذي كان يطاردها باستمرار.
“……لـ-لماذا…….”
نطقت شفتاها المتشققتان بصوتٍ عفوي.
لقد تلقت تعليمًا بأن لا تصرخ مهما حدث، لذا كان صوتها ينبغي أن يكون على ما يرام، لكنهُ كان خشنًا على نحوٍ غريب. كان صوتها معدنيًا.
عندما كانت تنادي والدها بالتبني بهذا الصوت، كانت دائمًا تتلقى توبيخًا. كان هذا التوبيخ يثقل كاهل إيكاترينا دائمًا. فإذا كان الشخص الذي يحتاج إلى إثبات سبب وجوده ليبقى على قيد الحياة، فإن الجميع سيحرصون على مراقبة ردود أفعال من هم أعلى منهم مرتبة. كانت إيكاترينا تفعل ذلك أيضًا.
مع أنها كانت تدرك هذه الحقيقة، إلا أنها أستمرت بالكلام بصعوبة.
لم تستطع الاستمرار دون أن تسأل.
“لماذا……لماذا تفعل هذا بي…….”
“لماذا أفعل بكِ هذا؟ هل تبكين فقط لهذا السبب؟ يبدو أنكِ حقًا مثيرة للشفقة.”
أكمل سيرجي كلماتها التي لم تستطع إنهاءها. من خلال كلماته، أدركت إيكاترينا أخيرًا أنها كانت تبكي.
هذا الشعور بالحرارة في جفونها، وهذا الإحساس المتزايد تحت عينيها، وكل ذلك الشعور بالاختناق الذي كان يملأ حلقها، كل ذلك كان مجرد دموع.
رأى سيرجي إيكاترينا وهي تبكي بلا توقف، وأطلق ضحكة ساخرة.
لا، كانت ضحكته أقرب إلى الاستهزاء. ها. ضحك سيرجي ضحكة قصيرة وحادة، وحدق في إيكاترينا بعينيه السوداوين المعتادتين، وكأنهُ كان ينوي افتراسها.
“ذلك لأنكِ سرقتِ شيئًا يخص ديميتري.”
تلكَ كانت الحقيقة التي لم تكن إيكاترينا تعرفها.
يُتبع….