My sisters are strange - 129
امتد أمام عينيَّ فضاءٌ شاسع.
كانت المساحة الواسعة محاطةً بأشجارٍ كثيفة، لكن المشكلة كانت أن تلك الأشجار كانت تتعفن.
“أستطيع أن أفهم الآن سبب ذبولها. كيف انتهى بها الأمر هكذا…؟”
كان المشهد بائسًا لدرجة أنني لم أستطع إكمال جملتي.
كانت الأشجار تتعفن لدرجة أن النسغ تجمع فيها، بينما كانت النباتات المتسلقة الملتصقة بالجدران ذابلةً ومتيبسة.
وفي مركز كل هذا، كان هناك رجلٌ مسنٌ يرتدي ثوبًا أبيض، مستلقيًا بهدوء وبشكلٍ منظم.
“يبدو أننا وصلنا إلى المكان الصحيح.”
جمعت شجاعتي وبدأت أسيرُ ببطءٍ نحو الشخص المستلقي.
“أعتقد أنه من الأفضل ألا تقتربِ أكثر.”
مدّ أديليو يده ليوقفني بينما كنت على وشك الدخول إلى دائرةٍ سحرية ضخمة أمامنا.
لم أكن قد لاحظت النقوش السحرية الضخمة على الأرض لأنني كنت مركزةً على الشخص المستلقي هناك.
“لكن إذا لم أقترب، لن أتمكن من رؤية الأمر بوضوح.”
“يمكنكِ أن تري ما يكفي من هنا. هذا الشخص هو البابا بلا شك.”
ربما كنت متهورةً أثناء سيري نحو الدائرة السحرية دون معرفة العواقب.
على الرغم من رغبتي المُلحة في الاقتراب والتحقق من حالته على الفور، قررت التفكير بعقلانية والحُكم كما اقترح أديليو.
“إذًا، ماذا لو بدلًا من الدخول، نقوم بفحص محيط المكان؟”
عند اقتراحي، أومأ أديليو برأسه وبدأ يفحص المنطقة المحيطة بوجهٍ جاد.
توجهّت في الاتجاه المعاكس له، وتحسست الجدران ببطء، بحثًا عن أيِّ أدلةٍ محتملة بعنايةٍ كبيرة.
لكن، رغم بحثنا الدقيق، لم نجد أيَّ شيء يمكن أن يكون دليلًا.
كان وجه أديليو يعكس شعورًا مشابهًا، وعدنا إلى النقطة التي افترقنا فيها.
“أعتقد أنه ليس أمامنا خيارٌ سوى الدخول.”
“قد يكون ذلك خطرًا.”
“لكن إذا لم نتحرك، فلن ننجز شيئًا.”
لا شيء سيتغيّر بمجرد الوقوف مكتوفي الأيدي.
قد يبدو الأمر متهورًا، لكنه الخيار الوحيد المتاح أمامنا في هذا المكان.
بعد لحظةٍ من التفكير، أومأ أديليو برأسه.
“إذًا، سنذهب معًا.”
“لا أستطيع أن أضعكِ في خطرٍ أيضًا.”
“لن أوافق إلّا إذا ذهبنا معًا.”
كانت مواقفه الحازمة لا تقبل التغيير.
شعرت بالذنب لاتخاذ قرارٍ يعتمد على عنادي الخاص، لكنني كنت ممتنة أيضًا لرغبته في مواجهة الخطر المحتمل معي.
عندما ابتسمت بخجل، بادلني بابتسامةٍ طفيفة.
“لن يحدث شيءٌ سيئ. أنا متأكدٌ من ذلك.”
طمأنني وأمسك بيدي بقوة.
وكأنه يعدني بعدم تركها أبدًا، تشابكت أصابعه مع أصابعي بإحكام، فقمت بدوري بإمساك يده بقوة.
أنا لست وحدي، لذا لن أشعر بالخوف.
دفنت مشاعر التوتر بداخلي وخطوت داخل الدائرة السحرية المضيئة.
بمجرد أن فعلت ذلك، بدأ الضوء الأبيض الذي كان هادئًا يتوسع وكأنه على وشك أن يبتلعنا.
أحاطنا الضوء الهائل، وسرعان ما شعرت بتغيّر الهواء من حولنا.
وبالتزامن، سمعت الصوت ذاته الذي قادني إلى هذا المكان.
[ مرحبًا بكِ، أيتها الطفلةُ المقدسة. ]
“من أنت…؟”
[ أنا من كنتُ دائمًا أراقبكِ، أصلُ هذا العالم. ]
أصل العالم.
كانت الكلمات تحمل تلميحًا واضحًا، وفهمت على الفور.
“أنتِ شجرة العالم، أليس كذلك؟”
وكأنها تؤكد إجابتي، بدأت الرياح تحوم حولنا بشكلٍ سريع.
ثم بدأت مشاهد غير مألوفة بالظهور أمام عينيّ بوتيرةٍ سريعة للغاية.
أراضٍ متعفنة، نباتاتٌ وحيواناتٌ ميتة، أناسٌ يعانون، وحتى شياطينٌ في حالة عذاب.
في ظلامٍ دامس، لا شمس ولا قمر يضيء، كانت الكائنات التي غمرتها الكراهية تهاجم بعضها البعض.
الأفعال الوحشية التي ارتكبها أولئك الذين لم يتبق لديهم سوى غرائزهم جعلتني أشعر بالغثيان.
وفي النهاية، اختتمت المشاهد المروعة بصورة شجرة العالم وهي متعفنة بالكامل.
[ ما شاهدتماه هو مصيرُ هذا العالم. وفي الحيا
السابقة ، من قبل أن يعود الزمنُ إلى الوراء. في ذلك المستقبل، انتهى هذا العالم في نهاية المطاف. ]
كان معروفًا أن حدوث مشكلةً في شجرة العالم، أصل العالم، سيؤدي إلى أزمةٍ كبيرة.
ولكن لماذا وقف الناس مكتوفي الأيدي يشاهدون شجرة العالم تذبل حتى وصلت إلى هذا الحال؟
[ القوة التي تدعمني تأتي من الإيمان بالحاكم، الحياة التي تزدهر، السلام والتعايش، والخير المتأصل في القلوب. كل هذه الأشياء يجب أن تتحد لتكون القوة التي تبقيني قائمة. ]
“السلام والتعايش… إذًا، لهذا السبب بدأت شجرة العالم تصاب بالمرض.”
بدا أديليو وكأنه كان يتوقع ذلك، لكنه لم يستطع إخفاء إحساسه بالإحباط.
“هل السبب هو أن البشر والشياطين أصبحوا أعداءً يقاتلون بعضهم البعض؟”
سألت متأملة، لكن الإجابة لم تكن واضحةً تمامًا.
[ يجب أن يكون السلامُ حاضرًا في جميع العلاقات: البشر مع البشر، الشياطين مع الشياطين، والبشر مع الشياطين. ]
على الرغم من أن الصوت كان متزنًا وخاليًا من العواطف، شعرت وكأنه يحملُ إحساسًا بالحزن.
[ باعتبارهم كائناتٍ حية، من الطبيعي أن يمتلكوا مشاعر سلبية مثل الغيرة، الجشع، والرغبة. السلام والتعايش المطلقان ….. هذا مجرد حلمٍ مستحيل. ربما يمكن الحفاظ على المظاهر بالسيطرة القسرية، لكن هذا لن يدوم. ]
ضحك أديليو بشكلٍ جاف.
“لو كان السبب ببساطةٍ هو تلاشي الإيمان بالحاكم، لكان الأمر على الأقل أكثر منطقية.”
[ كل أنواع الحياة ستزول في النهاية، وسينتهي العالم. أنا أعرفُ هذا أكثر من أيِّ أحد، لأنني شاهدتكم جميعًا. الكائنات المليئة بالرغبات الشريرة ليس لها سببُ للوجود. لم أعد أرغب في الاستمرار في حمايتكم. ]
“إذن لماذا استدعيتينا إلى هنا؟”
[ كل ما أردته هو أن توقظوا هذا الطفل المسكين قبل أن يواجه هذا العالم نهايته. ]
كان صوتها يعكس عدم اكتراثٍ صادق سواءًا نجا العالم أم لا.
“أنتِ أصلُ الحياة، والآن تقولين إنكَ ستتخلين عنها؟ كم هذا أناني…”
بينما يمكنني تفهم إحباط أديليو، لم أعتقد أن استفزاز شجرة العالم كان فكرةً حكيمة.
وبسرعة، قمت بتغطية فم أديليو وتحدثت ببطء عن رأيي.
“بينما لا أتفق تمامًا مع أديليو، إلّا أنني لا أعتقد أنه مخطئٌ أيضًا. الكائنات الحية لديها سماتٌ وشخصياتٌ مختلفة. التعايش المطلق هو مجرد مثالية، وليس واقعًا.”
[……]
“لكن هذا لا يعني أن الوضع الحالي صحيحٌ أيضًا.”
القوة والرغبة، والجشع الذي لا نهاية له.
العيش والتصرف فقط من أجل هذه الأمور ليس صحيحًا.
الصراعات المستمرة، والأرواح التي لا تُحصى التي تُطفأ في خضم ذلك، والمعابد التي تتعفن وتسقط في الفساد.
كل هذه العناصر مجتمعةً تسببت في نهاية المطاف في ذبول شجرة العالم.
“لا يمكن أن يوجد عالمٌ مثاليٌ وفق التصور، ولا يمكننا خلقه. لكني أؤمن أننا نستطيع العمل معًا لصُنع عالمٍ أفضل مما هو عليه الآن.”
عدم رؤية بعضنا البعض كأعداء، وتقدير حتى أصغر الأرواح، وخدمة شجرة العالم بشكلٍ صحيح.
لا يمكن تغيير ذلك بالكامل دفعةً واحدة.
ولا يمكن القيام به بمفردي.
أزلت يدي التي كنت أضعها على فم أديليو، وأمسكت يده بإحكام مرة أخرى.
“لقد قضينا وقتًا طويلاً هكذا، لذلك لن يكون من السهل تغيير الأمور على الفور. لكنني سأحاول تغييرها شيئًا فشيئًا، ابتداءً من الآن.”
“ديزي؟”
ناداني أديليو باسمي، فابتسمت ابتسامةً عريضة.
“أنا من البشر، وأديليو من الشياطين. رغم أصولنا، فإن العالم الحالي يرى البشر والشياطين أعداءً. لكن بغض النظر عن من يوجه أصابع الاتهام أو يُديننا، سنبقى معًا دائمًا.”
[ …….]
“سنكون البداية. وليس نحن فقط، بل سنطلب مساعدة الآخرين لتغيير العالم تدريجيًا. سيكون الأمر صعبًا بالتأكيد، لكنني أؤمن أنه ممكن.”
[ ……]
“يا شجرة العالم كنتِ تراقبيننا، أليس كذلك؟ هذا يعني أنكِ تدركين أن هناك خيرًا في هذا العالم، وليس فقط الشر. أريد أن أؤمن بخير الناس.”
[…..]
“صحيحٌ أن هناك من ساهموا في ذبول شجرة العالم، لكنني واثقة أن هناكَ أيضًا من منحها القوة. لماذا لا تثقين بهم مرة أخرى؟”
لم يكن هناك ردٌ على توسلي بألّا تتخلى عن الأمل.
بينما كنت أشعر بالقلق وبدأ العرق يتشكل على يدي، عاد صوت شجرة العالم مرة أخرى.
[ أنا أحبُ هذا الجانب من البشر، الطريقة التي لا يستسلمون بها، وكيف يقفون من جديد حاملين الأمل في قلوبهم. إنه أمرٌ جميلٌ حقًا.]
بعد صمتٍ قصير، تابعت شجرة العالم قائلةً:
[ لا أريد التخلي عن هذا العالم أيضًا. لم أكن جادة. أنا آسفةٌ لتصرفي كصعبة المراس.]
“لا بأس.”
[ قررت أن أثقَ بالكائنات التي أُحبها مرة أخرى. وأريد أن تكونا نقطة البداية.]
شعرت بتغيّرٍ واضح في الهواءِ المحيط بنا.
[ أغناتيوس يستخدم قوته المقدسة ليعوّض ما ينقصني من القوة، ويحمي شجرة العالم من الذبول أكثر.]
“هل هناك أيُّ طريقةٍ يمكنني المساعدة بها؟”
[ ربما يمكنكِ باستخدام قوتكِ المقدسة تقديمُ علاجٍ لي. يمكنني حينها أن أُنبتَ أوراقًا جديدة، وربما تعود شجرة الحياة إلى حالتها الأصلية.]
“هل يعني ذلك أنه يجب ضخ قوةٍ مقدسةٍ هائلة؟ هل تطلبين التضحية بـديزي؟”
ظهر غضبٌ خافتٌ في صوت أديليو الذي لاحظ العلاقة بين القوة المقدسة والحياة.
“إنها ليست تضحية.”
وضعت يدي فوق يديه كما لو كنت أطمئنه.
“إنها حماية.”
“يمكن لأيِّ شخصٍ آخر أن يفعل ذلك. لهذا السبب لدينا العديد من الكهنة. يمكننا طلب المساعدة فورًا.”
“أديليو، لقد أتيت إلى هنا لحماية الأشخاص الذين أحبهم. هذا القرار لم يتغيّر، لا سابقًا ولا الآن.”
رغم الاستياء الذي ظهر على وجه أديليو، لم أترك يده، وقبّلت ظهرها برفق.
“وأنا لست وحدي. لهذا السبب لا أشعر بالخوف، ولا حتى قليلًا. بل أشعر بالسعادة الغامرة لأنني أستطيع حمايتهم.”
“ديزي…”
“فقط كُنّ بجانبي. هذا كل ما أحتاجه.”
“لكِ ذلك.”
أخفض أديليو رأسه، وكما فعلت، قبّل ظهر يدي برفق.
“سأظل بجانبكِ دائمًا، لذا امضِ قدمًا ولا تنظرِ خلفكِ. أيُّ شيءٍ يحاول إيقافكِ، سأتعامل معه.”
هل كان هذا الجواب النهائي؟
تغيّر الهواء الذي يحيط بنا فجأة، وانفجر من تحتنا ضوءٌ جميل.
[ يُتبع في الفصل القادم ……]
– ترجمة خلود