My Husband Was the Master of the Magic Tower - 146
قبل أن أستوعب تمامًا تلك الكلمات، توقّف تفكيري تمامًا.
شعرتُ وكأن كلمات كايد تدور في رأسي، تتبعثر ثم تعود لتتجمّع مجددًا ظللتُ مشدوهًا، أكرر في ذهني عبارة “طريقةٌ للموت”, إلى أن أدركتُ أخيرًا ما كان يحاول قوله.
أنا، الذي لا يمكنه الموت، والآخرون مثلي، يمكننا أخيرًا أن نغرق في سباتٍ أبدي؟
أن نبقى في هذا البُعد، ومع ذلك نصل إلى نهاية؟
كان حديثًا يصعب تصديقه بل إن من يصدّقه هو الغريب، لا من ينكره خصوصًا لمن تاه في عوالم غريبة لزمنٍ طويل، غير قادرٍ على الموت.
لمن لم يستطع تمامًا أن يتخلّى عن الحياة، فتعلّق بها كيفما استطاع.
فتحتُ فمي محاولًه نطق أي شيء، لكن لم يخرج صوتي كانت الصدمة التي اجتاحتني مختلفة عن تلك التي شعرتُ بها عندما عبرتُ إلى ذلك البُعد وعادت إليّ جروحي من جديد.
إن كان هناك يومٌ في المستقبل البعيد، أجد نفسي فيه يائسًا متسائلًا لماذا لا يمكنني الموت، فلن يكون ذلك اليأس بلا نهاية.
مهما كان الطريق صعبًا، ففي نهاية المطاف، سأتمكن من إنهاء حياتي كأي إنسانٍ عادي.
فقط هذه الحقيقة وحدها جعلتني أشعر وكأنني أنكر كل ما مررتُ به حتى الآن.
لكن الغرق في هذا الشعور لم يستمر طويلًا، إذ إن استحضار وجهٍ معين في ذهني كان كفيلًا بطمأنتي.
“هل أتيتَ إلى هنا… لتعليمي تلك الطريقة؟”
كانت مشاعر الرفض لا تزال حاضرةً بقوة في داخلي.
حاولتُ جاهدًا إخفاء اضطرابي، وتحدّثتُ بصوتٍ هادئ قدر الإمكان لكن كايد، على ما يبدو، لم يلحظ اضطرابي، إذ أجابني بوجهٍ خالٍ من التعابير، بنفس هدوئه المعتاد:
“لا، أنا نفسي لا أعرف تلك الطريقة.”
”…أنت لا تعرفها؟”
“نعم لقد تركتُ جميع السجلات المتعلقة بها في المعبد، دون أن أقرأها.”
ما إن سمعتُ كلماته حتى بدأ نبض قلبي يعود إلى إيقاعه الطبيعي لم أكن أعرف لماذا كنتُ متوترًا هكذا، ولم أستطع تفسير الشعور وكأنني كنتُ مطاردًا.
لكن مجرد معرفة أنني لن أضطر لسماع تفاصيل الطريقة الآن، جعلني أشعر بالارتياح.
“لماذا لم تأخذها معك؟”
”…”
لم يُجب كايد على الفور، بل لاذَ بالصمت كان صمته طويلًا لدرجة أنني بدأتُ أشعر بالغرابة، إلى أن قطع الصمتَ صوته الخافت وكأنه كان يحدّث نفسه:
“لأنك قد لا ترغب في معرفتها.”
”…”
“إجبار شخصٍ على معرفة أمرٍ لا يريده… ليس مختلفًا عن العنف في شيء.”
كانت كلماته غير متوقعة إلى حد جعلني أفقد القدرة على الرد لم أفعل شيئًا سوى التحديق إليه بصمت.
ثم جاء صوته العميق مجددًا، يواصل الحديث:
“لكن إن كنتَ لا تزالين ترغبين في معرفتها، فيمكنك الذهاب إلى المعبد المذكور في أول صفحة من السجل إن ذكرتَ اسمي، سيسمحون لك بالدخول أينما شئت.”
“أن أذكر اسمك؟”
“نعم.”
عند هذه النقطة، لم أشعر بالدهشة فحسب، بل بدأ الأمر يبدو غريبًا للغاية.
قال إنه بحث عن المسافرين عبر الأبعاد من أجل إيجاد إجابات، لكن بعد سماع كلماته الآن…
ألم يكن يفكر في مشاعري؟
ألم يبحث عن شيء قد يكون مفيدًا لي؟
لم يكن هناك داعٍ للتخمين لم يقلها صراحة، لكنه قدّم لي هذه المعلومة بدافع اللطف.
وهو ليس مجرد أي شخص… بل هو.
شعرتُ بإحساسٍ غريب، وكأنني على وشك أن أفهم شيئًا ما، لكن لم أتمكن من الإمساك به تمامًا.
“أريد أن أسألك شيئًا.”
ما إن نطقتُ بهذه الكلمات، حتى رفع كايد عينيه إليّ.
قابلتُ نظراته مباشرة، وتذكرتُ الأيام التي كان يرمقني فيها بذلك البرود القاسي.
لم يضايقني بشكلٍ مباشر، لكنه كان مختلفًا عن إيفان وليلي اللذين كانا أكثر ودًّا.
أما هو، فلم يكن يخفي نفوره مني كان يحاول ضبط نفسه حفاظًا على مهابته، لكن كلماته كانت دائمًا حادة.
كنتُ أريد أن أفهم لماذا تغيّر فجأة، ولم يكن هناك طريقةٌ لفعل ذلك سوى معرفة السبب الذي جعله يعاملني بتلك الطريقة في البداية.
إن فهمتُ لماذا كان يكرهني، فسأعرف بالتالي لماذا تغيّر.
إما أنني تغيرتُ… أو هو من تغيّر لا خيار ثالث.
“لماذا كنتَ تكرهني منذ لقائنا الأول؟”
K7.
عند سماع كلمات “إي”، عاد كايد لينظر إليها مجددًا.
لم تكن المسافة بينهما قريبة ولا بعيدة، وعندما التقت عيناه بعينيها البُنّيتين، توقّف نَفَسه لوهلة قبل أن يعود إلى طبيعته.
كان ذلك تغييرًا طفيفًا لدرجة أنه لم يلاحظه حتى هو نفسه، وبالطبع لم تلحظه إي أيضًا.
“لماذا كنتَ تكرهني منذ لقائنا الأول؟”
تصلّب جسده للحظة عند سماع تلك الكلمات.
“أنت، لماذا كنتَ تكرهني؟”
ما إن سمع السؤال حتى عاد به الزمن إلى الماضي لم يكن ذلك الماضي بعيدًا، لكن ما مرّ به منذ ذلك الحين كان كافيًا ليجعله يبدو وكأنه زمنٌ سحيق.
كايد… كان قد أمضى حياته بأكملها في السعي والعمل.
كان يعتقد أنه لا وجود لإنسانٍ عاجزٍ تمامًا، ولذا، كان يزدري أولئك الذين لا يستطيعون أن يكونوا ذوي فائدة للآخرين.
لأنّه لم يستطع استيعاب فكرة أن يكون الإنسان عديم الكفاءة رغم محاولاته فقد كان يرى أن انعدام الكفاءة يعني بالضرورة أنه لم يبذل جهدًا كافيًا.
وكان يعتبر وجهة نظره هذه أمرًا بديهيًا، على الأقل حتى أجرى حديثًا مع “إي”.
“منذ أن عاملتني كعبء منذ البداية، كان يمكنني التوقع، لكن… هل يبدو لك أن الإنسان العادي هو تجسيد للشر نفسه؟”
“لماذا تقول هذا الهراء فجأة؟”
“لأنني معتاد على رؤيتك تنتقد من تعتقد أنهم أقل شأنًا منك.”
”…….”
“لا أنكر أنني أعتمد عليكم بشكل كامل وهذا، ولو قليلًا، يجعلني أشعر بالذنب.”
ظلّ وجهه هادئًا بلا تعبير حتى اللحظة التي واجهته فيها بكلماتها.
“لكن هذا لا يعني أنّ من حقيك معاملتي بازدراء، أليس كذلك؟”
لم يشعر بأنه نظر إلى “إي” حقًا من قبل إلا عندما سمع تلك الكلمات.
عندها فقط، أدرك أنه لطالما اعتقد أن من لا يملك الكفاءة يستحق اللوم،
وأنه لطالما احتقر من هم إدنى منه .
كان الاعتراف بهذا أشبه بانهيار عالم كامل، مصحوبًا بفيض من الإنكار والانزعاج.
لكن، في النهاية، لم يكن أمامه سوى الاعتراف بأنه كان مخطئًا، والاعتراف أيضًا بمن علّمه ذلك.
كان يقسو على شخص لم يقترف أي ذنب.
وبالنظر إلى كمّ الفائدة التي قدّمتها لهم لاحقًا، أدرك كم كان مخطئًا في معاملته لها.
— كان يجب أن أكون أكثر لطفًا معها.
في تلك اللحظة، عندما التقت “إي” بسيد البرج السحري، وأظهرت عواطفها على غير عادتها، وعندما طلبت منه شخصيًا شيئًا رغم كل الانتقادات التي واجهتها…
وجد “كايد” نفسه يتساءل بلا جدوى:
ماذا لو كنت لطيفًا معها منذ البداية؟
حتى آنذاك، لم يكن يكرهها حقًا.
إن كان عليه أن يصف مشاعره بكلمة… لم يكن يكرهها بل…
… لم يكن كرهًا.
“لماذا لا تجيب؟”
تجمّد “كايد”، بينما فسّرت “إي” صمته بطريقتها الخاصة.
نظرتها التي كانت تراقبه باهتمام فقدت اهتمامها، واتجهت إلى النافذة.
وحين رأى نظرتها تهيم بعيدًا، فتح فمه دون تفكير.
“هل كنتُ أكرهك؟”
كان سؤالًا خرج منه دون أي تفكير.
وحين تجمدت ملامح “إي” للحظة، أدرك متأخرًا ما قاله، وانهال على نفسه باللعنات في داخله.
يا له من سؤال أحمق… يا له من تصرف غبي.
رغم أنه لم يكن سوى سؤال، إلا أن كايد شعر بأن كلماته كانت محمّلة بمشاعر أكثر مما ينبغي.
— هل ستلاحظ ذلك؟
— لا، لا يمكن أن تلاحظ.
كان يلوم نفسه على غبائه، لكنه لم يستطع إلا أن يضيف، وكأنه يحاول تبرير نفسه:
“نعم، هذا صحيح. أنا أكرهك.”
لكن، حتى لو قالها الآن، فلن تُسمع سوى كذبة مكشوفة.
“هناك أشخاص لا نطيقهم بلا سبب واضح، وأنت أحدهم بالنسبة لي.”
“أفهم… هكذا إذن.”
لكنها لم تبدُ مقتنعة على الإطلاق.
قطّب حاجبيه بعادة مألوفة، لكنه لاحظ أن وجهها لم يتغيّر على الإطلاق، فحاول أن يُخفي تعابيره.
شعر بأنه عليه أن يقول شيئًا آخر، لكنه لم يكن يعرف ماذا.
بينما كان يكافح مع توتره الطفيف وقلقه غير المبرر، نظرت إليه “إي” طويلًا ثم وقفت من مكانها.
“على الأقل، حاول إخفاء ارتجاف يديك وأنت تتحدث.”
بدا وكأن الزمن تجمّد للحظة.
كل أفكاره المتلاحقة توقفت عند تلك الكلمات العابرة.
تركته خلفها متوجهة إلى المطبخ، بصوت بدا طبيعيًا تمامًا، كما لو أن شيئًا لم يُقال.
“كنت سأُحضر لك الشاي الآن، لكن بما أن ذوقك يبدو صعب الإرضاء، فماذا تفضّل؟”
كان صوتها هادئًا وعاديًا لدرجة جعلته يتساءل عمّا إذا كان قد تخيّل تلك اللحظة.
تصرفاتها لم تحمل أي أثر للغرابة، وكأنها لم تلاحظ شيئًا.
وكأنها تعلم بالفعل أن كلماته كانت كذبًا.
… لماذا شعر أن كلماتها الأخيرة كانت كالطعنة؟
“لا، لا حاجة للشاي لقد تأخرت كثيرًا، عليّ المغادرة.”
وقف من مجلسه، تاركًا المستندات التي أحضرها فوق الطاولة.
وبينما كان يعدّل ملابسه متجهًا إلى الباب، تبعته “إي” بخطوات هادئة.
“أجل، لقد بقيت طويلًا فعلًا لو كنت أعلم، لكنتُ أعددت الشاي منذ البداية.”
“كنتِ ستضيعين الشاي بلا فائدة.”
“لا تتوقع مني أن أقول إنني كنتُ سأشربه من باب المجاملة… حسنًا، لا بأس.”
ألقت نظرة خاطفة على الطاولة، ثم عادت بعينيها إليه.
“شكرًا لأنك تكبدت عناء البحث وإحضار هذه الأوراق.”
”……نعم.”
“آه، وبالمناسبة، أخبر ‘ليلي’ أنني ممتنة لها أيضًا قُل لها إنّه شكرٌ على أمر يخص صديقتي، وستفهم المقصود.”
رغم أن كلمات الشكر كانت دائمًا صعبة بالنسبة له، إلا أنها نطقت بها ببساطة كما لو أنها شيء عادي.
ثم فتحت له الباب بنفسها، متحررة من أي فضول أو تردد.
كان الأمر طبيعيًا جدًا… كما هو الحال دائمًا، لم يكن هو من يثير الفضول، بل العكس.
“حسنًا، سأفعل.”
قالها وانحنى قليلًا قبل أن يخرج تمامًا من المنزل المغمور بالشمس.
بينما كان يسير تحت دفء الضوء، استعاد في ذاكرته صورة “إي” وهي تقف في ضوء الشمس، ملامحها مسترخية، وكأنها مرتاحة.
لكنه سرعان ما أجبر نفسه على محو تلك الصورة من ذهنه.
ورغم ذلك، راوده شعور بأنها ستظل تطفو في ذاكرته بين الحين والآخر.
لم يكن مجرد حدس، بل يقين.
ومع ذلك، في تلك اللحظة، شعر أن الأمر لا بأس به.
كان يومًا يحمل مذاقًا مريرًا… يشبه إلى حد كبير طعم الشاي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].