My Husband Was the Master of the Magic Tower - 129
لأننا لم نستطع تذكّر الموقع الدقيق للزقاق، قرّرنا أن نسير في الطريق نفسه الذي سلكناه في ذلك الوقت في الهواء البارد الذي ازداد برودة بعد أيام قضيناها داخل المنزل، شعرتُ بنسيم يلامس عنقي فانكمشت لا إراديًا، ثم سرعان ما استقمتُ مجددًا.
تمنّيتُ لو أنني ارتديت طبقة إضافية من الملابس، وبينما كنتُ أشدّ أزراري لأتدفأ، أمسك دانتي بيدي وأدخلها في جيبه، مائلًا برأسه قليلًا وهو يتأملني.
“أنتِ تشعرين بالبرد، أليس كذلك؟”
“لا، لا بأس فقط، الرياح قوية والهواء أصبح أكثر برودة، ألا تشعر بذلك؟”
“هممم…”
لم يؤكد كلامي، لكنه أيضًا لم ينفه فورًا، وكأنه يأخذ وقته في التفكير على أي حال، هو لا يكذب أبدًا حتى النهاية.
“على أي حال، من الأفضل ألا نشعر بالبرد، لذا إن كنتَ لا تشعر به، فهذا جيد.”
قلتُ ذلك وأنا أمسك بيد دانتي وواصلنا السير في الطريق.
لم يتغير شيء تقريبًا عن المرة السابقة التي مررنا فيها بهذا المكان ربما كان الفرق الوحيد هو قلة عدد المارة بسبب برودة الطقس، عدا ذلك، كل شيء بدا كما هو، وكأننا عدنا إلى اليوم ذاته.
طوال الطريق من الممشى إلى المقهى، رفضتُ مرتين أن يُعطيني دانتي وشاحه، وأوضحت له خمس مرات على الأقل أنني إن ارتديته، فسأبدو وكأنني سرقتُ شيئًا يخصّه وبينما كنا نتجادل بخفة حول هذا الأمر، وجدنا أنفسنا أمام باب المقهى.
“حسنًا، كان من السهل الوصول إلى هنا…”
“بالنسبة لشيء سهل، فقد تهنا كثيرًا في الطريق.”
“اصمت.”
بكلمة واحدة، أسكتُّ دانتي قبل أن أعود إلى التفكير مجددًا إن كان هناك أثر ولو ضئيل للطريق الذي سلكناه سابقًا، فإن الزقاق نفسه لم يترك في ذاكرتي أي أثر يُذكر.
وقفتُ أفكر بعمق، متنهّدة بضيق، بينما كان دانتي بجانبي ينظر حوله بلا اكتراث.
“ألن ندخل إلى هناك اليوم؟”
لمَ لا يبدو عليه أنه يفكر أو حتى يتظاهر بأنه يفكر؟ وبينما كنتُ أتساءل في داخلي، التفت دانتي نحو باب المقهى وسألني بتلك النبرة الهادئة.
نظرتُ إلى الباب للحظة، ثم هززتُ كتفي بخفة.
“نحن هنا لنبحث عن تلك الفجوة أو ما شابهها، لا حاجة لدخول المقهى الآن.”
“هممم، فهمت.”
أومأ برأسه موافقًا، ثم فجأة، أمسك بيدي وأدخلها بذراعه كما لو كنا نسير متشابكي الأذرع، وبدأ في السير باتجاه ما تبعته بذهول بسبب تقدّمه المفاجئ إلى الأمام، لكن سرعان ما عبستُ عندما أكمل حديثه.
“في الواقع، كنت أعرف الطريق من منزلك إلى الزقاق.”
“كنت تعرف الطريق؟”
“نعم.”
“وكيف عرفتَه؟”
أجاب دانتي بإيجاز شديد:
“حفظته.”
بصوت هادئ، وكأنه يعلّق على الطقس ليس إلا أمّا أنا، فلم أجد ما أقوله للحظة.
لقد مررنا من هنا مرة واحدة فقط، ولم يكن الطريق مميزًا بأي شكل، بل كان أشبه بمتاهة معقّدة بالنسبة له!
لكن سرعان ما تذكّرتُ كيف أنه في ذلك اليوم، تجوّل تحت المطر في أرجاء هذا المكان كله، ورغم ذلك عاد إلى المنزل دون أن يضل الطريق لا عجب أنه حفظه بالفعل.
أحيانًا أشعر أن عقل دانتي يُهدر في أشياء غير ضرورية اكتفيتُ بهزّ رأسي قليلاً واتّبعتُه بهدوء.
كان يجدر بي أن أدعه يقود الطريق منذ البداية أضعنا وقتًا كثيرًا بلا داعٍ.
وبالفعل، لم يكن قوله مجرد ادّعاء، فقد وصلنا إلى مدخل الزقاق بعد وقت قصير نظرتُ إلى القمامة المتناثرة على الجانبين، والتي بدت وكأنها قد أُزيحت عن الطريق بسبب مرورنا السابق، فأيقنتُ أننا وصلنا إلى المكان الصحيح.
على عكس المرة السابقة التي كنتُ فيها متوترة ومتحفظة، فقد تقدّمتُ الآن بخطوات ثابتة وخلال لحظات، كنا قد وصلنا إلى نهاية الزقاق.
نظرتُ حولي متفحصة المكان، ثم التفتُّ إلى دانتي وسألته:
“دانتي، هل ترى شيئًا؟”
“لا.”
“حسنًا، في الواقع، أنا أيضًا لا أرى شيئًا، لذا سألتك.”
كنتُ قد توقعتُ هذا الاحتمال، ومع ذلك، أطلقتُ تنهيدة طويلة، وحدّقتُ في الفراغ بنظرات معقّدة.
تلك الفجوة التي كانت يومًا ما كبيرة لدرجة لا يمكن تجاهلها، اختفت الآن دون أي أثر.
في ذلك اليوم، تبعتنا حتى وصلنا إلى مكان مزدحم ثم اختفت فجأءة فهل عادت إلى مكانها؟ أم أنها حقًا… اختفت بالكامل؟
وهل كان يمكن أن تختفي من الأساس؟
… لكن، ما هي تلك الفجوة بالضبط؟
“علينا أن نعرف ما هي هذه الفجوة أولًا، قبل أن نفكر في البحث عنها أو لا.”
مرّرتُ يدي على الجدار من أعلاه إلى أسفله، متأمّلة إيّاه، ثم تمتمتُ بصوت خافت، كان أقرب إلى حديث لنفسي وحدي. لكن دانتي، بطريقة ما، التقط تلك الكلمات وسألني:
“هل أنتِ فضولية بشأن ماهية تلك الفجوة؟”
“بالطبع أنا فضولية… انتظر لحظة طريقتك في الكلام توحي وكأنك تعرف شيئًا عنها.”
“ليس تمامًا، لكنني أملك فكرة عمّا قد تكون عليه.”
في وجه إجابته الواثقة، تلاشى ذهولي للحظة كان هذا ثاني موقف يصيبني فيه دانتي بالذهول ويقطع عليّ تفكيري، ومع ذلك، بدا عليه الهدوء ذاته وهو يجيبني عن تساؤلاتي.
لكنني، على العكس منه، لم أستطع تقبّل الأمر بنفس الهدوء.
“من أين أبدأ التفسير يا ترى… حسنًا، إذا ملأتَ بالونًا بالكثير من الهواء، سينفجر، وإذا حشوتَ حقيبة بأكثر مما تحتمل، فستتمزّق، أليس كذلك؟”
“ما الذي تحاول قوله فجأة… هل تحاول ضرب مثال لي؟”
“نعم. سيكون من الأسهل عليكِ الفهم بهذه الطريقة.”
للحظة، خطرت ببالي عناوين من قبيل “الفيزياء المبسّطة للأطفال” أو “أسهل الطرق لتعلّم الرياضيات للمبتدئين”، لكنني أدركتُ بسرعة أنني، في هذا المجال، لستُ سوى مبتدئة، بل ربما كطفلة تخطو خطواتها الأولى.
إذا كان سيسهّل عليّ الفهم، فلا بأس إذن.
حين عادت تعابيري إلى طبيعتها، أكمل دانتي شرحه:
“البُعد، تمامًا كأي شيء، هو أشبه بوعاء يحتوي على الكائنات الحيّة وغير الحيّة… لا، أعتقد أن تسميته ‘جيبًا’ ستكون أدقّ وبما أنه كذلك، فهو يمتلك سعة محدودة، وعندما يصل إلى حدوده القصوى، تبدأ التشققات بالظهور والتصدّع الذي رأيتِه كان أحد تلك الشقوق.”
“همم…”
“هل كنتِ تفكرين الآن: كيف يمكن لشيء كهذا أن يوجد أصلًا؟”
لم أجب على الفور، فقط أطلقتُ همهمة غامضة فرسم دانتي ابتسامة أشبه بابتسامة معلّم يشرح لطالب صغير.
“الأبعاد تتوسّع مع مرور الوقت، بترميم تلك التشققات والأشخاص العاديون، حتى إن صادفوا أحدها، فإنهم لا يتذكّرونه لاحقًا… لكن، هذا ليس المهم الآن.”
ثم تابع، مختصرًا كل حديثه بجملة واحدة:
“الثقب الذي رأيناه أمام ذلك المبنى في ذلك اليوم، والشرخ الذي واجهتِه هنا—كلها آثار ناجمة عن تصدّعات في حدود الفضاء.”
”…”
“والأهم… أن جميع تلك الآثار قد تعرّفت عليكِ.”
“تعرّفت عليّ.”
رنّ هذا التعبير في أذني.
كان دانتي يتحدّث عن الأبعاد وكأنها كائن حي، وكأنه يمنحها وعياً وإرادة.
ولكن، إن فكّرتُ في الأمر، فهل الأبعاد حقًا جمادات؟ أليست أقرب إلى الكائنات الحيّة؟ فالجمادات لا تتوسّع من تلقاء نفسها، ولا تحاول التهام البشر، أليس كذلك؟
في تلك اللحظة، أشار دانتي خلفي.
“انظري، لقد ظهر واحد الآن.”
”…ماذا؟”
استدرتُ ببطء هناك، على الجدار الذي كان نقيًا منذ لحظات، ظهر صدعٌ عميق.
تشنّج جسدي تلقائيًا، وتراجعتُ خطوة إلى الخلف، لكن دانتي وضع يده على كتفي، مما جعلني أستند عليه من غير قصد.
وجدتُ نفسي بين دانتي وذلك الشرخ المخيف، لكن ما أربكني أكثر لم يكن الموقف ذاته، بل الكلمات التي خرجت من فمه بعد ذلك مباشرةً.
“لمَ لا تمدّين يدكِ إليه، إي؟”
”…عذرًا، لكن يبدو أنني أسمعك بشكل خاطئ أو ربما أنت لستَ دانتي الحقيقي.”
“سمعكِ بخير، وأنا دانتي الحقيقي لن يكون الأمر خطيرًا، أعدكِ بذلك فقط، أريد أن أتأكد من شيء ما.”
“مدّي يدكِ.”
صوته العميق والهادئ كان ناعمًا، كأنه يهمس لي بتحريض خفيّ.
لم أكن أرغب في فعل ذلك، لكن، في النهاية، أغمضتُ عينيّ ومددتُ يدي.
وبمجرد أن لمستُ منتصف ذلك الشرخ—
—تحطّم!
انفجر الشرخ بردّة فعل عنيفة، أقوى من أي مرة سابقة.
لم يكن لديّ وقت للتراجع بدا المشهد أمامي وكأنه زجاج شفاف يفصل بيني وبين الواقع، تتشعّب عليه شقوق أكثر وضوحًا، وكأنها تغزل خيوطًا دقيقة من التصدّع في الفراغ.
ومن تلك الفجوات، تسرّبت مشاهد—
مشاهد لم يكن يفترض أن تُرى في هذا البعد.
عوالِم لا حصر لها.
بُعدٌ بعد بُعد، مشاهد متداخلة لا تنتهي.
كان الأمر أشبه بمراقبة كاميرات أمنية تراقب العالَم بأسره، لكن بدلاً من ذلك، كنتُ أشاهد أبعادًا أخرى، غير متناهية.
حدّقتُ مشدوهةً، فاقدة القدرة على الكلام كان المشهد ساحقًا، ومع ذلك، بدلاً من أن يقلّ، كان يتمدّد ويتضاعف كلّما اتّسع الشرخ أكثر.
شعرتُ أنني إذا واصلتُ التحديق، فسأفقد عقلي.
في تلك اللحظة، جاءني صوت دانتي من خلفي مجددًا.
“قلتِ إن شيئًا مماثلًا قد حدث في السابق، أليس كذلك؟”
“أ… أجل.”
أجبتُه بتشتّت، بينما كنتُ أنبش في ذاكرتي.
حدث ذلك حين كنتُ عالقة في الغابة… ثم تكرّر أثناء محاولتي الهرب من ذلك المبنى…
عندما أبديتُ موافقتي، تمتم دانتي، وكأنه يتحدّث إلى نفسه:
“مع هذا، أليس من الممكن أنكِ قد تصلين إلى النقطة التي تستطيعين فيها تحطيم بُعد كامل؟”
…إن كان هناك شيءٌ يفوق قدرتي على الفهم، بل يبدو وكأنه محض هراء، فقد كان بالتأكيد ذلك الكلام الذي تفوّه به الآن.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].