My Husband Was the Master of the Magic Tower - 124
كان دانتي لا يزال يرسم تلك الابتسامة الغامضة التي يستحيل فهم خفاياها كانت عيناه السوداوان قد عادتا إلى لونهما الأصلي عندما استعدت وعيي، وسرعان ما تسلل إلى ناظري ذلك اللون البنفسجي المألوف، ذلك الجمال الذي اعتدت عليه.
لكن مجرد أن لون عينيه أصبح أفتح قليلًا لم يكن كفيلًا بتبديد الأجواء الكئيبة التي خيمت على المكان لقد أزال قناع اللون المزيف، لكن جوهره ظل لغزًا عصيًا على الفهم.
“أعلم أنك كنتِ تتمنين العودة إلى هذا البعد.”
صوته، الذي انساب بعد صمت طويل، بدا وكأنه يأتيني من أعماق سحيقة.
في البداية، ركزت فقط على الشعور الغريب الذي خلفه وقع صوته على مسامعي، لدرجة أنني كدت أفقد المعنى الحقيقي لكلماته هل قال إنه يعلم أنني كنت أريد العودة إلى هذا البعد؟
للحظة، ظننت أنني ربما أسأت السمع، لكن ملامحه الهادئة وعدم محاولته تصحيح ما قاله أكد لي أنني لم أخطئ الفهم شابَ ملامحي القليل من الانقباض، بينما تسربت الحيرة إلى أعماقي، لكن دانتي واصل حديثه ببطء شديد:
“نادراً ما كنتِ تخبرينني كيف كنتِ تعيشين بعد انتقالك إلى بُعد آخر، لكنني كنت أعلم أنكِ مررتِ بالكثير من الأمور، وكنت أدرك أيضًا ما الذي كنتِ تفكرين به في كل مرة واجهتِ فيها صعوبات.”
بمجرد أن سمعت كلماته، شعرت بجزء من عقلي يتجمد كما لو أنه صُبّ عليه الجليد.
تلك الأفكار التي راودتني حينها…
كم مرة تمنيتُ لو أنني لم أُبعث مجددًا، وكم مرة شعرتُ بالضجر من كل شيء، وكم مرة رجوتُ أن أصبح شخصًا لا يفكر، لا يشعر، لا يتألم؟
وفي الوقت ذاته… كم كنتُ أنتظر اليوم الذي أعود فيه إلى موطني؟ إلى تلك الأيام التي كنتُ أعيشها ببساطة، دون أن أتساءل عن معنى الوجود أو مغزاه.
لقد بذلت قصارى جهدي لنسيان كل ذلك، ونجحت إلى حد كبير… وها أنتَ الآن تعيد بعثرة تلك الذكريات من جديد.
دانتي، الذي كان لا يزال يراقبني، أزاح ابتسامته أخيرًا شعرت أن ملامحه لم تكن تخبرني فقط بأنه تأكد من صحة توقعاته، بل أيضًا كأنها تحمل أثر جرح خفي.
آه… الآن فهمت.
أنت كنتَ تعتقد أنه من المسلّم به أنني سأرغب في البقاء في هذا البعد، أليس كذلك؟
لهذا السبب تحاول باستمرار أن تعرف ما الذي أفكر فيه منذ عودتي، وتحاول تخمين ما كنت أتمناه في الماضي ومع كل علامة تراها، يزداد يقينك أكثر فأكثر…
”…”
خفضتُ رأسي ونظرت إلى الأسفل.
على الرغم من مرور وقت طويل، إلا أن المطر الذي غمر دانتي بالكامل لم يكن يبدو وكأنه على وشك الجفاف كانت قطرات الماء قد تباطأت في سقوطها، لكنها لا تزال تترك أثرها على الأرض، مشكلةً دوائر صغيرة تتلاشى ببطء.
وكأنها ترمز إلى مشاعري العالقة… تلك التي تركتها تتساقط وأهملتها على أمل أن تتلاشى، لكنها استمرت في البقاء، راسخةً في زاوية من قلبي.
“إذن، هل هذا هو السبب الذي دفعك لاتخاذ قرارك فجأة؟ بأنك لن تعودي، وستبقين هنا؟”
“لم يكن قرارًا مفاجئًا.”
حتى وإن لم يكن ذلك قراري منذ البداية، فلا يمكنني القول إنه كان قرارًا متسرعًا هكذا قال دانتي، مؤكدًا على رأيه.
رغم أنني لم أكن أنظر إليه مباشرة، إلا أنني شعرت عبر أناملنا المتشابكة بأنه قد أحكم قبضته على يدي بخلاف اللحظة الأولى التي التقت فيها يدانا حيث كان الوضع غريبًا بعض الشيء، فإن الأمر الآن بات طبيعيًا جدًا في كل مرة نمسك فيها بأيدي بعضنا، كان كل منا يتكيف تلقائيًا مع وضعية مريحة.
أنا فعلت ذلك، وهو كذلك.
ومع ذلك، كان دانتي هو من يبادر دائمًا بمد يده أولًا.
لم أكن أُعير هذا الأمر أهمية كبيرة، كنت أعتقد أنه يحب الإمساك بيدي أكثر مما أفعل أنا، لذا أصبح الأمر طبيعيًا بيننا.
لكن الآن، وأنا أرى الطريقة التي يتصرف بها، وكيف أنه مقتنع بأن بقائي هنا هو الطريق الوحيد لنا لنكون معًا، راودني تساؤل آخر…
هل كان دانتي يشعر دائمًا أنه الوحيد الذي كان متمسكًا بالأمر بشدة؟
هل لهذا السبب لم يحاول إقناعي بالبقاء، بل افترض ببساطة أنني لن أغادر، وقرر هو التضحية بفرصة العودة؟
في الواقع، لم يكن هناك داعٍ لي أن أُجهد نفسي في التخمين كان بإمكاني فقط أن أسأله مباشرة، فهو يقف أمامي الآن.
“لم أجرحك يومًا، دانتي، لكن… أعتقد أنك الآن أصبحتَ في الحالة ذاتها التي كنتُ عليها في الماضي ذلك الجسد الذي لا يشيخ ولا يموت…”
“هذا الأمر كان كذلك دائمًا.”
“لا… ليس تمامًا.”
هززت رأسي نافيًا.
كان من المستحيل أن دانتي لم يدرك ما لاحظته، لكنه ببساطة اختار عدم التحدث عنه لذا، كان عليّ أن أقولها بدلاً منه.
“في السابق، كان هناك على الأقل طريقة—وإن كانت صعبة—لإنهاء حياتك لكن الآن، لم يعد هناك أي وسيلة لذلك وكما كنتُ أنا ذات يوم، جسدي الذي لم يكن يفنى أو يشيخ… الآن، لو بقيتُ هنا، فسأبدأ بالشيخوخة تدريجيًا.”
”…”
“وحينها… ستُترك وحيدًا في النهاية في بُعد غريب، بلا أحد تعرفه، بلا رفيق… بمفردك تمامًا.”
“لا بد أنك لا تفكر بأسلوب ساذج مفاده أنه يمكنك العودة بعد أن أختفي، أليس كذلك؟”
تمتمتُ بهذه الكلمات بصوت خافت، فما كان من دانتي إلا أن شدّ قبضته على يدي وكأن مجرد التفكير في الأمر يملؤه رعبًا.
“إذن، لماذا تطرح فكرة البقاء هنا؟”
من وجهة نظره، لا بد أن محاولة إقناعي بالرحيل كانت ستكون الخيار الأفضل من مجرد الاستسلام لفكرة بقائي ومع ذلك، لم يفعل ذلك، وأردت أن أعرف السبب.
رفعت رأسي ونظرت إليه، لأجد في عينيه، التي لم أكن أنظر إليها قبل لحظات، طيفًا من المشاعر المعقدة التي أخذت تتشكل شيئًا فشيئًا لكنه سرعان ما خفض بصره، متجنبًا نظرتي، فتلاشت كل تلك المشاعر على الفور.
“لا خيار لدي، إن كنتِ ترغبين حقًا في البقاء.”
”…….”
“أنا لا أريد أن أفترق عنكِ هكذا، لذا….”
ابتسم دانتي ابتسامة خفيفة وعلى عكس ابتسامته السابقة التي لم أستطع قراءة أي شيء منها، هذه المرة استطعت أن أفهم ما كان يخفيه خلفها.
“عليّ على الأقل أن أبقى معكِ حتى نهاية حياتك.”
كانت تلك استسلامًا.
كما لو أنه أيقن مسبقًا أنني سأغيب عنه يومًا ما، ولم يعد لديه سوى خيار واحد فقط.
“بهذه الطريقة، ستكون حياتك المتبقية ممتلئة بي بالكامل طالما أنني أستطيع فعل ذلك، فلا بأس لديّ… سواء كنتُ سأعيش في بُعد غريب أم لا.”
كان يبحث عن أي عزاء وسط يأسه، عن أي شيء يمكنه التشبث به، وهذا ما جعل استسلامه يبدو أكثر اكتمالًا.
راقبته وهو يتحدث وكأنه قد اتخذ قراره منذ زمن بعيد، مما جعلني أشعر بدوار طفيف.
تمامًا كما شعرتُ بالسعادة عندما أدركتُ أن دانتي لا يموت، لا بد أنه شعر بالفرح ذاته عندما علم أنني لن أموت أيضًا.
ومع ذلك، ها هو الآن، دون أي تردد، يعلن قراره بهذه البساطة، مما يعني أنه كان مستعدًا لهذا الحديث منذ وقت طويل.
هل كان بقاؤه تحت المطر كل هذا الوقت من أجل هذه اللحظة؟
هل كان خروجه بهذه الطريقة، متعمدًا أن يثير قلقي، وأن يبعثر أفكاري، جزءًا من قراره النهائي؟
هل كان يمرّ بالمكان الذي قلتُ سابقًا إنني أفتقده، ليقوي عزيمته أكثر على ما اختاره؟
عند هذا الحد، لم أعد أستطيع تجاهل المشاعر التي بدأت تتصاعد في داخلي منذ لحظات.
حاولتُ لا إراديًا أن أقبض يدي في توتر، لكنني سرعان ما أدركتُ أن دانتي لا يزال ممسكًا بها، فحاولت سحبها بعيدًا.
تردد دانتي للحظة، وكأنه لا يريد الإفلات، لكن عندما بدأت ألوّي معصمي بعزم، اضطر إلى التراخي وترك يدي تنسحب من قبضته.
لاحظتُ أصابعه المرتخية وهي ترتجف بشكل طفيف.
كيف له أن يقول إنه سيكون بخير لمجرد أنه سيبقى معي حتى نهاية حياتي، بينما هو بالكاد يستطيع تحمل مجرد إفلات يدي؟
قبل أن يتحدث دانتي عن هذا الأمر، كنت أظن أنني لا أفهم مشاعري جيدًا.
كنتُ دائمًا ذلك الشخص الذي يتجنب مواجهة ماضيه ومشاعره، وهذا الجانب من شخصيتي ظهر مرة أخرى بكل وضوح.
ربما لو لم يخرج دانتي فجأة تحت المطر، ولو لم أواجهه وأسأله عمّا يدور في ذهنه، لكنت قد أجّلت التفكير في مستقبلنا إلى أبعد وقت ممكن.
كما فعلتُ ذات مرة، حين لم أخبره أنني لا أموت.
كنتُ سأقول لنفسي، “لا بأس، لدينا الكثير من الوقت”، وأُقنع نفسي بذلك.
مع أنني بعد تلك التجربة وعدتُ نفسي بعدم تجاهل الأمور المهمة مجددًا، يبدو أن العادات القديمة يصعب التخلص منها.
“انظر إليّ، دانتي.”
مددتُ يدي إلى وجهه، بينما هو، الذي لم يكن يستطيع الإمساك بيدي مجددًا ولم يكن قادرًا على المغادرة، ظل واقفًا في مكانه.
أمسكتُ وجهه بين كفيّ، حتى أصبحت المسافة بيننا قريبة لدرجة أن أنفاسنا تكاد تتلامس.
ارتبك للحظة من حركتي المفاجئة، لكن في النهاية، انصاع لي وخفض رأسه قليلًا كما أردت.
أوه، لقد حدث هذا من قبل…
ذلك اليوم الذي كنتُ أفكر فيه كثيرًا في كيفية تهدئته، واليوم الذي وجدت فيه أخيرًا الطريقة المثلى لجعله يطمئن.
باستثناء المطر الذي لا يزال يتساقط، والليل الذي اقتربت ساعاته الأخيرة، فأنت لم تتغير أبدًا.
عيناك البنفسجيتان المتسعتان، ونظرتك التي لا تلين إلا أمامي، كل ذلك لا يزال كما كان.
ثبتُّ بصري في عينيه مباشرة، وقلتُ له بصوت واضح وجلي، كي لا يكون هناك مجال للشك.
“لن أبقى هنا.”
وسأعبر الأبعاد مجددًا… معك.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].