My Husband Was the Master of the Magic Tower - 115
قبل أن أتم كلامي، سارعت إلى إغلاق فمي على عجل، لكن الأوان كان قد فات بالفعل.
تلاشت ملامح التعبير عن وجه دانتي مرة أخرى، وقويت قبضته التي كانت تمسك بذراعي برفق، ولكن ليس لدرجة الألم.
مع أن ما يُمسك به هو ذراع واحدة فقط، لماذا أشعر وكأنني لا أستطيع التحرك قيد أنملة؟
“متى حدث ذلك؟”
جاء صوته الهادئ ليسبب لي قشعريرة باردة.
فكرت جديًّا في التراجع والقول بأنه كان مجرد كذبة، لكن، لا… هذا لن يكون صحيحًا، لذا صرفت النظر عن الفكرة.
”…لقد كان ذلك منذ زمن بعيد جدًا. بالكاد أذكره الآن.”
أنت تدرك أنني حين أقول “زمن بعيد” فأنا أعني ذلك حقًا، أليس كذلك؟
كنت أحاول التأكيد على أن الكثير من الوقت قد مر، لكن بدا أن كلماتي لم تُحدث الأثر المطلوب.
دانتي لم يكن مصدومًا فقط من حقيقة أنني مررت بمثل هذا الأمر، بل ومن كوني لم أخبره عنه قط.
وكأنه قرر استغلال الفرصة ليستجوبني عن كل شيء، بدأ يسألني بأسئلة متتالية، ووجهه يزداد شحوبًا قليلًا.
“وهل كان هناك شيء آخر؟”
“ماذا؟”
“غير سقوطك من الدَّرَج، هل تعرضت لإصابات خطيرة أخرى؟”
لقد تعرضت للكثير من الإصابات الخطيرة.
هل تظن أنني مررت بكل هذه التجارب القريبة من الموت دون سبب؟
لكن بما أنني كنت أتجنب الحديث عن ذلك عمدًا، لم يكن لدي نية للبدء الآن.
حتى لو أخبرته بجزء بسيط، فسوف يحزنه الأمر كثيرًا، وحزنه سيتحول في النهاية إلى حماية مفرطة، وأنا بالكاد أتحمل ذلك كما هو الآن.
ولو قلت إنني نسيت تلك الحوادث بمرور الوقت، فسوف يطلب مني أن أخبره بما أتذكره على الأقل.
لذلك، كان من الأفضل ألا أقول شيئًا على الإطلاق.
ويبدو أن صمتي جعله يدرك شيئًا ما، إذ تمتم بصوت منخفض وكأنه يتحدّث لنفسه.
“الآن وقد فكرت في الأمر، لطالما كنت أعرف عن حالتك الصحية، لكنني لم أسمع منك أبدًا كيف اكتشفت ذلك.”
”…لقد كان مجرد شيء أدركته أثناء العيش، لا أكثر.”
“وهذا هو ما لم تشرحيه لي أبدًا، كيف ‘أدركته أثناء العيش’؟”
يا له من شخص حاد الملاحظة بشكل غير ضروري…
تمتمت بذلك في داخلي، وأدركت فجأة أنه إذا استمر الوضع هكذا، فسوف ينتهي بي المطاف بالإفصاح عن كل شيء من ماضيّ.
الأمر ليس مجرد ذكر عابر لأحداث قديمة، بل إنه يصر على استخراجها مني، أليس هذا أشبه بالتحقيق؟
“لم أعد أتعرض لإصابات خطيرة كما في السابق، لذا لا بأس، أليس كذلك؟”
شعرت بالاستياء من كوني في موقف المستجوَب، فتحدثت بامتعاض.
ثم لوّحت بذراعي التي كان يمسك بها بخفة، فشعرت أن قبضته قد ضعفت قليلًا.
“ولماذا أنت واثق من أن ذلك لن يحدث مرة أخرى؟”
“لأنك معي الآن.”
”…….”
اختفى صوته في لحظة.
وفي الوقت نفسه، تأكدت من أن ذراعي قد تحررت تمامًا، فارتسمت على شفتي ابتسامة خفيفة.
“أتراني سأسمح لكِ بأن تتأذى؟”
”……لا.”
“أجل إذن، لا داعي للقلق.”
حين نطقت بذلك، أدركت أنني في النهاية أُسلّم مصيري بين يدي دانتي تمامًا، لكن لم يكن في كلامي خطأ، لذا لم أكترث.
بل الواقع أنني تجاوزت مرحلة الاعتماد عليه، وبات الأمر أقرب إلى الاتكاء الكامل.
أما دانتي، فقد محا من وجهه ذلك الاضطراب الذي كان واضحًا قبل لحظات، ثم بدأ يعبث بأذنه التي احمرّت قليلًا.
“يبدو أنك تجاوزت الأمر بخفة غريبة.”
“هذا مجرد وهم لديك.”
“حسنًا. سأعتبره وهمًا، كما تقولين.”
لكن بدا أنه لن يستسلم بسهولة، وكأن هناك أمرًا واحدًا لا يمكنه التنازل عنه. فسألني مرة أخرى:
“إذن، كيف سقطتِ عن الدَّرَج؟”
“أم…”
كيف سقطت حقًا؟
في الأساس، لم تكن تلك المرة الوحيدة التي سقطت فيها.
هل كان أول شخص دفعني ليسأل إن كنت سأعود إلى الحياة حتى لو متُّ؟
أم أنني كنت متورطة في شجار وانتهى بي الأمر بالتدحرج بلا قصد؟
في كلتا الحالتين، لم يكن هناك ما يستحق أن أخبر دانتي به.
“الآن وقد فكرت في الأمر… هناك وسادة واحدة فقط على السرير. ضيق السرير ليس المشكلة بحد ذاته، لكن لا بد أن يكون هناك وسادة أخرى على الأقل. سأخرج للبحث عن واحدة.”
“ألهذا الحد ترفضين إخباري؟”
“إن لم أجدها في المنزل، فسيتعين علي شراء واحدة اليوم، لذا عليّ أن أسرع ابقَ هنا، دانتي.”
وما إن أنهيت كلماتي حتى نهضت بسرعة وخرجت من الغرفة، وكأنني سجين يهرب من زنزانته.
وعبر الباب الذي كاد يغلق خلفي، خُيّل إلي أنني سمعت صوت ضحكة خافتة صادرة عن دانتي.
***
D13.
بقي دانتي وحيدًا في الغرفة، يتأمل بهدوء المشهد الغريب من حوله.
حين أتى إلى هذا المكان لأول مرة، كان منشغلًا بأمر “إي” لدرجة أنه لم يتمكن من التمعن جيدًا فيما يحيط به أما الآن، بعد أن غادرت “إي”، بدأت تفاصيل المكان تتسلل إلى نظره شيئًا فشيئًا.
الغرفة، التي تعكس بوضوح أنها تنتمي إلى بُعد آخر، كانت تعجُّ بأشياء لا يمكنه فهم الغرض منها حتى تلك التي تحمل أشكالًا مألوفة كانت مصنوعة من مواد مجهولة عليه تمامًا.
وكأنه زائر في متحف، راح يتأمل الأشياء التي لمستها يد “إي”، متيقنًا أن لديها الكثير لتعلمه إياه.
مجرد النظر إلى هذه الغرفة كان كافيًا ليدرك أن الحضارة في هذا العالم أكثر تطورًا من تلك التي جاء منها كان الأمر أشبه بتجسيد حيّ لمستقبل بعيد لم يكن قد تخيله من قبل، لكن معرفة كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد لم يكن شيئًا يستطيع استنتاجه بمجرد النظر.
أما هو، القادم من حضارة قديمة، فسيكون عليه أن يبدأ رحلته في التعلم من الأساسيات، خطوة بخطوة.
لكن فكرة أن عليه أن يتعلم الكثير، وربما سيظل هناك دائمًا ما يعجز عن فهمه، لم تكن تزعجه.
لم يكن دانتي من النوع الذي يكره التعلم، بل إن اكتشافه لهذا العالم الجديد كان يعني أنه سيتمكن من معرفة “إي” أكثر، وهذا وحده كان كافيًا ليجعله راغبًا في ذلك.
لكن ما أقلقه فعلًا هو أن ينتهي الأمر بـ”إي” مرهقة، وهي تشرح له كل شيء، من القواعد الأساسية لهذا العالم، إلى استخدام أبسط الأشياء.
رغم هذا الوضع، لم يكن يريد أن يكون مجرد عبء عليها في البداية، كان يظن أنه لن يتمكن من الابتعاد عنها لحظة، لأن كل شيء هنا غريب تمامًا عليه، لكنه أدرك أن عليه الاعتماد على نفسه قدر الإمكان حتى لا يرهقها بلا داعٍ.
وبينما كان غارقًا في التفكير في كيفية التأقلم مع هذا العالم، وجد نفسه، دون أن يدرك، يمد يده ليلمس أحد الأشياء التي كان يراقبها منذ قليل.
كان ذلك قلمًا، من النوع الذي يبرز سنّه بضغطة خفيفة، ويحمل آثار الاستخدام المتكرر، دليلًا على أن “إي” كانت تستعمله كثيرًا.
“هل كنتِ تجلسين هنا، تكتبين وتمحين، مرارًا وتكرارًا؟”
“هل كان هذا القلم من الأشياء التي تحبينها؟ فهو يبدو أكثر اهتراءً مقارنة بغيره.”
ذلك الشعور الغريب بكونه عالقًا في بُعد مجهول تلاشى تدريجيًا، ليحل محله شعور بالفرح في استكشاف آثار من يحب.
دون أن يشعر، راح يعبث بأشياء أخرى، إلى أن أدرك فجأة أنه ليس سوى طفل صغير يلعب في مختبر علمي، فقرر التوقف على الفور.
لكن، حتى لو عبث بشيء وأفسده، هل كانت “إي” ستغضب منه حقًا؟ على الأرجح، كانت ستكتفي بإطلاق تنهيدة خفيفة ثم تسأله إن كان قد أصيب بشيء.
وربما، فقط ربما، كانت ستعبر عن استيائها قائلة:
“لماذا أنا الوحيدة التي تتعرض للتوبيخ دائمًا رغم أنك متهور أيضًا؟”
”…….”
كما تخيل منذ لحظات، كانت “إي” دائمًا هي الطرف الذي يتعرض للتوبيخ عندما يتعلق الأمر بإصابتها كان دانتي يقلق عليها، بينما هي تراقب تعابير وجهه وتحاول طمأنته بوعد جديد بأنها لن تتأذى مجددًا.
يتكرر هذا المشهد مرارًا، وكأنهما عالقان في دائرة لا تنتهي.
ربما كانت تظن أن وعودها المتكررة التي لم تلتزم بها قد أفقدته ثقته بها، لكنها لم تكن تدرك أن دانتي كان يفكر بطريقة مختلفة قليلًا.
على سبيل المثال، كان يجد الأمر غريبًا أن تراقب تعابير وجهه بهذا الشكل.
فـ”إي” لم تكن تعتبر الإصابات شيئًا مهمًا على الإطلاق لم تكن تشكو من ألم، بل حتى لم تلحظ جروحها أحيانًا إلا بعد أن يشير إليها أحدهم، فتتأملها وكأنها تراها لأول مرة.
وفوق ذلك، كانت بطبيعتها شخصًا غير مكترث، فإن لم يكن الشخص الذي يقلق عليها داخل دائرتها الخاصة، فهي لن تفكر في الأمر أبدًا بل حتى من هم داخل دائرتها لم يكن قلقهم ذا تأثير يُذكر عليها أحيانًا.
لكن رغم كل ذلك، عندما يتعلق الأمر بدانتي، فإنها في كل مرة تتعرض للأذى تعده بأنها ستكون أكثر حذرًا في المستقبل.
لأن من يقلق عليها هو.
لأن الألم لا يعني لها شيئًا، لكن مشاعر دانتي تعني.
هناك لحظات يدرك فيها الإنسان، دون كلمات أو تصرفات مباشرة، مدى أهميته لدى شخص آخر.
أما بالنسبة لدانتي، فكانت تلك اللحظات عندما يرى “إي” تراقب تعابير وجهه.
وفي كل مرة يحدث ذلك، كان القلق يتداخل مع إحساس متناقض يتصاعد بداخله.
ولو أراد وصفه بكلمة، فسيكون الامتلاء.
الرضا بمعرفة أنها تحمله دائمًا في زاوية من ذهنها.
أنهما أصبحا شخصين يتبادلان القلق على بعضهما البعض بشكل طبيعي، دون الحاجة إلى تفسير أو تبرير.
لكن، إي…
أريدكِ أن تحبيني أكثر مما تفعلين الآن.
في الغرفة التي ما زال وحده فيها، همس دانتي بصوت بالكاد يُسمع:
“أريدكِ ألا تكتفي بالشعور بأنني الشخص الوحيد، بل أن تخبريني أنكِ لا تستطيعين العيش بدوني.”
“لو أنكِ وصلتِ إلى ذلك الحد…”
“عندها، قد تختارينني أنا، بدلًا من هذا البُعد.”
ربما، رغم كل الألم الطويل الذي عايشته، ستختار أن تحيا معه حياة أبدية مرة أخرى.
يا له من تمني أناني.
اختفى الشعور بالبهجة في تأمله لما يحيط به.
وقبل أن يتعمق أكثر في أفكاره، أعاد دانتي كل شيء إلى مكانه، كما لو أنه لم يلمس شيئًا، وكأنه لم يفكر في أي شيء.
إخفاء الرغبة تحت ستار المحبة كان دومًا أسهل ما يمكنه فعله.
• نهـاية الفصل •
يتبع •••
حسـابي انستـا [ I.n.w.4@ ].