My Beloved, Whom I Desire to Kill - 3
تفحَّصَت “جيزيل” القائِمةَ بعَنادٍ حتَّى آخرِ الأسماءِ الخاصَّةِ بالناجين، على الرَّغمِ من عِلمِها بأنَّ تلك كانت محاولَةً عبثيَّة. كم مرَّةً أَعَادَت قراءَتَها من البداية؟
“ها هو!”
وفي مكانٍ ما في المقصفِ، انطلقت هتافاتٌ متقطِّعةٌ من الأطفالِ الذينَ عَثَروا على الأسماءِ التي كانوا يبحثونَ عنها.
أخيرًا، توقَّفَت “جيزيل” عندَ آخرِ اسمٍ، وهي تشعرُ أنَّ أفعالَها العبثيَّةِ لم تَكُن سوى حماقة. سَأَلَتْها “أيلينا” بحذرٍ:
“…أليس هناك؟”
لم يَكُن اسمُهُ مَوجودًا. و لا اليوم أَيضًا.
قائِمةُ الأَسرى الذين سَيتم إعادتهم من قسطنطينية لم تَتَضمن اسمَ السَّيدِ الذي طالَمَا انتَظرَتهُ.
مرَّت أَربعُ سنين مُنذُ أَن أندلعت الحرب مرَّةً أُخرى بعدَ توقُّفٍ قصيرٍ، و في تِلكَ الفترة، أستقبلها دوق أكليستون و أَخذَها تحتَ جَناحيهِ. تَركها في هذِهِ المدرسة الدّاخليّة و عادَ إِلى ساحة المعركة.
“جيزيل، اجتهدي في دِراستِكِ هُنا و انتَظِريني. أَعِدُكِ أَنني سَأَعودُ لأَخذِكِ مَعي.”
كانت جيزيل، عازِمةً على الإيفاءِ بِالوَعدِ الذي قَطعتهُ لِسيِّدها، لا تفوِّتُ حصةً دراسيةً، مهما حَدث.
إِلا مرةً واحِدةً. في أَولِ مرة تَغيبت فيها عنِ الدّراسة في ثلاثِ سنين في المدرسة، كانَ ذلِكَ في يومٍ سَمِعت فِيهِ أَن الدوق قد تَمَّ أَسرُهُ على يَدِ العدُوِّ خِلالَ مهمّة.
“آه…”
بينما تنهدت جيزيل و انهارت على كُرسيها، نظرت إِيلينا حولها. كانت نَظراتُ فتَياتِ المدرسة، اللَّاتي تَجمعنَ في جماعَاتٍ حاملات جرائِدهِنَّ.
من بَينِهنَّ، اللَّاتي زادت قُدرتُهُنَّ على الاِزدِراءِ بـجيزيل مُنذُ أن أصبحت سَلاَمة الدوق مهددة، بِبِساماتٍ لا تَفارِقُ وجوههُنَّ.
تِلكَ المخلوقات المثيرة للشفقة التي لا تَجِدُ فَرحًا إِلا في حُزنِ آلاخرين.
في اللَّحظَة التي حَصلنَ فيها على جرائِدِهنَّ، لم يَفتهُنَّ فحصُ اسمِ “إكليستون” قبلَ فحصِ أَسماءِ أفراد أُسرِهِنَّ.
ما أَعظمَ راحَتهُنَّ عندما لم يَجِدنَ اسمَهُ هُناك. تلكَ اللحظة كانت منتظرة بالنسبة لهن، و هُنَّ يشاهدنَّ جيزيل في يأسِها.
و بالفِعل، عندما أَشارَت زَعيمَةُ المجموعة بِذقنِها نَحوَ جيزيل، بَدأ الجُنودُ في التحَرُّك.
“أنهُنَّ قادِماتٌ.”
هَمسَت إِيلينا تحذيرًا، صوتُها عَاليٌ بما يكفي لتسمعه جيزيل التي كانت لا تزال في حَالةٍ مِن الذهول، لِتَسمَعها.
“بِأسلوبٍ راقٍ، و بِرؤيَةٍ هادِئةٍ.”
كانَ هذا الشعار الذي يردّدنه كعقيدة عسكرية في هذه المدرسة التي كانت تبدو كأرض معركة، حيث يُعاملن بعضهن كأعداء.
كانت الكلمات تحمل قوة. في اللحظة التي صدرت فيها الأوامر، مسحت جيزيل خيبة الأمل عن وجهها وابتسمت، فأصبحت تجسد للرقة والهدوء.
“بيشوب.”
اقتربت الفتيات منها وكأنهن يحيطن بها، كدرعٍ واقٍ حول جيزيل.
“ماذا ستفعلين الآن؟”
“أتمنى حقًا ألا تنتهي بك الحال في الشوارع مرة أخرى.”
“فتاة من فولرتون تصبح متشردة؟ يا للأسف.”
“أوه، هذا لا يمكن أن يحدث. إذا كنتِ بحاجة إلى مساعدة، لا تترددي في إخباري. هناك الكثير من الفلاحين في أملاك عائلتي الريفية يبحثون عن زوجات لرعاية الأبقار وحرث الأرض.”
على الرغم من الإيحاء الساخر بأنها ستعود إلى وضعها المنخفض كفلاحة تعتني بالأبقار وتحرث الأرض، ابتسمت جيزيل بأناقة و رُقيًّ وسألت:
“هل لا يزال لعائلتكِ أي أراضٍ؟”
تَصلبَ وجهُ الفتاة التي كانت تَضحكُ على جيزيل ، كالحجَرِ الصُّلدِ.
“بِالطبعِ، نَحنُ…”
“حَقًّا؟ هذا غَريبٌ، فقد سَمِعتُ شيئًا مُختلِفًا تمامًّا.”
“ماذا تَعنين؟”
“سَمِعتُ أَنَّ جَميعَ أَرَاضي عائِلتُكِ قد أستولت عليها البُنوكُ بِسببِ دُيونِ أَخِيك في القَمارِ. كُنتُ قلِقةً حقًّا.”
لم ينسَ الوصيُّ على جيزيل، عِندما أرسلها إلى هذهِ المدرسة التي تشبه ساحة المعركة، أن يزوّدها بالأسلحة.
بطاقة عمل محامٍ.
بالنسبة للطبقة الراقية، كانَ المحامي يشبه منفّذ أوامر العصابة.
عِندما يُقلل أحَدُ المعلمين من شأنها علنًا، كانت جيزيل تتصل بالرقم الموجود على البطاقة. و بَعدَ زيارة المحامي، يتغير سُلوك و موقف المعلم بمقدار 180 درجة.
و عنِدما كانت تَكتُبُ أسماء الطُّلاب الذينَ تنمروا عليها، كانَ المحامي يحقق في الأمر و يَجمع نِقاطَ ضَعفِهم.
“كيفَ تَجرؤين على توجيه مثل هذِهِ الاتهامات السخيفة!؟”
و لكِنها على ما يبدو لم تَكُن كذِبةً، فالفتاةُ التي بَدَت مُرتاعَةً و خائفة مِن أَن تُكشف و تُنبذ من قِبلِ جماعتِها، بدأت تنفي الادعاء بشكل يائس.
“لا، لا! بيشوب تكذب!”
و لكِنَّ “صديقاتها” كانوا قد بَدَأُوا بالفعل في تَبادلِ النَّظَرات المتوترة. فتاةٌ ظَنَّت أَنها قد حَشرَت جيزيل في الزّاوية، و إِذا بِهَا تَجِدُ نفسها محاصرة في فَخٍّ. كانت مُقاوَمتُها اليائِسةُ و العقيمة تَبدو مثيرة للشفقة.
“كذب؟ و آلان هذهِ تُهمةٌ حقًّا. أنا لم أفعل سِوَى تَكرَارِ ما سَمِعتُهُ. و لكِن، على كُلٍّ، أَنا سعيدةِ أَنهَا لم تَكُن إِلا إشَاعة.”
“ليسَ بِمعنى (إنّها شَائِعة) بَل (إِن كانت فِعلًا شَائِعة).”
لم تَكتفِ جيزيل بالمراوغة بِخبثٍ، مُدَّعيةً أنّها فقط تَكررُ ما سَمِعته، بَل تَرَكت مجالًا لِلشكِ يسري في الهواء.
الفتاة، التي وَجَدت نفسها صامِتةً و مُرتجِفةً و عاجِزةً عن الرَّدِّ، شهِدت وقتئِذٍ جيزيل تُسدِي إليها كُلَّ إِهانةٍ تَلَقتها سابِقًا.
“و لكِن، إِنِ اتضَحَ أَنَّ الأَمرَ ليسَ أشاعَةً فحَسب، و وَجدتِ نفسَكِ في الشّوارع حقًّا، فلَا تَتَرددي في البَحثِ عَنِّي. لأنني لن أَتَحملَ أَن أَرَى فتاةً من فوليرتون تصبح مُتَشردةً. أَليسَ كذلِكَ؟”
و لِتَضفي على الموقف قسوةً أكبر، أَسدَتْ جيزيل ضربَتَها القاضية.
“و لكِن قد أَنسَاكِ حينَها، لذا أَعطي هذهِ لِخادِمي عِندما تَبحثين عني.”
أَخرَجت جيزيل قلمًا حِبريًّا فاخرًا من حقيبتِها، و كتبت شَيْئًا على طرَفِ الصّحيفة، ثُمَّ مَزَّقتها و قدمتها للفتاة.
“أَنا كريمَةٌ، لذا سأوفر لَكِ و ظيفةً لِتنظيفِ المراحيض.”
ما كتَبَتهُ على الصّحيفة كانَ عَقدًا يَتعهدُ بِتوظيفِ الفتاة كخادِمَةٍ لدَيها.
تَعمدت جيزيل كِتابة اسمِ الفتاة بشكل خاطئ. إِهانَةٌ دقيقةٌ تُلمِحُ إِلى أنّها تَفاهةٌ لا تَستَحِقُّ حتّى عناء التعرُّف على اسمِها بِشكلٍ صحيحٍ.
بِالطبعِ، لم تَأخذ الفتاة الورقة، و خرجت غاضِبةً. و وجهُها المُتورِّدُ بالخِزيِ كانَ يُشبِهُ طماطِمَ ناضِجةً على وشكِّ الاِنفِجارِ
“هَل هذا كُلُّ ما كان يتطلبه الأمر؟ يا لضَعفِها.”
ضحكت إِيلينا بِسخريةٍ و هيَ تُشاهِدُ ظُهورَ الفتيات المهزومات و هن يبتعدن.
“الأَزهَارُ التي نُشِئت فِي دَفيئةٍ زُّجاجيةٍ تَذبُلُ عِندَ أَبسطِ نَسيمٍ.”
“واو، بدا ذلكَ أَنيقًا جِدًّا، كالأميرة.”
كانت الكلِماتُ التي نَطقت بِها مُزَينةً بِالأَناقة، لكِن تِلكَ التي تملَأُ قلبها كانت شَيئًا آخرَ تَمامًا.
فَما أَرادَتهُ حَقًّا كانَ أَن تَصرُخَ بِأَقبحِ الإِهاناتِ، و تَشُدَّ شُعورَهُنَّ لِتغمِسهُنَّ في المرحاض.
لكِن، لو تصرّفت كطِفلةٍ هائِجةٍ، لَكانت أَصابِعُ اللَّومِ تَتَّجِهُ بِلا شَكٍّ نَحوَ سيِّدِها، الذي أَولاها رِعايَتهُ.
“بِرِقةٍ، و بِاتزانٍ.”
كانت هذهِ القاعدة التي تَحافظُ عليها من أَجلِ سَيدِها.
هذهِ المرّة، رفعت شوكتها و سِكينها بِأَناقةٍ، لكِن وتيرة دخول الطّعام إِلى فمِها كانت بَطيئةٍ جِدًّا لِشخصٍ يحاوِلُ الظُّهور بِمظهر أنيق.
أَخيرًا، كانت الحرب الطّويلة تَصِلُ إِلى نِهايتهَا. كانت الدولتان تَتَفاوضان حَولَ اتِّفاق لِوقفِ إِطلاق النّار و إعادةِ الأسرى.
و قد بَدأَت ثَمارُ تِلكَ المفَاوضات تَظهرُ في قوائِمِ الأسرى التي تَمَّ إِرسالُها من قسطنطينة، و التي تَمَّ نَشرُها في صُحُفِ الصّباح و المساء خلال الثلاث أَيامٍ المَاضيةٍ.
بالنسبة لجيزيل، التي أَمضَتِ الأَعوامَ الأربعةَ الماضيةَ تَبحث في قوائِمِ القتلى في الصُّحُفِ، كانَ ذلكَ خبرًا جَيدًا و سَيئًا في آنٍ واحِدٍ.
“اِسمُ سيِّدي لا يَظهرُ هُنا!”
ما كانَ يَبعثُ في قلبها الراحة في السابِق تَحوَّلَ الآنَ إِلَى مصدرًا لليأس.
“اِسمُ سيِّدي لا يَظهرُ هُنا أيضًا…”
اِسمُ الرجُل الذي أعطاها اسمها الجديد لَيس في قائمة الناجين. مَصيرُ مُنقذها، الذي مَنحَها حياةً جَديدةً، لا يزال مجهولًا.
كانَ الشَّعورُ و كأَنها تَمضغُ تُرابًا. وقفت جيزيل، غير قادرة حتّى على إنها نِصف طبقِها.
“بِما أَنَّ الدوق شخصيّةٌ ذَاتُ نُفُوذٍ، فإِنهُ سَيظهرُ في القائمة النهَائِية لا مَحَالة!”
و بَينما كانوا يَجتازونَ الحديقة في طريقِهِم إلى الفصْل الدّراسيّ، شجعت إِيلينا جيزيل.
“أَلا تَظُنينَ أَنَّ فرَضيَّتي التي تقولُ إِنهُ لم يُفرَّج عَنهُ بَعدُ لأَنهُم يَستخدِمونَهُ كورَقةِ تَفاوضٍ في قسطنطينة بَدأَت تَصبِحُ مَعقولةً و منطقيّة؟”
بِدونِ تَردُّدٍ، أَومَأَت جيزيل بِرَأسِها.
كانت عائِلةُ الدوق إِكيلستون، التي كانت ذاتَ يَومٍ العائِلةَ الحاكِمةَ، لا تَزالُ تَمتلِكُ تاريخًا عَريقًا و سُمعةً مَرموقةً لِدرجةٍ أَنهُم يُعامَلون بِنفسِ التَّقديرِ داخِلَ البِلادِ و خارِجَها.
قائِدٌ عَسكريٌّ مَوهوبٌ كانَ يَفخَرُ بِإِنجازاتهِ البارِزةِ لِدرَجةٍ أَنهُ بَينما كانَ زُمَلاؤُهُ في الأكاديميَّة العسكريَّة بِالكادِ يَبدأُونَ في الحُصولِ على رُتبةِ نَقيبٍ، كانَ هوَ قد حَصلَ مُنذُ فَترةٍ طَويلةٍ على رُتبَةِ رائِدٍ.
و حتّى من وجهةِ نَظرٍ مَوضوعيةٍ، دونَ السمَاحِ لأَيِّ تَحيُّزٍ شخصيٍّ أَو تأويلٍ بالتسلل، كانت كلِماتُ إِيلينا منطِقيةً تَمامًا.
بِالطبعِ، هذا يَفترِضُ أَنهُ ما زَالَ على قَيدِ الحَياة.
“أَنا جادَّةٌ في بالتَّفكيرِ في التخصُّصِ في السّياسة أَو الدّبلوماسيّة.”
“إِلى رَئيسةِ الوزَراءِ المُستقبَليةِ، أَبعَثُ هذهِ التحيَّاتِ من هذهِ الفلاحَةِ الْمُستقبَليةِ. من فَضلِكِ لا تَنسي أَنني كُنتُ أُوقِظُكِ كُلَّ صباحٍ و أَقرِضُكِ مُلاحَظاتي خِلالَ فَتراتِ الامتحانات.”
“مُستَحيل.”
“لا دَماء وَلا دُمُوع، وُلدتِ لتكوني رئيسة وزراء.”
“لا!، أنا لا أَعني ذَلك. أَنا أَقُولُ لَكِ إِنَّكِ لن تصبحي فلاحةً أَبدًا. لا تقلقي، جيزيل.”
رَغمَ أَنَّ جيزيل ظَلَّت صامِدةً خِلالَ فَترة الحرب، إِلا أَنها في هذهِ اللَّحظات، و مَعَ اقتِرابِ الحرب من نِهايَتها، بَدأَت تتَساقطُ قوَّتُها و بدأ عزمها يتردد.
حتّى إِنها ذَهبت إِلى حَدِّ وَصفِ نَفسِها بــ”القَروية”، مُستَخدِمةً الكلِماتِ القاسيةَ التي أَلقَاها عليها مَجموعةٌ لئيمةٌ في السابِق لِإِيذائِها.
كان الجميع يعلم أنه حتى وإن سقطَ الدوق في المعركة، فلن تُصبحَ جيزيل فلاحة. فبعدَ كُلِّ شيء، كانت هُناك شائعاتٌ واسعةٌ الانتشار تفيدُ بأنه قامَ بتعديلِ وصيته على عجلٍ قبل ذهابهِ إلى الحرب.
لن يتركَ ثروةَ عائلةِ الدوق بأكملِها لشخصٍ غيرِ مرتبطٍ بالدمِ، لكنهم يقولونَ إنَّ المبلغَ يكفيها لتعيشَ في رفاهيةٍ طوالَ حياتها.
كانت جيزيل تعلمُ ذلك أيضًا، ومعَ ذلك كانت تؤمنُ أنه إذا ماتَ الدّوق، فستصبحُ فلاحةً. إنها طفلةٌ تعتقدُ أنَّ سيّدها هو كلُّ ما تملكهُ.
Insta: evxevil1