رجال الحريم - 72
هل يمكن للقناع أن يصنع وجهًا مزيفًا واحدًا فقط؟.
كانت لاتيل ترتدي القناع وتنزعه مرارًا وتكرارًا، محاولة اكتشاف كيفية استخدامه بالشكل الصحيح.
“لا فائدة.”
لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، لم تكن تعرف إن كان هناك وظائف أخرى للقناع، لكنها لم تتمكن من التفكير في استخدام آخر في الوقت الحالي.
‘لا بأس، يكفي أن يكون مفيدًا بهذا القدر الآن.’
شعرت لاتيل بخيبة أمل للحظة، لكنها سرعان ما هزّت رأسها وطردت تلك الأفكار.
كان لهذا القناع فائدة عظيمة، وهو ما جعل الأعداء يسعون جاهدين للحصول عليه.
أن تشعر بخيبة أمل لعدم وجود فائدة أكبر منه فورًا كان تصرفًا جشعًا.
في تلك اللحظة، سمعت ضجة عالية وصاخبة تأتي من خارج النافذة، أصوات الناس كانت تعلو وتختلط ببعضها البعض مع وقع الأقدام وأصوات الحديث.
وضعت لاتيل القناع على وجهها واقتربت من النافذة، تحسبًا لأي طارئ.
عندما أبعدت الستائر، رأت مجموعة من الجنود يتجولون بشكل فوضوي، يتفقدون وجوه المارة.
كانوا يتركون الأشخاص المتعاونين بعد التحقق من وجوههم، لكن من رفض كان يُعامل بخشونة ويُمسك بالقوة.
‘إنهم يبحثون عن الفارس وعنّي.’
أدركت لاتيل فورًا السبب وراء تصرف الجنود بهذا الشكل، كان من الواضح أن ريان أصدر أوامره بعد أن سمع بعودتها، لم تفكر للحظة أن الإمبراطورة المزيفة قد أصدرت هذه الأوامر، فقد كانت هءا المزيفة بالتأكيد أحد اتباع ريان.
‘أتمنى أن يكون السير سونوت قد خرج بأمان.’
أثناء مراقبتها، شعر أحد الجنود بنظراتها ورفع رأسه لينظر نحوها، تلاقت أعينهما، لكنها لم تحاول تفادي نظرته، بل استمرت في التحديق بثبات.
اعتقد الجندي على الأرجح أنها مجرد متفرجة، فأنزل رأسه بسرعة وعاد إلى التحقق من وجوه المارة بنفس الطريقة السابقة.
أسدلت لاتيل الستائر وعادت إلى الغرفة لتجلس على السرير.
‘لن يكون من السهل لقاء ريان، إذن كيف أستطيع التسلل إلى القصر؟’
هل يمكن أن تلتقي به سرًّا بعد التسلل إلى القصر؟
‘مرفوض، سيُكشف أمري بلا شك.’
لم يكن التسلل والخروج سرًّا أمرًا صعبًا عليها، كانت تعرف تمامًا مداخل القصر المعلوم منها والخفي أيضًا ومواعيد تبديل الحراس.
لكن المشكلة كانت في كيفية مقابلة ريان، حتى لو كان مجرد أمير، فإن لقاءه لم يكن بالأمر السهل، فما بالك الآن وقد ارتكب خيانة سرية تهزّ البلاد؟.
كما أن ريان، بصفته الأخ الشقيق الوحيد لها، كان يعرف جيدًا أن لاتيل ليست ذات طبيعة طيبة، لن ترحمه، لذا، من المؤكد أنه أحاط نفسه بالحراس من كل جانب.
‘ماذا لو تنكرت في هيئة تاجرة؟’
يتردد التجار على القصر يوميًا، حيث يحتاج القصر إلى كميات كبيرة من الطعام واللوازم الأساسية، إن استطاعت التنكر في هيئة تاجر…
‘لكن أخي سيعرف.’
هزّت لاتيل رأسها مجددًا وتخلّت عن فكرة التنكر في هيئة تاجرة، كان هذا الخيار مكشوف للغاية.
‘يجب أن أبدو عادية قدر الإمكان، يجب ألا أثير أي انتباه.’
أدركت أن التجول بوجهها المزيف قد يكون كافيًا لتجنب لفت الأنظار…
‘آه!’
أخيرًا، خطرت لها فكرة ذكية.
‘سأتسلل كخادمة.’
***
كانت لاتيل تعرف تمامًا متى وكيف يتم تعيين الخادمات في القصر، وما الأمور التي تُؤخذ في الاعتبار عند اختيارهن.
بما أن الراتب جيد وظروف العمل مريحة، كان هناك الكثيرون ممن يرغبون في العمل بالقصر، لكن، في المقابل، كان هناك من يستقيلون بسرعة لأسباب متعددة، رغم رغبتهم السابقة في العمل هناك.
الأسباب كانت متنوعة: التعرض لغضب أحد ذوي النفوذ، اكتشاف أن العمل أصعب مما توقعوا، العيش وسط النبلاء والعائلة الإمبراطورية والاضطرار إلى الحذر منهم، أو ربما رؤية ما لا يجب أن يُرى، أو الاصطفاف في الجانب الخاطئ من النزاعات.
بسبب هذه الأسباب، كان يتم تعيين خدم جدد كل ثلاثة أشهر، وقد علمت لاتيل أن موعد التعيين الجديد كان وشيكًا.
بمجرد أن اتخذت قرارها، بدأت لاتيل الاستعداد لاختراق القصر في هيئة خادمة خلال فترة وجيزة.
أعدّت سيرة ذاتية تحتوي على ما يرضي مدير التوظيف في القصر، ثم تجولت في الأماكن العامة وكونت بعض “المعارف” الذين يمكنهم دعم قصتها.
أما بطاقتها الشخصية، فلم تكن بحاجة إلى تزويرها، إذ كانت لديها بالفعل عدة بطاقات شخصية تم إعدادها سابقًا لمثل هذه الحالات، كان عليها فقط اختيار البطاقة المناسبة.
كما هو متوقع، اجتازت لاتيل مرحلة التدقيق الأولية، وتلقت إخطارًا بنجاحها مع طلب الحضور لإجراء مقابلة بعد يومين.
عندما أصبحت جميع الاستعدادات جاهزة، ارتدت ملابس بسيطة ونظيفة لتبدو عادية قدر الإمكان، ثم توجهت إلى القصر حيث تُجرى المقابلات عند بوابته الخارجية.
***
“ماذا عن الساحرة؟”
سألت الإمبراطورة، فردّ الفارس بصوت صارم:
“لم نعثر عليها بعد.”
رفعت الإمبراطورة حاجبيها وغمغمت.
“حقًا؟ يبدو أنها هربت بسرعة أكبر مما توقعت.”
“لقد اعتاد السحرة السوداء على العيش في الخفاء طوال الوقت.”
‘بالطبع، من اعتاد العيش في الخفاء يعرف كيف يهرب جيدًا.’
لكن الحقيقة أنهم لم يكونوا يبحثون عن ساحرة، بل عن “الإمبراطورة الحقيقي”، تلك التي نشأت برفاهية كزهرة في دفيئة داخل القصر، ابنة الإمبراطور السابق التي تربّت في النعيم.
‘لكن لن تتمكن من الهرب طويلًا.’
كان الجنود في كل مكان، ودولة “تاريوم” كانت قوية، إن سعى خلفها الكثيرون، فلا بد أن يعثروا عليها في النهاية.
“أين السير سونوت؟”
“لقد أرسلنا شخصًا لإحضاره، وأتوقع أن يصل قريبًا.”
“حسنًا، علينا أن نعثر عليه قبل أن يلتقي بالساحرة”
تمتمت “الإمبراطورة الزائفة” شييت وهي تنظر إلى انعكاس وجهها في المرآة بصدق.
“همم؟”
ثم التفتت نحو النافذة عندما سمعت أصواتًا صاخبة تأتي من الخارج، كانت أصوات مليئة بالحيوية والبهجة، ارتفعت تلك الضوضاء فجأة كما لو أن مجموعة من الأشخاص قد تجمعوا، ثم تلاشت وهم يتحركون بعيدًا.
“ما هذه الأصوات؟”
اقتربت شيت من النافذة ونظرت إلى الأسفل، فرأت مجموعة من الخادمات يتحركن معًا وهن يضحكن ويتبادلن الأحاديث.
“يبدو أن هذا بسبب يوم تعيين الموظفين الجدد، عادةً، يكون المكان صاخبًا طوال الأسبوع الأول بعد تعيينهن.”
أمالت شييت رأسها.
“موظفين جدد؟”
“نعم.”
تمتمت شييت بصوت منخفض بينما لا تزال عيناها متعلقتين بالنافذة.
“خادمات…”
سرعان ما ارتسمت ابتسامة على وجهها.
“ربما هي بينهن الان.”
“عفواً؟”
لم تشرح شييت أكثر، بل خرجت من مكتبها دون تردد وتوجهت مباشرة إلى مكان إجراء المقابلات.
***
في ذلك الوقت، وبعد تلقيه أمرًا مباشرًا من لاتيل، كان أحد حراسها الشخصيين قد تحرك دون توقف حتى وصل بسرعة إلى أراضي “ميلوسي”. وتوجه فورًا إلى قلعة اللورد هناك.
“سيدي اللورد، أين السير سونوت؟، جلالتها أصدرت أمرًا عاجلاً.”
لحسن الحظ، لم يصل أي شخص أرسلته “الإمبراطورة الزائفة” إلى هناك، كما لم تنتشر الشائعات في تلك المنطقة بعد.
أحس الحارس ببعض الراحة بسبب ذلك، فبعد لقائه باللورد وتقديم التحية، طلب مقابلة السير سونوت، ولكن، للأسف، لم يكن الرد الذي تلقاه مبشرًا.
“السير سونوت قد غادر بالفعل، ماذا كان الأمر؟ هل هو أمر عاجل جدًا؟”
تفاجأ الحارس الشخصي وفتح عينيه على مصراعيهما، هل غادر السير سونوت المنطقة بالفعل؟، يبدو أن الأمور قد تداخلت.
“متى غادر؟”
“غادر بالأمس.”
أجاب لورد ميلوسي بوجه متجهم من القلق.
“إذا كان الأمر عاجلًا، هل يجب أن أرسل أحدهم للبحث عنه؟، هناك العديد من الطرق المؤدية إلى القلعة، لذا لا يمكنني تخمين وجهته.”
بالأمس، إذا كان قد ركب خيله وسافر طوال اليوم، فمن المحتمل أنه قد ابتعد مسافة كبيرة بالفعل.
“يجب أن أذهب الآن.”
بدأ الحارس يخطو بشكل متوتر، ثم انحنى بسرعة.
“شكرًا لك على المعلومات، يا سيدي، ولكن، الأمر لا يزال جيدًا، أحتاج للعثور على السير سونوت، لذا سأغادر الآن، وداعًا.”
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فسيرتفع احتمال أن يلتقي رجال “الإمبراطورة الزائفة” بالسير سونوت أولًا، كان هذا أمرًا غير مقبول على الإطلاق.
***
عندما دخلت لاتيل إلى قاعة المقابلات، رأت حوالي عشرين شخصًا يتحدثون مع بعضهم البعض همسًا، كان الجميع يرتدون ملابس مرتبة، وشعرهم مُجمع بشكل أنيق دون أي خصلات متدلية.
عندما دخلت لاتيل، التفتت جميع المتقدمات للخدمة نحوها في وقت واحد، لكنهن سرعان ما عدن لمحادثاتهن دون أي تعليقات أخرى.
كان من الواضح أن جميع من وصلن إلى هنا قد اجتازوا المرحلة الأولى من الفحص، لم تكن لديهن فكرة عن عددهن اللواتي سيتم توظيفهن في القصر، لذا من الطبيعي أن يعتبرن بعضهن البعض كخصوم، لذا، بدا وكأنهن يتحدثن فقط مع من يعرفن.
جلست لاتيل دون أن تتحدث، وضعت يديها على فخذيها وانتظرت بهدوء قدوم المقابلة.
بعد قليل، دخل المسؤول مع مساعدَين له إلى غرفة الانتظار، وعندما دخلوا، خفتت أصوات المتقدمات جميعهن في آن واحد.
علمت لاتيل أن المسؤول لن يتعرف عليها، لكنها شعرت بالتوتر وضغطت بأصابع قدميها على الأرض.
كان من الجيد أن المسؤول نظر إلى جميع المتقدمات بتمعن، لكنه لم يوجه نظره نحو لاتيل وفتح فمه ليبدأ الكلام.
“إن العمل في القصر هو شرف عظيم، لكن لتكون في هذا المكان المرموق، تحتاج إلى الاستعداد والموهبة المناسبة.”
“……”
“كل واحدة ستدخل الغرفة الداخلية لإجراء المقابلة، يمكن أن يتم توظيف الجميع، أو قد لا يتم توظيف أحد، لذا لا تفكرن في المتقدمات بجانبكن كخصومات، بل ركزن على إظهار مهاراتكن فقط.”
غادر المسؤول إلى الغرفة الداخلية، وتبعه مساعدوه.
لكن أحد المساعدين لم يتبعهم ودخل عند الباب، حيث واصل مراقبة الوضع داخل الغرفة، وعندما أشار المسؤول، أخرج دفتر ملاحظاته ونادى باسم شخص ما.
“إيما.”
عندها وقفت امرأة ذات شعر أشقر مزين بشكل جميل، تبدو وكأنها ابنة عائلة ثرية، وبدت واثقة وهي تدخل إلى الداخل، ومع ذلك، خرجت بعد أقل من ثلاث دقائق بوجه شاحب.
“ماذا حدث؟، ماذا سألوا؟”
سألت صديقتها التي كانت تتحدث معها باستمرار، لكن إيما كانت تتلعثم ولا تستطيع أن تجيب.
“يقولون إنه لا يمكنهم إخباري، آسفة، من الأفضل أن تذهبي بنفسك.”
لم تكن إيما تتصرف هكذا فقط لتنجح في المقابلة.
ماذا يمكن أن تكون الأسئلة التي تُطرح داخل الغرفة؟، بدأت باقي المتقدمات بالقلق مع تاعبير متجهمة وبدأت يهتزن من التوتر.
بينما لم تشعر لاتيل بالتوتر، لأنها كانت تعرف كيف يتم اختيار المتقدمات من المسؤول، لذا، جلست بلا حراك، تنتظر دورها.
تم استدعاء اسم لاتيل كالتاسعة.
“فانيسا.”
نهضت لاتيل وهي تحاول أن تبدو غير واثقة للغاية أو متوترة للغاية، واقتربت من الباب بسرعة معتدلة.
فتح المساعد الباب دون تردد، وأظهرت لاتيل بعض التوتر بإحكام قبضتيها معًا قبل أن تدخل.
لكن…… كان الأمر غريبًا.
عندما دخلت لاتيل إلى غرفة المقابلة، أدركت أن الوضع مختلف تمامًا عما توقعته.
لم يكن الجالس في المقعد المخصص للمقابلة هو المسؤول، بل كانت الإمبراطورة المزيفة. الإمبراطورة الذي ارتدت ملابس مشابهة لملابس النبلاء.
كان المسؤول جالسًا بجانبها بتعبير غير مرتاح، بينما وقف المساعد في زاوية الغرفة.
بذلت لاتيل قصارى جهدها للسيطرة على عضلات وجهها حتى لا تظهر علامات المفاجأة.
على الرغم من أن الإمبراطورة المزيفة كانت تجلس في المقعد الرئيسي، إلا أنها جاءت متظاهرة ترتدي ملابس نبيلة عادية،، لم يخبرها المسؤول عن هويتها، وكان فقط يجلس بهدوء بجانبها.
هذا يعني أن الإمبراطورة المزيفة كانت تجلس هنا متخفية، دون أن تكشف عن هويتها.
‘لقد توقعت أنني سأتسلل كخادمة.’
أدركت لاتيل أن المزيفة لم تنسخ مجرد المهارات قتالية، بل كان أسلوب تفكيرها مشابهًا لأسلوبها بشكلٍ ملحوظ.
في هذه المرحلة، كانت تريد أن تمسك بأخاها من ياقته وتسأله بجدية من أين جاء بتلك المرأة.
‘وجهها… ليس مجرد شبه، هل يمكن أن تكون هناك أقنعة تغير الوجه مثل تلك التي أملكها؟، كان هناك رقم 3 مكتوب في الخريطة، نعم، قد تكون هناك أقنعة عديدة.’
على أي حال، إذا أظهرت لاتيل رد فعل عند رؤية الإمبراطورة المزيفة هنا، فستدرك أنها ليست المتقدمة الأصلية.
كان عليها أن تكون حذرة، من المحتمل أن يعرف النبلاء وجه الإمبراطورة، لكن من المرجح أن معظم المواطنين العاديين لم يروا الإمبراطورة من قبل.
“تفضلي بالجلوس هنا، فانيسا.”
بينما كانت تفكر في ذلك، أشار المسؤول بعينه إلى الكرسي الصغير على الجانب الآخر من الطاولة.
جلست لاتيل هناك، مبديّةً علامات التوتر تمامًا مثل بقية المتقدمات.
بمجرد أن جلست، أصبح وجه الإمبراطورة المزيفة مرئيًا أمامها، وكانت نظرة الإمبراطورة المزيفة، التي ظلت صامتة طوال الوقت، مثبتة مباشرة على لاتيل.