رجال الحريم - 71
ها أنا أقف هنا، وهناك أيضًا شخص يبدو مثلي تمامًا، نفس الصوت، الوجه، الوضعية، وطريقة الحديث.
والأدهى من ذلك، أن هذا الشخص خرج لتوّه من غرفة نومي، بينما الحراس والخادمات يقفون جميعًا بجانبه، بل إنه يرتدي زيّ الإمبراطورة الرسمي بدقة، في حين أنني ما زلت أرتدي فقط عباءة بسيطة يرتديها النبلاء بعد الخروج.
لم تستطع لاتيل استيعاب ما يحدث، لكن الشيء الأكيد هو…
“من أنتِ؟، وما الذي تفعلينه هنا؟”
كان هناك من يقلّدها، ليس فقط في السلوك بل حتى في الشكل.
تمتمت لاتيل ببرود، بصوت منخفض وبارد، الشخص الواقف أمامها تراجع قليلاً، لكن هذا التردد كان واضحًا فقط للاتيل، أما الخادمات والحراس المحيطون، فقد أحكموا الحماية حول هذه “النسخة المزيفة” من لاتيل، وكأنهم يخشون على سلامتها.
“كريس، إريندل، لويد، كلاو، وجولي”
نطقت لاتيل بأسمائهم بشكل جاف دون الاكتراث بمناصبهم، وهو ما زاد من استيائها.
ارتعشت عيون بعضهم لبرهة عند سماع أسمائهم تنطق بهذه اللهجة، لكنهم سرعان ما استعادوا رباطة جأشهم، وظلوا يحدّقون فيها بحزم.
“أنتم حقًا فقدتم عقولكم.”
سألت لاتيل بنبرة باردة، وكأن كلماتها تنضح بالجليد.
“أين ذهب السير سونوت؟ أين كبير الخدم؟، أحضروهما فورًا.”
ردت المزيفة التي كانت تختبئ خلف الحراس والخادمات على أوامر لاتيل بأوامر مضادة:
“ماذا تنتظرون؟، أسرعوا وامسكوا بها وألقوا بها في السجن!”
بمجرد أن أصدرت النسخة المزيفة أوامرها، سحب اثنان من الحراس سيوفهم من أغمادها، صدرت عن السيوف صوت “سَرَنگ” وهي تُسحب، فدفعت بعض الخادمات المزيفة إلى الخلف، يحاولن منعها من التدخل.
“يجب أن تدخلي إلى الداخل الآن، جلالتكِ.”
“قد تكون مسحورة أو تحمل لعنة، عليكم الابتعاد سريعًا!”
كانت لاتيل على وشك فقدان صوابها، هل جنّ العالم بأسره أثناء ذهابها لجلب القناع من المغارة؟.
أم أن هذا مجرد كابوس؟، كان من الأسهل عليها تصديق أن أناكاشا قامت بانقلاب خلال غيابها، أو أن تالا، الذي عاد إلى الحياة، سيطر على القصر في هذه الفترة القصيرة.
لكن رؤية شخص يشبهها تمامًا يتصرف كأنها هي، بل ويأمر أتباعها بالإمساك بها، كان أمرًا يصعب تصديقه.
“لا، هذا ليس وقت التردد.”
بغض النظر عن غرابة الموقف، لم يكن بوسعها الوقوف مكتوفة الأيدي، ما كان مؤكدًا هو أن الوضع الحالي خطير للغاية.
الفرسان لم يكونوا في حالة تردد بين المزيفة والحقيقية، بل كانوا يعتقدون أن المزيفة هي الحقيقية، وأن الحقيقية مزيفة، كان عليها التحرك قبل أن يشنوا الهجوم.
بمجرد أن اتخذت لاتيل قرارها، سحبت سيفها من غمده.
“أمسكوها!”
في اللحظة التي صرخت فيها المزيفة، اندفع فارسان نحو لاتيل، لكنها مالت بجسدها بسرعة، وجرحت كاحليهما بضربة واحدة.
على الرغم من غضبها الشديد، كانت تعلم أن هؤلاء الفرسان هم من الحرس الملكي المكلفين بحمايتها، وأشخاص اعتادت رؤيتهم يوميًا.
كانت تشعر بالغضب لأنهم صدقوا المزيفة، لكنها أدركت أنهم لا يفعلون ذلك عن عمد، لذا قررت أن تمنحهم فرصة.
الفرسان، غير مدركين للحقيقة، حاولوا الهجوم مرة أخرى رغم جراحهم، لكن لاتيل تسللت بسرعة إلى الداخل، وضربت أحدهم في ذقنه برأسها.
ثم ركلت الآخر الذي كان بجانبه حتى فقد وعيه، عندما نظرت حولها، رأت أن المزيفة قد اختبأت مع وصيفاتها في إحدى الغرف.
“اخرجي!”
صرخت لاتيل بغضب وهي تركل الباب، وسمعت صرخات مليئة بالخوف تتعالى من الداخل.
قرعت لسانها وهي تضرب الباب مجددًا، وعندها فُتح الباب وخرجت المزيفة بالفعل.
“لا، جلالتكِ!”
“إنه خطر!”
“علينا الانتظار حتى يصل السير سونوت!”
صرخت الوصيفات، لكن المزيفة كانت قد اندفعت نحو لاتيل، ممسكة بسيفها.
“!…”
يا للجنون، شتمت لاتيل في سرها، ثم ضربت ذقن المزيفة بركبتها.
صدر صوت ارتطام قوي، وترنحت المزيفة قليلًا، وازدادت صرخات الوصيفات، لكن المزيفة لم تتوقف، بل دفعت بقدمها على الجدار وقفزت في الهواء، ملوحة بسيفها نحو لاتيل.
لم تكن لاتيل تعلم من أين جاءت هذه المزيفة، لكنها كانت ماهرة في استخدام السيف، بنفس براعة لاتيل، ومع ذلك، لم يمر وقت طويل قبل أن يبدأ المزيد من الأشخاص بالتجمع.
‘لا يمكن أن يستمر الأمر هكذا، إذا بقيت هنا فسوف أُتهم حقًا بأنني متسللة’
لوّحت لاتيل بسيفها بشكل تهديدي نحو رقبة المزيفة لتخلق مسافة بينهما، ثم استدارت ونزلت بسرعة نحو الدرج.
استغلت ارتباك الأشخاص الذين كانوا يصعدون الدرج للحظة، وهمت بالانزلاق على الدرابزين بسرعة، محذرة أتباعها أثناء نزولها :
“عندما اكتشف حقيقة ما يجري، لن يمر الأمر بهذه السهولة، لذا استعدوا لما سيأتي من عقاب”
بعد أن اختبأت بسرعة، ارتدت القناع الذي كانت تخفيه في ثيابها، وخلعت عباءتها لتخفيها تحت صخرة قريبة.
غادرت لاتيل القصر سريعًا واتجهت نحو العاصمة، حيث استأجرت غرفة في النزل الذي كانت قد زارته من قبل مع أحد الحراس الملكيين.
كانت تعتمد على أن الحارس الذي رافقها سابقًا سيشعر بأن الأمور تسير بشكل مريب، بما أنه كان معها طوال الوقت، ووفقًا لحساباتها، كان من المفترض أن يأتي إلى هذا المكان لأنه كان آخر موقع زاراه معًا.
أثناء انتظار وصول الحارس، جلست لاتيل عند حافة النافذة وخلعت قناعها، غارقة في التفكير، ما الذي يحدث بحق السماء؟.
“عندما يظهر شخصان متطابقان، يكون من الطبيعي أن يُصاب الناس بالارتباك، لا أن يتهموا أحدهما بثقة بأنه مزيف.”
لكن الأشخاص في القصر كانوا يتصرفون وكأنهم متأكدون تمامًا من أن المزيفة هي الحقيقية، وكأنهم كانوا مستعدين مسبقًا لهذا الموقف، لا بد أن هناك سببًا وراء ذلك.
***
بعد مرور ساعتين تقريبًا، ظهر الحارس الملكي الذي كان قد رافقها إلى كاريسين، تمامًا كما توقعت.
“جلالتكِ!”
ناداها الحارس بصوت متأثر، ثم خفض صوته بسرعة وأغلق الباب وراءه قبل أن يسألها :
“ما الذي يحدث هنا بحق السماء؟”
هزّت لاتيل رأسها بإحباط.
“لا أعرف، ذهبت إلى غرفتي، ووجدت شخصًا يشبهني تمامًا يقلدني، والجميع يعامله كما لو كان الإمبراطورة، ماذا عنك؟”
“ذهبت لأبلغ عن عودتي من الإجازة، لكنني فوجئت بعدم وجود السير سونوت، قيل إنه غادر إلى ميلوسي”
“أليس هنا؟”
“نعم، لذا كنت أنتظر لإخبار نائب القائد، فجاء أحد الزملاء ليخبرني بأن الأمور انقلبت رأسًا على عقب في غيابي…”
لم يستطع الحارس إكمال حديثه وبقي فاغرًا فمه، غير قادر على التعبير عن المزيد.
“لا بأس.”
تمتمت لاتيل، متنهدة وهي تتذكر كل ما عاشته بنفسها للتو، عندها، تابع الحارس حديثه بصوت مرتعش، وكأن الدموع ستغلبه قريبًا.
“كما حذّر الأمير رايان مسبقًا، فقد ظهر بالفعل ساحر أسود، يقولون إن تصرفاته وكلامه ووجهه مطابق تمامًا لجلالتكِ، لذا يجب الحذر منه…”
بينما كانت لاتيل تربت على كتف الحارس لتهدئته، توقفت فجأة عند سماع اسم “رايان”.
“ماذا قلت؟، رايان؟”
سألت لاتيل بصوت هادئ، فتوقف الحارس الذي كان يتحدث بلا توقف، وأخذ يراقب تعابيرها بحذر، مدركًا فجأة زلته.
“قلها مجددًا، من الذي قال هذا التحذير؟”
لكن لاتيل لم تعد قادرة على تهدئته كما فعلت قبل قليل.
كان الأمر مذهلًا بما يكفي أن يظهر شخص يشبهها تمامًا ويتم معاملتها كأنها مزيفة من قِبَل أتباعها، لكن ما سمعته الآن جعلها تشعر وكأن أنفاسها قد انقطعت.
لماذا يُذكر اسم أخي هنا؟
“حسنًا… الأمر هو…”
“أخبرني، هل لأخي علاقة بهذه القصة؟”
“أنا لا أعرف التفاصيل الدقيقة، جلالتكِ. فقط ما سمعته…”
“إذن، أخبرني كيف سمعت ذلك.”
كررت لاتيل سؤالها بصوت أكثر انخفاضًا، مما جعل الحارس يبتلع ريقه بتوتر قبل أن يبدأ في استرجاع ما سمعه لشرح الأمر :
“بعد مغادرتكِ القصر، اعتقد الجميع في البداية أن جلالتكِ كنتِ مريضة ليوم كامل، لكن حدث أمر عاجل جعلهم يحتاجون إلى مقابلتكِ، في اليوم التالي، دخل الأمير رايان إلى غرفتكِ للتحدث معكِ على انفراد، وعندما خرج، أخبرهم بأن جلالتكِ ربما كنتِ مريضة بسبب الساحر الأسود، وأن هذا الساحر قد سرق مظهركِ، مما جعلكِ تمرضين.”
جلست لاتيل على السرير وقبضت يديها بإحكام، تتمعن في كلمات الحارس مرارًا وتكرارًا.
أيّ هراء هذا؟! لم تستطع منع نفسها من التفكير، لم يكن كافيًا أن يكون لرايان علاقة بهذا الأمر، بل الأسوأ أن من بدأ الحديث عن المزيفة كان رايان نفسه، وليس المزيفة التي ادعت أنها الأصلية.
“هل صدق الناس ذلك؟، كيف يصدقون فجأة قصة عن ساحر أسود؟”
“ظهرت في السابق جثث ملعونة، وأيضًا…”
عضت لاتيل شفتها السفلى، كانت هناك أحداث متعددة مرتبطة بالسحر الأسود منذ جلوسها على العرش، الكاهن الكبير هيترا، الجاني المزيف الذي اعترف زورًا، أوامرها بالقبض على السحرة السود، والكاهن الأكبر الذي أصبح من محظييها، بالإضافة إلى الفرسان المقدسين الذين تطوعوا لحراسته.
بالطبع، لم يكن أحد يعلم بهذه التفاصيل سوى المقربين منها، لكن المشكلة أن هؤلاء المقربين هم نفس الأشخاص الذين عليهم الآن تقرير ما إذا كانوا سيصدقون قصة رايان عن الساحر الأسود أم لا.
“حتى لو كان الأمر كذلك، كيف يمكنهم التصديق بسهولة أن تلك هي الحقيقية؟”
ضحكت لاتيل بمرارة لشدة سخافة الموقف، فأضاف الحارس بحذر:
“في الواقع، ذهب بايك هوا، من جماعة النبيذ الأبيض، مع بعض الفرسان المقدسين إلى إحدى القرى، ووجدوا أن تلك القرية قد تحولت بشكل غريب.”
“تحولت؟، كيف ذلك؟”
“لم يكن هناك أي شخص على قيد الحياة، وكانت الجثث جميعها ممزقة وكأنها قد تعرضت لالتهام.”
“!”
“كما قلتِ، دخل الأمير رايان إلى غرفتكِ بحجة ضرورة لقائكِ، ويبدو أن توقيت ظهور بايك هوا لتقديم تقريره تزامن مع حديث الأمير عن المزيفة، لذلك صدّق الجميع حديثه على الفور.”
“……”
“وبعد يومين، ظهرت المزيفة، وقالت إنها تتوقع ظهور شخص آخر يشبه جلالتكِ، وطلبت من الجميع أن يكونوا على حذر، وأوضحت أن هذه إحدى قدرات الساحر الأسود.”
غطّت لاتيل وجهها بيديها.
“كيف يمكن لأخي أن يفعل هذا…”
لم يكن مجرد ظهور مزيفة تقلدها هو الصدمة الأكبر، بل شعورها بالخيانة من قبل أخيها.
“جلالتكِ…”
“كان أخي هو من أقنعني بعدم الذهاب ببعثة دبلوماسية إلى كاريسين.”
“إذًا، كان هذا مخططه منذ البداية؟”
“يبدو الأمر كذلك.”
عضّت لاتيل على أسنانها بإحكام، وقبضت يديها بقوة، نظر إليها الحارس بحزن واقترح باندفاع:
“جلالتكِ، ماذا لو قدمت شهادتي؟ سأخبرهم أنني كنت معك طوال الوقت!”
“شهادة؟ لا حاجة لذلك، ستكون في خطر أنت أيضًا.”
“في خطر؟”
“أخي، لا، بل لا يمكن أن يكون اخي بعد الان، يبدو أن رايان اعد العدة للتخطيط لهذا الأمر، هل يعتقد أنه سيسمح لك بالرحيل؟، هو يعرف أنك سافرت معي إلى كاريسين.”
“أ-أنتِ محقة”
بدت عيني الحارس مضطربتين، وكأنه لم يفكر في ذلك بعد.
“بما أنه تلقى تقارير تفيد بأنك تعرف ما حدث، فهو بالتأكيد سيحاول القبض عليك، فهو يعتقد أنك الشاهد الوحيد.”
“!”
قبضت لاتيل يديها معًا، مشتعلة بالغضب وهي تحدق في قصرها من نافذة الغرفة.
“لكن من المؤكد أن أخي لم يكن يعلم أن هيسينث جاء إلى القلعة وعاد معي إلى كاريسين.”
“آه! إذًا يمكننا طلب المساعدة من هيسينث جلالتكِ!”
“نعم، لكن يجب أن نكون حذرين، إذا لم نكن حذرين، فقد يبدو الأمر كما لو أن ‘الساحر الأسود المزيف’ قد تحالف مع إمبراطور كاريسين للسيطرة على تاريوم.”
وقفت لاتيل بسرعة وبدأت تدور في الغرفة، كان الغضب يتصاعد داخلها حتى كاد ينفجر، وكانت عينيها تؤلمها من شدة الانفعال.
كان من الصعب تحمل خيانة أخيها غير المتوقعة.
مهما كانت الطريقة التي حصل بها على شخص يشبهها إلى هذا الحد، لم يكن هناك دليل واضح حول مخططاته أو لماذا فعل كل هذا.
‘لا يمكن أن يكون قد تحالف مع تالا، لقد كره تالا، لا، لا يمكن أن يكون ذلك، إذا اعتبرت ذلك، فهذا يعني أن أخي قد خانني، لا يمكنني أن أكون متأكدة من أي شيء الآن.’
توقفت لاتيل لحظة ثم وجهت حديثها إلى الحارس.
“اذهب إلى إقطاعية ميلوسي وابحث عن السير سونوت.”
“هل سأذهب بمفردي؟”
“بما أنك تعرف أنني عدت، فإن أخي سيحاول قتلك أو القبض عليك لإسكاتك، قد يرسل أحدهم للقبض عليك بحجة أنك متحالف مع الساحر الأسود، لذا ارحل بسرعة، الآن.”
“جلالتكِ، وماذا عنكِ؟”
“سأقوم بشيء آخر.”
تذكرت القناع الذي احتفظت به في جيبها، حان الوقت لاستخدام هذا القناع، مع وجود هذا القناع، لن يتمكن رايان أو المزيفة من القبض عليها حتى لو أطلقوا رجالهم للبحث عنها.
“انطلق الآن، بسرعة، أسرع!”
‘يجب أن أجد ابن ابي وامي اللعين لأكتشف ما يجري.’