رجال الحريم - 70
بينما كانت لاتيل تصعد الجبل بخفة وهي تنظر إلى الخريطة، أعجب الفارس الذي كان يتبعها من الخلف قائلاً:
“جلالتكِ تجيدين قراءة الخرائط وتسلق الجبال أيضًا.”
“وأنت بارع في قراءة الوضع الحالي ومديح الآخرين.” تمتمت لاتيل في سرها وهي تسحب منديلًا لتمسح جبينها الرطب.
عندما رفعت رأسها، كانت السحب تبدو أقرب، وعندما نظرت إلى الأسفل، رأت القرويين بحجم النمل وهم يسيرون.
تفحصت لاتيل الخريطة مرة أخرى لتتحقق من الاتجاه، ثم تابعت خطواتها.
“لنذهب، علينا أن نصل في أسرع وقت ممكن.”
“نعم، جلالتكِ.”
عندما بدأوا في صعود الجبل، كانت السماء بلون أزرق فاتح، لكن عندما وصلوا إلى الموقع الذي أشارت إليه الخريطة، كانت السماء قد تحولت إلى لون أرجواني باهت.
الجبل نفسه كان شديد الانحدار ومرتفعًا، لكن ما أبطأهم حقًا هو أن مدخل الكهف كان مموهًا ببراعة، مما جعلهم يضيعون وقتًا إضافيًا، على الرغم من أنهم كانوا قريبين من الوصول.
كانت لاتيل متأكدة من أنهم مروا أمام مدخل الكهف حوالي خمس أو ست مرات دون أن يلاحظوه.
“قد نحتاج إلى التخييم هنا”
تمتمت لاتيل وهي ترفع رأسها لتنظر إلى السماء التي كانت تزداد ظلمة بسرعة، وكأنها تبتلع آخر بقايا الضوء.
“سيحل الليل قريبًا”
الغابة عندما تظلم تصبح خطرة، فقد يظهر أي شيء من الحيوانات البرية أو الوحوش.
“لن يكون الداخل مرئيًا، لذا من الأفضل أن نأخذ مصباحًا”
أشعل الفارس مصباحًا وقدمه إلى لاتيل، ثم صنع شعلة ليحملها، يبدو أنه كان يستعد لاستخدامها كسلاح في حال واجهوا حيوانات برية في الداخل.
قامت لاتيل بطي الخريطة بعناية ووضعها في مكان آمن، ثم حملت المصباح بيدها ودخلت إلى الكهف.
كانت تفكر في جميع أنواع الفخاخ الخطيرة التي قرأت عنها في قصص الأبطال : فخاخ تنطلق بمجرد الدوس عليها، جدران تضيق تدريجيًا، أرضيات تختفي فجأة، غوليمات قاتلة تعمل إذا لمست جوهرة خاطئة، ومتاهات تتحرك.
‘لدي خريطة نادرة، تم بيعها في مزاد، وهي من مملكة مدمرة، وكان الأشرار يسعون إليها، لذا قد يكون الكهف خطيرًا مثل تلك المتاهات’
“هناك رطوبة كثيرة هنا، لكن كل شيء آخر يبدو جيدًا.”
“نعم، صحيح.”
لكن بخلاف الصعوبة في العثور على المدخل، لم يكن داخل الكهف مليئًا بالمخاطر كما توقعت لاتيل.
الجزء الداخلي كان وعرًا ومنحدر مثل الخارج، مما يجعل من السهل الانزلاق إذا لم يكن المرء حذرًا، بخلاف ذلك، لم يكن هناك أي غوليم، أو فخاخ، أو وحوش.
عندما وصلوا أخيرًا إلى نهاية الكهف، كانت لاتيل والفارس لم يتعرضا لأي إصابة تُذكر.
‘حسنًا، لحسن الحظ’ فكرت لاتيل في نفسها وهي تحدق في الصندوق الذي كان موضوعًا في نهاية الكهف.
في نهاية الكهف، كان هناك جزء من الأرض يرتفع للأعلى بشكل حاد، عرضه حوالي 40 سم وارتفاعه يصل إلى مستوى خصر لاتيل.
على هذا الجزء البارز، وُضع صندوق جميل مطلي باللون الأسود. بدا الصندوق ذو تصميم دقيق، وكان مزينًا بأوراق الذهب، مما أضفى عليه مظهرًا باهظ الثمن.
بالرغم من علامات الزمن التي بدت واضحة عليه، إلا أن ذلك أراح لاتيل، لو كان الصندوق جديدًا تمامًا وخاليًا من أي علامات تلف، لكانت شكت أن شخصًا ما قد دخل واستبدل الصندوق الأصلي.
“هل أتيتِ من أجل هذا؟”
بينما كانت لاتيل تحدق في الصندوق، سألها الفارس وهو يميل برأسه جانبًا.
“لقد استدعيتِ الأمير رايان وأسندتِ إليه أمور الدولة، وخرجتِ سرًا، لأجل ماذا؟، فقط للحصول على هذا الصندوق الصغير؟” كانت علامات الحيرة بادية على وجهه.
“لست متأكدة، آمل ذلك” تمتمت لاتيل وهي تضغط على الزر الموجود في مقدمة الصندوق، فجأة، سمعت صوت “تيك” وكأن مسمارًا سقط، ثم ارتفع غطاء الصندوق قليلاً، عندما رفعت لاتيل الغطاء بالكامل، سمعت صوت “كييييك” مزعج.
“ما هذا؟”
حدقت لاتيل بعمق في محتويات الصندوق، الصوت المزعج كان مصاحبًا لظهور قناع يغطي نصف الوجه.
الشيء الغريب هو أن الصندوق كان فخمًا ومزخرفًا، في حين كان القناع بسيطًا بلا أي نقوش، بدا الصندوق متآكلًا بفعل الزمن، لكن القناع كان يبدو وكأنه صنع للتو.
“هل هو شيء ثمين؟” سأل الفارس مجددًا، بصوت يوحي بعدم اقتناعه بقيمة القناع.
“آمل أن يكون كذلك…” تمتمت لاتيل وهي تنظر إلى القناع بوجه متجهم، حتى هي لم تشعر أن القناع كان شيئًا ذا قيمة، ربما أعداءها قد وصلوا إلى هنا قبلاً وأخذوا “المحتويات الحقيقية” واستبدلوها بهذا القناع؟.
بالنظر إلى تعابير الفارس، يمكنها أن تفهم سبب تساؤله عن سبب قدومها لأجل شيء كهذا، القناع كان يبدو تافهًا.
عندما لاحظ الفارس أن لاتيل لم تكن متأكدة من القناع، وضع الشعلة التي كان يحملها وسأل:
“هل يمكنني أن أفحصه؟”
“حسنًا، تفضل”
قدمت له لاتيل القناع، فأخذه منها.
بما أنهم سيبقون في الكهف خلال الليل، بدأت لاتيل بالبحث عن مكان مناسب للتخييم، بينما كان الفارس يفحص القناع.
‘كل الأماكن متشابهة، ربما يكون النوم بالقرب من المدخل أفضل؟، لكن إذا اقتربت من المدخل، قد يدخل حيوان بري أو شيء من هذا القبيل، وهذا ليس جيدًا’
بينما كانت تتجول وتفكر في المكان الأنسب للتخييم، لاحظت شيئًا مدهشًا.
الفارس كان قد اختفى، أو بالأحرى، الفارس ما زال هناك، لكن وجهه لم يكن وجه الفارس الذي تعرفه، ملابسه وأمتعته كانت كما هي، لكنها لم تتعرف على وجهه.
***
عندما رأته لاتيل، شعرت بالدهشة والتفاجؤ، فتوجه نظرها نحو الشخص الذي تراه لأول مرة، قام هذا الشخص بتدوير رأسه نحو لاتيل، ثم ابتسم بطريقة محرجة وهو يضع يده على وجهه.
ثم بدأ يحاكي عملية إزالة شيء ما من على وجهه، ومن المدهش أنه عندما قام بهذه الحركة، ظهر من يده البيضاء القناع الذي رأته سابقًا.
“أعتذر، جلالتكِ، مهما نظرت إليه، يبدو وكأنه مجرد قناع، لذا قررت تجربته”
يبدو أن الفارس شعر بالإحراج واعتذر لأنه ظن أن لاتيل رأت انه قد استخدم القناع بشكل غير لائق.
“لكن حتى مع ارتداء القناع، لا يوجد تغير ملحوظ، وحتى من الداخل، لا يوجد شيء مميز.”
سرعان ما أدركت لاتيل ما يحدث، هذا الفارس لا يدرك أن وجهه قد تغير عندما ارتدى القناع!
إذًا، هل قدرة هذا القناع هي تغيير الوجوه؟، هل هو أحد الأغراض السحرية التي تُركت من العصور القديمة؟.
ابتلعت لاتيل ريقها، قناع يغير الوجه، فإذًا يجب أن يكون له قيمة تجعله يُخفي في مكان محدد على الخرائط القديمة.
هذا النوع من الأشياء يمكن أن يكون خطيرًا للغاية أو مفيدًا جدًا، اعتمادًا على كيفية استخدامه.
“إذا وقع في يد الأعداء، فسيكون الأمر كارثيًا، حتى لو حفظت الوجوه، فلن أستطيع معرفة من هو العدو.”
“جلالتكِ؟”
بينما كانت لاتيل واقفة في حالة من الذهول، نادى الفارس بحذر.
“ما الأمر؟”
ابتسمت لاتيل سريعًا وأومأت برأسها بشكل غير مبالٍ.
“لا، بالنظر إلى الجهد الذي بذلته، لم يكن هناك الكثير من الفوائد.”
“نعم، هذا صحيح….”
تقدمت لاتيل بخطوات سريعة وأعادت أخذ القناع من الفارس، ووضعت القناع عمدًا في الصندوق مرة أخرى.
“ومع ذلك، لا يمكن التهاون، عندما نعود إلى القصر، يجب أن نطلب من العلماء فحصه.”
“نعم، سيكون ذلك أفضل.”
***
مع بزوغ الفجر وبدء وضوح الرؤية، نزلت لاتيل والفارس من الجبل وهما يمضغان لحمًا مجففًا.
لقد هربت سرًا بذريعة أنها كانت مريضة، لذا كانوا عائدين بسرعة إلى القصر.
كان لديها ثقة أن أخاها سيتعامل مع الأمور، لكن إذا غابت الإمبراطورة عن الأنظار لفترة طويلة، سيشعر الجميع بالقلق.
“سأذهب لأحضر العربة”
بعد أن نزلوا من الجبل، بينما كانت لاتيل تستأجر نزلًا للاستحمام، استمر الفارس في البحث عن عربة في الخارج.
قامت لاتيل برش الماء على جسمها وغسلت شعرها، ثم اخدت القناع من الصندوق وأخفته داخل ملابسها.
قد أخبرت الفارس أنها ستطلب من العلماء دراسة هذا الشيء، لكن لم تكن لديها الرغبة في القيام بذلك في الوقت الحالي، لماذا يجب عليها القيام بذلك مع شيء ممتع كهذا؟.
كانت لاتيل تفضل استخدامه بشكل مفيد، خصوصًا في وضع قد يكون فيه بعض الأعداء مختبئين.
“ربما يمكنني استخدامه لتمييز الأعداء.”
بعد قليل، عندما عاد الفارس مع العربة والخيول، طلبت من الفارس أن يستحم، ثم اشترت طعامًا ودخلت العربة لتنتظر عودته.
“سننطلق، جلالتكِ.”
طوال الطريق من كاريسين إلى تاريوم، كانت لاتيل تلعب بالقناع، محاولًة اختبار كيفية تفعيل تأثير القناع.
من خلال مرآة صغيرة، تأكدت من أنه بالفعل، عند ارتداء القناع، يتغير الوجه.
لم يكن الأمر مجرد ملامح فحسب، بل كان الجو العام كذلك.
“هل هذا أيضًا تأثير القناع؟”
***
بفضل عدم التوقف عن الحركة، وصلت لاتيل والفارس إلى العاصمة في وقت قصير.
“سأبيع الخيل والعربة مرة أخرى، جلالتكِ”
“افعل ذلك.”
استأجرت لاتيل نزلًا قريبًا واستراحت، بينما كانت تستمع إلى ما إذا كانت هناك شائعات تتداول عن “اختفاء الإمبراطورة”، ولكن لحسن الحظ لم يكن هناك مثل هذه الأحاديث.
شعرت لاتيل بالاطمئنان، واغتسلت جيدًا وبدلت ملابسها، ثم دخلت مع الفارس عبر البوابة الرئيسية إلى داخل القصر.
“لقد عانيت كثيرًا، شكرًا لك.ط”
“لا شكر على واجب، كانت فرصة عظيمة لي أن أكون مع جلالتكِ.”
“اليوم عليك أن تستريح، فقد كان الأمر صعبًا عليك لعدة أيام.”
“نعم، جلالتكِ، أتمنى لكِ أيضًا قسطًا مريحًا من الراحة.”
دُفعت لاتيل بيدها على كتف الفارس، الذي لم يستطع النوم بشكل جيد لعدة أيام، وسارت نحو الرواق الي غرفتها.
بينما كانت تسير نحو غرفة نومها، تذكرت على الفور السير سونوت.
“ماذا سيقول السير سونوت؟”
لم تُخبره عند مغادرتها، ولكن من المؤكد أنه سيتحدث عندما تعود.
عندما يعلم السير سونوت أن لاتيل قد ذهبت إلى كاريسين بسرية بالتعاون مع رايان، سيبدو مندهشًا تمامًا وقد يشعر بالغضب أيضًا.
“بالمناسبة، لم أره غاضبًا من قبل، فهو دائمًا ما يكون غير جاد”
ضحكت لاتيل قليلاً وأزالت عباءتها التي كانت تغطي وجهها.
عندما صعدت عدة درجات، ظهر لها أخيرًا باب غرفة النوم في نهاية الممر، لكن بينما كانت تسير في الممر، شعرت بنظرات حادة تُسلط عليها.
“ماذا؟”
هل كانت الإمبراطورة التي كانت تعاني قد غادرت غرفة نومها وتمشي في الممر بشكل طبيعي؟، كان جميع القوم المحيطين بها يحيونها ولكن بوجوه مذهولة قليلاً.
عندما نظرت لاتيل إلى الوراء، هربوا بسرعة وانزلوا رؤوسهم للأسفل.
“لماذا يتصرفون هكذا؟”
لم يكن هذا تصرفًا مناسبًا تجاه الإمبراطورة، مما جعل لاتيل تشعر بعدم الارتياح.
“هل حدث شيء ما؟، لكن لم يكن هناك أي إشاعات خارج القصر.”
شعرت بتوتر في قلبها وبدأت بطنها تؤلمها. اسرعت خطواتها نحو غرفة نومها.
لكن عندما وصلت إلى باب الغرفة، خرجت إحدى الخادمات، وعندما رأت لاتيل، أسقطت الكوب الذي كانت تحمله، وسدّت أذنيها بيديها وصرخت.
“آآه! لقد ظهرت!، ظهرت!”
تفاجأت لاتيل، ماذا يعني هذا؟، ما الذي ظهر؟
“ماذا تقصدين؟”
عندما تقدمت لاتيل بالسؤال، صرخت الخادمة بشكل أكبر “آه! آه!” وعادت إلى الداخل كأنها تهرب.
عندما أغلق الباب خلفها بصوت عالٍ، شعرت لاتيل بالدهشة.
“لماذا يفعلون هذا؟”
لكن لم يكن لديها وقت للدهشة، هذه المرة، بدأ الفرسان الذين كانوا يقفون بجانب الباب في سحب سيوفهم وتوجيه نظرات حذرة نحو لاتيل.
“ماذا تفعلون؟”
عندما رأت ذلك، سألت لاتيل بغضب واستياء، مما جعل الفرسان يتجمدون ويتبادلون النظرات فيما بينهم.
ازداد استغراب لاتيل وضربت الجدار بيدها.
“ماذا تفعلون؟، هل أصابكم الجنون خلال الأيام القليلة الماضية؟، كيف تجرؤون على اشهار سيوفكم لي؟”
وبينما كانت تتحدث، بدأت نبرة صوتها تنخفض وتصبح أكثر برودة، في البداية، شعرت بالدهشة، ولكن مع التفكير، ازدادت غضبًا.
عندما رأى الفرسان هذا المشهد، استمروا في تبادل النظرات مرتبكين.
“لا تنخدعوا”
ثم، من داخل الغرفة، صدر أمرٌ حازم من صوت غريب لكنه مألوف.
كان صوتًا غريبًا للغاية، لم يكن غريبًا في حد ذاته، بل كان إحساس لاتيل عند سماع ذلك الصوت هو ما كان غريبًا.
لا عجب، عندما رأت الشخص الذي اصدر الصوت، عرفت السبب.
“!”
وجه الشخص الذي خرج من الباب، ذلك الوجه الذي أمر الفرسان بـ “لا تنخدعوا”.
كان الوجه الذي يحمل شعرًا مرفوعًا ومربوطًا بشكل مستقيم هو وجه لاتيل نفسها، بل حتى الصوت كان كصوتها تمامًا.
“ما هذا……؟”