رجال الحريم - 61
بعد أن تأكدت لاتيل من شفاء تيسير، أخبرته بأن يعود لاحقا، ثم عادت إلى القصر مع عظيم الكهنة فقط.
لم تأخذ لاتيل تيسير إلى القصر مباشرة لأنه كان هناك خطر من وجود أعداء في الداخل، كانت تخشى أن يكتشفوا إصابة تيسير وأن يربطوا الأمر بحادثة العربة في المزاد، لذلك، كان من الضروري أن تبقى حذرة حتى النهاية.
– رسالة الي الامير رايان – “أريدك أن تساعدني، من الأفضل أن تبقى في القصر لمدة أسبوع أو نحو ذلك وتساعد الماركيز سابل”
بعد ذلك، كتبت لاتيل رسالة إلى أخيها، وفي صباح اليوم التالي أرسلت شخصًا لتسليم الرسالة وبدأت في تفسير الخريطة القديمة.
تدور الخريطة حول أدامار، مدينة كانت مزدهرة في الماضي ولكنها الآن مدمرة، المثير للانتباه هو أن أدامار لم تكن خاضعة لسيطرة أي دولة على مر العصور، على الرغم من تراجع قوتها.
بقيت المدينة في حالة تدهور، لكن مساحتها الكبيرة وهياكلها المعمارية ما زالت رائعة وقوية، كما كانت الشائعات تتداول أن المدينة ملعونة بعد أن دمرت الدول التي احتلتها بسبب النزاعات الداخلية، مما جعل الدول الأخرى تتجنب احتلالها.
نتيجة لذلك، بقيت أدامار مدينة نائية دون أن تنتمي إلى أي دولة، ولكن اكتشافات الآثار والأبراج المحصنة فيها جعلت منها أرضًا مفضلة للعلماء.
إذا كانت الخريطة قد أُخذت من هذا المكان، فمن المؤكد أنها تحمل شيئًا مهمًا، قضت لاتيل معظم وقتها في المكتبة، غارقة في الكتب الأثرية، تحاول تفسير الخريطة.
في هذه الأثناء، كان هناك شخص استفاد بطريقة غير متوقعة.
“جلالتكِ، أتيتِ إلى هنا اليوم أيضًا”
كان جيستا، الذي يعيش في المكتبة تقريبًا، يتحدث مع لاتيل.
“نعم، أتيتُ، هل أنت هنا أيضًا اليوم؟”
عندما سألت لاتيل أثناء دخولها المكتبة، عانق جيستا كتابه وأجاب بتردد.
“نعم، جئت لأكمل ما كنت أقرأه أمس…”
“أنت حقًا مجتهد، هل هناك يوم لا تأتي فيه هنا؟”
“ليس لدي الكثير من الأصدقاء في الحريم… ولا يوجد الكثير لأفعله في الحريم…”
“ولكنك كنت تأتي إلى هنا بانتظام حتى قبل أن تكون في الحريم، أليس كذلك؟”
تلعثم جيستا ثم ابتسم بخجل، فتظاهرت لاتيل بأنها تذكرت فجأة، وضحكت أيضًا، شعرت بأنها جعلته محرجًا أكثر من اللازم، ربما كان من الأفضل لو لم تتحدث عن هذا الموضوع.
فكرت لاتيل في ما إذا كان يجب عليها قول شيء آخر، لكنها قررت في النهاية أن تكتفي بالتربيت على كتف جيستا وذهبت إلى رفوف الكتب الأثرية.
لكن، بطريقة غير متوقعة، تابع جيستا لاتيل اليوم، بعد أن كان يجلس بعيدًا بجانب النافذة يقرأ كتابه الكتب في اليوم السابق.
عندما سحبت لاتيل كتابًا من الرف وسألت “ماذا؟”، أجاب جيستا بتردد.
“رأيتكِ تقرأين الكتب الأثرية بشكل مستمر، أليس كذلك؟”
“نعم”
لاتيل تذكرت الخريطة القديمة المخفية في حوزتها وابتسمت بشكل عابر.
“لقد أصبحت مهتمة بهذا المجال مؤخرًا، ربما اجد عن بعض الحوادث السيئة التي تحدث في القصر.”
لتجنب الكشف عن الخريطة في أي مكان، كتبت لاتيل بعض الكلمات التي أرادت اكتشافها على ورقة منفصلة، لهذا السبب تجاهلت سؤال جيستا.
“أم…”
مع ذلك، كان جيستا يتلعثم ويبدو أنه يريد قول شيء، لكنه لم يتمكن من التعبير عنه، عندما سألته لاتيل مرة أخرى، اقترب جيستا بسرعة منها وأشار إلى غلاف أحد كتب الأثرية وقال بسرعة:
“مارشين لو”
تعجبت لاتيل من أن جيستا قراء غلاف الكتاب “مارشين لو” وسألت بفضول:
“هل يمكنك قراءة اللغة القديمة؟”
“نعم، لقد كنت مهووسًا بها في فترة معينة”
نزلت عينا جيستا إلى قدميه وهو يتحدث بصوت خافت، وأحست لاتيل بالفرح، إذ سيكون وجود شخص يستطيع قراءة النصوص القديمة مفيدًا للغاية، سيجعل ذلك العمل أسرع بكثير.
“إذن، هل يمكنك مساعدتي؟”
***
على مدى الأيام القليلة التالية، تعلمت لاتيل من جيستا كيفية قراءة الكتابة القديمة.
نظرًا لأنه لم يكن بإمكانها عرض الخريطة القديمة مباشرة، كانت تستخدم صفحات أخرى من الكتب التي تحتوي على نفس الأحرف لتفسير النصوص، هذا التسريع في العملية كان مفيدًا للغاية، وعندما تمكنت أخيرًا من تفسير الخريطة أسرع مما توقعت، كانت لاتيل سعيدة جدًا.
سألت جيستا، “جيستا، هل هناك شيء تود الحصول عليه؟”
“شيء أود الحصول عليه؟”
“نعم، بسبب مساعدتك التي قللت الوقت بشكل كبير، أريد أن أقدم لك هدية، ماذا تريد؟ جواهر؟، قلادة؟، ملابس؟، كتب نادرة؟”
كانت لاتيل صادقة في عرضها وكانت مستعدة لتلبية أي طلب يقدمه جيستا.
لكن جيستا لم يتمكن من الإجابة على الفور، بل كان يتردد ويتبادل النظرات مع لاتيل، وكأنه يريد أن يقول شيئًا لكنه لم يجد الكلمات المناسبة.
“لا بأس، قل أي شيء، لا تتردد”
ابتسمت لاتيل لتخفيف الجو، وعندما شجعت جيستا، أخذ شهيقًا عميقًا وطلب:
“أريد قضاء الوقت في عيد ميلادي مع جلالتكِ وحدنا، لا يهم أين، فقط نكون معًا…”
“عيد ميلادك؟”
ترددت لاتيل قليلًا، لكنها سرعان ما أدركت أن عيد ميلاد جيستا يجب أن يكون قريبًا، وقالت :
“حسنًا، سنفعل ذلك”
نظرت لاتيل إلى جيستا، وتساءلت في سرها عن موعد عيد ميلاده، إذا كان يجري الحديث الآن، فمن المحتمل أن يكون موعد عيد ميلاده قريبًا، وليس بعد عشرة أشهر.
“عيد ميلادك ليس بعيدًا أليس كذلك؟”
“هل تتذكرين عيد ميلادي؟”
“بالطبع! إنه قريب جدًا”
“جلالتكِ…”
تأثر جيستا لدرجة أن عينيه امتلأتا بالدموع، وعندما رأته لاتيل، شعرت بالذنب وأشاحت بنظرها إلى الكتب.
***
“ماركيز سابل، متى هو عيد ميلاد جيستا؟”
عندما دخلت لاتيل إلى مكتبها، سألت مساعدها الشخصي وكبير الخدم على الفور.
“عيد ميلاد جيستا؟”
استدار الماركيز وكأنه يتساءل عن سبب السؤال، لكنه فكر قليلاً ثم أجاب:
“من المحتمل أن يكون في 17 مايو”
“هل تبقى وقت قليل؟”
تفاجأت لاتيل، إذ لم تكن تتوقع أن يكون الموعد قريبًا جدًا.
“لم يتبق سوى حوالي أسبوعين، أليس كذلك؟”
“نعم”
قطبت لاتيل جبينها وعاتبت الماركيز على عدم إبلاغها مبكرًا.
“كان يجب عليك إخباري مبكرًا”
“أفهم ذلك الآن، وأعتذر عن اهمالي، جلالتكِ”
“لا، لم أقصد لومك فعلاً”
أشارت لاتيل بيدها ثم فكرت في حساب الوقت الذي ستحتاجه لزيارة الموقع المذكور في الخريطة القديمة، إذا كان الموقع قريبًا، فستتمكن من زيارته قبل عيد ميلاد جيستا، وإذا لم يكن كذلك، فسيكون من الأفضل زيارته بعد عيد ميلاده.
بينما كانت تفكر، بدأ الماركيز يذكر تواريخ أعياد ميلاد باقي ازواجها، وكان يبدو وكأنه يستعد لإخبارها بشيء آخر.
“بعد عيد ميلاد جيستا، يأتي عيد ميلاد كلاين، في 1 يونيو”
“وهو أيضًا قريب”
“نعم، وبعد ذلك…”
لكن فجأة، أصبح وجه الماركيز عابسًا وعيناه متسعتين.
“ماذا حدث؟”
عندما تساءلت لاتيل عن السبب، ضحك الماركيز بخفة.
“آه، ليس هناك ما يثير القلق، تذكرت أن عيد ميلاد رانامون يتطابق مع عيد ميلاد جلالتكِ”
“في 26 أغسطس؟”
“نعم، يبدو أن هذا اليوم مميز”
وأضاف المساعد، كمدافع عن رانامون، رأيه الخاص بخفة.
“إذا أصبح رانامون القرين الملكي، فإن ذلك سيكون رائعًا لأن الإمبراطورة وقرينها الملكي قد وُلدوا في نفس اليوم، سيعتبر الناس ذلك علامة على القدر”
“الأمر يعجب الماركيز سابل فقط”
“….”
تجهم وجه الماركيز بعد تعرضه لهذا التعليق، لكنه لم ينكر ذلك، وأيضًا كان السير سونوت، الذي كان مستاءً من محاولة ربط رانامون ولاتيل بالقدر، اضاف بعض الملاحظات.
“أعرف أن الإمبراطورة آيني من إمبراطورية كاريسين أيضًا وُلدت في نفس اليوم”
إذا كان هناك قدر بين رانامون ولاتيل، فهذا يعني أن هناك قدرًا بين آيني ولاتيل أيضًا، نظر الماركيز إلى السير سونوت ببرود، لكن السير سونوت ظل متماسكًا.
“ماذا؟، هل هذا صحيح؟”
سألت لاتيل بفضول، فوافق السير سونوت برأسه.
“نعم.”
ومع ذلك، لم يتوقف الماركيز عند هذا الحد وحاول مرة أخرى ربط رانامون بالقدر بشكل غير مباشر.
“يبدو أن هذا اليوم يحمل حظًا كبيرًا، جلالتك، عيد ميلاد الإمبراطورة والإمبراطورة في نفس اليوم… وأيضًا…”
ومع ذلك، عندما حاول المساعد أن ينهي حديثه بعبارة “سيكون الأمر أفضل إذا أصبح رانامون القرين الملكي”، قاطعته لاتيل بيدها قبل أن ينهي جملته.
“لا داعي لإضافة معانٍ، عيد ميلاد تالا أيضًا في نفس اليوم”
ضحك الماركيز بمرارة، حيث كان يعرف ذلك ولكنه لم يذكره، لأن الأمر كان غير مريح.
في الفترة التي كانت فيها لاتيل وتالا أمراء، وفي الوقت الذي كان فيه رايان لا يزال في منصب ولي العهد، كانت هذه النقطة مصدر توتر كبير بين الإمبراطورة ومحظيات الإمبراطورة، مما اثر في لاتيل وتالا.
لم تكن لاتيل تقصد إزعاج الماركيز، ولكن عندما لاحظت تعبيره الكئيب، حاولت تغيير الموضوع.
“حسنًا، إذن، متى هي أعياد ميلاد كارلين، وجايسين، وتيسير؟”
***
في تلك اللحظة، كان منير يلتفت هنا وهناك وهو يعقد ذراعيه على صدره، وكان يفكر بجدية.
“ماذا سأفعل الآن؟”
في حوزته كان هناك زجاجة صغيرة تحتوي على دواء خطير، حصل عليها من جيستا والتي كان قد أعطاها له قبل أيام، إذا تم تناول هذا الدواء، فإنه يجعل الشخص عقيماً لمدة عام كامل.
“من يجب أن أعطيه هذا الدواء؟”
بدأ منير في التفكير حول الأشخاص الذين كان لديهم خلاف مع جيستا، وبدأ في استبعادهم واحداً تلو الآخر، في الحقيقة، كان أكثر ما يشغله هو عظيم الكهنة، ولكنه بصراحة لم يكن يريد إطعامه الدواء خوفاً من عقاب الرب.
على الرغم من أنه لم يكن مؤمناً بعمق، إلا أنه كغيره من سكان القارة كان يحمل نوعاً من الاحترام والخوف المجرد تجاه المعابد والرب ورجال الدين.
“كلاين، نعم، يجب أن اعطيه لذلك الكلب المجنون.”
بعد استبعاد عظيم الكهنة من الخيارات، ظهر كلاين كخيار طبيعي، كان منير قد قرر بالفعل أن كلاين هو من يجب أن يأخد هذا الدواء.
لم يكن لدى منير أي مشاجرات كبيرة مع باقي الرجال في الحريم، ولكن كلاين كان يضايق جيستا بشكل واضح، كان يصفه بالمخلوق الممل ويشاجر معه بشكل مستمر.
“صحيح أن سيدي يبدو ضعيف، لكن مظهره الخارجي قوي جداً!، لا، ليس ضعيفًا!، إنه ليس كذلك!”
تذكر منير عضلات جيستا القوية والواسعة، ثم نفخ بأنفه بقوة، الآن بعد أن اتخذ قراره، كان يجب عليه أن يتصرف.
بحث منير عن طريقة لإعطاء الدواء لكلاين وبدأ في التجول حول المطبخ.
مع اقتراب وقت العشاء، بدأ الخدم في إخراج العربات من المطبخ.
“الطعام الذي سيذهب إلى الكلب المجنون هو… هذا!”
بينما كان يتجول، تعرف منير على أحد الخدم الذين رأهم بالقرب من غرفة كلاين، فتوجه نحوه بهدوء.
كانت مهاراته في التعامل مع الأمور الجسدية بارعة، وذلك بفضل التدريب والاهتمام الذي تلقاه من رئيس الوزراء، على الرغم من أنه لم يكن مشهوراً، إلا أنه كان أقوى من معظم الفرسان، خداع عدد قليل من الخدم لم يكن صعباً بالنسبة له.
“نجحت!”
فتح منير زجاجة الدواء وتركها، وعندما استدعى الطباخ الخدم للحظات، سكب الدواء في وعاء الحساء الذي كان مخصصاً لكلاين.
عاد إلى مكانه وأخفى نفسه خلف شجرة، ثم أغلق الزجاجة وضغط على شعور الذنب الذي كان يشعر به.
“لا بأس، لقد فعل هذا الكلب المجنون أسوأ من ذلك لسيدي، لن يؤثر الدواء سوى لمدة عام ولن يجعله عقيماً إلى الأبد، إنه انتقام مرضٍ، أليس كذلك؟”
إذا أصبح غير قادر على خدمة الإمبراطورة، ربما يكون هذا الكلب المجنون أكثر هدوءاً لمدة عام.
هز منير رأسه، ثم غادر بسرعة.
بعد مغادرة منير، بدأ أحد الخدم في سحب عربة الطعام المليئة بالأطباق إلى غرفة كلاين وهو غير مدرك لما في الداخل، بينما كان يدندن بلحن.
في تلك اللحظة.
“انتظر لحظة!”
ناداه أحد الأشخاص وركض نحوه، نظر الخادم، فوجد زميله الذي كان يجب أن يذهب إلى غرفة رانامون.
“ماذا هناك؟”
سأل الخادم، فأجاب زميله بتأسف.
“هل يمكنك استبدال نوع واحد من الطعام؟، الحساء الموجود هنا يحتوي على البازلاء، ورانامون لا يحب البازلاء، كان ينبغي أن يعرف ذلك، ولكن الطباخ أعد الحساء بالبازلاء مرة أخرى، يبدو أن هناك من دفع للطباخ ليقوم بذلك”
أخذ الخادم الذي كان متجهاً إلى كلاين حساء الفطر من عربته واستبدله بالحساء المخصص لرانامون.
“حسناً، بما أن المسؤولين يتشاجرون، يجب علينا أن نساعد بعضنا البعض”
“شكراً جزيلاً، أنا ممتن حقاً!”