رجال الحريم - 59
“مثير للاهتمام”
الرجل في العربة التفت نحو لاتيل ونظر إليها كما لو كان يرى شيئًا مثيرًا للاهتمام.
لكن نظراته لم تكن نظرات شخص يتفحص إنسانًا، فكان تيسير يتأهب في حال احتاج للتدخل في أي لحظة.
بما أنه كان يدير مكانًا مشابهًا، فقد ألف رؤية أشخاص مثل هؤلاء، هؤلاء الأشخاص، الذين ينظرون إلى الآخرين بهذه الطريقة، يمثلون خطرًا حقيقيًا.
كم من الوقت مر؟، الرجل المقنع، الذي كان يضحك رغم وجود السكين على رقبته، أشار إلى لاتيل بإصبعه وسأل.
“إذا كانت قيمة حياتي هي هذه الخريطة، فكم تقدر قيمة حياتكِ أنتِ؟”
توقع تيسير أن لاتيل ستغضب، لكن لاتيل لم تكن تعبر عن غضبها، بل طالبت بهدوء بما تريد.
“أعطني الخريطة”
ظل الرجل المقنع على نفس المنوال، بل على العكس، ضحك أكثر وأخذ يفرك شفتيه بإصبعه الكبير وهو يهمس.
“من الممتع ترويض الوحوش المتعجرفة”
ومع ذلك، عندما بدأ الرجل المقنع في التفوه بكلام فارغ، حولت لاتيل خنجرها بسرعة في يدها وضربت الرجل على رأسه بخفة.
عندما صدرت دقة من رأس الرجل، تجمدت ابتسامته المتعالية، كان يبدو وكأنه يتساءل عما حدث للتو.
صرخ تيسير بقلق نحو لاتيل.
“لماذا تتحرك يدكِ قبل كلماتكِ دائمًا؟”
ربما يظن البعض أن الفوضى مسموح بها في المزادات غير القانونية، لكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، كلما كانت المزاد غير القانونية أكبر، كلما كان لسلطة المنظمة التي تديرها نفوذ أقوى، ولا تتسامح أبدًا مع أي تصرفات غير مرغوب فيها.
كانت المخاوف أن يظهر أصحاب المزاد بسبب عنف لاتيل، ليس من باب الخوف، بل لأن لاتيل لديها الكثير مما يجب إخفاؤه.
“ليس لدي خيار، صبري يقتصر فقط على الأشخاص الذين يطبقون القانون”
رغم أن تيسير كان يريد أن يسأل إذا كان هذا الضمير والصبر موجودين حقًا، إلا أنه نظرًا للظروف، قرر الصمت.
في هذه الأثناء، ضربت لاتيل رأس الرجل مرة أخرى.
ومع ذلك، عندما حاول الرجل النهوض دون أن يغمى عليه، زادت لاتيل قوتها وضربت رأس الرجل بقوة أكبر.
كان الخنجر الذي في يدها مجرد مساهم، إذ كان الأمر كمن يضرب بعظمة اليد.
كان من المتوقع أن تكون هادئة نظرًا لنشأتها، لكن كان لديها عزيمة شديدة.
وأخيرًا، عندما أغشي على الرجل المقنع، اقترب منه الأتباع الذين كانوا يراقبون الموقف من بعيد بوجوه متجهمة.
لم يكن معروفًا أي أوامر تلقوها، حيث كانوا يراقبون أثناء تلقي سيدهم الضربات.
“ابعد الجميع”
لكن لاتيل أعطت تيسير تعليمات بسيطة وواضحة، ثم بدأت في البحث عن الخريطة داخل جاكيت الرجل.
لم يتأثر تصرفها، مهما كان عدد الأشخاص الذين يندفعون نحوها، كان في تصرفها ثقة كاملة في تيسير.
مع هذا، لم يكن أمام تيسير خيار سوى الاستجابة، وبدأ في التعامل مع الأعداء بأسرع ما يمكن.
لم تكن المشكلة في هؤلاء الأشخاص، المشكلة الحقيقية هي المسؤولون عن المزاد الذين سيسمعون عن الفوضى، لم يكن هناك بديل.
يمكن التغاضي عن مشاحنات لاتيل والرجل في العربة، لكن مثل هذه المعارك الكبيرة ستجذب بالتأكيد انتباه المسؤولين عن المزاد، ولا يمكن تجنب القتال في مثل هذه الظروف.
“هل وجدتها؟”
بينما كان يشعر ببعض القلق، كان يسأل وهو يركل معصم خصم يحاول ضربه بالسيف، لكن لم يكن هناك أي رد.
“يا عزيزتي؟”
لأنه لم يستطع أن يناديها بـ “جلالتكِ” في هذه الحالة، نادى تيسير الإمبراطورة بلفظ “عزيزتي” كما ينادي الزوج زوجته، ثم ابتسم بفرح، وعندما لم يحصل على أي رد، أدار قدمه وطرح خصمًا آخر، ثم نظر نحو العربة.
“!”
مادا تفعل جلالتها هناك؟، ومع أن تيسير كاد يصرخ “جلالتكِ” دون أن يدري، رأى من خلال النافذة أن لاتيل كانت تمسك يدها داخل بمعطف الرجل المقنع.
بعد ثواني قليلة قد بدأت تتسلق فوق النافذة للدخول للعربة، وحتى عندما لم تستطع المرور بسهولة، كانت قد علقت على النافذة وكان قدماها معلقتين في الهواء.
“ادفعيني!”
بينما طلبت لاتيل دون أن تدرك الدهشة التي أصابته، دفع تيسير ساقيها بظهره، لكن عينيه ظلتا تدوران بحيرة.
ما هذا؟، لماذا جلالتها داخل العربة؟
“هيا!”
انتزع تيسير الرمح من يد الخصم، ثم استخدم الجزء الخلفي منه لطعنه في صدره، ثم استعاد الرمح وضرب به خصمًا آخر على الجانب المقابل، بعد أن أصبح المحيط خاليًا لبعض الوقت، أمسك تيسير بسرعة بنافذة العربة ونظر إلى لاتيل.
لا أدري لماذا دخلت إلى داخل العربة…
“يا عزيزتي!، يجب أن نذهب!”
بدت لاتيل وكأنها لم تسمع كلمة “عزيزتي” في البداية، ولكنها الآن، عندما سمعتها، رفعت رأسها بسرعة لتنظر إلى تيسير بعينيها الواسعتين.
لكن لم تكن لاتيل هي التي صرخت، بل تيسير.
“آه! ماذا تفعلين!”
“أخلع سرواله!”
“لماذا تخلعينه!”
“لا يوجد شيء في الجزء العلوي!، يبدو أنه مخبأ في سرواله!”
“لماذا تخلعين سروال رجل آخر وليس سروالي؟!”
“لأنه لا يوجد ما أبحث عنه في سروالك!”
“لم تنظري بعد، فلماذا تفترضين؟!”
“هل لديك خريطة كنز هناك؟!”
“لا توجد خريطة، لكن الكنز… اللعنة!”
بعد أن ضرب بطن الخصم الذي كان على وشك مهاجمته من الخلف بمرفقه، أطلق تيسير شتيمة أخرى قصيرة.
“أهذه شتيمة؟، هل شتمتني؟”
“لم أكن أتحدث إليكِ، بل إلى هؤلاء… اللعنة!”
“أشعر أنك كنت تتحدث إليّ!”
“مديرو المزاد قادمون!”
بعد أن تعامل تيسير مع اثنين من الخصوم الذين هجموا عليه بسرعة، قفز إلى مقعد السائق وأمسك باللجام.
“انطلق!”
عندما نزل السوط على الخيول التي كانت تقف مشدوهة، بدأت الخيول تركض فجأة.
بينما كانت لاتيل تبحث في سروال الرجل المقنع عن الخريطة، بدأت العربة تتحرك فجأة، مما جعل جسدها يميل نحو الجانب، فارتطم رأسها بالحاجز.
“تيسير!”
“مديرو المزاد قادمون، إذا أمسكوا بنا، فلن يكون الأمر جيدًا، لذا علينا أن نغادر المكان الآن”
مديرو المزاد قادمون؟، أخرجت لاتيل رأسها من النافذة، ورأت مجموعة من الأشخاص يمتطون الخيول وهم يلاحقونهم.
أحدهم أطلق سهمًا، فمرَّ بالقرب من خد لاتيل وأصابها بخدش طفيف.
“آه.”
أدخلت لاتيل رأسها بسرعة إلى داخل العربة وواصلت البحث في ملابس الرجل المقنع مرة أخرى.
“اللعنة، أين أخفاها؟”
في تلك اللحظة، قبض الرجل الذي كانت لاتيل تظن أنه فاقد الوعي بقوة على معصمها.
رفعت رأسها بفزع، فرأته ينظر إليها بعينين متسائلتين، وكأنه يقول “ما هذا؟”، كان ينظر إليها بارتباك واضح، وهو شيء لم يكن معتادًا عليه.
تدريجيًا، انتقلت عيناه نحو سرواله الذي كانت لاتيل تمسك به.
“!”
***
“نعم قيل إن الشخص الذي جرت الإمبراطورة بسرعة نحوهم كان عظيم الكهنة”
عندما تمتم جيستا بشكل ضعيف، شعر خادمه وحارسه منير بالحزن الشديد.
“لا تحزن كثيرًا، سيدي”
ومع ذلك، لم تختفِ علامات الحزن عن وجه جيستا.
منير، الذي شعر بالحزن وكأن الأمر يخصه أيضًا، بدأ يدور في المكان وهو يقرع الأرض بقدميه، ثم جلس على الأرض أمام شجرة، وبدأ يمزق أوراق العشب الذابلة بأظافره.
“الإمبراطورة قاسية جدًا، جميع المحظيين الآخرين جاءوا بسبب السلطة أو المال أو العائلات، ولكن لم يكن هناك سوى سيدي الذي جاء لأنه يحب الإمبراطورة بصدق، كيف يمكنها إهمال سيدي هكذا؟”
“هي مشغولة”
“مشغولة؟!، لقد خرجت اليوم أيضًا مع تيسير في نزهة!”
فجأة صرخ منير دون قصد، ثم نظر إلى وجه جيستا وأنزل برأسه خجلاً.
“أعتذر، يجب أن تكون أنت منزعج أكثر ”
في النهاية، أصبحت ملامح منير غاضبة، وبدأ يزمجر.
“تيسير ذلك الوغد يبدو كالثعلب الماكر والخبيث، ولا أفهم لماذا تتبعه جلالتها هكذا”
ثم نظر منير بدهشة إلى الزجاجة التي كان جيستا يديرها في يده وسأل بفضول.
“ما هذه؟”
“ماذا؟”
تراجع جيستا بشكل مفاجئ عند سؤال منير، ووجهه أصبح أحمرًا، وتمتم، “والدي…”
“ماذا بشأن رئيس الوزراء؟”
عندما سأل منير مرة أخرى، عض جيستا شفتيه بقلق.
“سيدي؟، هل كانت هذه إحدى المواد التي أرسلها رئيس الوزراء بالأمس؟”
في اليوم السابق، أحضر رئيس الوزراء والدوق اتراكسيل خمس صناديق ضخمة مليئة بالمواد وكأنهم يتنافسون، وطلب جيستا من الخدم أن ينظموا الأمور ببطء، لذا لم يتم تنظيم سوى اثنين من الصناديق حتى الآن، هل كان هناك شيء منها؟.
خفض جيستا بصره وتردد قبل أن يجيب بصوت خافت.
“يبدو أنه دواء يجعل الرجل عقيماً”
انتظر منير بذهول لرد جيستا، ثم صرخ بدهشة وبدأ يلوح بيديه في الهواء.
“آه، لماذا تمسك بهذا الشيء الخطير؟!، ضع هذا بعيدًا!”
“إنه داخل الزجاجة”
“ومع ذلك!، إنه خطر!”
أخذ منير الزجاجة من يد جيستا بسرعة، ثم وضعها في مكان بعيد، وأخرج منديلًا بسرعة ليقوم بتنظيف يدي جيستا.
ولكن بعد أن هدأت صدمته، بدأ الفضول يتسلل إليه تجاه تلك المادة المخيفة.
“هل هي دائمة أم مؤقتة؟”
“مؤقتة، سمعت أنها تدوم حوالي سنة”
“هل تمنع القدرة تمامًا؟، أم أنها…”
“تمنع القدرة تمامًا”
بعد أن انتهى جيستا من الشرح باختصار، غطى وجهه بيديه وكأنه خائف.
“لا أعلم لماذا أرسل شيئًا كهذا، ولكني لا أعرف كيف أتخلص منه أيضًا، ماذا لو تخلصت منه بطريقة خاطئة وأكله شخص آخر عن طريق الخطأ؟”
عندما رأى منير تصرفات رئيس وزراء الدولة اللامبالية، شعر بالغضب داخليًا، بدا أن هذه المواد كانت مرسلة لأغراض الصراع السياسي في القصر، كيف يمكن إرسال مثل هذه الأشياء إلى سيده الطيب؟.
كان من الأفضل لو أنه اعطاها له، لكان قد حمله معه إلى أن يجد له استخدامًا مناسبًا…
“نعم، هذا سيكون جيدًا!”
فور أن خطرت الفكرة في ذهن منير، أسرع وأخذ الزجاجة التي وضعها بعيدًا ولفها بمنديل ثم سأل جيستا.
“سيدي، هل يمكنك إعطائي هذه؟”
“لماذا تحتاج إليها؟”
عندما سأل جيستا بدهشة، ابتسم منير وكأن الأمر لا يعنيه، وأشار بيده.
“كما قلت، لا ينبغي التخلص من مثل هذه الأشياء بشكل عشوائي، سأحتفظ بها وأجد مكانًا مناسبًا لـ’التخلص’ منها”
مثلًا، في فم عظيم الكهنة أو في بطن الأمير كلاين.
لم يذكر منير هذه الكلمات بصوت عالٍ، لأن جيستا طيب القلب قد ينزعج إذا سمع مثل هذه الأفكار.
لحسن الحظ، بدا أن جيستا لم يكن يعرف ما يدور في ذهن منير، فابتسم بارتياح.
“حسنًا، كنت قلقًا بشأن ذلك، يجب ألا يأخذها أي شخص”
“بالطبع”
ابتسم تري بدوره وأدخل الزجاجة الملفوفة بسرعة إلى جيب داخل ملابسه.
***
في تلك الأثناء، كان قائد فرقة الفرسان، بايك هوا، يتجول في الحريم وهو غارق في التفكير بعد سماعه خبر القبض على شخص يُشتبه في كونه ساحرًا أسود في إحدى القرى الصغيرة ذات المواصلات السيئة.
كانت الإمبراطورة لاتراسيل تظن أن مجموعة من السحرة السوداء قد دخلت القصر، وكان بايك هوا غير متأكد مما إذا كان يجب عليه إبلاغ الإمبراطورة أو معالجة الأمر بنفسه.
خلال تجواله، رأى شخصًا ووقف فجأة.
“ذلك الشخص؟”
كان هناك رجل جميل للغاية، يبدو أنه من المحظيين بناءً على ملابسه.
لكن السبب الذي جعل بايك هوا يتوقف لم يكن الجمال المذهل للرجل.
“هل هو…؟”
لم يكن متأكدًا مما إذا كان الأمر حقيقيًا، لكن كان هناك اعتقاد بأن هناك خصمًا يُولد كل 500 سنة لمنع عودة لورد الشر، وأن موعد ولادته كان مُقدّرًا في نبوءة.
كانت النبوءة تشير إلى أنه يجب إرسال كل الأطفال الذين يولدون في ذلك الوقت إلى المعبد.
ومع ذلك، عندما تم جمع الأطفال، ظهرت المشكلة، لم يكن هناك طريقة لمعرفة من هو الخصم.
إذا كان للمعبد قوة كافية، لربما كان بإمكانهم العثور على طريقة لمعرفة ذلك، لكن مع تدهور وضع المعبد، لم يتمكنوا من الاحتفاظ بالعديد من الأطفال لأكثر من ثلاثة أشهر وعادوا جميعًا.
كان ذلك الرجل أحد هؤلاء الأطفال الذين جاؤوا إلى المعبد، وكان الصبي الوحيد الذي بقي في المعبد لمدة شهر واحد بينما الآخرين رحلوا بعد ثلاثة أشهر.
“كان فعلاً مزعجًا”
رغم مرور الوقت، لم يستطع نسيان وجه ذلك الشخص.
في تلك اللحظة، كما لو كان قد سمع حديثه، أدار المحظي الجميل وجهه نحو بايك هوا.
“كان اسمه ل… آه، نعم”
تذكر بايك هوا اسم المحظي، رانامون، كان ابن عائلة أتراكسيل، رانامون، كان الاسم صحيحًا.