رجال الحريم - 57
‘هيسينت هذا المجنون’
لا، هل هيسينت هو المجنون أم أن عظيم الكهنة هو المجنون؟، لماذا أخذ عظيم الكهنة هيسينت معه؟
كان الغضب يغلي بداخل لاتيل، سارت بخطى سريعة نحو الحريم.
إذا كان الشخص الذي أخذه هو كلاين، فهذا يعني أن الأخوين قد التقيا بعد فترة طويلة، أما إذا كان محظيًا آخر، فربما كانت تستطيع تخمين ما يحدث، لكن من سوء الحظ أن الطرف الآخر كان عظيم الكهنة، ولم تستطع أن تتخيل ما الذي كانا يفعلانه معًا.
“آه؟ جلالتكِ!”
عندما دخلت لاتيل الحريم، صادفت جيستا الذي اقترب منها مبتسمًا، ولكنها مرت بجانبه بسرعة قائلة فقط أن يتحدثا لاحقًا.
“جلالتكِ…”
نادى جيستا من خلفها بحيرة، لكن لم يكن في بال لاتيل وقت للتفكير فيه، حيث كانت منشغلة بما قد يكون يفعله هيسينت مع عظيم الكهنة.
“سيدي، يبدو أن جلالتها مشغولة بأمر ما، لا تقلق كثيرًا”
قال منير، محاولًا تهدئة جيستا الذي كان وجهه ما يزال متجهمًا.
‘ماذا أفعل الآن؟’
رأى الخادم تعابير جيستا وشعر بالإحراج، فلم يجرؤ على رفع رأسه، وظل منحنياً.
كان هذا من حظه، فلو رأى الآن نظرات جيستا الباردة، لكان قد ارتعب.
رفع جيستا يده ليغطي عينيه، ثم نادى الخادم.
“منير”
“نعم، سيدي! آه، سيدي، لا تبكِ…”
“هل يمكنك أن تذهب وتتحقق الي أين تتجه جلالتها بهذه السرعة؟”
“نعم، سأفعل!”
اعتقد منير خطأً أن جيستا يبكي، فركض بسرعة في الاتجاه الذي ذهبت فيه لاتيل.
عندما أصبح وحده، أنزل جيستا يده ببطء من على عينيه وأخذ نفسًا عميقًا.
“أيًا كان الشخص الذي ذهبتِ إليه… فسوف أقضي عليه بيدي، جلالتكِ، لم اضحي بنفسي لأجل ان أُنقذ حياتكِ لأرسلكِ إلى رجل آخر”
* * *
بينما كانت لاتيل تتجه مباشرة إلى غرفة عظيم الكهنة، لم تكن على علم بما يفكر فيه جيستا الغيور بعدما مرت بجانبه كما لو كان مجرد حجر على جانب الطريق.
لم يكن يتبادر إلى ذهن لاتيل سوى فكرة العثور بسرعة على هيسينت ورميه بعيدًا حتى كاريسين.
‘ماذا لو لم يكن في غرفة عظيم الكهنة؟…’
لا، يجب أن أبحث عن عظيم الكهنة، آخر أثر له اختفى معه.
“ماذا؟ جلالتكِ!”
لحسن الحظ، كان هيسينت مع عظيم الكهنة، وكانا في وضع ودود للغاية… كانا يمارسان التمارين سويًا.
“ما الذي تفعلانه؟”
عندما هرعت لاتيل وهي تلهث، وفتحت الباب لتجد هذا المشهد الغريب أمامها، سألت وهي في حالة من الذهول، فنهض عظيم الكهنة على الفور وضحك بصوت عالٍ.
“هذا الفتى من كاريسين، لديه بنية قوية للغاية، علاوة على ذلك، لديه موهبة في المبارزة، بعد وقت طويل، شعرت كأني التقيت بمنافس جيد، فتحدثنا عن أشياء متعددة…”
كفى!.
لاتيل شعرت بالصداع الشديد، وأوقفت حديث عظيم الكهنة بوضع يدها على فمه، حتى من يفتقر إلى الإدراك يجب أن يعرف متى يتوقف… عظيم الكهنة هذا، حقًا…
وبينما كانت لاتيل تسد فم عظيم الكهنة، نظرت بحدة إلى هيسينت، حتى لو كنت لا تعرف ما يحدث، كيف يمكن أن تكون مستريحًا هكذا؟.
لكن هيسينت كان يجلس على الأريكة، مسترخٍ، وينظر إليها بوجه مبتسم.
لابد أنه يجد الأمر مضحكًا، لا يمكن ألا يكون ذلك مضحكًا، زوجك وحبيبك الحالي لا يعرف شيئًا عن الحبيب السابق، ويظهر أمامه بكل براءة، ألن يكون هذا مثيرًا للسخرية؟
“جلالتكِ؟”
عندما أصبح وجه لاتيل قاتمًا، أدرك عظيم الكهنة أخيرًا أن هناك خطبًا ما، فأمسك بيد لاتيل التي كانت تغطي فمه وسأل :
“ما بكِ؟ تبدين شاحبة”
في الأصل، كانت لاتيل تخطط لسحب هيسينت فورًا عند العثور عليه في غرفة عظيم الكهنة.
كانت ستأخذه إلى مكان منعزل، وتركله بشدة في ساقه، وتصرخ فيه غاضبة : “هل تمزح معي؟”.
لكن عندما نظر إليها هيسينت بابتسامة توحي بـ”زوجكِ لطيف، أليس كذلك؟”، تحطم كبرياء لاتيل.
الاستياء والغضب اختلطا معًا حتى باتت لاتيل غير قادرة على التمييز بينهما.
أمام الحبيب السابق، الذي تخلى عنها ورحل، كان عليها أن تبدو بأبهى وأروع صورة.
في اللحظة التي تلاقت فيها نظراتها مع عيني هيسينت الرماديتين المملوءتين بالضحك، طردت لاتيل غضبها وسحبت عظيم الكهنة من ياقة ثوبه.
“جلالتكِ.”
ما تم سحبه هو شفاه عظيم الكهنة.
“!”
أغلقت لاتيل شفتيه بقبلتها الغاضبة، بينما كانت تمسك شعره بعنف، ومع ذلك، لم ترفع عينها عن هيسينت.
كانت هذه القبلة رسالة لهيسينت، سواء كنت تلعب مع محظي أو تتجاهله أو تخدعه، في النهاية هو رجلي الآن، وليس أنت.
لو أن هيسينت جاء هنا حقًا بدافع رغبته في رؤيتها… فإن كبرياءه الآن قد تحطم.
“جلالتكِ”
تنفس عظيم الكهنة بلهفة، فقد كانت هذه أول قبلة له، بدا أنه لا يعرف حتى كيفية التنفس بشكل صحيح، فصدره كان يرتفع وينخفض بسرعة.
ومع ذلك، احتضن عظيم الكهنة لاتيل، ناسياً تمامًا وجود أي شخص آخر في الغرفة، مستسلمًا للمشاعر التي لم يشعر بها من قبل.
مسحت لاتيل شعره بيدها، وطبعت أسنانها على خده الذي لم يلمسه أحد، بينما كانت تحدق في هيسينت.
وكان التأثير واضحًا للغاية، عينيه اللتين كانتا مملوءتين بالضحك أصبحتا ثقيلتين ومظلمتين.
بمجرد أن رأت ذلك، بدأت مشاعر الغضب التي كانت تغلي في قلبها تتلاشى تدريجيًا، وتتحول إلى لون رمادي، تمامًا مثل عيني هيسينت.
عندها، انحنت عينا لاتيل وكأنها هلال.
***
“يا عظيم الكهنة، النبلاء قد أحضروا لك هدايا مجددًا…”
بعد أن غادرت لاتيل بصحبة هيسينت، دخل الكاهن المرافق الغرفة وهو يحمل الهدايا المرسلة إلى عظيم الكهنة بصعوبة، لكنه عندما رأى شفتي عظيم الكهنة المتورمتين، أطلق شهقة عالية وأسقط كل الهدايا التي كان يحملها.
ولم يكن ذلك كافيًا، إذ سقط الكاهن المرافق على الأرض مصدومًا وأشار بإصبعه إلى وجه عظيم الكهنة بينما كانت شفتاه ترتجفان.
“يا… يا عظيم الكهنة! شفاهك…!”
كان عظيم الكهنة يقف في وسط الغرفة وهو في حالة ذهول، وما إن سمع كلام الكاهن المرافق حتى لمس شفتيه بيده.
“من الذي تجرأ وفعل ذلك بشفاه عظيم الكهنة؟!”
الكاهن المرافق، الذي كان على وشك البكاء، كاد يفقد أعصابه عندما رأى شفتي عظيم الكهنة المتورمتين، حتى خلال ترحاله للحفاظ على هويته متخفية، كان دائمًا يحرص على عدم تلويث جسده أو روحه بأي دنس دنيوي. كيف يجرؤ شخص على إفساد شفتي عظيم الكهنة هكذا؟.
“من فعل ذلك؟! من تجرأ على لمس عظيم الكهنة؟!”
“جلالتها”
حين همس عظيم الكهنة بخجل بأن “جلالتها” هي الفاعلة، سكت الكاهن المرافق على الفور.
كان عظيم الكهنة الآن في مقام أحد المحظيين، وسيد ومالك المحظيين الوحيد هو الإمبراطورة لاتيل، وإذا جاءت الإمبراطورة وقبّلت زوجها، فماذا يمكن فعله؟، لا شيء، لا يمكن لأحد منعها.
وبالإضافة إلى ذلك، كان عظيم الكهنة نفسه يبدو مذهولًا بما حدث.
“هل… هل سرقت الإمبراطورة روحك أثناء القبلة؟، لماذا تبدو بهذا الوجه، يا عظيم الكهنة؟، هذا ليس تصرفك المعتاد!”
حتى الكاهن المرافق، الذي لم يكن له سبب ليحزن، اهتز صوته بحزن، لا يوجد سبب محدد يجعله حزينًا، لكنه كان يشعر بالحزن على كل حال.
كان دائمًا ما يسمع عظيم الكهنة يردد كلمات مثل “التمرين!” و”العضلات!”، لكنه الآن يقف هنا، يلمس شفتيه المتورمتين بتلك النظرة الحالمة… كان ذلك غريبًا للغاية.
لكن عظيم الكهنة، بدلاً من الإجابة، ابتسم بهدوء، ثم تقدم نحو السرير وتدحرج فوقه متكومًا.
“هل أعجبك ذلك كثيرًا؟”
الكاهن المرافق، الذي كان مذهولًا ومغتاظًا أكثر، سأل عظيم الكهنة، لكن الأخير أومأ برأسه وضحك ضحكة واسعة.
“أعجبني جدًا، لم أكن أفهم لماذا يقوم الناس بتقبيل بعضهم البعض، لكنه أفضل مما توقعت.”
***
لاتيل، التي تسببت عن غير قصد في صدمة للكاهن المرافق، كانت تسير بسرعة في الممر وهي تندم على ما فعلته في لحظة غضب.
على عكس المحظيين الآخرين الذين سيظلون معها مدى الحياة، قد تضطر إلى الانفصال عن عظيم الكهنة يومًا ما بعد زوال الخطر، لكنها، وبشكل اندفاعي، قبلته…
بالطبع، لو كان الشخص الآخر في تلك الغرفة غير عظيم الكهنة، لكانت قد قبّلته أيضًا، ولكن بعد تقبيل عظيم الكهنة، شعرت بذنب شديد وكأنها انتهكت قدسية لا يجب المساس بها.
ومع ذلك، عندما فكرت في شفتي هيسينت المطبقتين بإحكام، شعرت بالراحة، كيف يمكن أن تكون مشاعر الإنسان هكذا؟
إلى أي مدى استمرت في السير؟
في هذا الهدوء الليلي، لم يكن يُسمع سوى صوت العصافير وخطوات الشخصين اللذين كانا يسيران معًا. عندها، تسلل صوت هيسينت إلى ذلك الهدوء.
“لم أقبل أحدًا غيرك.”
كانت لاتيل تسير بسرعة عبر الممر قبل أن تتوقف فجأة وتستدير بسرعة، هيسينت، الذي كان يسير خلفها بميلان، توقف بدوره واستدار نحوها.
لاحظت لاتيل أن تعابير وجه هيسينت، التي كانت ممتلئة بالغضب سابقًا، أصبحت الآن مملوءة بالحزن، وربما بنوع من الغيرة أيضًا.
لم تكن متأكدة ما إذا كان “اشتقت إليك” التي قالها هي الحقيقة، ولكن بدا أن شعوره بالشوق كان صادقًا.
لكن هذا كل شيء، ابتسمت لاتيل بتهكم وتحدثت بغرور.
“حقًا؟، أما أنا فقد قبلت الكثير، لدي ستة محظيين.”
ارتجفت عينا هيسينت لدى سماع ذلك، مما جعل لاتيل تشعر بالراحة أكثر، فابتسمت بسخرية وأضافت :
“لماذا تتظاهر بالصدمة؟، لديك أيضًا العديد من المحظييات، عش حياتك بسعادة، لن أعود إليك لمجرد أنك تبقى مخلصًا وحدك، ذلك لا يعني شيئًا، تزوجت أيضًا.”
بعد قولها ذلك، شعرت لاتيل ببعض الندم وتساءلت في نفسها : “لماذا قلت شيئًا تافهًا مثل هذا؟”، لكنها سرعان ما تجاهلت الأمر وواصلت سيرها بسرعة.
على أي حال، بدا أنه من المستحيل الآن أن تسأل هيسينت لماذا جاء، في هذه الحالة، لن يتمكنا من إجراء محادثة هادئة.
“لا يهمني الآخرون، ولكن لدي سؤال واحد فقط.”
لكن صوت هيسينت من الخلف جعل لاتيل تتوقف عن المشي، صوته كان حزينًا للغاية.
وهذا الصوت…
– “لقد تمرد الأمير هيوم، يجب أن تعود، يا جلالتك”
– “والدي؟، ماذا حدث له؟”
كان هذا هو الصوت الذي سأل به هيسينت عن وفاة والده عندما جاء رسول الطوارئ ليخبره عن تمرد هيوم أثناء دراسته بالخارج.
استدارت لاتيل ببطء.
كان هيسينت يقف على بُعد عدة خطوات منها، ينظر إليها بعيون مليئة بالدموع.
“هل… هل قبلت أخي أيضًا؟”
“!”
“هل قبلت أخي…؟”
***
“يا زعيم، سيكتشفون أمرك.”
بينما كان تيسير يتأمل شيئًا ما من فوق قمة الشجرة، أطلق هيرلان تنهيدة.
“لماذا تنظر هكذا؟”
لكن تيسير لم يرد، بل أشار إلى هيرلان بأن يلتزم الصمت، واستمر في التحديق نحو شيء ما.
كم من الوقت مضى؟، أخيرًا، نزل تيسير من الشجرة وقال بنبرة مليئة بالدهشة : “يا له من مشهد لا يُصدق.”
“مهما كان ما رأيته، لا يمكن أن يكون أكثر إثارة مما رأيته أنا”
“وماذا رأيت أنت؟”
“رأيت مؤخرة الزعيم وهو معلق على الشجرة!”
قهقه تيسير وضرب ظهر هيرلان ضاحكًا.
“لا، أنا جاد، إذا أخبرتك بما رأيت، ستصدم حقًا.”
“وماذا رأيت؟، هل قررت جلالتها أن تتخذ الزوج السابع لها؟”
“الإمبراطور هيسينت”
كان هيرلان على وشك أن يستمر في شكواه بشأن تصرفات تيسير، لكنه توقف فجأة وسأله مندهشًا: “ماذا قلت؟”
” الإمبراطور هيسينت، لم أتمكن من سماع ما قاله بسبب المسافة، لكن الأجواء كانت واضحة.”
هيرلان، وقد بدا عليه الذهول، نظر حوله بسرعة ثم خفض صوته وسأل مجددًا: “هل هذا حقيقي؟ هل جاء بشكل غير رسمي؟”
“ألم يكن الإمبراطور وجلالتها في علاقة سابقة؟”
“ليس مؤكدًا، ولكن هذا ما كنتَ تفترضه”
“كنت أعتقد أنهما انفصلا، ولكن يبدو أن مشاعرهما لا تزال متشابكة”
اتسعت عينا هيرلان بدهشة.
“أليس هذا خطيرًا؟”
“ما الخطر في ذلك؟، مهما كانت مشاعرهما الآن، الإمبراطور متزوج بالفعل ولديه إمبراطورة، انتهى الأمر.”
نظر هيرلان حوله مرة أخرى، وخفض صوته أكثر وهو يهمس.
“الأمر ليس بهذه البساطة يا زعيم، هناك شائعات غريبة تدور حول كاريسين مؤخرًا.”
“شائعات غريبة؟، آه، هل تقصد تلك الشائعات عن طلاق الإمبراطور؟”
رفع تيسير كتفيه بلا مبالاة، وكأنه لم يكن يرى في ذلك شيئًا جادًا.
“لم يحدث شيء بعد، الإمبراطورة آيني وعائلتها لم يرتكبوا أي خطأ واضح، ربما يفعلون شيئًا خلف الأبواب المغلقة، لكن علنًا، لا شيء.”
“لا، ليس الشائعات القديمة، هناك أخبار جديدة تمامًا وصلت للتو”
كان هيرلان من بين أكثر الأشخاص إطلاعًا داخل قافلة أنجيه، وكانت سرعة حصوله على المعلومات مدهشة، حتى أسرع أحيانًا من شبكة الغابة السوداء.
لذلك، بدلاً من تجاهله، انصت تيسير وسأله بجدية: “ما هي الأخبار؟”
“الإمبراطورة آيني، يقولون إنها فقدت عقلها.”
“ماذا؟ ماذا تعني؟ كيف يمكن لشخص عاقل أن يفقد عقله هكذا؟”
“يقولون إنها ترى أشباحًا، تتحدث عن رؤية أرواح، وتدعي أن الأمير الميت يأكل أصدقاءها، يبدو أنها تثير ضجة كبيرة مؤخرًا، ربما حدث ذلك منذ بضعة أيام فقط.”