رجال الحريم - 55
“ارتدي ملابسك بسرعة” همست لاتيل، لكن صوتها توقف وكأنه عالق في حنجرتها.
‘إنه حقًا وسيم للغاية’
كانت لاتيل تحدق في بشرة كلاين التي بدت ناعمة، وفجأة شعرت بالفضول لمعرفة ملمسها، بدا لها أن يديها قد تنزلقان على بشرته بسلاسة إذا لمسته.
لكن، التفكير في أنها تستطيع أن تتحقق من الأمر بهذه الطريقة المباشرة جعلها تشعر وكأنها تستطيع فعل ذلك.
مع ذلك، شعرت أنه في اللحظة التي تلمسه فيها، ستنهار تلك الحدود التي وضعتها لنفسها بأن “لا تنجب اطفال حتى تستقر السلطة الإمبراطورية”، لذا لم تستطع أن ترفع يدها.
“جلالتكِ”
ولكن كلاين، على ما يبدو، قد قرر تمامًا ما سيفعله، حيث تحرك بجسده بطريقة مغرية، ثم جلس وأصدر صوتًا رطبًا ينادي به اسم لاتيل.
‘من أين تعلم هذا؟’
بابتسامة مغرية، أغمضت لاتيل عينيها وزفرت بتنهيدة قبل أن تأمره.
“ارتدي ملابسك، كلاين”
لكن يبدو أن هذا الأمر لم يرضِ كلاين.
في الواقع، منذ اللحظة التي استلقى فيها بهذه الطريقة على الأرض، كان يشعر بالفعل بأن كبرياءه قد تلقى ضربة قوية، كل ذلك فقط لكسب قلبها.
وعندما أعطته لاتيل أمرها وهي تغلق عينيها وكأنها تشعر بالاشمئزاز، شعر كلاين أن شيئًا في قلبه قد انكمش بقوة.
في الحقيقة، لاتيل أغمضت عينيها لتتمكن من مقاومة إغرائه، لكن كلاين لم يدرك ذلك.
في النهاية، ارتسمت على وجهه تعابير باردة، ونهض من الأرض بسرعة.
‘ماذا؟’
كلاين، الذي كان مستلقيًا ويتلوى على الأرض، نهض بسرعة كما لو كان قد أُمر، فعبست لاتيل من المفاجأة.
وما زاد الأمر سوءًا هو أن تعابير وجه كلاين التي كانت مسترخية تمامًا قبل لحظات قد تجمدت مثل تعابير رانامون، والأسوأ أنه، على غير عادته، لم ينطق بكلمة واحدة، واكتفى باقفال أزرار قميصه بصمت.
ثم ألقى نظرة خاطفة على لاتيل قبل أن يخرج من الغرفة دون أن ينطق بكلمة، تاركًا لاتيل وحدها في الغرفة.
‘ما الذي يحدث معه؟’
وقفت لاتيل تنظر إلى الباب المغلق بذهول، لكن كلاين كان قد اختفى بالفعل.
* * *
كُشِفَ أن هوية موزع الملهي الحقيقية هي عظيم الكهنة، ودخلت جماعة النبيذ الأبيض الحريم لتتولى حماية عظيم الكهنة، في هذه الأثناء، حاول كلاين إغواء لاتيل بالتظاهر بالمرض، لكنه فشل، مما جعله يشعر بالإحباط وبدأ بتجنبها، ومع ذلك، لم يحدث أي شيء مهم أو حادثة خلال الأيام التالية.
رغم أن الوزراء والنبلاء أساؤوا فهم سياسة الزواج الملكي الخاصة بلاتيل وظنوا أنها شخصية مهيبة، إلا أن لاتيل لم تكلف نفسها عناء تصحيح هذا الاعتقاد، معتبرةً أنه لا حاجة لذلك.
لحسن الحظ، لم تظهر أي مشاكل جديدة تتعلق بالسحرة السود، مما سمح للاتيل بالتركيز على شؤون الدولة.
“يا عظيم الكهنة، هل عادةً لا تأتي جلالتها إلى الحريم؟”
“أليس من الأفضل أن نضع خطة لجلب جلالتها إلى هنا؟”
كان فرسان جماعة النبيذ الأبيض، الذين جاءوا مستعدين لمواجهة معارك شديدة في عالم الفانين، في حالة من الدهشة بسبب هذا الوضع.
“ستأتي جلالتها عندما يحين الوقت، ما يجب علينا فعله هو الاستعداد لها بالعضلات القوية عندما تأتي، هيا يا رفاق، لنتمرن”
وبذلك، بقى عظيم الكهنة يهدئ الفرسان بلطف كما يُتوقع منه، وجعلهم يركضون حول حديقة الحريم الداخلية خمسين مرة في الصباح والمساء.
وبعد حوالي خمسة عشر يومًا، ومع استمرار كلاين في تجنب لاتيل، حتى كبير الخدم الذي لا يحب كلاين بدأ يشعر بالقلق وتساءل إن كان ينبغي على لاتيل تهدئة الأمير.
لكن ظهرت نتائج غير متوقعة لقبول عظيم الكهنة كأحد الحظيين.
“وفد من ويلان؟”
“نعم، جلالتكِ، يبدو أنهم سمعوا أنكِ قد استقبلتِ عظيم الكهنة”
بمجرد أن سمعوا بأن لاتيل قد استقبلت عظيم الكهنة، أرسلت مملكة ويلان وفدًا دبلوماسيًا.
“هذا مزعج”
كانت ويلان دائمًا دولة صديقة، لكنها دولة تعتمد في علاقاتها على مبدأ “ضعيف مع القوي وقوي مع الضعيف”، وهذا يعني أن ويلان بقيت صديقة بسبب قوة تاريوم.
على الرغم من العلاقة القوية بين ويلان وتاريوم على مدى عدة أجيال، كانت ويلان دائمًا تبحث عن فرصة للغدر، لذا، عندما أرسلت ويلان وفدًا في هذا الوقت، بدأت لاتيل تشعر بالقلق.
“جلالتكِ اعتليتِ العرش بسلام وتُظهرين حكمًا جيدًا، والشعب أيضًا راضٍ عن قيادتكِ، وتاريوم قوية، فما الذي يُخيفكِ؟”
تحدث السير سونوت بارتياح، لكن لاتيل لم تتفق معه.
“أنا قلقة من أن تكون الدول الأخرى معادية لنا جميعًا بسبب قراري بجعل عظيم الكهنة أحد المحظيين، يا سير سونوت”
“حتى لو كانوا جميعًا ضدنا، يمكننا الانتصار”
“صحيح، بشرط أن لا يكون تالا مختبئ في مكان ما”
“!”
لاتيل فكرت للحظة، ثم تذكرت تقريرًا وصل إليها قبل ثلاثة أيام وسألت كبير الخدم :
“آه، هل ذكرت أن وفدًا من كاريسن قادم أيضًا؟”
“نعم، جلالتكِ”
“إذن لنرتب وصول الوفدين في وقت متقارب.”
“ماذا؟”
“علينا أن نرحب بوفدي البلدين معًا في قاعة الاستقبال، إذا أحضرت كلاين معي، فسيبدو أن علاقتنا مع كاريسن جيدة، أما بالنسبة إلى ويلان، فسيشعرون أنه لا فائدة من محاولة التأثير على الدول الأخرى من حولنا، فهم لا يعرفون شيئًا عن تالا”
“فكرة رائعة!”
بإعجاب كبير، أسرع كبير الخدم لتنفيذ أوامر لاتيل.
ثم أمرت لاتيل أحد السكرتارية أيضًا.
“اذهب وأخبر الأمير كلاين أن وفد كاريسن سيصل قريبًا، ويجب عليه أن يلبس جيدًا ويأتي إلى هنا”
“نعم، جلالتكِ”
ولكن بعد فترة قصيرة، عاد السكرتير بوجه كئيب ليقدم تقريره.
“جلالتكِ، يقول الأمير إنه لا يشعر بصحة جيدة، ولن يتمكن من حضور الاستقبال”
* * *
بدلًا من إرسال شخص آخر، تأكدت لاتيل من موعد وصول الوفود بنفسها، ثم ذهبت شخصيًا إلى الحريم.
“أين كلاين؟”
“إنه في غرفته”
عندما دخلت لاتيل الغرفة، تفاجأ الحراس ونادوا بصوت خافت إلى الداخل.
“الأمير، جلالتها هنا”
ولكن لم يأتِ أي صوت من الداخل، مما جعل الحراس ينظرون إلى لاتيل بقلق.
“الأمير.”
نادوا عليه مجددًا، ولكن لاتيل رفعت يدها لتوقفهم.
“يكفي.”
قبل أن يتمكن الحارس من قول أي شيء آخر، أمسكت لاتيل بالمقبض وفتحت الباب، وتوجهت مباشرة إلى غرفة النوم عبر الممر الأوسط.
لاتيل فتحت الستائر المثبتة على القوس بعنف ثم وقفت تنظر بذراعيها معقودتين، لترى كلاين جالسًا عند النافذة.
“لا يمكنكِ الدخول إلى غرفتي بهذه الطريقة دون إذن”
قال كلاين وهو يضغط جبهته على النافذة، وعندما دخلت لاتيل، نهض بغضب معترضًا.
لاتيل نظرت إلى العلامة الحمراء على جبهته، وعقدت حاجبيها بقلق.
‘كم من الوقت كان جالسًا هكذا؟’
رغم أنه تحدث كما لو أنه لم يهتم بها على الإطلاق، إلا أنه كان يشاهد النافذة طوال الوقت، يبدو أنه قد لاحظ قدومها منذ البداية.
وعندما رأى كلاين نظرتها إلى جبهته، أدرك أنه تم اكتشافه فابتعد عن النافذة محاولًا أن يمسح أثر العلامة.
“كلاين”
لاتيل تنفست بعمق واقتربت منه، ممسكةً بذراعه، رغم أنه كان يتجنبها طوال نصف شهر، إلا أنه لم يكن غاضبًا جدًا كما كانت تتوقع.
“لماذا تتصرف بهذه الطفولية؟”
“طفولية؟ هل قلتِ إني طفولي؟”
“الوفد من بلدك قادم، وطلبت منك أن تأتي لتحييهم، ألا تريد ذلك؟”
“تعلمين تمامًا لماذا لا أريد”
“لا، لا أعلم، لم أكن يومًا طفولية هكذا، لذا لا أستطيع تخيل كيف يشعر الشخص الطفولي”
“شخص طفولي؟!”
كلاين فتح فمه متفاجئًا، لكن لاتيل ضغطت على ذقنه لإغلاقه ثم استمرت في اللعب على وتر كبريائه.
“هل غضبت لأنني تركتك هكذا على الأرض منذ أيام؟”
“!”
“لم يكن لدي خيار، قلت إنك مريض، فقلقت وجئت إليك بسرعة، ولكن بدل أن تكون مريضًا، كنت مستلقيًا بهذه الطريقة، كان من الطبيعي أن أغضب، لقد قلقت عليك كثيرًا”
“لابد أنني كنت في حالة سيئة حتى أفعل ذلك!”
“ما الذي جعلك تصل إلى هذه الحالة؟”
نظرت إليه لاتيل بابتسامة تحمل تعبيرًا “أنا لا أعرف شيئًا”، ما جعله يحرك فمه وكأنه يريد الحديث.
كلاين كان واثقًا تمامًا من أن لاتيل تحبه، ورغم أن الظهور المفاجئ لجايسين قد جعله يشعر ببعض الانكسار، إلا أنه عندما تبين أن الشخص الذي ظهر هو عظيم الكهنة، استعاد بعض ثقته، لكن عندما رأت لاتيل محاولته في الإغراء وغادرت، تحطم كبرياؤه تمامًا.
ورغم ذلك، كان يخشى أن يطالب بتفسير، لأنه قد يبدو وكأنه يحبها أكثر مما تحبه هي.
“تحدث، كلاين، إن لم تتحدث، لن أفهمك”
عندما ابتسمت لاتيل مرة أخرى بنفس الابتسامة البريئة، تردد كلاين ثم بقي صامتًا، وأخيرًا أسند جبهته على كتفها.
حسنًا، يبدو أنه قد هدأ.
ومع ذلك، بينما كانت تربت على كتفه بلطف، فكرت لاتيل بحسابية واقترحت بصوت لطيف :
“حسنًا، دعنا نؤجل الحديث الطويل لاحقًا، الآن، دعنا نتزين قليلاً، ونرتدي شيئًا لامعًا”
“لماذا عليّ أن أتزين؟”
“الوفد من كاريسن قادم، ويجب أن تظهر لهم أنك بخير وتعيش حياة جيدة معي، إنهم من بلدك، ألا تود رؤيتهم؟”
بعد أن هدأت لاتيل كلاين بطريقة ما، نجحت في تزيينه بأناقة وأخذته إلى قاعة الاستقبال.
كلاين، الذي بدا أن مزاجه قد تحسن بسرعة بفضل اهتمام لاتيل به، أمسك بيدها وسار بثقة مرفوع الكتفين، عند رؤيته بهذه الحالة، لم تستطع لاتيل إلا أن تبتسم في سرها.
‘هل جسده في القصر وروحه في قرية نائية بجانب نهر صافٍ؟’
ولكن كان سلوكه الصريح لطيفًا، مما جعل لاتيل تكرر لنفسها وعدًا كانت قد نسيته عدة مرات.
‘إنه بريء في بعض الجوانب، لذا يجب أن أتعامل معه بلطف، لن احزنه، فهو الأكثر ثقة بين المحظيين’
بغض النظر، كان مخطط لاتيل يسير بشكل مثالي.
فقد كان وفد ويلان الذي كان ينتظر مع وفد كاريسن في قاعة الاستقبال، مرتبكًا عندما ظهرت لاتيل برفقة كلاين، ورأوا رد فعل وفد كاريسن السعيد برؤية كلاين، مما جعل تعابيرهم متجمدة.
‘لماذا تحاولون اللعب؟’
ضحكت لاتيل في سرها وهي تتظاهر بالعناية بكلاين أكثر.
ولكن بينما كانت الأمور تسير على ما يرام من وجهة نظر لاتيل، فجأة فتح أحد أعضاء وفد ويلان فمه قائلًا :
“سياسة الزواج هذه قد تكون مريحة في عهد جلالتكِ، لكنها ستسبب الكثير من المشاكل في الأجيال اللاحقة، أليس كذلك؟”
“أخذتم الأمير من كاريسن، عظيم الكهنة، وحتى ابن رئيس الوزراء، هل تستطيعن تحمل عواقب ذلك لاحقًا؟”
كان صوته يحمل نبرة ساخرة، وبمجرد أن انتهى من الحديث، أصبح الجو في قاعة الاستقبال مشحونًا ومتوترًا.
“أجل، سمعت أن ويلان واجهت مشكلة مشابهة، شكرًا على تحذيرك، سأتعلم من أخطائكم.”
ابتسمت لاتيل وأعادت الكرة إليه بكلمات لاذعة، مما جعل أجواء وفد ويلان تزداد برودة.
لكن بدلاً من إنهاء الأمر هنا، استمر ذلك الدبلوماسي الوقح في طرح أسئلة أكثر تحديًا.
“إذا كانت سياستكِ تعتمد على الزواج لتحقيق القوة، لربما كان من الأفضل أن تتزوجي في بلد آخر كإمبراطورة أو ملكة، على الأقل لم يكن عليكِ قتل أخيكِ بيدكِ. للأسف”
هذه المرة، حتى وفد ويلان فوجئ وثقلت أكتافهم، من الواضح أن هذه الاستفزازات لم تكن مخططًا لها مسبقًا.
ولكن رغم ذلك، لم يتمكن أحد من منع ذلك الدبلوماسي الوقح، مما جعل لاتيل تفكر :
‘يبدو أن هذا الدبلوماسي له رتبة أعلى من الكونت الذي يقود الوفد؟’
تمامًا كما كانت لاتيل تستعد لتوبيخه بطريقة ملتوية لجعله يلتزم بالأدب، ضحك فجأة أحد أعضاء وفد كاريسن الذي كان جالسًا بهدوء في الخلف.
ضحكة لم تكن عالية، لكنها كانت واضحة بما يكفي ليسمعها الجميع في القاعة، نظرًا للجو البارد والصمت المحيط، حتى الدبلوماسي الوقح من وفد ويلان سمعها، فعبس والتفت إلى الخلف ليكتشف مصدرها.
جذب هذا الانتباه إلى أحد دبلوماسيي وفد كاريسن الذي كان صامتًا طوال الوقت، والذي همس بصوت منخفض :
“آه، أعتذر، بدوت لي مثل زبيبة يابسة تسخر من العنب”
عندها تصلبت ملامح دبلوماسي ويلان، لكن دبلوماسي كاريسن لم يتوقف عند هذا الحد وأضاف :
“تجميع شبان موهوبين في الحريم الملكي هو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عندما تكون الدولة قوية، أما ويلان، فهي دولة تضطر للتوسل حتى لقبول فرد واحد في الحريم، ربما من الطبيعي أنهم لا يفهمون رغبة جلالتها لاتراسيل”
ضحكات ساخرة بدأت تتصاعد من أعضاء وفد كاريسن بينما احمرت وجوه دبلوماسيي ويلان من الغضب والإهانة، لم يكن أحد يتوقع من وفد كاريسن أن يدافع بهذا الوضوح عن تاريوم، رغم أن الأمير نفسه كان مجرد محظي في الحريم.
حتى وزراء تاريوم بدأوا بالضحك وهم ينظرون إلى وفد ويلان بنظرات متعالية، لكن لاتيل لم تستطع الانضمام إليهم في الضحك، على العكس، بدا على وجهها تعبير مشابه لذلك الذي ظهر على وجوه وفد ويلان.
كان هناك سبب لذلك.
‘ذلك الصوت…’
بلعت لاتيل ريقها ونظرت بعينين مترددتين إلى الدبلوماسي من كاريسن الذي كان يرتدي قبعة تغطي وجهه جزئيًا، كاشفًا عن أسفل ذقنه فقط.
‘هذا… هيسينت’
كانت متأكدة تمامًا أنه هو.