رجال الحريم - 50
“مالكتي”
ولكن بمجرد أن نادت لاتيل الطبيب الملكي، فتح كارلين عينيه وأمسك بها.
“لا يمكنكِ فعل ذلك”
“لماذا لا يمكنني؟!”
صرخت لاتيل بغضب، كان وجهه شاحبًا تمامًا، ومع ذلك كان يقول لها ألا تنادي الطبيب، هل جنّ؟.
“هل تخاف من الأطباء وأنت لست حتى طفلًا؟”
قالت لاتيل بلهجة ساخرة وهي تحاول جعله يستلقي على السرير، رغم أنه لم يكن أحد المحظيين الذين تزوجتهم حبًا، إلا أنه كان أحد المحظيين في النهاية، شعرت بالشفقة عليه عندما رأت شفتيه خالية تمامًا من أي لون دم.
“لن يعطيك إبرة”
‘ربما’
“لذلك دع الطبيب يفحصك، وجهك يبدو سيئًا للغاية، لا حيوية فيه”
“……”
بينما كانت لاتيل تمسح برفق على شعر كارلين، جاء خادم كارلين من خارج الغرفة ليعلن أن الطبيب الملكي قد وصل.
“دعه يدخل”
دخل الطبيب الملكي وهو يحمل حقيبة فحص كبيرة، وانحنى بلطف أمام لاتيل.
“هل طلبتني، جلالتكِ؟”
“لقد فقد كارلين وعيه فجأة، وجهه شاحب أيضًا، تحقق مما إذا كان بخير.”
عندما ابتعدت لاتيل جانبًا، انحنى الطبيب الملكي مرة أخرى وتوجه إلى جانب السرير حيث كان كارلين مستلقيًا، فتح كارلين عينيه جزئيًا لكنه لم ينظر نحو الطبيب الملكي.
‘أتمنى أن يكون بخير’
بينما كان الطبيب الملكي يخرج سماعته الطبية من حقيبته ويفحص كارلين، كانت لاتيل تراقب المشهد بقلق بالغ.
“……”
بعد فترة طويلة من الفحص الصامت، خلع الطبيب الملكي سماعته، لكن ملامح وجهه كانت مشوشة ونظراته داكنة، مما جعل لاتيل تشعر بالقلق الشديد.
“ماذا هناك؟، هل حالته سيئة؟”
سألت لاتيل بلهفة، ولم يستطع الطبيب الملكي حتى أن ينظر في عينيها بينما كان يجيبها.
“نبض قلبه بطيء، وقوته ضعيفة أيضًا، يبدو أن جسده ضعيف”
“ماذا؟، جسده ضعيف؟، وهو ملك المرتزقة؟”
كان ذلك صدمة تشبه رؤية الكاهن الأعظم وهو يكسر عنق عدوه ويطرحه أرضًا، نظرت لاتيل بدهشة إلى كارلين، ورغم أن وجهه لم يكن به أي لون، إلا أن جسده بدا قويًا وصلبًا…
“ربما بسبب عمله كمرتزق بشكل قاسٍ جدًا، أصبح جسده ضعيفًا بشكل مكتسب”
ومع ذلك، رغم أن الطبيب الملكي أقر بأن كارلين هو ملك المرتزقة، إلا أنه لم يتراجع عن تأكيده أن جسده ضعيف.
نظرت لاتيل بحذر إلى كارلين الذي كان يمسك بطرف البطانية بيديه الاثنتين، وكان يبدو عليه تعبير غريب بينما كان ينظر إلى الفراغ، ثم سألت:
“إذن، هل هناك دواء أو حقنة أو شيء يمكن وصفه له؟”
“سأصف له دواء يساعد قلبه”
“حسنًا”
“لكن جسده ضعيف، لذلك لا ينبغي له أن يجهد نفسه أبدًا”
“فهمت”
“……”
“لماذا؟ هل هناك شيء آخر تود أن تقوله؟”
“الأمر هو…”
“قل ما لديك، لا بأس”
“حتى في السرير…”
“!”
ما هذا الكلام؟، هل يعني أنني كنت أجبره في السرير؟، عندما فتحت لاتيل عينيها بدهشة ونظرت إليه بغضب، تفاجأ الطبيب الملكي وانحنى بسرعة ليوضح :
“لم أقصد ألا تلمسيه أبدًا، ولكن… فقط لا تجعليه يبذل جهدًا كبيرًا… بالطبع، كارلين هو زوج جلالتكِ، ويمكن لجلالتكِ أن تفعل ما تشاء، ولكن من الأفضل لصالح صحته أن تمارسي القليل من الاعتدال… وهذا… كان كل ما قصدته…”
‘هذا الوغد!، هل يظن أنني مجنونة تلاحق المرضى؟’
فتحت لاتيل فمها من الدهشة، ولكن كلما زادت علامات الغضب على وجهها، بدا أن الطبيب الملكي يفسر ذلك على أنه “الإمبراطورة التي لا تستطيع السيطرة على كارلين تصب غضبها” مما جعله يبدو أكثر قلقًا.
“اخرج”
عندما أمرت لاتيل بجدية دون أن تنفي أو تؤكد، انحنى الطبيب الملكي بسرعة وخرج مسرعًا.
عندما سُمع صوت إغلاق الباب وتلاها صوت خطوات الطبيب الملكي البعيدة، انفجر كارلين، الذي كان يظهر على وجهه تعبير غريب طوال الوقت، ضاحكًا وسخر من لاتيل.
“تأكدي من ألا تبذلي أي جهد مطلقًا”
“حسنًا، لن أرهقك على الإطلاق، لذا استلقِ وارتَحْ”
“يمكنكِ أن تبذلي بعض الجهد”
“لا، إذا انهرت مجددًا، سيظن الطبيب الملكي أنني أُعاملُك بطريقة سيئة”
ضحك كارلين مجددًا، ولكن هذه المرة لم يكن يضحك ساخرًا، سحبت لاتيل البطانية وغطته حتى أسفل ذقنه، وربتت برفق على صدره.
“استرح، سأخبر خادمك، وعندما تستيقظ، تناول الدواء”
“هل ستذهبين، مالكتي؟”
“نعم”
كانت لاتيل تنوي أن تقول إنه لا فائدة من البقاء هنا، عندما أخرج كارلين يده من تحت البطانية وأمسك بيدها بقوة.
“أنا مريض، ابقي معي”
كانت لاتيل قد خططت للذهاب إلى رانامون أو تيسير لشرب الكحول والاستماع إلى ما في قلوبهم بعد أن أصبحت غير قادرة على الشرب مع كارلين.
لكن عندما نظر إليها كارلين المريض بتوسل، لم تستطع أن تتركه وتذهب.
“حسنًا”
شدت لاتيل يده بإحكام مرة واحدة ثم تركتها، وعلقت معطفها الثقيل على الكرسي ودخلت لتستلقي بجانبه.
“لننمِ هكذا، هل هذا جيد؟”
بينما كانت تربت بلطف بين بطن وصدر كارلين، سألت، فاستدار كارلين نحوها وأومأ برأسه وأغلق عينيه.
***
كم من الوقت مرّ؟
بينما كانت تربت على كارلين، بدأت لاتيل تغفو تدريجيًا، ولكنها فجأة اهتز رأسها بشكل كبير واستيقظت فجأة.
“آه، لقد نمتُ أيضًا”
رفعت لاتيل يدها عن صدر كارلين وفركت عينيها، في تلك اللحظة، كان كارلين نائمًا تمامًا.
“حتى وهو مغمض العينين يبدو مثيرًا”
نظرت لاتيل إلى ملامح كارلين الرقيقة والجميلة، ثم استدارت لتستلقي بشكل مريح.
“يبدو أنه لا يجب أن أجعله يشرب، صح؟، لأن صحته ليست على ما يرام”
في تلك اللحظة.
[دوميس…]
سمعت صوت كارلين، فتحت لاتيل عينيها على مصراعيها وأدارت رأسها بسرعة، ولكن كارلين كان لا يزال نائمًا.
“ما هذا؟، هل كان ذلك من أفكاره؟؛ هل بسبب ضعفه أثناء النوم سمعت ما في داخله؟”
لو سمعت ذلك مرة أخرى، لتأكدت، لكنها لم تسمع شيئًا آخر، بدت لاتيل قلقة بلا داع، فقامت بسحب شعر كارلين قليلًا.
في تلك اللحظة، ظهر أمام لاتيل مشهد لم تره من قبل في حياتها.
***
في تلك اللحظة.
كانت آيني مستلقية على السرير، تكرر حركة سحب البطانية وإعادتها.
في وقت الظهيرة، أخبرت آيني والدها أن هيوم زارها، لكن والدها لم يصدق ذلك على الإطلاق.
– يبدو أنكِ رأيت أشياء بسبب تعبكِ.
ربت والدها على كتفها لتعزيتها، ثم نظر إليها بحزن قبل أن يحتضنها عازمًا:
– بقدر ما تعانين الآن، سينتهي الأمر بأن يعاني هيوم أيضًا، إذا تحمّلتِ هذه اللحظة فقط، ستملكين كل شيء في النهاية.
رغم أنها أوضحت أن هناك آثارًا لأقدام شخص على العشب، لم يفعل والدها سوى النظر إليها بحزن.
عندما أخبرت صديقتها المقربة ووصيفتها، ريدلر، بنفس القصة، كان رد فعلها مشابهًا.
– لكن يا جلالتكِ، لقد كنت بجانبكِ طوال الوقت، لم يكن هناك أحد.
شعرت آيني بالإحباط، لكن الناس نظروا إليها بشيء من الغرابة، وفي النهاية، عندما حل الليل، كانت متعبة تمامًا واستلقت على السرير.
– سأبقى بجانبك حتى تغفين.
لم تكن ريدلر تصدق قصة هيوم، لكنها بدت قلقة على آيني، فقالت ذلك وامسكت بيدها حتى نامت.
بفضل ذلك، تمكنت آيني من نسيان موضوع هيوم لبعض الوقت والنوم، ولكن بعد فترة من الزمن، استيقظت على صوت أغنية مألوفة.
عندما خرجت ريدلر من غرفة النوم بعد أن نامت آيني، لم يكن هناك أحد في الغرفة، لم تستطع آيني استدعاء ريدلر، فقبضت على البطانية وارتجفت.
“صوت هيوم”
كانت تلك الأغنية التي كان يغنيها هيوم لآيني، أغنية من شخص ميت، لحسن الحظ، لم يكن الصوت قادمًا من داخل الغرفة.
بعد أن تلمست البطانية لفترة، قررت آيني بحذر أن ترفع جسدها وتخرج إلى الردهة.
كان هناك حارسان يقفان بثبات أمام الباب، وعندما خرجت آيني، سألها أحدهما بأدب :
“هل تودين الذهاب في نزهة، جلالة الإمبراطورة؟”
“سأذهب معكِ”
بدلاً من الرد، نظرت آيني باتجاه الصوت وسألت :
“هل تسمعون هذا الصوت؟”
تجهم الحارسان وسألا بدهشة :
“ما هو؟”
“صوت الأغنية، صوت أغنية يأتي من بعيد”
عندما همست آيني بصوت منخفض، بدا الحارسان أكثر ارتباكًا، بدا وكأنهما لم يسمعا أي صوت.
بل على العكس، عندما رأوا آيني تنظر إلى ما وراء الردهة بوجه خائف، أصبحا أكثر قلقًا وتبادلا نظرات غير مريحة.
“هل هو انا فقط من اسمعه؟”
بدلاً من إخبارهم عن الصوت، أمرت آيني أحد الحراس بمرافقتها فقط.
رغم أنهم لم يسمعوا، فقد كانت عازمة على الذهاب إلى اتجاه الصوت.
“سأذهب معك”
تقدم أحد الحراس استجابة لطلب آيني، لكن بعد بضع خطوات، قطع الصوت فجأة، وقفت في مكانها وانتظرت قليلاً، لكن الصوت لم يعد.
“أريد المشي بمفردي”
شعرت آيني بالحاجة إلى التأكد، لذا أرسلت الحارس وعادت تسير بمفردها، وعادت الأغنية لتستأنف.
“هل يعني أنني يجب أن أتي وحدي؟”
شعرت آيني بقلق أكبر، لكنها حاولت أن تتماسك.
“إذا كان هذا من فعل هيوم، فلن يشكل تهديدًا لي، لن يفعل شيئًا ضارًا”
تذكرت هيوم، الذي كان دائمًا لطيفًا معها، وجمعت شجاعتها وسارت نحو مصدر الصوت.
كان المكان غرفة فارغة لا تستخدم، وكان الباب مفتوحًا قليلًا، كما لو كان يدعوها للدخول.
تنفست آيني بعمق وضعت يدها على الباب ودفعت.
***
كانت السماء السوداء تتحرك، مع أصوات أجنحة الطيور وصوت الرياح من كل اتجاه، كانت السماء تهتز في جميع الاتجاهات، مغطاة بأسراب من الغربان.
‘غربان’
فهمت لاتيل أن السماء السوداء كانت مغطاة بالغربان، مما جعل كل شيء يبدو مظلمًا، كانت الأجساد الملقاة على الأرض في السهول الخضراء غير عادية، بدت وكأنها جثث قديمة وليست حديثة.
كان هناك مئات الأشخاص يرتدون زيًا أبيض يحيطون بالجثث.
‘زي لم أرَ مثله من قبل’
رغم تحفّظ لاتيل تجاه هؤلاء الأشخاص، لم يكن أحد منهم يوجه نظره نحوها، بدا كما لو أنها غير موجودة، رغم أن وجود شخص جديد في مثل هذه الحالة كان من المفترض أن يجذب الانتباه.
“هل هذه رؤيا؟، هل يمكن أن تكون حلم كارلين؟”
تذكرت لاتيل أن آخر ما سمعته كان من عقل كارلين، وعندما فكرت بذلك، رأت رجل وامرأة.
“كارلين!”
تفاجأت لاتيل عندما تعرفت على وجه الرجل، كان كالين، لكن شعره كان أطول قليلاً مقارنة بكارلين الان، بينما كان الوجه نفسه، إلا أن الشعر كان أطول.
“هل هذا وقت حديث ام قديم؟”
كانت المرأة التي كانت تعانق كارلين باكية امرأة لم ترَها من قبل، كانت ذات شعر أحمر وعينين خضراوين، جميلة جدًا لدرجة أنها بدت ككائن غير بشري.
عندما كانت المرأة تحتضن كارلين، بدا الاثنين كصورة مدهشة معًا.
“يجب أن تعيش”
لكن الحالة لم تكن جيدة على ما يبدو، فكانت المرأة تلمس وجه كارلين بحزن، وكان كارلين يهز رأسه ويحتضن المرأة.
“يجب أن تأخذيني، سأكون معك حتى الموت، خذيني معك”
“كارلين يبكي أيضًا…”
كان من غير المعتاد رؤية كارلين، الذي نادرًا ما يتغير تعبير وجهه، يبكي بوجه مبلل بالكامل، شعرت لاتيل بألم غريب في قلبها.
رغم أنها لم تكن تعرف من هي المرأة ذات الشعر الأحمر، إلا أنها كانت تأمل أن تستجيب المرأة لطلب كارلين، لكن المرأة هزت رأسها برفض.
“عليك أن تعيش، عِش وابحث عني، سأكون في انتظارك في ‘المرة القادمة’.”
“في ذلك الوقت، سيكون بجانبك فارس آخر، لن تتذكرني.”
“أنت الوحيد بالنسبة لي”
عندما قبلت المرأة كارلين، كان كارلين يبكي ويهز رأسه بشدة، لكن قوة المرأة كانت هائلة، ولم يتمكن كارلين من الابتعاد عنها على الرغم من محاولاتها العنيفة.
كما لو أن قبلة المرأة كانت تحمل قوة غريبة، كان كارلين يحاول الإمساك بها بيديه، لكن قوته كانت تتلاشى تدريجياً.
بدا كارلين وكأنه يُجبر على النوم.
عندما غرق كارلين في النوم تماماً، وضعت المرأة قبلة على جبهته وبدأت في النهوض ببطء، لم يكن على وجهها أي من الحزن أو الكآبة التي كانت تظهر سابقاً.
ثم، بعد أن بدا وكأنه انتظر قليلاً لوداعها، سحب أحد الفرسان، الذي كان يرتدي زيًا مختلفًا قليلاً، سيفه من خصره كإشارة، تلاه جميع الفرسان الآخرين، الذين سحبوا سيوفهم في آن واحد، صدرت أصوات مرعبة من كل الاتجاهات.
* * *
في تلك اللحظة، لم تَرَ لاتيل القتال بين الفرسان والمرأة ذات الشعر الأحمر، بل دموع كارلين.
“كما توقعت، كان حلمك”
عندما يكون كارلين، ذو القوة العقلية الكبيرة، مريضاً وينام ويعاني من كوابيس، يبدو أن لاتيل تمكنت من لمحة سريعة عن كابوسه.
مدت لاتيل يدها ببطء ومسحت دموعه، شعرت بشيء غريب في قلبها.
“هل المرأة التي يحبها قد ماتت؟، … ربما جاء إلى الحريم كوسيلة للهروب من عالمه بعد فقدان الشخص الذي يحبه؟”