رجال الحريم - 46
تبدو ملامحه عادية نسبيًا، ويمتلك حضورًا يمكنه من التماهي بسهولة لا يلفت الأنظار ويبدو جادًا، بعبارة أخرى، كان يملك كل الصفات التي تجعل منه أفضل جاسوس.
كانت لاتيل تتذكر جيدًا الشخص الذي كان يتصرف بشكل مريب، لكنها لم تقم بانتقاءه فورًا في تلك اللحظة.
‘لم يكن ليقوم بتلك التصرفات بمفرده’
ما كانت لاتيل تبحث عنه لم يكن مجرد سمكة صغيرة، بل من يقف خلفها ويخطط من الظل، الشخص الذي تجرأ على تدنيس قبر والدها وترك رسالة غريبة خلفه.
‘تالا، أتمنى أن لا تكون أنت، لأنك حينها ستكون قمامة حقيقية’
“جلالتك، هل أنت بخير؟”
عندما بدأت ملامح لاتيل تصبح باردة، سألها السير سونوت بقلق، بدا وكأنه شعر بالدهشة من تصرفاتها، من إعطاء أوامر مفاجئة للحراس ومن الحديث عن جاسوس بوجه متجهم.
“بالطبع، أشعر بسعادة غامرة”
“هل وجدتي الشخص المريب؟”
“يبدو ذلك.”
“من هو؟”
بدلاً من أن تجيب لاتيل بشكل مباشر، وضعت إصبعها أمام شفتيها في إشارة للصمت.
“هذا من الأمور التي يجب أن تبقى سرية، سأخبرك لاحقًا، لكن الآن اصبر.”
“!”
ظهرت على وجه السير سونوت تعبيرات دهشة عندما لم تخبره لاتيل بالتفاصيل، كان رد فعل مفهومًا نظرًا للثقة المتينة بينهما، خاصة وأنه كان هناك عدة مهام كلفته بها لاتيل سابقًا.
“لقد أردت أن أتأكد فقط، سأخبرك عندما أكون متأكدة.”
في الحقيقة، لم تخبر لاتيل السير سونوت عن الجاسوس لأنها لم تكن ترغب في الكشف عن “الأساس” الذي استندت إليه لاكتشافه.
بينما يمكنها أن تلف وتدور على الآخرين، لن ينجح هذا الأمر مع السير سونوت الذي دائمًا ما يكون ملتصقًا بها كالظل.
بالطبع، لو أخبرته بصراحة لانتهت المسألة بسهولة، لكنها لم تكن ترغب في ذلك.
لم تكن ترغب في أن يعرف الآخرون بقدرتها على قراءة الأفكار، إنها قدرة مثالية لالتقاط المجرمين والمتمردين المحتملين في المستقبل، ولكنها في الوقت ذاته تجعل الآخرين يشعرون بعدم الارتياح.
“أشعر الآن بحزن شديد، وكأنني لم أعد الأقرب لجلالتكِ.”
ضحكت لاتيل وهي تربت على ظهر السير سونوت قبل أن تستدير.
“لقد ترددت بيني وبين أخي سابقًا، لذا نحن متعادلون.”
***
الشخص الذي اختارته لاتيل لمساعدتها بدلاً من السير سونوت كان تيسير.
“تيسير.”
عندما ظهرت لاتيل فجأة، كان تيسير يرسم تصميماً غريباً مع خادمه في الغرفة، ترك ما كان يفعله فورًا وابتسم وهو ينحني.
“جلالتك، أنا سعيد للغاية لرؤيتكِ مجددًا.”
“ما هذا؟”
“إنه تصميم.”
“تصميم؟”
“تصميم رداء يمكن أن يسقط على الأرض بمجرد إشارة من جلالتكِ.”
“لا تقم بصنع مثل هذا الشيء” نظرت إليه لاتيل بعينين وفم مفتوح بشكل مربع، لكن تيسير لم يرتبك على الإطلاق وسحب كرسيًا لتجلس عليه لاتيل.
“هل ترغب جلالتكِ في الاطلاع عليه؟، سأضيف لمسات تناسب ذوقكِ، أي جزء تفضلينه مكشوفًا؟، لأعطيكِ تلميحًا، أنا أعشق الأكتاف”
نظرت لاتيل إلى التصميم، الذي كان مرسومًا بمهنية غير ضرورية، وسألت بجدية:
“حتى لو قمت بأمر كهذا، ألا يمكنك فعله سرًا؟”
رد تيسير بأنه لا مشكلة في ذلك، فأغلق التصميم، وأسرع خادمه الذي كان يحمر وجهه طوال الوقت من الحرج ليحمل التصميم ويهرب خارجًا.
على عكس تيسير الوقح، بدا الخادم محرجًا جدًا من أن الإمبراطورة قد اكتشف خطتهم.
لكن تيسير، الذي نقل شعوره بالخجل إلى خادمه، ضحك بخبث واقترب قليلاً من لاتيل وهو يسأل:
“هل تودين الشاي؟، أو القهوة؟ أم… أنا؟”
“القهوة.”
“لقد أجبتي بسرعة، تبدين باردة.”
“أوه، أحب البارد، بما أننا تحدثنا، فلتكن قهوة مثلجة.”
“ألا يمكن أن تكون تيسير المثلج؟”
“لا، أريد القهوة، وأضف الكريمة.”
“أستطيع أن أضيف الكريمة أيضًا على تيسير المثلج”
“القهوة من فضلك.”
عندما تحدثت لاتيل بجدية، تيسير قام واقفًا بنبرة حزينة وتوجه إلى الطاولة الجانبية في الغرفة.
أثناء انشغاله بانتقاء مسحوق القهوة، أصدرت لاتيل ضحكة خافتة حتى لا يسمعها تيسير.
ولكن عندما أحضر تاشير القهوة مع الثلج، اختفت الابتسامة الكبيرة من على شفتي لاتيل.
“شكرًا.”
“إذا غيرتِ رأيكِ في أي وقت، أخبريني، لدينا خيارات إضافية من تيسير المثلجة إلى الحار، مع الكريمة، العسل، والسكر.”
“القهوة لذيذة.”
“هل تقصدين أنكِ تفضلين تجاهلي؟”
ضحكت لاتيل وقالت، “ليس الأمر كذلك.” ثم انتظرت حتى يأخذ تيسير رشفة من قهوته قبل أن تسأله :
“في الحقيقة، جئت لأطلب منكِ شيئًا.”
“لكن لا يبدو كأنكِ تطلبين.”
“في الواقع، جئت لأعطي أمرًا.”
“… افعلِ ما تريدين.”
“أليس أفراد الغابة السوداء بارعين في فنون الاختفاء؟”
“بالتأكيد، إنه تخصصهم.”
“أريد أن تراقبوا شخصًا ما.”
شرحت لاتيل بالتفصيل ملامح الحارس الذي أثار ريبتها، ففهم تيسير بسرعة وقال مبتسمًا:
“إذا كان من الوحدة الأولى، فأنتِ تتحدثين عن بول.”
“لا أعرف اسمه”
كان بإمكانها معرفة اسمه بسهولة لو أرادت، لكنها تجنبت ذلك كي لا يعلم الجميع أنها تراقبه، بما فيهم هو نفسه.
“أعتقد أنه بول”
“حسنًا، إذن ضع شخصًا لمراقبته باستمرار.”
“إلى متى؟، إذا كانت المهمة طويلة، من الأفضل أن نضع اثنين أو ثلاثة لمتابعته.”
“لن تستغرق وقتًا طويلاً، قريبًا سيأتي لي بنفسه.”
“؟”
“عندما يتحرك من سكن الحراس، أخبرني فورًا.”
“هل ستقبضين عليه؟”
“لا.”
أجابت لاتيل بحزم ثم شربت القهوة المتبقية بجرعة واحدة وابتسمت.
“سأتتبعه بنفسي.”
***
ليس من المحتمل أن يكون بول الحارس هو الوحيد الذي قام بتدنيس القبر، حتى لو كان موقعه يسهل الوصول إلى القبر، لم يكن يمكنه تجنب أنظار الآخرين بمفرده.
بالإضافة إلى ذلك، النقش الكبير الذي غطى جانب المبنى بأكمله لم يكن من الممكن أن يكون قد تم رسمه بمفرده في فترة تبديل الحراسة.
“هذا غير معقول.”
لكن بقية الحراس، عندما حاولت لاتيل التلميح لهم، لم يظهروا سوى القلق لمعرفة من هو الجاني، ولم يبد أي منهم رد فعل غريب.
لذلك، قد يكون الجناة الآخرون ليسوا من الحراس أو قد يكونون من الداخلين الآخرين. ولهذا قررت لاتيل أن تتبع الجاني بنفسها.
في هذه الحالة، كان التحرك بنفسها أسرع، المشكلة هي…
“هل نعتبر هذا موعدًا؟”
“لا.”
لم تكن تخطط لجلب تيسير معها.
أدارت لاتيل وجهها بعيدًا عن تيسير، الذي كان يقف بجانبها بذراعين متشابكتين وعينين لامعتين، وتنفست بعمق لتجنب النظر إليه.
كان تيسير على علم بقبر الإمبراطور السابق، الرسالة الغامضة، والامبر تالا، لم يكن يعرف عن عظيم الكهنة، لكنه كان من بين الأشخاص الذين يعرفون الكثير.
وعلاوة على ذلك، فهو زعيم مجموعة اغتيال سيئة السمعة، مما يعني أن فنون التخفي لديه كانت مذهلة، جلب لاتيل لتيسير كان لأسباب عديدة.
للحصول على بعض المساعدة.
“إنه مزعج حقًا.”
لكن طوال المطاردة، لم يتوقف تيسير عن التحدث، مما أضعف تركيز لاتيل، بدأت تشعر ببعض الندم لأنها أحضرته معها.
“لا تقلقي، الحديث أثناء التنقل يجعلنا أقل اشتباهًا، بالإضافة إلى ذلك، لدينا شخص آخر يراقب من قبلنا.”
الشخص الذي كان يشير إليه تيسير هو أحد قتلة الغابة السوداء، الذي كان يراقب بول والذي امرت لاتيل بأرساله.
استعدادًا لأي موقف غير متوقع، كان القاتل يتابعهم متخفيًا باستمرار، بينما كانت لاتيل وتيسير يرتديان ملابس مدنية ويتظاهران بأنهما مجرد عابرين.
لكن، لم تمضِ خمس دقائق على انتهاء تيسير من حديثه، حتى توقف بول فجأة أثناء سيره السريع إلى الأمام، واستدار بسرعة للخلف.
لاتيل وتيسير تحركا تقريبًا في الوقت نفسه بجسديهما نحو الجانب، وبعد أن استعادا أنفاسهما، ألقيا نظرة من الزاوية، فشاهدا بول يمشي مجددًا.
لكن، بول كان يلتفت مرارًا إلى الخلف، مما يشير إلى أنه قد خمن أن هناك من يتبعه.
“إذا بدأنا بالمطاردة الآن، سنكشف أمرنا فورًا.”
بعد رؤية ذلك، تمتم تيسير بينما كان ينقر بلسانه، وافقته لاتيل على كلامه.
“هل يجب أن نقضي بعض الوقت هنا قبل أن نلحق به؟، أم نأخذ الطريق المختصر لنتقدم؟”
عندما سألت لاتيل تيسير إذا كان من الأفضل قضاء بعض الوقت في مكان ما، مشيرة إلى أنه قد يكون أكثر خبرة في فنون التمويه، تظاهر تيسير بالتفكير للحظة ثم أشار بإبهامه إلى مكان ما.
“ما رأيك أن نقضي الوقت هناك؟، سيكون الأمر أكثر طبيعية.”
نظرت لاتيل إلى الاتجاه الذي أشار إليه تيسير. كان مبنى فاخرًا يكاد يصل إلى الطابق الثالث، تتلألأ عليه لافتة فضية.
والاسم المكتوب على اللافتة كان…
“شركة أنجيه التجارية؟”
كانت تلك الشركة التي كان تيسير وريثها.
* * *
عندما كانت لاتيل وليّة العهد، شاهدت رئيس شركة أنجيه التجارية في قاعة الاستقبال بضع مرات، رأته أيضًا في حفل التعهد عندما انضم تيسير كأحد المحظيين، وفي مناسبة أخرى أثناء مأدبة طعام.
لكن نظرًا لموقع لاتيل كإمبراطورة، لم يجرؤ رئيس الشركة على النظر إليها بتفصيل، وبسبب ذلك لم يتعرف عليها وهي ترتدي قبعة عميقة تخفي ملامحها.
“يا ولدي!”
عندما رأى رئيس شركة أنجيه التجارية تيسير، ركض نحوه بسعادة ولم يلقِ نظرة حتى على لاتيل. بدأ يطرح أسئلة من قبيل : لماذا لم يخبره مسبقًا، وهل من الآمن أن يظهر هكذا دون سابق إنذار، وهل تورط في مشكلة ما؟
خلال ذلك، ضغطت لاتيل قبعتها بعمق أكبر وهي تتجول بنظراتها داخل المبنى.
‘يا له من بريق.’
بالفعل، كان المكان يبدو كأنه من أفضل الشركات التجارية في البلاد، تذكرت لاتيل فجأة أن تيسير هو وريث الشركة.
بالطبع، كانت تعلم ذلك حتى دون التذكير، لكن منذ أن علمت بأنه زعيم مجموعة الاغتيال، أصبح انطباعها عنه مرتبطًا بصورة الزعيم أكثر من كونه وريثًا لشركة.
بالطبع، ملامحه بحد ذاتها كانت توحي وكأنه أحد تجار المخدرات.
وقف رئيس الشركة يتحدث مع تيسير لمدة ثلاثين دقيقة تقريبًا، ثم لاحظ أخيرًا وجود لاتيل، فسأل ابنه بنظرة تساؤل:
“من هذه الشخص؟”
“هذا هو الخادم الذي وضعته جلالتها، والدي.”
“وماذا عن هيرلان؟”
“لا يمكن لهيرلان أن يقوم بكل الأعمال بمفرده.”
“هذا صحيح.”
هذا كان كل الاهتمام الذي أولاه رئيس الشركة للاتيل.
بعد ذلك، دعا رئيس الشركة تيسير لتناول الطعام داخل قاعة كبيرة، وكان ترافقه أيضًا لاتيل، لكنه لم يعطها أي اهتمام، واستمر في الحديث فقط مع تيسير.
ومع ذلك، لم يكن الأمر سيئًا، حيث قُدم لها بعض الطعام، فاستمتعت لاتيل بتناول بودنغ التفاح الأخضر الطازج وحلوى البيض بينما كانت تستمع بمرح إلى محادثة رئيس الشركة المتدفقة.
“تيسير، سمعت أنك لم تقضِ ليلة واحدة مع جلالتها حتى الآن”
“وكيف عرف والدي هذا؟”
“سمعت من هيرلان.”
“هذا الفاضح، لا يسكت…”.
“إذًا ما فائدة وجهك هذا؟، عندما رأيتك في حفل التعهد، لم أرَ أحدًا بمثل وسامتك”
“نقول هذا لأنك والدي، يا والدي”
“لا يمكن أن يكون ذلك السبب!، حتى والدتك ستتفق معي.”
“وهذا لأنها أيضًا والدتي”
“على أي حال، أنت وسيم، وأكثر من ذلك، أنت وسيم بشكل فريد، وبوجه كهذا، لم تتمكن حتى من النوم تحت نفس اللحاف مع جلالتها… هذا حقًا مخزٍ.”
كانت لاتيل تأكل الحلوى بهدوء وتضحك بصوت مكتوم على مشهد تيسير وهو يتلقى التوبيخ من والده.
‘كان دائمًا يتصرف بجرأة أمامي، لكنه لا يجرؤ على فعل ذلك أمام والده’
“ولكنني أقضي وقتًا كثيرًا مع جلالتها في مواعيد خاصة، يا والدي”
‘من أين أتى بهذه الأكاذيب؟’
“مواعيد؟، حقًا؟”
“بالطبع، حتى في الآونة الأخيرة”
أغمض تيسير عينه نحو لاتيل وهو يحتسي عصير التفاح، مما كان يعني بوضوح أن الموعد الأخير هو الوضع الذي هم فيه الآن.
حسنًا، سأستثني عدم جرأته أمام والده، هزت لاتيل رأسها وعادت لتناول الحلوى.
“حسنًا، هذا مطمئن، لكني لا أزال قلقًا عليك، تيسير.”
“لا تقلق، يا والدي، الحب العاصف ينطفئ بسرعة، أنا وجلالتها نبني علاقتنا تدريجيًا، وبالتأكيد ستمنحني نعمتها قريبة.”
“بما أنك هنا، سأمنحك بعض الأشياء الجيدة، خذها معك.”
“أشياء؟”
“هناك مسحوق يمكن أن يجعل بشرتك مثل اللؤلؤ، اطلب من هيرلان أن يضعه لك مرة كل ثلاثة أيام.”
“نعم.”
“وهناك بعض الملابس التي تبدو أكثر إثارة من خلعها، سأعطيك بضع قطع، جرب ارتداءها عندما تذهب لمقابلة جلالتها.”
“نعم…”
رد تيسير بتعبير غامض، بينما كانت لاتيل تحاول كتم ضحكتها بيدها وتعض شفتيها لتجنب الانفجار ضاحكة، يا له من والد…
“آه، صحيح!، ماذا لو قمت بتمزيق الخيوط قليلاً من ملابسك، ثم تركتها تسقط في اللحظة المناسبة؟”
“لا أدري…”
عندما نظر تيسير إلى لاتيل مرة أخرى ليرى رد فعلها، لم تستطع لاتيل أن تتحمل الأمر أكثر، خرجت من القاعة وجلست على الأرض، غير قادرة على كبح ضحكاتها، لم تستطع أن تتوقف عن ارتجاف كتفيها من الضحك.
‘يبدو أن رئيس الشركة يفكر تمامًا مثل تيسير.’