رجال الحريم - 42
“أين كنتِ، جلالتكِ؟”
عندما عادت لاتيل إلى قاعة الحفل، اقترب منها السير سونوت بخطوات سريعة.
“لقد كنت قلقًا”
يبدو أنه كان متفاجئًا جدًا عندما اختفت لاتيل بعد أن كانت تأكل الفاكهة وحدها في زاوية لفترة طويلة.
“كنت أتجول قليلاً.”
أجابت لاتيل بابتسامة، ولكن السير سونوت لم يستطع أن يخفي تعابير وجهه القلقة.
“هل هناك شيء ما…”
“لا، لا شيء، الطقس كان جميلًا”
ربّتت لاتيل على كتف السير سونوت مرتين أو ثلاثًا، ثم جلست في كرسيها الخاص، بجوار مقعد لاتيل كانت هناك أماكن مخصصة للمحظيين، وكان جيستا الوحيد الموجود هناك في تلك اللحظة.
“جلالتكِ، تبدين عطشانة… هل ترغبين في شرب هذا؟”
عندما وجدت نفسها جالسة وحدها مع جيستا، أخذ جيستا كأسًا من الشمبانيا بلون الزمرد الجميل من الخادم وقدمها لها.
“شكرًا لك، جيستا”
عندما شكرته لاتيل وأخذت الكأس، احمر وجه جيستا وخفض رأسه بخجل، وكأنه يشعر بحرج كبير لمجرد هذا الفعل.
رغم أن جيستا أظهر مظهرًا لطيفًا للغاية، إلا أن لاتيل كانت مشغولة بتذكر الحديث الذي جرى بينها وبين الكاهن الاعظم في الحديقة قبل عودتها.
* * *
قبل ساعة تقريبًا.
“حسنًا، سأسمح لك بدخول الحريم، لكن كيف تنوي الدخول؟”
“أنا شخص ترك العالم الدنيوي، لذا لست ملمًا بهذه الأمور”
“حقًا؟ سمعت أنك لا تقيم في المعبد الكبير، أين تقيم الآن؟”
“أعمل في ملهي قمار”
“لم تترك العالم الدنيوي على الإطلاق!، تبدو كأنك غارق في الملذات والشهوات الدنيوية أكثر من أي شخص آخر!”
بالطبع، قد يكون من الضروري إخفاء هويته، ولكن لماذا يكون في ملهي للقمار بالذات؟، نظرت لاتيل إليه بدهشة، فابتسم الكاهن الأعظم بخجل وبدأ يشرح.
“أعلم، يبدو الأمر غريبًا، لكن لهذا السبب بالذات، يمكنك أن تلتقي بكل أنواع الناس دون أن يشك أحد بك”
‘لكن الرب سيغضب عليك’
لم تتمكن لاتيل من تقبل تفسيره بشكل كامل، لكنها أدركت كيف توصل إلى قرار جريء بالتسلل إلى الحريم مباشرة، هكذا كان الأمر دائمًا.
“لكن كيف دخل موزع اوراق في ملهي قمار إلى الحفل الإمبراطوري؟”
“أحد عملاء من كبار الشخصيات كان يتفاخر بدعوته إلى الحفل، فطلبت منه أن يأخذني معه، راهنت معه على الدعوة”
“وهل فزت؟”
“بالطبع”
عندما ابتسم عظيم الكهنة بتلك الطريقة، لم تكن لاتيل متأكدة مما إذا كان عليها أن تمدحه أم لا.
على أي حال، كان من الواضح أن لا أحد سيشك في أن موزع الأوراق هذا هو في الحقيقة عظيم الكهنة إذا تم إدخاله إلى الحريم كواحد من المحظيين.
“دعنا نفعل هذا : إذا تألقت في الحفل، سأتصرف وكأنني وقعت في حبك”
“جلالتكِ، أنتِ؟”
“نعم، سأقوم بعرض طلب كونك رجلي بشكل علني، وعليك فقط قبوله، ولكن هناك نقطة يجب الانتباه لها”
“وما هي؟”
“يجب أن تبرز بطريقة تجعل الجميع يصدق أنني لم أستطع إلا أن أقع في حبك، يجب أن يكون الأمر طبيعيًا لدرجة أن يصدقه الأعداء أيضًا، هل يمكنك فعل ذلك؟”
فكر عظيم الكهنة قليلاً قبل أن يهز رأسه بهدوء.
“نعم، رغم أنني لم أعتد على الظهور، سأفعل كل ما بوسعي”
* * *
كان يعيش مختبئًا رغم أنه كان موزع ورق في ملهي قمار يتعامل مع عملاء من كبار الشخصيات؟، بتلك الملامح وذلك الجسد؟، حسنًا…
“جلالتكِ؟”
كانت لاتيل غارقة في أفكارها، وعندما ناداها جيستا من جانبها، استعادت رباطة جأشها والتفتت إليه.
“هم؟، ما الأمر؟”
عندما تلاقت أعينهما، بدا أن جيستا يشعر بالخجل، فابتعد بنظره يمينًا ويسارًا ثم سأل :
“أمم… إذا لم يكن لديك مانع، جلالتكِ، هل يمكن أن ترقصي معي…؟”
بدا وكأنه كان يحاول أن يسأل إذا كان يمكنها رفض ذلك، ولكن قبل أن يكمل جيستا كلامه، سمعوا فجأة صوت جلبة قادمة من منطقة الرقص، كان الصوت عاليًا لدرجة أن كلا من جيستا ولاتيل التفتا نحو مصدره.
“ماذا؟”
نظرت لاتيل نحو المصدر، فتفاجأت بشدة وفتحت فمها بذهول، كان شعورها بالدهشة كبيرًا لدرجة أنها كادت أن تقفز من مكانها.
“ما هذا؟”
كان هناك عظيم الكهنة، يرقص بحماسة بمفرده.
بدون شريك، ومع الإيقاع الهادئ للقيثارة، كان عظيم الكهنة يرقص بحماسة كبيرة لدرجة أنه بدا وكأنه سيحطم القيثارة، كان بارزًا بشكل لافت تمامًا كما طلبت منه لاتيل.
لا، بل أصبح بارزًا لدرجة أن كل الأنظار والاهتمام في القاعة كانت موجهة إليه، سمعت لاتيل همسات الناس حولها.
“مذهل، إنه يتجاهل الإيقاع تمامًا!”
“إنه يتحرك بشكل مستقل عن الموسيقى، عدم تطابقه مع اللحن يجعله مثيرًا للإعجاب، هل يتعمد الرقص بشكل غير متوازن؟، كيف نسمي ذلك؟”
“نسميه رقص عشوائي، فقط”
بينما كانت عضلاته الكبيرة تتحرك بشكل مدهش مع كل حركة، احمرّ وجه بعض النبلاء.
وقفت لاتيل متجمّدة في مكانها، ثم وضعت يديها على وجهها، لم يكن الرقص الجريء هو ما أذهلها فحسب، بل كانت فكرة التظاهر بأنها وقعت في حبه بعد هذا المشهد هي ما أصابها بالحيرة.
‘لماذا أشعر بالحرج بينما هو من يرقص؟’ احمر وجه لاتيل وأشارت بيدها إلى عظيم الكهنة، موجهة له إشارة لتغيير الرقص، ‘هل لديك شيء آخر؟ جرب رقصة أخرى’
‘حتى لو كان مجرد تحرك بسيط مع نغمة القيثارة، سيكون بارزًا بما يكفي، فلماذا يفعل كل هذا؟، إذا تظاهرت بأنني وقعت في حبه بعد هذا، سيكون حكمي على الأشياء محطمًا مع الإيقاع”
لكن يبدو أن عظيم الكهنة فسر إشارتها بشكل إيجابي، فبينما كان يرقص، صنع بيديه شكل قلب موجهًا إياه نحو لاتيل.
وعندما صنع القلب بعضلات ذراعيه الضخمتين، تعالت الهمسات مرة أخرى.
“يا للعجب!، لقد اعترف بحبه لجلالتها علنًا!”
“أرسل الحب بيديه!، هل يمكن لأحد أن يفعل ذلك؟”
“يا له من حب جريء!، إنه حقًا قلب قوي!”
‘آه، لا تفعل’
احمرّ وجه لاتيل خجلًا من هذا الموقف، وزادت همسات الناس من حولها.
“يبدو أن جلالتها معجبة به، وجهها محمر”
“هل تحب شيئًا كهذا؟”
“بالفعل، لا يمكن لأحد أن يرقص بهذه الجرأة دون شجاعة كبيرة…”
كان جيستا، مصدومًا من هذه الكلمات، ينظر إلى لاتيل بعينين مفتوحتين، كان وجهه يعبر عن التفكير : “هل تحب حقًا شيئًا كهذا؟”
لكن لاتيل، التي كانت مشغولة بخجلها، لم تلاحظ تعبيرات جيستا، كانت تشعر بالخجل من مجرد التفكير في الاضطرار إلى التظاهر بأنها وقعت في حب عظيم الكهنة بعد رقصته الغريبة.
ولكن لم يكن بالإمكان الاستمرار هكذا إلى الأبد، بما أنني لا أعرف ما الذي سيقوم به ذلك الكاهن الأعظم الذي أصبح موزع اوراق في ملهي قمار ليتجنب العالم الدنيوي، كان يجب أن أقطع هذا عند هذا الحد وأحضره سريعاً.
“هاه…”
قررت لاتيل بحزم، ثم استنشقت بعمق وسرعة، ووقفت فجأة وضحكت وكأنها تضحك بحرية.
“يا للعجب! هل يمكن أن يحدث هذا!”
هدأ كل من كان يشاهد الكاهن الأعظم فجأة وبدأوا ينظرون إلى الإمبراطورة، ارتفعت الحرارة في أذني لاتيل، لكنها تظاهرت بالهدوء واقتربت من الكاهن الأعظم وهي تمد ذراعيها وتثني عليه.
“أيها الرجل المجهول!، رقصك مليء بالقوة أكثر من أي رقصة رأيتها في حياتي!”
عند سماع تلك الكلمات، توقف الكاهن الأعظم عن الرقص وجثا على ركبتيه على الفور، كما لو كان يشعر بالخجل.
“لقد أربكتِ عينيكِ برقصتي البسيطة”
“بسيطة؟، لقد اخترقتَ قفل قلبي”
عندما قامت لاتيل بإقامة الكاهن الأعظم، تفاجأ الناس وبدأوا بالهمس.
“يبدو أن جلالتها معجبة حقاً بهذا الرجل”
“لكن من يكون هذا الرجل؟، لم نره من قبل”
“لا نعرف من هو، لكنه حقاً وسيم، على أي حال، كل الرجال في حريم جلالتها مذهلون في الوسامة”
“جلالتها تختارهم بناءً على الشكل فقط”
بدأ النبلاء يفكرون في ما إذا كان هناك رجل بمثل هذه الوسامة بينهم، يبدو أن الإمبراطورة تقع في الحب بسرعة إذا كان الرجل وسيماً.
ومع ذلك، على عكس الآخرين، لم يكن البعض الآخر مجرد مشاهدين مستمتعين لهذه الموقف.
“كيف يمكن أن يكون القلب خفيفاً هكذا!”
دوق أتراكسيل، الذي كان سعيداً برؤية ابنه و الإمبراطورة منذ قليل.
“الآن جلالتها تفعل هذا عمداً لأنها تعتقد أنني لا أستطيع الرقص”
رانامون، الذي تلقى انتقاداً مباشراً من لاتيل لأنه لا يستطيع الرقص.
“…”
كان من الصعب على جيستا، الذي كان ينوي دعوة لاتيل للرقص معه قبل لحظات، أن يخفي مشاعره بينما كان يعلم أن الناس ينظرون إليه.
بينما كان جيستا يراقب الكاهن الأعظم بعينين مثقلة، أطلق تيسير، الذي نجح بالكاد في الهروب من كارلين وعاد إلى مكانه، ضحكة ساخرة ليغيظ جيستا.
“هل سيدخل إلى الحريم وتتعامل مع ذلك الشخص لتمويه خططك؟، من الأفضل لك أن تتوقف، أيها الشاب، انظر إلى قبضة ذلك الرجل، قد تسقط من ضربة واحدة”
استغل تيسير الفرصة ليواصل استفزازه، بينما بدأت نظرات جيستا تصبح أكثر برودة، لكن تيسير كان يعلم أن جيستا لا يمكنه إظهار شخصيته أمام الناس، لذا استمر في استفزازه بلسانه.
“توقف عن هذا، تيسير”
“ماذا؟، لا أستطيع سماعك بسبب الضوضاء، أيها الشاب”
“توقف عن هذا…”
“نعم؟، لا أستطيع سماعك”
رأى جيستا تيسير يضحك بخبث، وبدأ يطبق قبضته سرًا، حاول تاسير أيضًا استفزاز رانامون، لكنه غير اتجاهه بسرعة عندما أرسل رانامون نظرة حادة تشبه الجليد.
ومع ذلك، كان من المفاجئ أن كارلين كان يفعل شيئًا مشابهًا لجيستا، بل كان ينظر إلى الرجل الذي رقص وحده بنظرات أكثر وضوحًا.
“يا للعجب، حتى ملك المرتزقة يشعر بالغيرة؟”
رأى تيسير هذه الفرصة ليستخف بكارلين، لكن كارلين لم يرد على استفزازاته كما فعل جيستا.
توقف تيسير عن الاستفزاز بسبب تعبير وجه كارلين.
“ملك المرتزقة؟، هل أنت بخير؟”
على عكس جيستا، كان وجه كارلين يبدو غير غاضب، بل كان يشير إلى الألم، وبما أن وجهه الشاحب كان يبدو أكثر شحوباً، بدأ تيسير يشعر بالقلق وسأله.
“هل أنت مريض؟”
“أشعر ببعض التعب”
“هل حقًا تشعر بالتعب؟”
لم يحدد كارلين ما الذي يؤلمه تحديدًا، لكنه أخبر خدم لاتيل بأنه يشعر بالسوء وخرج من قاعة الاحتفالات.
***
في فجر اليوم التالي بعد انتهاء الحفل.
كانت لاتيل تتجه إلى السجن للتحقيق مع أولئك الذين حاولوا مهاجمة الكاهن الأعظم، لكنها غيرت مسارها عندما سمعت أن كارلين لم يشعر بأنه بخير وعاد إلى غرفته مبكرًا.
لم يكن هناك علاقة طويلة بين لاتيل وكارلين، لكنها تعرف أن كارلين ليس من النوع الذي يتظاهر بالمرض، بل على العكس، كان يبدو كذئب نبيل، يتظاهر بعدم الألم حتى وإن كان يعاني.
بالطبع، لا يمكن معرفة ما إذا كان الذئب يتظاهر بعدم الألم.
“إذا كان سيعود إلى غرفته لانه لم يكن بخير، فالأمر سيء جدًا”
عندما وصلت إلى أمام باب غرفة كارلين، رأت لاتيل في دهشة أن أحد المرتزقة الذين جاءوا معه من الموت الأسود كان يقف عند الباب.
“مرحبًا، جلالتكِ”
رغم أن لاتيل قابلت هذا الخادم القليل من المرات، إلا أنها تعرفه فورًا بسبب وجهه البارز.
كان هذا الخادم يمتلك وجهًا شاحبًا مثل وجه كارلين، وكان دائمًا يبدو غاضبًا ومكتئبًا، مما جعله يبرز حتى بين الناس.
“أين كارلين؟”
“هو في الداخل”
عندما فتح خادم كارلين الباب، دخلت لاتيل إلى الداخل وأخذت تتنحنح خفيفًا كإشارة لكارلين بأنها دخلت.
“كارلين؟”
ظنت لاتيل أنه سيكون مستلقيًا على السرير، لكن كلاين كان يجلس بجانب النافذة، متكئًا على إطار النافذة، بدا شعره مبللاً كما لو كان قد استحم، وكان جسده لا يزال مبللاً قليلًا من خلف رداء الاستحمام نصف المخلوع.
“كارلين، قالوا أنك مريض، هل أنت بخير هكذا؟”
عندما سألت لاتيل بينما تدخل، نزل كارلين عن إطار النافذة وتقدم نحوها، نظرت لاتيل إلى تعبير وجهه.
لكن بما أن كارلين كان دائمًا شاحب الوجه، كان من الصعب تمييز ما إذا كان في حالة جيدة أم لا فقط من خلال لون وجهه.
“دعني أرى، هل أنت بخير؟”
أمسكت لاتيل بوجهه بيديها ونظرت بتمعن إلى شفتيه وعينيه، فظل كارلين واقفًا دون حركة، مائلًا وجهه إليها.
“همم، يبدو أنك بخير.”
بعدما فحصت لاتيل وجه كارلين بدقة، تراجعت ببطء، لم يكن مجرد كلام، بل بدا أن جلده الشاحب لم يكن يشير إلى أي ألم محدد.
“هل جئتِ لأنكِ قلقة عليّ؟”
“لقد عدت مبكرًا لأنك قلت أنك تشعر بالسوء”
تحركت شفاه كارلين قليلاً، وكأنه كان لديه ما يقوله.
لكن ذلك كان كل شيء، أغلق كارلين فمه مرة أخرى.
تذكرت لاتيل، حتى لو كان ذلك لبضع لحظات فقط في الحفل، قدرتها على قراءة أفكار الآخرين وشعرت بالأسف، كانت هذه القدرة مفيدة.
بالتأكيد، كانت ستكون مفيدة للغاية خاصة مع شخص صامت مثل كارلين.
لكن، سواء كانت القدرة قد اختفت فجأة أو كانت مجرد قدرة ظهرت لبضع لحظات، لم تستطع لاتيل أن تعرف ما يفكر فيه كارلين مهما حاولت النظر إليه.
“هل تتألم الآن؟”
عندما سألت لاتيل بوضوح، دفن كارلين أنفه في عنق لاتيل وأجاب وهو يعانقها برفق.
“لا أشعر بالألم، فقط أشعر بالغيرة، أنا بخير، مالكتي”