رجال الحريم - 38
“يا صاحب السمو… هل حقًا تحزم أمتعتك؟”
عندما أحضر كلاين حقيبة كبيرة وبدأ يحشر فيها الملابس بعشوائية، كان خادمه فانيل يهز يديه في الهواء بتوتر ويئن بهدوء.
“لا يبدو أن جلالتها كانت تعني حقًا أن تذهب”
وضع كلاين الحقيبة وصاح بعنق محمر:
“قالت لي أن أذهب!”
“لكن… صحيح، لقد قالت ذلك، ولكن…”
“قالت لي أن أحزم أمتعتي وأعود الي عند اخي!”
“لكن… صحيح، لقد قالت ذلك، ولكن…”
“قالت لي أن أذهب، لذا سأذهب، لا أحب الأشخاص الذين يتحدثون بسهولة عن الفراق”
عندما تم حشر الملابس الفاخرة بشكل عشوائي داخل الحقيبة، أصدر الخادم أصواتًا متألمة بشكل لا إرادي، كان يقفز من التوتر ويلقي نظرة مسرعة على أكسيان الذي كان واقفًا بجانبه، مشيرًا له كي يتدخل ويوقف الموقف بأي طريقة ممكنة.
“يا صاحب السمو”
نظرًا لتلك النظرة الحادة، لم يكن أمام أكسيان خيار سوى التقدم ومحاولة تهدئة كلاين.
“ربما قالت جلالتها ذلك بسبب غضبها”
“بالطبع، أعلم ذلك!”
“!”
“ومع ذلك، سأذهب، وعندما أرحل، ستندم جلالتها على كلامها الطائش، لن أعود حتى ترسل خمسة مبعوثين للاعتذار!”
”لديك نية للعودة، إذن”
”أصمت!”
عندما أخذ كلاين حتى دمية “جلالتها 2″، بدأ فانيل يضرب ظهر أكسيان بسرعة وتوتر، حاول أن تمنعه، بسرعة!
لم يكن أمام أكسيان خيار آخر سوى التدخل مرة أخرى.
”يا صاحب السمو”
كان ينوي أن يقول “هدئ من روعك”، ولكن عندما أدرك أن كلاين لن يهدأ بسهولة، قرر المخاطرة ومواجهة الغضب بطريقة قوية.
”إذا عدت الآن، فسوف تتسبب في حرج كبير لجلالة الإمبراطور هيسينت”
عندما سمع تلك الكلمات، توقف كلاين على الفور عن الحركة واستدار بسرعة، كانت نظراته الحادة تنطلق كالسهام.
أخرج أكسيان دمية “جلالتها 2” من حقيبة كلاين وبدأ يشرح بأكبر قدر ممكن من الهدوء.
”يا صاحب السمو، أنت لست مجرد محظي عادي، مجيئك إلى هنا كان من أجل إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، أليس كذلك؟”
“لا”
”… جلالة الإمبراطور هيسينت أرسلك لهذا السبب، ولكن إذا غادرت الآن، ستضع كاريسين في موقف صعب”
بما أن كلاين لم يكن غبيًا رغم كونه ضعيفًا في الدراسة، فقد فهم كلام أكسيان جيدًا، عندما توقف كلاين عن حركته ونظر نحوه، تردد أكسيان قليلاً ثم وضع دمية “جلالتها 2” بين ذراعي كلاين.
“بنفس المنطق، لا يمكن لجلالة الامبرطورة لاتراسيل أن تطردك بسهولة هكذا”
“إذن…”
“لننتظر قليلاً ونرى ما سيحدث”
**
في تلك الأثناء
بعد أن دارت لاتيل حول الحديقة ثلاث أو أربع مرات لتهدئة غضبها، اتجهت أخيرًا إلى الغرفة التي كان يقيم فيها تيسير، تبعها السير سونوت من الخلف، وعندما لاحظ أن ملامح وجهها بدأت تهدأ، سألها:
“جلالتكِ، هل كان من الحكمة قول ما قلتِ للأمير كلاين؟”
رغم أن صوته كان حذرًا، إلا أنه بدا غير قلق جدًا مما قاله، ردت لاتيل بحزم :
“من الأفضل أن أكون حازمة معه ولو لمرة واحدة، لقد رأيته يضرب شخصًا بعيني مرتين، لا أستطيع أن أتخيل كم من المرات التي يفعلها بعيدًا عن نظري”
“ربما تصادف أن يضرب مرتين وكنتِ تلاحظين ذلك في كل مرة”
“هل هذا معقول؟”
عندما أعادت لاتيل السؤال، فكر السير سونوت قليلاً قبل أن يبتسم.
“الاحتمالية ضئيلة جدًا”
وأثناء تبادلهما الحديث، وصلت لاتيل إلى أمام غرفة تيسير، وبما أنها جاءت في وقت غير متوقع، لم يكن هناك أحد في الخارج لاستقبالها.
“جلالتكِ!”
عندما خرج خادم تيسير إلى الرواق بعد أن سمع صوت ينادي، فوجئ للغاية لدرجة أنه قفز من مكانه.
“أين تيسير؟”
“هو بالداخل، يا زعيم!”
صاح الخادم بسرعة تجاه الداخل، ولم يمضِ وقت طويل حتى سأل تيسير، “ماذا؟” وأطل برأسه فقط من وراء الباب.
أشار الخادم إلى لاتيل بنظراته، فتفاجأ تيسير للحظة قبل أن تضيق عيناه بابتسامة خفيفة.
“إنه لأمر سعيد أن أراكِ في هذا الوقت من الليل، جلالتكِ”
كانت هذه المرة الأولى التي تأتي فيها لاتيل إلى غرفة تيسير، دخلت لاتيل الغرفة بلا تفكير، ثم فوجئت بالمشهد غير المتوقع الذي رأته، وبدأت تتجول بنظراتها بانبهار.
كانت غرفة تيسير تبدو وكأنها غرفة عالم، وليس غرفة أحد المحظيين في الحريم، بل حتى ليست غرفة عالم عادي، بل غرفة عالم مهووس بالكتب والدراسة.
“ما كل هذا؟”
سألت لاتيل وهي تنظر إلى الكتب التي تملأ الرفوف حتى لم تترك بينها أي فراغ، فأجاب تيسير وهو يقترب منها حاملًا فنجان شاي.
“إنها كتب تتعلق بأعمال القمة التجارية، قد لا أظل وريثًا لها، لكن يجب عليّ دائمًا الاطلاع على المعلومات الجديدة”
كانت هذه الغرفة مناسبة تمامًا لتسير المثقف الذي تخيلته لاتيل في البداية، قبل أن تلتقي به شخصيًا وتفكر “يبدو كتاجر مخدرات”
ضحكت لاتيل خفية عندما خطرت لها هذه الفكرة، لكنها تذكرت أن هذا ليس وقت المزاح، فسارعت بالجلوس على الكرسي في الوسط.
“الموضوع الذي طلبت منك أن تبحث فيه سابقًا؟، هل توصلت إلى شيء؟”
“ليس عن الحفل بالطبع، هل تقصدين الأمير تالا؟”
“نعم.”
“حتى الآن، لم نجد أي صلة واضحة بين الأمير تالا والإمبراطور السابق”
أضاف تيسير بنبرة مليئة بالأسف :
“كنت أتمنى أن أحل هذا الأمر بسرعة وأطلب منكِ أن تفي بوعدكِ، لكن يبدو أن الأمر سيأخذ وقتًا”
رفع قليلاً منطقة الصدر من ملابسه بإصبعيه وتحرك بطريقة مبالغ فيها، مما جعل لاتيل تكاد تضحك.
لكن تذكرت الشجار الذي حدث بينها هي وكلاين، مما أوقف ابتسامتها، بالإضافة إلى أنها لم تأتِ إلى هنا لتضيع الوقت مع أحد رجالها، بل كانت هناك أمور أكثر أهمية.
“تيسير، لقد كنت تعمل في الغابة السوداء، لذا من المؤكد أنك رأيت الكثير من الأشياء”
“رأيت عددًا لا يُحصى من الأمور”
“هل تعرف أي شيء عن السحر الأسود أو أمور مشابهة؟”
“الأمور التي أعرفها، جلالتكِ، من المؤكد أنكِ تعرفينها بالفعل، أما عن السحرة السود، فقد اختفوا منذ 500 عام، أليس كذلك؟”
“كما توقعت، لا جديد”
ومع ذلك، عندما ألقت لاتيل بضع أسئلة أخرى وقالت إنها ستعود لاحقًا، خرج تيسير عن صمته وأثار موضوعًا غير متوقع.
“لقد أصبحت زيارة جلالتكِ لغرفة لأمير كلاين في الليل ومغادرتكِ بعد خمس دقائق فقط موضوعًا كبيرًا للسخرية”
نظرت لاتيل إلى تيسير بنظرة تعني “لماذا تتحدث عن هذا الآن؟”، فأجاب تيسير برفع كتفيه بلا مبالاة.
“لأن الحديث عن أن جلالتكِ أمرتِ الأمير كلاين بالرحيل قد انتشر ووصل إلى هنا بالفعل”
“هل انتشر بهذه السرعة أم أنك اكتشفته بهذه السرعة؟”
“في هذه الحالة، الخيار الأول”
“……”
“في تلك الليلة، بكى الأمير كلاين طوال الليل في الحديقة، لهذا السبب، علم الجميع أن جلالتكِ قد تخلتِ عن الأمير كلاين وهجرته”
“!”
“صحيح أن ضرب الأمير كلاين لجيستا كان تصرفًا خاطئًا، ولكن بالنظر إلى حادثة التميمة مؤخرًا، بالإضافة إلى كل الأحداث الأخرى، يبدو أنه لم يكن في حالته العقلية الطبيعية، جلالتكِ”
نظرت لاتيل إلى تيسير بفضول، لو كان جيستا هو من يقول هذا، لكانت ستتجاهله، لكن أن يكون تيسير هو من يقول هذا كان أمراً مثيرًا للاهتمام، لم يكن يبدو كشخص يدافع عن الآخرين.
“بالتأكيد، الأمير قد ندم كثيرًا على ما حدث، لذا أرجو أن تسامحيه لمرة واحدة فقط”
***
بمجرد أن غادرت لاتيل، بدأ هيرلان، أحد أتباع تيسير، في شد شعره والتوتر الشديد.
“زعيم، هل جننت؟، هناك اثنان فقط من المحظيين الذين لم يناموا مع جلالتها بعد!، وأحدهم هو أنت!، من الذي يساعد من هنا؟”
“وما المشكلة؟، أنا فقط أخبرتها بالحقيقة”
“لكنَّك طلبت منها أن تسامح الأمير بدلاً من ذلك!”
بدأ هيرلان يركض في الغرفة مثل خنزير بري مجنون، ثم انهار على الأرض وأخذ يضرب السجادة قائلاً: “أوه، يا إلهي، يا إلهي”
“أين ذهبت وقاحتك المميزة؟، لماذا تتحول فجأة إلى محظي لطيف؟، إن جاذبيتك، يا زعيم، تكمن في تلك الوقاحة المثيرة!، لا يوجد لديك أي جاذبية أخرى غيرها!، وبذلك الوجه، حتى لو تصرفت بلطف، سيعتقد الجميع ‘ما الذي يخطط له هذا الوغد؟'”
“…”
حدق تيسير فيه بصمت، وعندما أدرك هيرلان خطأه، سارع لتغيير كلماته.
“أنت وسيم جداً، وسيم للغاية لدرجة أن ذلك هو السبب الوحيد وراء كل هذا”
أصدر تيسير صوتاً يدل على انزعاجه، ثم توجه نحو كرسيه واستلقى عليه.
“استخدم عقلك”
“حسنًا، سأستخدم عقلي، ولكن من فضلك، يا زعيم، استخدم جسدك!، ارتدي ملابسك ببساطة وأظهر لجلالتها جسدك الرائع!، سأمزق ملابسك كلها أمامها لتظهر بشكل طبيعي!”
بينما كان تيسير ينظر إلى تابعه الذي يبدو أنه قد فقد عقله نصفه، أصدر صوتًا معبراً عن عدم رضاه،
‘هذا الرجل يعمل بسرعة، ولكن إذا لم تسر الأمور كما يريد، ينهار مباشرة’
“هيرلان، لدي سببان لمساعدة الأمير، لذا أهدأ وعد إلى رشدك”
“ما هما؟، كيف يكون هناك سببان لمساعدة منافس وسيم إلى هذا الحد؟”
“أخبرتك من قبل، أريد أن أقترب من الأمير كلاين لأتعرف على شخصية الإمبراطور هيسينت”
“آه… صحيح”
“إذن، ما الذي عليك فعله من الآن فصاعداً؟”
“سأبدأ في الشكوى للناس في الحريم، سأقول لهم إن سيدي رغم انه ليس لديه أي علاقة بالأمير كلاين، لا أفهم لماذا طلب من جلالتها مسامحته!”
***
بسبب العمل، عادت لاتيل إلى المكتب، لكنها كانت تفكر طوال الوقت في كلام تيسير.
في الواقع، كانت لاتيل قد نسيت أنها تركت كلاين خلفها ليلتها، لكن عندما أشار تيسير إلى هذه النقطة وأخبرها أن كلاين بكى طوال الليل، شعرت فجأة بالأسف على ما حدث.
كانت تعرف أن كلاين يمتلك كبرياءً كبيراً، ولكن إذا بكى علناً في الحديقة، فهذا يعني أنه كان متأثراً للغاية، بعد التفكير ملياً، قررت لاتيل أن تفعل شيئاً لتعويض ما فعلته.
أمرت السكرتير الخاص بها قائلة : “اذهب إلى الدفيئة واصنع باقة من زهور الأقحوان البرية، اجعل التغليف جميلاً وزينها بشريط لامع ومبهج”
وفي تلك الليلة، حملت لاتيل باقة كبيرة من الزهور وذهبت لزيارة كلاين.
“هل كلاين نائم؟”
في تلك اللحظة.
كان كلاين ملتصقًا بالباب، واضعًا أذنه عليه مثل الحلزون، لم يكن نائمًا على الإطلاق، بل كانت عيناه مفتوحتين بوضوح، وأذناه تستمعان بعناية لكل كلمة تُقال خارج الغرفة.
كان كلاين يبتسم بسعادة عندما سمع صوت لاتيل.
“كان من الأفضل أن تفتح الباب فقط…”
شعر فانيل أن هذا التصرف لا فائدة منه وكان متوترًا وهمس بقلق، لكن كلاين لم يكترث له.
“يا صاحب السمو، ماذا ستفعل لو غادرت جلالتها هكذا فقط؟…”
“لا يمكن، يجب أن تطرق الباب على الأقل”
“…”
“قد تعتقد أنك متعب وتقرر المغادرة، ويمكن أن تذهب هكذا”
لكن كلاين، رغم ذلك، واصل التصاقه بالباب وأذنه تنتظر بفارغ الصبر أن تطرق لاتيل الباب، كان مستعدًا لأن يركض نحو السرير ويغمض عينيه متظاهرًا بالنوم فور سماعه لطرق الباب.
لقد جعلته ينتظر هكذا، لذلك كان عليه أن يظهر لها أنه ليس رجلاً سهل.
كان يعتقد أن مظهره وهو نائم سيكون جميلًا كاللوحة، وربما سيجعل الإمبراطورة تشعر بالتوتر وتندم على كلماتها القاسية، ضحك كلاين بابتسامة رضا.
ولكن في تلك اللحظة، سمع كلاين صوتًا لم يتوقعه.
“جلالتكِ، هناك معلومات مهمة يجب الإبلاغ عنها على الفور”
“سير سونوت؟ ما الأمر؟”
“إنه أمر لا يمكن الحديث عنه هنا”
فتح كلاين عينيه بغضب، “سونوت؟ أليس هو نفس الشخص الذي جاء إلى الإمبراطورة من قبل بحجة أن هناك أمرًا عاجلًا وأخذها من الغرفة؟، لقد عاد مرة أخرى؟”
‘ذلك الوغد؟’
أخيرًا، لم يستطع كلاين التحمل أكثر، ففتح الباب بقوة واندفع للخارج.
“جلالتك!”