رجال الحريم - 35
رانامون يعيش في غرفة بعيدة تمامًا عن كلاين، فكيف تمكن من رؤية اللص الذي اقتحم غرفة كلاين؟، كان هذا الأمر غريبًا بعض الشيء، لكن لاتيل فضلت أن تسأل أولاً عن هوية الجاني.
“من هو؟”
“من غيره سيكون؟، من المؤكد أنه جيستا، ذلك الشخص المزعج!”
صرّ كلاين علي أسنانه، فأشارت له لاتيل بالإشارة ليصمت، ثم نظرت إلى رانامون بعينها كي يتحدث، رانامون فكر قليلاً قبل أن يتحدث.
“إنه كارلين”
اتسعت عينا لاتيل بدهشة.
“كارلين؟، حقاً؟”
حتى لو كان رانامون قد ذكر أي شخص آخر، لم تكن لتُفاجأ بهذه الدرجة، لكن كارلين؟، لا تعرف السبب، لكن هذا كان صدمة لها.
لم ترَ الكثير من كارلين من قبل، لكنه كان ملك المرتزقة، وكان يبدو وكأنه تجاوز أمور العالم الدنيوية بشكل أو بآخر.
“لا أعرف إن كان هو الجاني أم لا، كل ما في الأمر أنني رأيته يخرج من الغرفة”
عندما أظهرت لاتيل دهشتها الكبيرة، أضاف رانامون بصوت بارد.
“……”
عبست لاتيل بين حاجبيها، وأمرت خادمها، “أحضروا لي كارلين”
***
دخلت لاتيل إلى غرفة قريبة وجرت كرسيًا وجلست عليه.
كان كلاين بجانبها، وعلى غير العادة، بدا عليه التأثر وظل هادئًا، يبدو أن تصرف لاتيل للبحث عن التميمة لأجله أفرحه.
من ناحية أخرى، بدا رانامون غير مكترث وأخرج ساعته الجيب مرارًا ليتحقق من الوقت، وكأنه يتساءل، “لماذا يجب أن أكون جزءًا من هذا الأمر التافه؟”
إلى متى انتظروا بهذا الشكل؟، أخيرًا، ظهر كارلين، قد يكون قد تلقى شرحًا مختصرًا في الطريق، لكنه دخل الغرفة بنفس التعبير الهادئ المعتاد.
بمجرد أن اقترب كارلين، سألت لاتيل مباشرة دون أن تترك له مجالًا لتحيتها.
“كارلين، هل سرقت التميمة من غرفة كلاين؟”
على الرغم من أن سؤال لاتيل قد يكون مستفزًا، إلا أن كارلين أجاب بهدوء : “لقد سمعت عن الوضع، لكنني لم أدخل غرفته قط”
لم يكن في صوته أي حدة، لكنه كان كافيًا لإثارة رانامون.
كان رانامون ينظر إلى ساعة الجيب، ثم أغلق الغطاء، كان صوت الغطاء يشبه صوت مقص حاد يقطع خيط الصبر، بعد أن أخفى الساعة الفضية عن الأنظار، رفع رانامون طرف شفتيه وسأل كارلين، “هل تعني بذلك أنني كذبت على جلالتها؟”
صوت رانامون كان باردًا إلى حد تساقط الثلج، لكن كارلين أجاب بنفس الجفاف واللامبالاة.
“يبدو كذلك”
“أنا قلت ما رأيته فقط”
“إذا كان لديك عيون، فعليك أن ترى بوضوح يا رانامون”
هؤلاء الرجال الذين كانوا يلعبون الشطرنج معًا قبل قليل، هل يمكن أن يقولوا مثل هذه الكلمات الآن؟، قبل أن تتمكن لاتيل من استجوابهم بشكل صحيح، بدأ رانامون وكارلين في مشادة حادة، مما جعلها تشعر وكأنها متفرجة لا أكثر.
وما زاد من حيرتها أن كلا الرجلين، رغم توتر الحوار، لا يبدو أنهما من النوع الذي يمكن أن يكذب.
في هذه الأثناء، كان كلاين يصرخ بجانبها.
“تميمتي… تميمتي…”
“لحظة”
مدت لاتيل يدها لوقف رانامون وكارلين، عندما توقف كلاهما عن الحديث، بدأت تسأل بترتيب.
“رانامون، هل أنت متأكد من أنك رأيت كارلين؟، وكارلين، هل أنت متأكد من أنك لم تدخل؟”
“نعم، جلالتكِ”
“أنا لا أتحمل الأشياء مثل التمائم، يا مالكتي”
صرخ كلاين فجأة بجانبه، “إذاً، أين ذهبت تميمتي!”
“هدئ من روعك يا صاحب السمو، من فضلك”
بدأ الخادم بجانب كلاين بمراوحته بيده محاولًا تهدئته، وبينما كانت الأجواء تعج بالفوضى، أغلقت لاتيل عينيها وضغطت على صدغها من الألم.
“هل لدى أي منكما دليل؟، رانامون؟”
“…لا يوجد”
“كارلين، وأنت؟”
“لا يوجد”
وأخيرًا، التفتت لاتيل إلى كلاين وسألته.
“كلاين، هل أنت متأكد من أنك فقدتها؟، لم تسقطها في الغرفة أو شيء من هذا القبيل؟”
“لا، لم يحدث!”
عندما صاح كلاين بإحباط، حاول أكسيان، الذي كان بجانبه، أن يوضح بهدوء نيابة عن الأمير المتهيج.
“أنا وفانيل بحثنا في الغرفة معًا طوال نصف يوم، لكنها لم تكن موجودة بالتأكيد”
تنهدت لاتيل، وأخيرًا استدعت قائد الحرس وأمرته.
“قائد الحرس، فتش جميع الغرف في الحريم وابحث عن التميمة المفقودة لكلاين”
“نعم، لكن… ماذا عن غرف المحظيين؟”
“قل لهم إن هذا بأمري واطلب منهم التفهم”
“نعم، جلالتك”
بعد أن غادر قائد الحرس، نظرت لاتيل إلى كلاين وسألته.
“هل أنت راضٍ الآن؟”
رغم أن كلاين كان لا يزال متجهمًا، إلا أنه بعد التفكير للحظة استرخى وابتسم، ثم، بعد تردد، أمسك بيد لاتيل بلطف وابتسم بفخر.
‘انظروا لهذا؟’ نظرت لاتيل إلى يده الكبيرة التي كانت تغطي يدها، فشد كلاين قبضته عليها أكثر وهمس بسعادة.
“سعيد جدًا لأن جلالتكِ وقفتِ في صفي”
‘لم أقف في صفك تمامًا، لكن…’
لم تستطع قول هذا لكلاين، الذي كان يبدو محبطًا للغاية بسبب فقدان شيء ثمين، فابتسمت وهزت رأسها قائلة : “حسنًا، إذا كنت سعيدًا، فهذا يكفي”
لم يكتفِ كلاين بذلك، بل أسند رأسه بلطف على كتف لاتيل، وأبدى الخادم إعجابه بالمشهد وأخفى فمه بيده.
على النقيض من ذلك، بدأت تعابير رانامون وكارلين تصبح أكثر ظلمة.
* * *
بعد أن التصق كلاين بلاتيل وذهبا، بقي في الغرفة رانامون وخادمه، وكارلين فقط.
عندما هدأت الضوضاء، ساد الصمت للحظة، كان كارلين ينظر إلى الحائط، وأخيرًا ألقى التحية على رانامون واستدار للمغادرة.
“انتظر”
لكن رانامون، الذي لم ينطق بكلمة طوال الوقت، أوقفه عندما هم بالخروج، وعندما ألقى كارلين نظرة سريعة من فوق كتفه دون أن يستدير، اقترب منه رانامون وسأله.
“لماذا كذبت؟، أنا رأيتك تخرج من غرفته”
كان كاردون، المرافق الخاص برانامون، قد شاهد المشهد أيضًا، وأخذ يهز رأسه بحماسة.
لقد جعل كارلين رانامون يبدو كاذبًا أمام الإمبراطور فجأة، والنتيجة كانت أن الأمير الأجنبي الذي لا يحبونه استحوذ على كل شيء، كان كاردون غاضبًا جدًا.
لكن بدلاً من الإجابة، تابع كارلين طريقه للمغادرة.
“أجبني”
وعندما ركض رانامون ليلحق به وأمسك بذراعه، استدار كارلين فجأة وأمسك بذقن رانامون.
“!”
في غمضة عين، تفاجأ كاردون وأمسك بذراع كارلين.
“اتركه!”
لكن كارلين دفع كاردون بسهولة وألقى به بعيدًا، ثم بدأ بتفحص وجه رانامون يمينًا ويسارًا بقوة.
“آه…”
كان كاردون قد سقط على الأرض وأطلق أنينًا، لكنه وقف بسرعة وهو يشعر بالقشعريرة عندما رأى كارلين يفحص وجه رانامون بدقة.
كان لديه شعور غريب بأن كارلين قد يقتله.
لكن كارلين لم يقتل رانامون، بل تركه بحركة سريعة وأعطاه تحذيرًا بصوت منخفض.
“رفيق المتعه الليلة يجب أن يكتفي بالتزين والضحك فقط، لا تحتاج عيونك ولا فمك لما لا يفيدك”
لم يكن هذا تحذيرًا، بل كان إهانة، تعبير رانامون البارد كان أكثر برودة من المعتاد بسبب تلك الكلمات المهينة.
“يبدو أنك تريد أن تعرف ما هو الأقوى، السلطة أم القوة”
كانت الكلمات التالية تحمل تهديدًا خفيًا، من النوع الذي يخافه كل من يعيش في هذا البلد، لكن كارلين لم يظهر أي رد فعل.
“إذا عبثت كثيرًا، سأجعلك تفقد عقلك وأتركك مجرد قشرة جميلة فارغه، مثل دمية”
لكن التهديد الذي رد به كان أكثر رعبًا، فشعر كاردون بالقشعريرة في عموده الفقري ونظر إلى كارلين، كان الأمر مخيفًا حقًا عندما يتحدث ملك المرتزقة الشهير بمثل هذا الأسلوب، لكن الأكثر رعبًا لم يكن مضمون كلماته، بل عينيه.
عادةً، عندما يُقال أن الشخص “لا يرف له جفن”، لا يقصد بذلك أن جفونه لا تتحرك بالفعل، لكن كارلين لم يرمش بعينه ولو مرة واحدة.
وكان وجهه الشاحب يجعله يبدو مثل الجثة، ما جعل كاردون يستغرب من استمرارية النظرة الباردة لرانامون، الذي واجه كارلين ببرود تام.
“تذكر، رانامون، أنني أُبقي على حياة المحظيين فقط لأني أتحلى بأقصى درجات الصبر”
همس كارلين بهذه الكلمات في أذن رانامون بينما كان يمسك بردائه، ثم زفر أنفاسًا باردة على عنقه، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يغادر الغرفة بسرعة.
عندما تبقى الاثنان وحدهما، انهارت قوة كاردون مرة أخرى وسقط على الأرض.
“ليس من الغريب أن يُلقب بملك المرتزقة الشيطان الأسود، إنه شخص مخيف حقًا”
“انهض، ماذا تفعل على الأرض؟”
“لا أستطيع أن أقف، يا سيدي”
عندما نقر رانامون على لسانه، شعر كاردون بالظلم.
“ألا تخاف، سيدي؟”
“لا أعرف ما إذا كنت خائفًا، لكنه يبدو مشبوهًا”
“لا تخاف حقًا؟”
“إنه لا يشبه ملك المرتزقة العادي”
“لكن ألا تخاف منه؟”
كاردون كان يبكي تقريبًا، بينما رانامون عقد ذراعيه وفكر بجدية قبل أن يعطي أمرًا.
“كاردون، اطلب من والدي أن يُجري تحقيقًا حول هذا الرجل، أشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي بشأنه”
* * *
في تلك اللحظة، عادت لاتيل إلى مكتبها وأمرت الخادم بإحضار تيسير وجيستا، شعرت بالإرهاق من المشكلة الحالية، فقررت استبعاد كلاين، رانامون، وكارلين من هذه المهمة وترك تنظيم الحفل للاحتفال بتنصيبها على عاتق الشخصين الآخرين.
“لكن السيد رانامون كان مجرد شاهد، يا جلالتكِ”
رئيس الخدم كان لا يزال يرغب في تكليف رانامون بهذه المهمة، لكن لاتيل لم تغير رأيها.
“بهذا التفكير، سيكون كلاين أيضًا مظلومًا، فقد فقد ممتلكاته، وإذا لم يكن هو الجاني، فسيكون كارلين أيضًا مظلومًا”
“هل تعتقدين أن كارلين لم يسرق تميمة كلاين يا جلالتكِ؟”
“لا يوجد سبب يجعله يسرقها”
نظرت لاتيل إلى سونوت وسألت : “أليس كذلك؟” فكان ينظر إلى الأرض ويفكر بمفرده قبل أن يهز رأسه موافقًا.
“أفكاري تتوافق مع جلالتكِ، كما هو الحال دائمًا.”
خلال ذلك الوقت، وصل تيسير وجيستا.
لم يكن لديهما أي فكرة عن سبب استدعائهما، لكن تيسير كان يبتسم بثقة، بينما كان جيستا يبدو منزعجًا ومنكمشًا.
عندما وقفا أمام مكتب لاتيل، سلمتهما أوراقًا أعدتها مسبقًا.
“تيسير، جيستا، على الرغم من التأخير، أفكر في إقامة حفل للاحتفال بتنصيبي، أريدكما أن تعدا الحفل معًا”
أخذ تيسير الأوراق بحذر، بينما ظل جيستا غير قادر على أخذها، مكتفياً بتشابك يديه معًا وظهور علامات القلق على وجهه من هذا الأمر المفاجئ.
تجمد جيستا ولوح بيديه قائلاً: “كي… كيف يمكنني القيام بذلك؟”
“سأعين لك سكرتيرًا، سيهتم بالجوانب العملية، ويشرح لك الإجراءات، لذا لن يكون الأمر صعبًا جدًا، لا تقلق.”
تيسير، رغم أنه لم يكن يظهر وجهًا غير واثق، إلا أن تعبيره كان يعكس دهشة إزاء اقتراح لاتيل.
“تيسير معتاد على الحياة الفاخرة، وجيستا لديك خبرة في التعامل مع النبلاء، أتوقع أن تتمكنوا من تحقيق نتيجة جيدة إذا تعاونتم معًا”
لاتيل لم تشرح السبب الحقيقي وراء تكليفهم بهذه المهمة، مثل “رانامون وكلاين متورطان في حادثة غريبه لذا سأكلفكم بهذا الأمر”، بل ابتسمت وكأنها تثق بهم.
احمر وجه جيستا وهو يعانق الأوراق بقوة وقال، “نعم.”
تيسير ابتسم بثقة وانحنى على ركبته قائلاً، “سأعد الأمور بحيث يدهش الجميع.”
بعد أن غادر الاثنان، سأل رئيس الخدم بقلق، “هل سيكون الأمر على ما يرام؟”
كان رئيس الخدم لا يزال غير راضٍ عن عدم تكليف رانامون بهذه المهمة.
أجابت لاتيل بهدوء وهي تمد الكوب الفارغ للخادم الذي كان ينتظر، “سيكون على ما يرام، من بين الخمسة، تيسير وجيستا هم الأكثر، كيف أقول… الأقل تصادمًا مع الآخرين؟”
* * *
“مرحبًا، يا سيدي اللطيف، ألا تذكر كلام جلالة الإمبراطورة؟؛ قالت أن يكون الحفل فخمًا”
“لم تقل ذلك أبدًا…”
“عندما قالت إنني معتاد على الحياة الفاخرة، كانت تعني أن يكون الحفل فخمًا”
“لكننا لم نقبض على قاتل الإمبراطور السابق بعد، أعتقد أنه من الأفضل أن يكون الحفل بسيطًا في هذا الوقت… إذا كان الحفل صاخبًا للغاية، قد يظهر القاتل مرة أخرى…”
لكن على عكس توقعات لاتيل، بدأ تيسير وجيستا في الاختلاف في آرائهما منذ بدء النقاش، تيسير اعتقد أن لاتيل ترغب في حفل “فخم جدًا”، بينما جادل جيستا بأن من الأفضل أن يكون بسيطًا.
في البداية، كان تيسير يعتقد أن بضع كلمات منه ستكون كافية لجعل جيستا يغير رأيه، ولكن، على الرغم من أن جيستا كان يتحدث بصوت غير واثق ويتلعثم، إلا أنه لم يتراجع عن رأيه حتى بكلمة واحدة، مما أدى في النهاية إلى ارتفاع صوت تيسير تدريجيًا.
“مرحبًا، يا سيدي اللطيف، أنت نَبيل، ولكنك لا تتفاعل مع الناس”
“!”
“لكنني أُدعى إلى حفلات في دول مختلفة، أليس من المفترض أن يكون رأيي هو الأصح؟”
أخيرًا، أشار تيسير إلى أن جيستا لا يتأقلم جيدًا في المجتمع، مُدعيًا أن رأيه غير صحيح، ورغم أنه شعر ببعض الأسف، إلا أنه لم يستطع قبول رأي جيستا، لذا عبّر عن نفسه بصدق.
جيستا وضع يده على فمه وأخفض رأسه عند سماع كلام تيسير، وفي اللحظة التي فكر فيها تيسير “هل قلت شيئًا قاسيًا جدًا؟”، سمع صوتًا خافتًا، يكاد يكون غير مسموع.
كان الصوت خافتًا لدرجة أن تيسير لم يكن متأكدًا مما إذا كان قد سمعه بشكل صحيح أم لا، لكنه كان متأكدًا من أنه سمع شيئًا، فانزعج، هل من الممكن أن السيد الصغير قد خفض رأسه الآن ليستهزئ به؟.
ومع هذا التفكير، بينما كان جيستا لا يزال يغطي فمه بيده ويرفع عينيه فقط، تمتم قائلاً، “يبدو أن السيد تيسير ظل ينظر إلى الشمس لفترة طويلة، حتى أنه بدأ يظن أنه يعيش في السماء.”
“!”