رجال الحريم - 33
أتيتُ لرؤية كارلين، لكن رانامون موجود هنا؟، كانت لاتيل في حيرة عندما دخلت غرفة كارلين وشاهدت مشهدًا غير متوقع.
أن يقف رانامون وكارلين جنبًا إلى جنب!
كارلين ذو الجاذبية الساحرة والمظهر المتدهور، ورانامون بطلته النبيلة والباردة، المشهد الذي يظهر فيه الاثنان معًا بدا متناغمًا تمامًا من الخارج، لكن بالنظر إلى خلفياتهما أو شخصياتهما، فإنهما يشكلان تركيبة لا تتناسب على الإطلاق.
هل كان هذان الاثنان يتشاجران أيضًا؟، استحضرت لاتيل في ذهنها الأزمة التي وقعت بين جيستا وكلاين، وسرعان ما نظرت إلى كليهما بعين فاحصة.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أي مؤشر على ذلك، فوق كل شيء، لوح الشطرنج المفتوح على الطاولة في الخلف كان ينبض بالسلام.
“جلالتكِ؟”
كان من الواضح أن كارلين يجد وقوف لاتيل في حالة من الارتباك أمرًا غريبًا، فسأل ببرود.
“ما الأمر؟”
“لا، لم أكن أعلم أن رانامون سيكون هنا، هل كنتما… تلعبان الشطرنج؟”
ردت لاتيل على السؤال بشكل عفوي، لكن حتى أثناء حديثها، كانت عيناها لا تزالان معلقتين على لوح الشطرنج، وفي داخل رأسها كان هناك صوت مرتفع يقول: “هل هذان الاثنان يلعبان الشطرنج حقًا؟”
كارلين والشطرنج لا يتناسبان، لكن الخصم هنا هو رانامون، الاثنان يلعبان الشطرنج معًا؟ .
“لقد جئتِ لرؤية كارلين، لكنني هنا أيضًا، هل أزعجكِ وجودي؟”
تدخل رانامون ببرود، وأخيرًا استعادت لاتيل وعيها بصعوبة، ولاحظت أن نبرة صوت رانامون أصبحت أكثر برودة مقارنةً بآخر مرة التقيا فيها.
‘آه، الآن وقد فكرتُ في الأمر، كانت الأجواء مشحونة قليلاً في آخر لقاء بيننا’
بدا أن رانامون شعر بالإهانة لأنه تلقى هدية رغم أنه لم يكن قد قضى الليلة مع لاتيل بعد.
‘هل بسبب تلك المشكلة؟’
بدأت لاتيل تراقب رانامون بحذر، من الغريب أن تكون حذرة تجاه أحد ازواجها، لكنها لا تستطيع تجاهل أنه، رغم كونه محظيًا، هو الابن الأكبر للدوق أتراكسيل، ومن الطبيعي أن تنتبه لما يشعر به.
كذلك إن مجرد وجوده بذلك الوجه الجميل والتعبير العميق يجعل العين تنجذب إليه.
ولكن بينما كانت لاتيل تقف باتجاه كارلين، وتلقي نظرة خاطفة على رانامون، قام كارلين بتجعيد حاجبيه قليلاً وسأل :
“جلالتكِ، لأي سبب جئتِ لرؤيتي؟”
“ماذا؟ آه، نعم، لقد أتيت لرؤيتك”
نظرت لاتيل مجددًا نحو كارلين، لتكتشف أن كارلين أيضًا كان يعبس.
تساءلت في نفسها، “لماذا يعبس هو الآخر؟”، ولكنها أجابت بهدوء.
“كنتُ أتساءل كيف كنتَ في الآونة الأخيرة…”
لكن رانامون قاطعها مرة أخرى.
“يبدو أنكِ لم تتسائلِي كيف كنتُ أنا”
في تلك الأثناء، كانت نبرة صوت رانامون تزداد برودة.
“…ليس الأمر كذلك”
تذكرت لاتيل أن والدها كان يحاول دائمًا مقابلة محظياته واحدة تلو الأخرى علي انفراد، واحدة كل مرة فقط، في ذلك الوقت، لم تفهم لاتيل السبب.
لكنها الآن تعتقد أنها بدأت تفهم السبب، الوقوف في غرفة واحدة مع اثنين منهم جعل الجو يبدو محرجًا، حتى دون أي شجار.
رانامون وكاؤلين، اللذان كانا يلعبان الشطرنج بسلام فيما يبدو، كانا يتبادلان نظرات غريبة بينهما، وكان الأمر محرجًا.
“كنت أخطط لزيارتكما واحدًا تلو الآخر”
أجابت لاتيل رانامون دون أن تكشف عن أفكارها، رانامون ضغط شفتيه وألقى بنظره إلى الأرض، متذمرًا.
“وكان الأول هو كارلين، إذن”
كانت نبرة صوته باردة، لكنها أوضحت شعوره بالاستياء، على العكس، كان كارلين يقف بلا تعبير، لكن زوايا شفتيه كانت مرفوعة قليلاً.
نظرت لاتيل بشكل غير مريح بين الاثنين، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء.
“جلالتكِ؟”
“ماذا يحدث، جلالتكِ؟”
“آه… تذكرت فجأة أن هناك مسألة يجب معالجتها على الفور”
“ماذا؟”
“هل ستغادرين الآن بعد أن جئتِ، مالكتي؟”
عندما ذكر كارلين “مالكتي”، انتقلت نظرة رانامون بسرعة إلى الجانب، وكأنه يتساءل “ما هذا؟”.
بينما كان كارلين يتلقى تلك النظرة، كان يحدق في لاتيل بعينيه الخضراوين دون أن يطرف.
تراجعت لاتيل خطوة أخرى إلى الوراء بضع مرات، ثم غادرت الغرفة بسرعة.
ثم أغلقت الباب بسرعة لمنع الرجلين من اللحاق بها.
“جلالتكِ؟”
بينما كانت لاتيل تمسك بمقبض الباب، ناداها السير سونوت الذي كان يقف حارسًا أمام الباب بنظرة استغراب.
“ما الأمر؟”
“ثلاث مرات.”
“ماذا؟”
“لقد سمعت ‘ما الأمر’ ثلاث مرات”
“لا أفهم جيدًا”
“…لا شيء مهم”
ضحكت لاتيل وأشارت بإصبعها إلى الممر.
“لنعد الآن”
رفع السير سونوت حاجبيه ونظر إلى الباب المغلق.
“لقد جئنا للتو، هل سنغادر بالفعل؟”
“نعم، فكرت في أنني جئت أثناء العمل… ما هذا؟، لماذا تبتسم هكذا يا سير سونوت بشكل مريب؟”
“لم أبتسم”
“لا، لقد ابتسمت للتو”
“لم أبتسم، حقًا”
* * *
خرجت لاتيل من الحريم وتوجهت مباشرة إلى مكتبها العام، رغم أن ذريعة انشغالها بعمل طارئ التي استخدمتها لتبرير مغادرتها لكارلين كانت مجرد حجة، إلا أنها لم تكن كذبة تمامًا، على أي حال، كانت هناك دائمًا أكوام من الأعمال التي تنتظرها في المكتب.
جلست لاتيل أمام المكتب واستدعت رئيس الخدم، وسألته عن التقدم في الأمور التي أمرت بها في السجن قبل قليل.
“الرسامون يرسمون الصورة الآن، المحققون انطلقوا لاعتقال الأشخاص المشبوهين بالسحر الأسود، والكاهنة غنوسيس توجهت إلى منطقة سوسوتا”
“حسنًا”
تنهدت لاتيل بعمق، لم تكن مسألة القبض على قاتل الإمبراطور بسيطة، بل أصبحت هذه القضية تتفرع في اتجاهات غير متوقعة.
‘لم أكن أتوقع أن يتورط في الأمر سحرة سود أو لعنات…’
ولكن بينما كانت غارقة في أفكارها، بدا أن رئيس الخدم لديه شيء يريد قوله، لكنه ظل يتردد.
“ما الأمر؟”
سألت لاتيل بنظرة حادة، ففتح رئيس الخدم فمه بحذر.
“آه… ولكن، جلالتكِ”
“تحدث، يا ماركيز سابل.”
“لماذا عدتِ بهذه السرعة…؟”
“ماذا؟”
“ألم تذهبي لرؤية السيد كارلين؟”
“آه. إذًا، هذا هو السبب.”
نظرت لاتيل سريعًا إلى الساعة، تذكرت أن ابسير سونوت قد سأل شيئًا مشابهًا، من الواضح أنها خرجت بسرعة كبيرة.
عندما تأكدت من الوقت، فهمت سبب طرح رئيس الخدم هذا السؤال، لم يمر حتى ثلاثون دقيقة منذ أن ذهبت إلى الحريم.
“بالفعل، لقد خرجت بعد تبادل بضع كلمات فقط”
لكنها شعرت بالحرج لتخبر رئيس الخدم بأنها غادرت لأن اثنين من محظييها كانا يخوضان حرب أعصاب غير مريحة.
بينما كانت لاتيل تبتسم بشكل محرج، سأل رئيس الخدم بقلق :
“جلالتكِ، هل من الممكن أن محظييكِ الحاليين لا يرضونكِ؟”
“أوه، لا، هذا ليس صحيحًا على الإطلاق”
“إذا كانوا لا يرضونكِ، قد يكون من الأفضل إضافة ثلاثة آخرين…”
فجأة، انبعث صوت صاخب فتوقف رئيس الخدم عن الكلام، استدارت لاتيل برأسها لتبحث عن مصدر الصوت.
“آه، أعتذر”
كان السير سونوت يرفع غمد السيف الذي سقط.
“يبدو أنه كان مربوطًا بشكل غير محكم”
نظرت لاتيل بدهشة، متساءلة عن سبب سقوط غمد السيف، فرد سير سونوت بابتسامة وهو يعيد تثبيت الغمد بشكل صحيح أمامها.
ثم سارع بسؤال لاتيل قبل أن يبدأ رئيس الخدم بالتوبيخ.
“جلالتكِ، يبدو أن الجاني المزيف كان على وشك ذكر الأمير تالا، ألا ترغبين في التحقيق في هذا الأمر؟”
بدا أن تأثير كلمة “اللعنة” والمشهد الذي انفجر فيه الدم من الجاني قد ترك أثرًا عميقًا، كانت لاتيل قد نسيت مؤقتًا الأمير تالا بينما كانت تعطي أوامر لمعالجة تداعيات تلك الأحداث.
“آه، صحيح”
أدركت لاتيل أخيرًا أن عليها معالجة هذا الأمر على الفور، فقد تذكرت أن “الجاني المزيف” ذكر اسم “تالا” قبل أن يموت.
“أجل، لا بأس في التحقيق بهذا الأمر”
أثارت هذه القضية الجادة التي طرحها السير سونوت، اهتمام رئيس الخدم، الذي نسي موضوع المحظيين الجدد وأخذ يسأل بجدية.
“هل يمكن أن يكون الشخص الذي دعم الأمير تالا هو الجاني الحقيقي؟”
اقترح السير سونوت وجهة نظر مختلفة بعض الشيء.
“ربما فعل ذلك فقط لإهانة جلالتكِ، هناك أبعاد مختلفة للقضية”
أومأت لاتيل برأسها مؤيدة كلام كل منهما.
“قد يكون الشخص الذي دعم الأمير تالا صنع الجاني المزيف عمدًا لإهانتي، أو ربما يكون مؤيدو الأمير تالا متورطين حقًا في اغتيال والدي”
بالطبع، بغض النظر عن الاحتمالين، لا يمكن تجاهل الأمر.
“سأقوم بالتحقيق في هذا الأمر”
بينما كانت لاتيل تفكر في الموضوع، تطوع السير سونوت بالتحقيق، كان موقفه يدل على الثقة.
“لا، ليس هناك حاجة لأن تتدخل يا سير سونوت”
لكن لاتيل رفضت بسرعة.
“أعتقد أنه من الأفضل أن أتولى هذا التحقيق بنفسي لأهميته، يا جلالتكِ”
تطوع السير سونوت مرة أخرى لإجراء التحقيق، ولكن لاتيل عارضت مجددًا.
“لا بأس”
كان سونوت مشغولاً بالفعل بمهامه الكثيرة، كان عليه قيادة فرقة الحرس الملكي، وكان عليه أيضًا أن يتحمل مسؤولياته كوريث لعائلته، إضافة إلى التكليف السري الذي تلقاه من لاتيل للتحقيق في سرقة الرسائل.
وبينما كان عليه أيضًا أداء مهام الحراسة للإمبراطورة، كان من المستحيل عليه أن يتحمل مهمة سرية أخرى.
“أريد أن أفعل ذلك، فكلما كانت المسألة أكثر حساسية، كان الحفاظ على السرية أمرًا بالغ الأهمية، يا جلالتكِ”
“سير سونوت، أنت مشغول للغاية بالفعل”
“لا بأس”
“ليس كذلك، لأكون صريحة، لا أعرف إن كنت تحصل على قدر كافٍ من النوم الآن”
قالت لاتيل بصرامة، مما دفع السير سونوت للتراجع خطوة إلى الخلف.
“ليس لأنني لا أثق بك، سونوت، ولكن لأنني قلقة من أنك تعمل كثيرًا، لذا أقول هذا الكلام”
قالت لاتيل له مرة أخرى بنبرة تهدئة، ثم توقفت للتفكير للحظة قبل أن تكمل.
“أفكر في أن أكلف تيسير بهذه المهمة”
نظر كل من السير سونوت ورئيس الخدم إلى لاتيل بدهشة، كان وجه السير سونوت بشكل خاص يعكس تعبيرًا ينم عن عدم التصديق، بعد أن ظل ينظر إلى لاتيل بهدوء، سأل ببطء.
“هل تثقين به؟”
هزت لاتيل كتفيها.
“سنكتشف الإجابة الآن”
* * *
بعد أن أمرت لاتيل بإحضار تيسير إلى الغرفة، طلبت من إحدى الخادمات أن تحضر لها القهوة والحلويات.
خلعت معطف زيها الرسمي الثقيل والبنطال، وجلست على الأريكة مرتدية قميصها، تنتظر تيسير بينما تأكل الحلوى التي جلبتها لها الخادمة، ظهر تيسير بعد حوالي ثلاثين دقيقة.
“جلالتكِ، السيد تيسير قد حضر”
“دعيه يدخل”
صرخت لاتيل بفم مليء بالحلوى، مما جعل نطقها غير واضح، ما إن دخل تيسير الغرفة ورأى لاتيل جالسة على الأريكة ومدت ساقيها الطويلتين، حتى وضع يده على جبهته.
“قهوة؟”
“بما أنكِ طلبتِ مني الحضور إلى الغرفة، يبدو أنكِ لا تنوين منحي أي امتياز، هل هو اختبار للصبر؟”
أشارت لاتيل إلى الأريكة المقابلة، فتردد تيسير قليلاً قبل أن يجلس عليها ويطلق تنهيدة صغيرة.
“هل هذا تعذيب؟”
“ما الذي تعنيه؟”
“إذا كنت أجلس أمام جلالتكِ مرتديًا قميصًا فقط، فكيف سيكون شعوركِ؟”
“سيكون شعورًا جيدًا”
“… فهمت”
بدا تعبير تيسير غامضًا، وكأنه يصعب تحديد ما إذا كان يبتسم أم يشعر بالضيق، ضحكت لاتيل قليلاً ثم مدت له الأوراق التي كانت تراجعها قبل وصوله.
“ها هي، تحقق منها”
أخذ تيسير الأوراق وألقى نظرة سريعة عليها.
“المحتوى شبه فارغ”
“املأه”
رفع تيسير نظره نحو لاتيل بنظرة خفية.
“أيعقل أنكِ لم تستدعيني بصفتي ‘زوجكِ تيسير’ ولكن ‘زعيم الغابة السوداء’؟”
“ما الفرق؟ كلاهما ملك لي”
“!…”
“هل تعلم أن الشخص الذي حاول اغتيال الإمبراطور قد اعترف؟”
“نعم”
“وهل سمعت أنه قد مات؟”
“نعم، سمعت بذلك”
“إذن باقي المحظيين لا يعلمون بذلك”
ابتسم تيسير ابتسامة خافتة.
“لا أعرف إذا كانوا يعلمون أم لا، هناك بعض المحظيين الذين لديهم مصادر معلومات جيدة”
“وهل تعلم أن الشخص الذي حاول اغتيال الإمبراطور ذكر اسم الأمير تالا قبل وفاته؟”
رفع تيسير حاجبيه، وكأنه لم يكن يعلم بذلك.
“حقًا؟”
بالطبع، كان من الممكن أن يكون يتظاهر بعدم المعرفة، لكن لاتيل لم تفكر في الأمر بعمق وبدلاً من ذلك أعطت توجيهاتها فورًا.
“تحقق مما إذا كان من كانوا يدعمون الأمير تالا هم من يتلاعبون بموت الإمبراطور السابق، أو إذا كان لهم علاقة حقيقية بموت الإمبراطور السابق”
وبعد أن أنهت حديثها، التقطت لاتيل حبة من الحلوى وأخذت تقضمها، مظهرة تعبيرًا يوحي بأنها تتوقع أن يتبع تيسير أوامرها دون تردد.
لكن تيسير لم يجب على الفور، بل نظر بين الأوراق وبين لاتيل، بتعبير يفكر بعمق.
هل لا يرغب في فعل ذلك؟؛ توقفت لاتيل عن أكل الحلوى ونظرت إليه.
وأخيرًا، ظهرت على شفتي تيسير ابتسامة مغرية، كانت نفس الابتسامة التي رآتها عندما التقت به لأول مرة وكأنه يعرف من تكون.
وضع تيسير الأوراق برفق مرة أخرى على الطاولة، واستند على الأريكة بطريقة مريحة.
“هل تعرفين كيفية ترويض الكلاب؟”
سألها فجأة، فردت لاتيل قائلة : “الكلاب؟” متسائلة عن سبب ذكره للكلاب فجأة.
“أحيانًا يجب أن تكوني صارمة، ولكن إذا أطاع الكلب الأوامر، عليك أن تكافئيه بقطعة لحم، مع الثناء”
“؟…”
“إذا أطعت أوامركِ، ما هي المكافأة التي ستقدمينها لي؟”
رفعت لاتيل حاجبها، فلم تفكر في اقتراح كهذا من قبل، انحنى تيسير للأمام، مستندًا بمرفقيه على ركبتيه، وابتسم بعينيه بينما يطالب.
“إذا قمت بعملي بشكل جيد، أحتضنيني كمكافأة”