رجال الحريم - 30
“القاتل موجود في السجن السفلي”
“هل تم استجوابه؟”
“ليس بعد”
“كيف تم القبض عليه؟، ألم يُقال إنه لم يُعثر على أي دليل؟”
“الأمر هو…”
بينما كانت لاتيل تطرح الأسئلة بسرعة وتتحرك باتجاه السجن السفلي، توقفت للحظة ونظرت إلى جانبها عندما اختفت الأصوات التي كانت ترد عليها، كان الحارس يلتف بنظرات مرتبكة.
فكرت لاتيل بعينين ضيقتين :’إذن، لم يُقبض عليه بالطريقة المعتادة’
“لماذا؟، كيف قبضتم عليه؟”
“لقد اعترف بنفسه”
“اعترف؟”
استغربت لاتيل وسألت مجددًا، حتى رئيس الخدم الذي كان يستمع بجانبها اتسعت عيناه من الدهشة.
كان ذلك متوقعًا، فاغتيال فرد من العائلة الإمبراطورية يعد جريمة من أشد الجرائم، وقد يؤدي إلى إعدام أو استعباد جميع أفراد العائلة.
من بين تلك الجرائم، تعتبر جريمة اغتيال الإمبراطور هي الأشد والأخطر، خاصة عندما لا يكون الإمبراطور طاغية، بل كان يتمتع بشعبية كبيرة.
الاعتراف بقتل مثل هذا الإمبراطور؟، كان ذلك أمرًا جنونيًا، حتى لو فعلها حقًا، كان عليه أن ينكر ذلك، كان الأمر مذهلًا أن يعترف قاتل الإمبراطور بنفسه.
قالت لاتيل: “هذا مريب، دعونا نذهب ونرى”
مع كل خطوة تخطوها لاتيل داخل السجن السفلي المبني من الحجارة، كانت تُصدر أصواتًا رنانة غير معتادة، تتصادم مع الحجارة، كان هذا الصوت غير متناسب مع السجن المظلم، لكنه جعل السجناء يصمتون على الفور.
“أي طابق؟”
“الطابق السفلي الثاني”
نزلت لاتيل إلى حيث كان الشخص الذي اعترف بقتل الإمبراطور، كان المتهم مقيدًا إلى كرسي التحقيق في وسط الطابق الثاني.
فكرت لاتيل: ‘هذا هو من قتل أبي’
حتى من بعيد، وبمجرد رؤية ظله، شعرت بالغضب، شدت لاتيل على تعابير وجهها وبدأت تمشي ببطء أكثر من ذي قبل، إذا كان هذا الرجل حقًا هو من قتل والدها…
عندما اقتربت، استطاعت رؤية وجه المتهم بوضوح، ربما لأنه اعترف، لم يكن مصابًا أثناء عملية القبض عليه، على عكس المجرمين الآخرين، ولم يكن هناك أي جروح على جسمه أو وجهه حيث لم يبدأ الاستجواب بعد، مما زاد من إنزعاجها.
اقتربت لاتيل من المتهم ووقفت أمامه، ولكن عندما رأته من قرب، شعرت بالاستغراب أكثر من الإزعاج.
كان المتهم مذعورًا، من سيكون بهذا الغباء ليأتي ليعترف بمثل هذه الجريمة؟، يبدو أن هذا الرجل كان يعلم مسبقًا ما سيحدث لقاتل الإمبراطور، وكان يرتجف بشدة.
“هل أنت من اعترف بقتل الإمبراطور السابق؟”
سألت لاتيل بصوت هادئ، محاولًة أن تحافظ على تعابيرها المحايدة، فنظر المتهم أخيرًا إلى لاتيل.
فكرت لاتيل مرة أخرى أن هناك شيئًا غريبًا، لا يوجد شكل محدد للقاتل، لكن هذا الرجل لم يكن يبدو كقاتل على الإطلاق.
عندما تلاقت أعينهما، ظهرت على وجه الرجل علامات الدهشة، ثم سارع بإيماء رأسه.
“نعم، أنا، أنا من فعلها! أنا من فعلها!”
عندما أشارت لاتيل بعينيها، أحضر أحد الحراس كرسيًا ووضعه خلفها، جلست لاتيل على الكرسي ونظرت إلى المتهم بنظرة متفحصة، وكأنها تسأله : “حقًا؟”
قال المتهم بصوت متردد : “حقًا، أنا من فعلها”
بدت شخصية المتهم لا تشبه أبدًا قاتلًا، سواء في المظهر أو الشخصية.
‘هل هو قاتل حقيقي أم مجرد شخص يدعي ذلك؟’
فكرت لاتيل، ثم ضيقت عينيها، لم يكن هناك شخص عاقل سيدعي أنه قاتل الإمبراطور، لكن العالم مليء بأشخاص غريبين، هناك من اعترف بكونه سفاحًا وقُتل شنقًا بسبب ذلك.
‘ربما تعرض لتهديد من القاتل الحقيقي ليعترف بدلاً منه’
التفكير في الأمر، أن تصبح قاتل إمبراطور يعني أن حياتك، وحياة عائلتك بأكملها، ستكون في خطر، ما نوع التهديد الذي يمكن أن يدفعه للاعتراف بجريمة كهذه؟.
تجنب المتهم نظرات لاتيل، التي واصلت التحديق فيه.
“كيف فعلتها؟” سألت.
“ماذا؟”
رفع المتهم رأسه بنظرات خائفة، سألت لاتيل مرة أخرى.
“كيف قتلت والدي؟”
صوتها كان جافًا ووجهها خالي من التعبير، مما جعل المتهم يرتجف خوفًا.
عندما تردد المتهم في الإجابة، أمسك الحارس بشعره وسحب رأسه إلى الأعلى.
“بسكين…!”
“….”
“طعنته بسكين”
ومع ذلك، سألت لاتيل مرة أخرى: “أين؟”
“في القلب…”
“هل مات فورًا؟”
هز المتهم رأسه مرارًا وتكرارًا وهو يقول : “نعم، نعم”، وفكر في نفسه أن لاتيل مجنونة لتتحدث عن مقتل والدها بهذا الهدوء.
ومع ذلك، تحت مظهرها الهادئ، كانت لاتيل تفكر بسرعة.
الطريقة المستخدمة للاغتيال، لا يعرف عامة الشعب كيف قُتل الإمبراطور، فلم يُعلن عن ذلك، ولسبب ما، اعتقد الكثيرون أن الإمبراطور قُتل بالسم.
ولكن في الواقع، قُتل الإمبراطور بطعنة واحدة بسكين، تبين أن السلاح المستخدم كان سكينًا طُعن مباشرة في القلب، ولم يكن هناك أي علامات جروح أخرى، كما قال المتهم.
‘إذا كان يعرف طريقة الاغتيال، فمن المحتمل أنه ليس شخصًا لا علاقة له بالجريمة، ربما يجب أن أطرح المزيد من الأسئلة’
“كيف دخلت إلى القصر الإمبراطوري؟”
“ماذا؟”
“دخل الجاني دون أن يترك أي أثر، كيف دخلت إذًا؟”
“لقد قفزت فوق الجدار وتسللت بعيدًا عن الأنظار”
“هل أنت قوي بما يكفي لتفعل ذلك؟”
“نعم، ماذا؟”
“من السهل القول إنك تسللت دون أن يراك أحد، ولكن هل تعلم كم عدد الأشخاص الذين يوجدون في هذا القصر؟”
“نعم، هناك خمسون حارسًا عند المدخل الرئيسي… ويعملون بنظام ثلاث ورديات…”
‘يعرف عدد الحراس أيضًا؟’
“عندما تسللت إلى غرفة النوم، كم شخص كان بداخلها؟”
“لم يكن هناك أحد في الغرفةز وأيضًا…”
تمتم المتهم بصوت منخفض بعد أن لاحظ نظرات لاتيل.
“لم تكن غرفة النوم… بل غرفة العمل…”
‘لا ينخدع بسهولة’
شدت لاتيل حاجبيها، كان يعرف طريقة الاغتيال، وترتيبات الحراسة، وعدد الحراس، ولم يقع في الفخ الذي وضعته له في حديثها، من الواضح أنه لم يكن شخصًا جاء للاعتراف بلا سبب، ولكنها لم تستطع فهم السبب.
“لماذا اعترفت؟”
“ماذا؟”
“هل تعرف ماذا يحدث لمن يغتال الإمبراطور؟، ستتمنى الموت أكثر من العقوبة المؤلمة التي ستتلقاها، حتى بعد موتك، لن تنعم بالراحة، وستواجه عائلتك الإعدام في أسوأ الأحوال، أو يتحولون إلى عبيد في أفضلها”
“!…”
“وإذا أصبحوا عبيدًا، فلن يكونوا خدمًا في منازل الأثرياء، سأضمن لك ذلك، حتى لو لم يكن لديك عائلة أو أقارب، فلدينا وسائل لمعرفة كل شيء، حتى يمكننا أن نجد لك أقارب لا تعرفهم، وحتى إن كنت حقًا يتيمًا بلا عائلة، فلابد أن يكون لديك أصدقاء أو أحباء، أليس كذلك؟”
أصبح وجه المتهم شاحبًا، ابتسمت لاتيل ببرود وأكملت كلامها.
“بحسب القانون، تُطبق العقوبة الجماعية فقط في حالة اغتيال الإمبراطور والخيانة، ولكن، أليس من الغريب أنني أتحدث عن الأصدقاء والأحباء أيضًا؟”
“!”
“هم ليسوا مشمولين بالعقوبة الجماعية، ولكن يمكن معاقبتهم كمتواطئين”
بدا المتهم وكأنه يفقد كل قطرة من الدم في وجهه، وتجنب النظر إلى لاتيل وهو يكاد لا يستطيع التحدث بشكل صحيح، نظرت لاتيل إليه مرة أخرى وسألته :
“مع كل هذه العواقب، لماذا اعترفت؟، هذا ما يثير فضولي”
***
بعد حوالي 40 دقيقة من استجواب المتهم بنفسها، خرجت لاتيل من السجن تحت الأرض وأصدرت أمرها.
“اربطوا يديه بشكل فضفاض، ودعوه يحاول فتح باب السجن بنفسه والهروب”
تفاجأ الفرسان الذين كانوا يتبعونها وأصيبوا بصدمة في آن واحد.
“ماذا؟”
“ستطلقين سراحه؟، المتهم؟”
“نعم، لا أعتقد أنه الفاعل الحقيقي، ولكن بما أنه يعرف كل هذه التفاصيل، فمن المحتمل أن يكون لديه صلة بالفاعل الحقيقي”
لكن بينما كانت لاتيل تعطي أوامرها في طريقها للعودة إلى المكتب الرئيسي بالقصر، جاء مساعدها بسرعة، وهو يلهث ليعلن عن خبر غير متوقع.
“جلالتكِ، السيد كلاين، السيد كلاين يعتدي على خادم السيد جيستا!”
“ماذا؟”
في تلك اللحظة، تذكرت لاتيل ما حدث قبل أن تسمع اعتراف القاتل، كان هناك شجار بين جيستا وكلاين.
لم تكن ترغب في الانحياز لأي طرف، لذا أمرت بإنهاء الموقف بسرعة وغادرت المكان على عجل…
“هل بسبب تلك المشكلة؟”
سألت لاتيل بدهشة، فأسرع الفارس بهز رأسه.
“لا، هذه المرة، تلقى السيد جيستا سيلًا من الماء أثناء نزهته”
“!”
“وعندما رأى ذلك، توجه خادم السيد جيستا للاحتجاج، متهمًا السيد كلاين بأنه الفاعل…”
تنهدت لاتيل وتوجهت إلى الحريم.
كانت تتوقع أن تحدث المشاكل في القصر من تلقاء نفسها حتى لو تُركت الأمور تهدأ، لكن ليس بهذه الطريقة الواضحة …
دخلت لاتيل إلى داخل الحريم، متجهة نحو غرفة الأمير كلاين، كان من السهل العثور عليها، إذ كان الباب مفتوحًا وهناك حشد من الناس يقفون بقلق.
ورغم الأجواء المشحونة، كان تيسير فقط من الازواج موجودًا، وكان ينظر إلى الداخل بفضول مبتسمًا كأنه يستمتع بالمشهد.
‘وكأنك فعلاً قاتل محترف، هل تستمتع بهذا؟’
“احيي جلالتكِ”
“نقدم تحياتنا لجلالتكِ”
بمجرد أن ظهرت لاتيل، انقسم الناس بسرعة إلى قسمين، عبرت لاتيل من خلال البابين ودخلت.
“يا إلهي!”
كان المشهد فوضويًا عند دخولها، وضعت لاتيل يدها على جبهتها.
كان خادم جيستا، الملقى على الأرض، فيما كان كلاين يجبره على فتح فمه ليصب الماء فيه بالقوة.

“كلاين.”
نطقت لاتيل باسمه بهدوء، فألقى كلاين الكأس وتراجع، بدا كمن فاز بالمعركة، لكن وجهه كان محمرًا بالغضب كأن شيئًا يؤلمه.
عندما التقت عيونهما، اعترض كلاين بسرعة:
“هو من جاء إليّ أولاً وقال لي أشياء سيئة!”
نظرت لاتيل إلى الخادم الذي كان وجهه منتفخًا ككعكة، بدا وكأنه تعرض للضرب المبرح، وبينما كانت تفكر في الأمر كمهارة بحد ذاتها، اقترب جيستا منحنياً أمام لاتيل.
“أعتذر يا جلالتكِ”
نظر جيستا إلى لاتيل بعيون دامعة وهو يحتضن خادمه.
“يبدو أن منير كان غاضبًا لدرجة أنه قال أشياء لم يكن يجب أن يقولها للأمير كلاين”
رغم أن خادمه تعرض للضرب بشكل وحشي، إلا أن جيستا دافع عن كلاين، مما جعل المشاهدين يطلقون تعبيرات من التعاطف والإعجاب بحسن نيته وموقفه المهيب.
نظر كلاين إلى جيستا بغضب واحمرار في وجهه.
“ما الذي حدث بالضبط؟”
رغم أنها سمعت القصة من الفارس، قررت لاتيل أن تسمعها من الطرفين.
شد كلاين قبضته وقال بغضب :
“يقولون إن أحدهم ألقى دلوًا من الماء من الطابق الثاني على خادم جيستا، فجاء هذا الخادم الذي يدعى منير ليواجهني ويتهمني بشكل مهين”
“ماذا قال لك؟”
“قال إن جلالتكِ ستهجرني بسبب طباعي، وأنني عنيف لأنني من كاريسين، وأني لا أملك شيئًا في رأسي، وأنني شخص بليد كما يشاع”
فتح جيستا عينيه بدهشة، ورد قائلاً :
“مستحيل أن يفعل منير هذا، يا جلالتكِ”
“لا، خادمك هو من فعلها، أيها الوغد!”
رفعت لاتيل يدها وحركتها في الهواء، إذا كانت الإهانات التي قيلت صحيحة، فإن غضب كلاين قد يكون مبررًا، فعادة، يلجأ الأشخاص إلى معاقبة الآخرين من خلال السلطة، وليس بالتعبير عن غضبهم بشكل مباشر.
المشكلة أنه حتى لو قال الخادم تلك الكلمات، فلن يعترف بذلك، وبالتالي لا توجد طريقة لإثبات كلام كلاين. إضافة إلى ذلك…
“جيستا، لماذا قال خادمك إن كلاين هو من ألقى الماء؟”
أجاب الخادم، الذي بالكاد تمكن من رفع جسده، بجهد كبير :
“لم يمضِ أكثر من ساعة على غضب السيد كلاين بسبب حادثة سكب الماء بالخطأ، ولذلك كان من المنطقي أن يكون هو الفاعل الوحيد”
رد كلاين فورًا :
“كنت هنا طوال الوقت!”
لكن الخادم تابع بنظرة قاسية :
“إلقاء الماء لا يحتاج بالضرورة أن يقوم به السيد كلاين بنفسه، بل يمكن أن يأمر به أي شخص.”
أمسكت لاتيل طرف جبينها، وسألت كلاين:
“هل هذا صحيح؟”
“لا، بالطبع لا!”
صرخ كلاين بحزم، ثم تردد قليلاً قبل أن يعترف:
“كنت أنوي الانتقام، لكنني لم أفعل بعد.”
“هل كنت تفكر في فعل ذلك حقًا؟”
“قليلاً.”
نظرت لاتيل إليه بفم مفتوح، بينما عقد كلاين جبينه وتمتم:
“كان الخادم قد ألقى الماء باتجاهي، يا جلالتكِ”
تنهدت لاتيل بعمق، كانت تعتقد أن الشجار بين ازواجها يمكن أن يُترك ليدور بينهم بهدوء، ولكن الأمور كانت معقدة أكثر مما توقعت.
هل لأن شخصياتهم شديدة التفرد؟، بدلاً من المكائد الهادئة، كانوا يتشاجرون ويتبادلوا الضربات علنًا، هذا تجاوز كل الحدود…
منذ متى كانت الشجارات تُعتبر مكائد؟، نظرت لاتيل مرة أخرى بين كلاين وجيستا وسألت :
“كلاكما
يقول شيئًا مختلفًا، لكن يبدو لي أن كلاكما لديه حجج مقنعة، هل لدى أي منكما دليل مادي، وليس مجرد شكوك، يدعم موقفه؟”
“……”
“……”
صمت كل من جيستا وكلاين، رأت لاتيل هذا وقالت :
“عليكما أن تختارا، إما أن تتجاوزا الأمر الآن، أو يعاقب كلاين على ضرب خادم جيستا، ويعاقب خادم جيستا على إهانة كلاين”