رجال الحريم - 28
كارلين تحرك فوراً ووضع يده على خصره، لكن كان ذلك مجرد رد فعل تلقائي، لم يجد شيئًا هناك لأنه تم تجريدهم من جميع أسلحتهم قبل دخولهم إلى المكتب.
رغم ذلك، ضحك تيسير ضحكة خافتة، لكن لاتيل كانت قلقة بعض الشيء “ربما تيسير سيُضرب حتى الموت بواسطة كارلين بمجرد عودتهما إلى الحريم…؟”
‘في النهاية، كلاهما يقومان بأعمال خطيرة’
ومع ذلك، عندما لوحت لاتيل بيدها، توقف الرجلان عن القتال فورًا، بعد أن هدأ الرجلان، أشارت لاتيل بإصبعها نحو الباب.
“كارلين، اخرج الآن”
“مالكتي!”
“اخرج”
أعطت لاتيل الأمر بحزم مرة أخرى، فتردد كارلين قبل أن يسير بخطوات واسعة خارج المكتب وكأنه لا يملك خيارًا آخر.
“سير سونوت، ادخل”
بعد أن أخرجت كارلين، دعت لاتيل سير سونوت للدخول وأغلقت باب المكتب بإحكام.
“الآن، تحدث”
نظر تيسير إلى السير سونوت وسأل :
“هل يمكنه البقاء هنا؟”
“نعم، سير سونوت هو اكثر شخص أثق به”
“إذا كان هذا ما تريدينه، فلا بأس”
لم يكن السير سونوت، الذي لم يكن على علم بما سبق من حديث، يفهم الوضع جيدًا، لكنه وقف بجانب لاتيل بثبات، بدأ تيسير في الشرح مرة أخرى.
“لقد بدأنا في الاشتباه في جلالتكِ وراء اغتيال الإمبراطور السابق بسبب أمر تلقيناه من قبل.”
“أمر؟، أي أمر؟”
“قبل اغتياله، أمرنا الإمبراطور السابق… هممم، عذرًا، جلالتكِ. أمرنا بالتحقيق في جلالتكِ عندما كنتِ ولية للعهد”
ماذا؟، لماذا تعتذر؟، كانت لاتيل تستمع وهي مذهولة، وكأنها تلقت ضربة قوية على رأسها، ماذا؟ من الذي كان يحقق في من؟.
“أمرك والدي بالتحقيق في شأني؟”
هل كان ذلك بسبب الصدمة؟، ارتعش صوتها تلقائيًا، ضغطت لاتيل على شفتيها بقلق.
“ماذا أمر بالتحقيق فيه؟، ولماذا أمر بالتحقيق أصلاً؟”
“لم يُخبرنا الإمبراطور السابق عن هدف التحقيق”
أضاف تيسير وهو يراقب تعابير وجه لاتيل.
“…..”
“ربما كان السبب بسيطًا، قد يكون مجرد رغبته في التعرف عليكِ جيدًا قبل أن تعتلي العرش بصفتكِ ولية العهد”
التحقيق لمجرد رغبته في التعرف عليها؟، هل يعقل أنه أمر منظمة اغتيال سرية بالتحقيق لمجرد هذا؟
“لكن، لم يمضِ وقت طويل حتى تم اغتيال الإمبراطور السابق، وبالنسبة لنا، كان من الطبيعي أن نشك في جلالتكِ بسبب التوقيت”
لاتيل كانت لا تزال في حالة ذهول، كان من الصعب عليها تقبل ما يقوله، “كذب.” ربما كان كل ما يقوله تيسير مجرد أكاذيب؟
‘نعم، ربما قصة أن الغابة السوداء تتولى الأمور السرية منذ عهد الإمبراطور الأول ليست صحيحة أيضًا، سبق لي أن تساءلت إن كان لدينا في إمبراطوريتنا منظمة استخبارات سرية… ولكن، هذا جنون’
تنهدت لاتيل بعمق.
‘يمكنني التأكد من ذلك بسهولة بمجرد أن أطلب إحضار الوثائق’
بالإضافة إلى ذلك، كانت قمة أنجيه مرتبطة بشكل وثيق بإمبراطورية تاريوم كما لو كانت شبكة عنكبوت، من غير المحتمل أن يخاطر وريث مثل هذه القمة بالكذب الذي يمكن اكتشافه بسهولة.
“لكن، لماذا قررت الانضمام إلى الحريم فجأة؟، حتى في حفل التتويج، إذا كنت لا تثق بي، كان بإمكانك القدوم بطرق أخرى.”
“بعد التحقيقات المتعددة، أصبحنا متأكدين في الغابة السوداء أنكِ لستِ وراء اغتيال الإمبراطور السابق، ومن ثم، سعيتُ للاقتراب منكِ بطبيعية… وهكذا وصلتُ إلى هنا”
لو لم تكن لاتيل هي من بادر بذكر موضوع الحريم، لكانت قد شكّت في أن الشخص الذي أثار الموضوع كان متواطئًا مع تيسير، لكن لاتيل هي من خالفت توقعات المستشارين وأدخلت نظام الحريم بنفسها.
“هل كان هذا كله بأمر من رئيس قمة أنجيه؟”
“آه، لا، ليس كذلك، والدي لا يعرف شيئًا عن الغابة السوداء”
“ماذا؟”
“الغابة السوداء ليست جزءًا من قمة أنجيه، صحيح أن عائلتنا هي من تتولى أمرها، لكن الشخص الذي ورّثني قيادة الغابة السوداء هو أحد أقربائي الآخرين”
تيسير تابع كلامه وهو يراقب تعابير لاتيل :
“صحيح أننا اتبعنا أوامر الأباطرة السابقين، لكن الغابة السوداء لم تكن تابعة تمامًا لهم، إن أردنا التعبير بدقة، يمكن القول إنها كانت علاقة تعاون وثيقة”
أغمضت لاتيل عينيها وأمسكت رأسها المثقل بيدها، كان الوضع معقدًا مثل ذلك الوقت الذي تلقت فيه الرسالة التي تتهمها بقتل والدها.
لكن الأمر الأكثر تعقيدًا لم يكن كون تيسير هو قائد الغابة السوداء، بل كان الأمر هو أن والدها أمرهم بالتحقيق معها، كان ذلك هو الجزء الأصعب في الفهم.
***
في وقت متأخر من تلك الليلة، وبأمر من لاتيل، أحضر تيسير وثيقة ولاء الغابة السوداء وأظهرها لها، تأكدت لاتيل بعناية من الأختام التي وُضعت عليها من قبل الأباطرة السابقين.
“إنها حقيقية”
كما كانت تتوقع، كانت الوثيقة والأختام حقيقية، سواء الخاصة بالإمبراطور الأول أو الخاصة بوالدها. بعد أن تفحصت الوثائق وأقرت بها، سألها تيسير بثقة :
“الآن، هل تصدقين كلامي؟، قد نكون قد تعرضنا لسوء فهم، لكن الغابة السوداء لم تكن لها أي علاقة بإهانة أو اغتيال الإمبراطور السابق، لهذا السبب كشفت عن هويتي”
لكن لاتيل هزت رأسها.
“أعلم أن كلامك صحيح، لكن هذا لا يعني أنني أصدق كل ما تقول”
عبس تيسير قليلاً، وكأن كلامها غير معقول، أعادت لاتيل الوثائق إلى تيسير.
“صحيح أن والدي سمح بوجود الغابة السوداء، لكن هذا لا يعني أن الغابة السوداء لم تخنه”
أليس كذلك؟، قالت لاتيل هذا بابتسامة خفيفة وكأنها تطلب موافقته، لكن تيسير ضيق عينيه وهو يأخد الوثائق منها، بدا وكأنه لا يتفق معها.
“إذاً، هل تعتقدين أن الغابة السوداء قد تكون مسؤولة عن اغتيال الإمبراطور السابق؟”
“ليس بالضرورة”
“؟”
“أنا لا أشك فيكم وحدكم، بل أشك في الجميع، الجميع بلا استثناء”
“!”.
“حتى أنا، الابنة المحبوبة والوريثة الرسمية، كنت من بين المشتبه بهم، إذاً، علي أن أشك في كل شخص لم يثق فيه والدي بقدر ما وثق فيَّ، أليس كذلك؟”
تغيرت ملامح تيسير لتصبح معقدة بطريقة يصعب وصفها، حيث ظهرت على وجهه مشاعر مختلطة.
بدلاً من أن تخبره بمن تشك فيه تحديداً، أخرجت لاتيل رسالة من الدرج وقدمتها له.
“تحقق من هذه.”
“ما هذه؟”
“تحقق بنفسك.”
اخد تيسير الرسالة بحذر، وراح يقرأ محتواها بسرعة، ارتفعت حاجباه فوراً.
كانت الرسالة التي سلمتها لاتيل لتيسير هي تلك التي وجدتها عند قبر والدها، والتي تزعم أن لاتيل هي من قتلت الإمبراطور السابق.
“ما هذه…؟”
“هل كتبتها أنت؟، أم أن الغابة السوداء هي من كتبتها؟”
“هل هذا هو السبب في أنك أريتني الرسالة؟”
“أنت والشخص الذي كتب هذه الرسالة فقط من تحدث معي بهذه الطريقة”
أجاب تيسير وهو يعبس وأعاد الرسالة إلى لاتيل :
“لم تكتبها الغابة السوداء”
أخذت لاتيل الرسالة وأعادتها إلى الدرج، فيما كانت تراقب تيسير عن كثب، بدا وكأنه لم يكن يتوقع ما تحتويه الرسالة، مما جعلها تعتقد أنه لا يكذب.
قال تيسير مؤكداً : “من الواضح أن هناك من يريد إلصاق كل شيء بنا، حرفياً كل شيء”
“كل شيء؟”
“اغتيال الإمبراطور السابق، تدنيس القبر، وحتى الإشارة إليكِ كالجانية.”
“هل لديك أي فكرة عمن يمكن أن يكون وراء ذلك؟”
“لدينا الكثير من الأعداء”
رفع تيسير كتفيه بلا مبالاة.
نظرًا لأنني تصرفت تحت أوامر الإمبراطور الراحل السرية، أصبح لدينا الكثير من الأعداء المشتركين مع العائلة الإمبراطورية.”
“أفهم ذلك.”
تنهدت لاتيل بإحباط، بدلاً من التفكير في كيفية تعزيز الإمبراطورية وتحسين حياة الناس، كانت محاصرة بهذه الأمور منذ توليها العرش، مما جعلها تشعر بالصداع.
لكن بينما كانت تضغط على صدغها غارقة في أفكارها، شعرت بنظرات تيسير الثابتة عليها.
رفعت لاتيل يدها ونظرت إليه، كان تيسير يراقبها بصمت وعيناه مغلقتان بإحكام.
“ماذا؟ هل لديك شيء لتقوله؟”
سألت لاتيل، ظنًا منها أنه ربما خطرت له فكرة، لكن بدلاً من الرد، اقترب تيسير من مكتبها، وقف بجوار المكتب، وأسند ذراعيه عليه.
كان هذا تصرفًا غير رسمي لواحد من أتباعها، لاتيل نظرت إليه متسائلة عن سبب تصرفه هكذا، لكنه بادرها بالاعتراض بهدوء:
“ألا تعتقدين أنكِ تعاملينني كواحد من أتباعكِ فقط؟”
“ماذا؟”
“بغض النظر عن كيف بدأ الأمر، أنا أيضًا أحد أزواج جلالتكِ”
“!”
“ولكن منذ أن أخبرتكِ بأنني من الغابة السوداء…”.
ضاقت عينا تيسير وهو ينظر إليها.
“لقد بدأتِ تعاملينني كأحد أتباعك فقط”
“هل يجب أن نتحدث عن هذا الآن؟”
“إذا لم نتحدث عن هذا الآن، أخشى أن تأخذي المعلومات فقط مني وتمنحي حبكِ للآخرين”
حينما نظرت إليه لاتيل بذهول، ابتسم تيسير فجأة، ووقف.
“بغض النظر عن ما حدث مع الإمبراطور الراحل، أنا لم أوقع عقدًا كرئيس الغابة السوداء هذه المرة، بل كرجل لجلالتكِ”
رمشت لاتيل بعينيها للحظة، ثم ابتسمت وهي تسترخي على ظهر الكرسي.
“إذاً، ماذا تريد مني أن أفعل؟، كيف تريدني أن أعاملك كـ ‘رجل’؟”
اقترب وجه تيسير من وجهها حتى أصبح على مسافة قريبة جدًا، نظرت لاتيل إلى عينيه السوداوين، كانت تعتقد دائمًا أن عينيه تبدوان وكأنهما مخدر، لكن عند هذه المسافة القريبة، رأت أن هذا ليس صحيحًا تمامًا، إذ لم يكن هناك أي غموض في مقلتيه.
“قبلة؟، لمسة؟، أو ربما شيئًا أكثر من ذلك إذا أردتِ؟”
تنهدت لاتيل، ثم مدت يدها إلى شعر تيسير الأسود وبدأت بفركه بخشونة، شعره الخشن التصق بأطراف أصابعها.
“لا يبدو أن هناك أي حب في هذه اللمسة، هل شعري يشبه الإسفنج؟”
“طلبت مني أن ألمسك”
ضحك تيسير بصوت خافت بينما وقف مجددًا.
***
كانت لاتيل تجد صعوبة في النوم بسبب تعقيد الأمور المتعددة التي تشغل عقلها، فقررت أن تخرج في وقت مبكر من الصباح للتجول وحدها في الحديقة، كان السير سونوت واثنان أو ثلاثة من الحراس فقط يتبعونها.
كانت لاتيل تمشي بصمت، تراقب سونوت من زاوية عينها، وكالعادة، كان سونوت يسير خلفها بصمت، دون أن يتكلم، وعندما تلاقت نظراتهما، ابتسم سير سونوت وقال بلطف.
“لماذا تنظرين إلي هكذا؟”
“لقد أدركت الآن فقط… أنك لا تبدأ الحديث معي إلا إذا بادرت أنا أولاً؟”
“ليس دائمًا”
“أعلم أنه ليس دائمًا، لكن هذا يحدث كثيرًا.”
عندما أمالت لاتيل رأسها مستغربة، تحرك سير سونوت بشكل طبيعي ليكون بجانبها وابتسم قائلاً :
“لأنني لا أريد أن أزعجكِ بالكلام كثيرًا، بما أننا نكون دائمًا معًا.”
“لن تزعجني لا تقلق”
“لم أبدأ بالتحدث بشكل متكرر بعد، لو فعلت، قد تزعجين”
“لا، لن أنزعج”
“إذًا، هل يمكنني التحدث معكِ باستمرار من الآن فصاعدًا؟”
“أم… لا.”
غيرت لاتيل موقفها فجأة وابتسمت بمكر، مما دفع سير سونوت للضحك بصوت عالٍ.
“هذا ليس عادلًا، أن تعبثي بقلبي بهذه الطريقة.”
“هل قلبك يتأثر بسهولة بهذا القدر، سير سونوت؟”
“ربما لم تعلمي ذلك، لكن قلبي خفيف للغاية.”
أطلقت لاتيل ضحكة صغيرة، ربما بسبب هذه المزاح الخفيف مع سير سونوت، شعرت أن مشاعرها أصبحت أخف قليلاً مما كانت عليه من قبل.
وبينما كانت تتعمد دهس الحصى البيضاء لإصدار أصوات تحت قدميها، سألت:
“إذا كان قلبك خفيفًا لهذا الحد، لماذا لم تتزوج بعد؟”
ولكن بمجرد أن طرحت هذا السؤال، تغيرت الأجواء بشكل مفاجئ، وأصبح الجو ثقيلًا، توقفت لاتيل عن اللعب بالحجارة ونظرت إلى الخلف.
كان سير سونوت يتبعها ببطء من الخلف، مبتسمًا ابتسامة مجبرة وبوجه ثقيل.
‘لقد كان بجانبي… لماذا عاد فجأة إلى الخلف؟’
“سير سونوت؟”
تساءلت لاتيل بقلق إذا كانت قد قالت شيئًا غير لائق، وعندما نادت عليه، غير سير سونوت تعابير وجهه وأجاب بصوت غير مبالٍ:
“لأن حبي الأول كان مؤلمًا”
“حبك الأول؟” ترددت لاتيل، هل كان لدى السير سونوت حب أول من قبل؟، لم تسمع شيئًا عن ذلك من قبل.
في ذاكرتها، كان السير سونوت دائمًا يتبع والدها، وفي أوقات الراحة، كان يقضي وقته مع رايان أو يأتي للقاءها.
“حب أول؟، ومن تكون؟”
“تلك المرأة… تزوجت بالفعل”
عند سماع ذلك، رفعت لاتيل حاجبيها بدهشة.
“آه، لقد تزوجت”
كان هناك العديد من النبلاء الذين لا يمانعون ما إذا كان الشخص الآخر متزوجًا أو غير متزوج، بل إن بعضهم يجدون التحدي في إيقاع شخص متزوج أكثر إثارة.
لكن لاتيل كانت تعرف أن سير سونوت ليس من هذا النوع، أومأت برأسها بتفهم.
في ظروف أخرى، كانت ستتجاهل الأمر كمزحة، لكن الآن، كان السير سونوت يبدو جديًا للغاية.
بدا متألمًا أيضًا، في مثل هذا الموقف، لم يكن من اللائق أن تستهين بألم حبه الأول.
“أتمنى أن تجد شخصًا أفضل”
تحدثت لاتيل بصدق رغم ترددها، لكن السير سونوت ابتسم مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت ابتسامته مشوبة بالألم.
“لن أجد أحدًا مثلها”