رجال الحريم - 26
كلاين تذكر تلك اللحظة عندما كانت الإمبراطورة توبخه، لكن في وسط ذلك، كانت الإمبراطورة تغمز له بابتسامة، كانت تلك اللمحة الصغيرة لطيفة بشكل غريب.
عندما اضطر لتشكيل قلب بأصابعه، انفجرت الإمبراطورة بالضحك، وكان ذلك المشهد محببًا إلى قلبه.
“هل تحبني إلى هذا الحد؟” تساءل كلاين في نفسه وهو يسرع في خطواته بشعور من الخجل، صحيح أن الحب العلني قد يكون ممتعًا، لكن للحب السري لذته الخاصة أيضًا.
“أنت هناك”
في تلك اللحظة، اقترب منه وريث أنجيه، بينما كان كلاين في مزاج جيد تمامًا.
“سمو الأمير”
سمع كلاين الصوت الذي يناديه ورأى الشخص الذي يقترب منه، لكنه استمر في المشي دون أن يرد.
كان يرى أن تيسير ليس منافسًا يستحق الاهتمام، لكنه كان مع ذلك واحدًا من حريم الإمبراطورة، وربما يملك القدرة على التأثير علي مزاجه، لم يكن يرغب في التحدث مع شخص كهذا.
لكن تيسير اقترب مبتسمًا، ومشى بجانبه محاولًا ضبط خطاه مع خطواته، ثم بدأ الحديث.
“لم تتح لنا الفرصة للتحدث من قبل، وهذه فرصة جيدة”
رغم أسلوبه الودي، رد عليه كلاين بحزم.
“ما الذي لدينا لنتحدث عنه؟”
“لماذا لا؟، سنقضي السنوات القادمة معًا على الأرجح”
لكن تيسير رد عليه بابتسامة طبيعية، مما جعل خادم كلاين يشعر بالدهشة، فقد اعتاد رؤية سلوك كلاين الصارم، وكان من المثير للاهتمام رؤية تيسير يتعامل مع الموقف بهذه المرونة.
“لماذا جئت إلى هنا؟”
لكن الدهشة كانت لدى الخادم فقط، إذ ظل كلاين متجهمًا.
“في الواقع، لقد التقيت بجلالة الإمبراطور هيسينث من كاريسين من قبل”
“وماذا بعد؟”
“أردت فقط بدء حديث بيننا”
كان الخادم يوشك أن يصفق من دهشته لمرونة تيسير في التعامل مع كل هذا العناد.
حدق كلاين في تيسير بعبوس، كان وريث التجارة الذي اقترب منه فجأة لا يزال مبتسمًا، ولم يكن يتأثر بأي شيء يقوله كلاين.
هل كان يتظاهر بعدم الاهتمام، أم أنه فعلاً لم يكن ينزعج؟، نظر كلاين إليه بنظرة حادة، فسأله تيسير :
“هل يمكننا الآن التحدث بشكل أكثر خصوصية؟، كيف انتهى المطاف بأمير كاريسين هنا في الحريم؟”
“هل لديك مشكلة في ذلك؟”
“شخص بمكانتك كان يمكنه الحصول على منصب رفيع، لكنه جاء إلى الحريم كمحظي”
“هذا صحيح”
“هل هناك سبب لذلك؟”
“همم، جلالة الإمبراطورة كانت تحبني من قبل أن تصبح إمبراطورة”
“…..”
“لكن عندما لم أقبل بسهولة، لجأت إلى هذا الأسلوب”
“أه… هل هذا صحيح حقًا؟”
“تتمنى لو لم يكن كذلك، أليس كذلك؟”
هز كلاين رأسه بغطرسة، تيسير رمش بعينيه قبل أن ينظر إلى خادمه، كان الخادم يميل رأسه بوجه يظهر أنه يسمع هذه القصة لأول مرة.
“تبدو كأنك لا تصدق”
“لا، ليس كذلك، أصدقك تمامًا”
ابتسم تيسير بعينين ضيقتين، لكن مشاعره كانت تختلف عن كلماته تمامًا، كان يفكر في أن “الأمير كلاين لا يعرف العلاقة التي كانت بين زوجتهم الإمبراطورة لاتراسيل واخيه”
عندما رأى كلاين ذلك التعبير على وجه تيسير، شعر بالضيق وسأله :
“لماذا تنظر إلي بتلك الطريقة؟”
“آه… عذرًا، عندما أراك أشعر بشيء من الحزن بلا سبب”
“يبدو أنك شخص مزعج بلا سبب”
“هاها، لقد سمعت ذلك كثيرًا”
“غريب”
“بما أننا التقينا صدفة، فلنتحدث قليلاً عن أخيك”
لماذا يريد التحدث عن أخي الذي ليس هنا بينما كان لقاؤنا مجرد صدفة؟، شعر كلاين بالغرابة وعبس، لكن تيسير أخفى نواياه ببراعة.
“تقوم مجموعتنا التجارية بالكثير من الأعمال مع الدول الأجنبية، وخاصةً مع كاريسين، لقد بدأنا مؤخرًا بتوسيع تعاملاتنا هناك بشكل كبير، أعتقد أن معرفة المزيد عن جلالة الإمبراطور هيسينت ستكون مفيدة”
ألقى تيسير بالطعم ثم سأل ببراءة :
“ما هو طبع جلالة الإمبراطور هيسينت؟”
“طماع، إذا أراد شيئًا، لن يتخلى عنه أبدًا”
“آه، هذا غير متوقع”
“وأيضًا، مدخن شره”
“همم”
عندما أومأ تيسير برأسه معقدًا ذراعيه، أمسك كلاين بكتفه ليوقفه عن السير، وعندما توقف تاشير، ابتسم كلاين ببرود وهمس له.
“يا أيها التاجر، لا أعلم ما الذي تخطط له بينما تتصرف بهذه الوداعة بجانبي، لكن إذا كنت مفيدًا لأخي أو إذا اغضبته، فإنه حتى لو حاولت الهرب، سيلاحقك حتى يجدك، لذا لا داعي لحساباتك”
***
“ماذا عن رسائل كلاين؟، ألا تزال لم تصل؟”
عندما سأل الإمبراطور هيسينت، ابتسم السكرتير الرئيسي بخجل، لم يصل أي منها.
تنهد هيسينت بإحباط.
“أخي اللعين”
رغم أنه أرسل قائد فرقة الحرس، أكسيان، إلا أن الرحلة من كاريسين إلى إمبراطورية تاريوم تستغرق حوالي أسبوعين. حتى لو استمروا في التحرك دون توقف، من المحتمل أنه لم يصل بعد.
على الرغم من معرفته بكل شيء، إلا أن شوقه لمعرفة أخبار تاريوم كان بسبب امرأة أحبها، ويحبها، ويرغب في أن يحظى بحبها.
تنهد هيسينت ونظر إلى الثريا المتألقة، في كل مرة يرمش فيها، كانت الأضواء الساطعة تغير اتجاهها، في تلك اللحظة، بدأت صورة لاتيل من سنوات مضت تتراقص في ذهنه.
تذكر كيف كانا مستلقيين معًا على العشب، ينظران إلى الشمس، كانا يتحديان بعضهما من يمكنه الإبقاء على عينيه مفتوحتين لأطول وقت.
هو من اقترح التحدي، وعندما كانت لاتيل تنظر إلى الشمس، طبع قبلة على خدها، كانت عقوبته تقبيلها شفتيه، لا يزال يشعر بوضوح بنعومة ودفء شفتيها. (عيب يسطا بقت مرات اخوك)
تنهد هيسينت مرة أخرى، كانت مشاعر الحنين تتراكم يومًا بعد يوم، وتضغط عليه بثقلها، كان هذا الوزن العاطفي ثقيلًا جدًا بحيث لا يمكن تحمله، ومع ذلك، كان غير مرئي للآخرين، مما جعله عاجزًا عن إظهاره لأحد.
في تلك اللحظة، سمع صوت طرق على الباب.
“ادخل”
دخل أحد السكرتيرين الآخرين إلى المكتب بوجه متوتر، توجه السكرتير بسرعة نحو هيسينت وقدم له ورقة رقيقة.
“جلالتك، لقد وصلت نتائج التحقيق بخصوص القضية التي تحدثت عنها سابقًا”
تبادل السكرتير الرئيسي نظرة غاضبة مع السكرتير الجديد، وكأنه يقول، “هناك العديد من القضايا! كان يجب أن تبدأ بتحديد أي قضية تتحدث عنها!” ولكن السكرتير الجديد، بسبب توتره، لم يلتقط الإشارة.
فتح هيسينت الورقة بصمت وبدأ في قراءة محتواها، كانت تحتوي على نتائج التحقيق بشأن اختفاء جميع الرسائل والهدايا التي أرسلها إلى لاتيل على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وفقًا للتقرير، تم إرسال حوالي نصف الهدايا بنجاح من كاريسين، ولكن النصف الآخر لم يغادر كاريستن وتمت سرقته.
المشتبه به الرئيسي في سرقة الرسائل والهدايا كان دوق داغا، وحتى لو لم يكن هو السارق، فإن الشخص الذي أمر بإخفاء هذه السرقة كان بالتأكيد دوق داغا.
أكد المحققون هذا الأمر من خلال اعترافات الموظفين الذين فقدوا الهدايا، وقد أدرجت أسماؤهم في التقرير، وذكر التقرير أن هؤلاء الموظفين قد تم تهديدهم ورشوتهم من قبل دوق داغا ليبقوا صامتين.
“الدوق داغا…”
بعد قراءة التقرير، سحق هيسينت الورقة بقبضته.
الدوق داغا، والد الإمبراطورة آيني، كان دائمًا يحاول مراقبة هيسينت منذ أن أصبح إمبراطورًا، حتى أنه لم يكن قادرًا على كتابة رسالة شخصية واحدة قبل أن يرسل وفد الزواج إلى الخارج.
ومع أن قوة هيسينت كانت تتزايد، مما قلب الموازين لصالحه، إلا أن الدوق لا يزال يشكل مصدر إزعاج كبير له.
لم يستطع هيسينت قبول آيني كزوجة له وكإمبراطورة لهذا السبب.
لم يكن الأمر أنها لم تساعد والدها بنشاط، لكنها، رغم علمها بالأمر، لم تعارضه، بل استفادت إلى أقصى حد من الامتيازات التي حققها الدوق داغا.
بل، عندما كان الدوق داغا يحقق في كل حركة يقوم بها هيسينت ويخبرها بها، كانت تقرأ هذه المعلومات وتستفيد منها.
ومع ذلك، لم يشعر هيسينت حتى بالخيانة تجاهها، لم يكن لها خيار آخر، فمنذ البداية، لم يكونا زوجين، بل كانا مجرد شريكين في التاج، ولم تكن آيني زوجته، بل مجرد ابنة الدوق داغا.
تنهد هيسينت بعمق، وأخرج سيجارة من داخل مكتبه، أشعلها ووضعها في فمه، عندما أغمض عينيه وأخرج الدخان، اشتد غضبه، لكن عقله بدأ يبرد.
“ماذا ستفعل يا جلالتك؟”
“سنفجره دفعة واحدة، اجمع كل هذا أيضاً”
“نعم”
كان هيسينت مستعدًا للمراهنة على عشرة مليارات بار أن الدوق داغا كان من النوع الذي لن يتردد في اغتيال وريث العرش إذا أنجبته الإمبراطورة آيني.
كانت آيني ستفرح وهي تسخر من جثته، قائلة إن الوقت قد حان أخيرًا ليُدفع ثمن قتل حبيبها.
“أولاً… لوريس”
“نعم، جلالتك”
“أحضر ورق”
“نعم”
بعد أن أحضر السكرتير الأول الورق، كتب هيسينت بسرعة رسالة إلى لاتيل، في النهاية، نصف الأمر قد اختفى هنا، لكن النصف الآخر اختفى في تاريوم، وكان على لاتيل أن تعلم هذا وتستعد له.
بعد أن كتب هيسينت رسالته إلى لاتيل، وضعها في ظرف وأغلقها بإحكام باستخدام الشمع، ثم سلمها مرة أخرى للسكرتير الأول.
“لا ترسلها عبر البريد الرسمي، بل اجعل شخصًا موثوقًا به يوصلها مباشرة، يمكنك أيضًا التظاهر بأنها من وفد آخر، كما فعلنا عندما أرسلنا وفد الزواج”
“نعم، جلالتك”
***
في مساء اليوم الذي وقعت فيه الحادثة، ذهبت لاتيل مباشرة إلى جيستا دون تفكير.
كانت تلك الزيارة جزئيًا لتقديم العزاء لجيستا، ولكنها كانت أيضًا تحذيرًا لأولئك الذين ألقوا الحجارة، كان ذلك نوعًا من التحذير بأن من يتعرض لشخص ما بالإيذاء، سيجعبها تعتني بهذا الشخص أكثر.
“ج…جلالتكِ؟”
كان من المفترض أن يكون جيستا قد سمع بأن لاتيل ستأتي، ومع ذلك، عندما جاءت لاتيل، بدا مرتبكًا وغير قادر على ترتيب أفكاره.
“هل أنت بخير؟”
أخذت لاتيل جيستا المرتبك إلى السرير وأجلسته، ثم تحققت من شعره وهي تسأله، لقد فعلت ذلك لأنها فكرت في مكان الإصابة، لكن جبينه ورأسه كانا نظيفين.
‘آه، صحيح، لقد قيل إنه لم يُصب’
قيل إن الحارس الذي كان أيضًا خادمًا قد صد الضربة بسيفه، تذكرت لاتيل هذا متأخرًا، وعبثت بشعر جيستا قبل أن تسحب يدها.
ارتجف جيستا كما لو كان قد صُدم بتيار كهربائي عندما لامست أصابع لاتيل رأسه.
“أنا، أنا بخير، لم أُصب حتى”
“يبدو أن حارسك قوي جدً.”
“نعم، بما أنني أعاني من ضعيف وامرض كثيرًا، فقد بذل والدي جهدًا كبيرًا في اختيار هذا الرفيق بعناية”
توقفت لاتيل عن الرد فجأة وتذكرت شيئًا ما، مما جعلها تومئ بعينيها.
‘هل كان جيستا مريضًا؟’
كانت تعرف أنه هادئ ووديع، لكنها لم تكن تعلم أنه مريض، لم تسمع أبدًا عن أي مرض يعاني منه.
في الواقع، كان جيستا ذو كتفين عريضين وطويل القامة وبشرة صحية، فمتى أصبح مريضًا؟.
لكن بما أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يبدون في صحة جيدة من الخارج لكنهم ضعفاء من الداخل، قررت لاتيل عدم التفكير في الأمر كثيرًا، أليس شقيقها، الأمير رايان، على نفس الشاكلة؟، بالطبع، رايان لم يكن يعاني من ضعف بدني، بل كانت مشكلته في ضعف المهارات الرياضية…
“جيستا، هل تتذكر ما قلته لك سابقًا؟”
“إذا كان ما قالته جلالتكِ… آه”
“تتذكر؟”
“نعم”
احمر وجه جيستا وبدأ في اللعب بأصابعه.
“إذا كان هناك من يضايقك، اخبرني، هذا ما قلتيه”
“لأن ذلك ما زال سارياً، تذكر ذلك دائمًا”
جلست لاتيل بجانب جيستا وفكت أصابعه المتشابكة، ثم نظرت في عينيه، كانت عيناه البنيتان الفاتحتان تتحركان بسرعة ولا تستطيعان حتى مواجهة نظرتها، وكان ذلك يبدو لطيفًا.
“سأحميك.”
ابتسم جيستا بخفة وأومأ برأسه، فمدت لاتيل ذراعيها وعانقته.
رغم أنه كبير الحجم، إلا أن شعورها تجاهه كان كأنها ترعى جروًا كبيرًا يتعرض للضرب ويبكي في كل مكان.
بعد أن ربتت على ظهره، أكدت لاتيل عدة مرات أنه إذا أزعجه أحد، فعليه أن يخبرها، وكان جيستا يهز رأسه في كل مرة.
‘آه، إنه حقًا حساس، عليّ أن أهتم به أكثر’
***
في صباح اليوم التالي، استيقظت لاتيل وهي تفرك عينيها بتعب، بدا أن جيستا يحب النوم في الصباح، حيث كان نائمًا بعمق لدرجة أن روحه بدت وكأنها قد غادرت جسده.

تأملت لاتيل جيستا بعناية ثم قامت بقرص خده الناعم، عبس قليلاً ولكنه لم يستيقظ.
ابتسمت لاتيل في داخلها.
لم يكن جيستا وسيمًا كما هو الحال مع رانامون أو كلاين، ولا يملك تأثير الوسامة البارز كما كارلين أو تيسير، لكن وجهه كان حاد الملامح وجذابًا عند النظر إليه.
مررت لاتيل أصابعها على شعره وخرجت من الغرفة، وعندما خرجت من دون أن يرافقها جيستا، نظر خادم جيستا إلى الغرفة وإلى لاتيل بقلق.
“اتركه نائمًا، لا توقظه”
بعدما طلبت لاتيل من خادم جيستا عدم إيقاظه، عادت إلى غرفتها.
لكن عندما دخلت غرفتها، فوجئت بضيف غير متوقع.
‘الأمير كلاين؟’
كان نفس الضيف الذي زارها سابقًا، الأمير كلاين، كان يجلس على نفس الكرسي الذي وضعه في الممر من قبل، وكان خادم الأمير كلاين قد ملأ كوب القهوة مرة أخرى كما لو كان معتادًا على ذلك.
عندما اقتربت لاتيل، ابتسم الأمير كلاين ووقف، لكن بعد ثوانٍ قليلة تغيرت تعابير وجهه إلى الاستياء.
“لماذا أنت هنا؟، ماذا عن غرفتك؟”
“كنت أنتظركِ، لم تأتي أبدًا”
ابتسمت لاتيل بسخرية.
“أنت لا تشبه أخاك على الإطلاق”
“شكرًا لكِ، إنني أسمع ذلك كثيرًا”
على الرغم من أنها لم تكن مجاملة، ضحكت لاتيل بشكل خفيف.
“كم من الوقت قضيت هنا؟”
“ليس وقتًا طويلًا”
عندما أجاب الأمير كلاين بإيجاز، أومأ أحد الفرسان الذين كانوا واقفين أمام باب لاتيل برأسه، أي أنه كان هنا لفترة أطول مما توقعته.
نظرت لاتيل إلى شعر الأمير كلاين الفضي اللامع وقررت بشكل عفوي.
“لماذا لا نتناول الإفطار معًا؟”