رجال الحريم - 23
تنهد الأمير كلاين وهز رأسه بأسف، ثم نظر إلى لاتيل بعينيه الزرقاوتين كالسماء الصافية؟ كان غريب أطوار، لكن كان يمتلك عيوناً نقية وجميلة، كالسماء في يوم صافٍ، فكرت لاتيل فجأة، يقال إن السماء واسعة وعميقة للغاية بحيث لا يمكن معرفة نهايتها، في عيني الأمير كلاين، تتجلى تلك السماء تماماً، ربما هذا هو السبب في أنها لا تستطيع فهم عقل هذا الأمير العميق والواسع.
“كلاين”
“نعم، جلالتكِ”
“أعتقد أنك حقاً غامض”
“جلالتكِ…”
“أود أن أرى ما يوجد في عقلك يوماً ما، بصدق”
“كلامكِ مغري، إنه صريح جداً”
“أنا؟”
أين الكلام المغري؟’
لم أمدحه قط، لكنه فسر كلامي كمديح، وابتسم كلاين بعينيه البراقتين.
نظرت إليه لاتيل مطولاً، ثم ربتت على كتفيه العريضتين قبل أن تغادر الحريم، رغم أنها لم تفهم 90% مما قاله، إلا أنها شعرت أن كلاين كان مستاءً لسبب ما، بعد عودتها إلى غرفتها، أمرت لاتيل رئيس الخدم بإرسال هدايا لكل من كارلين وكلاين.
“الأمير كلاين أيضاً؟”
“يبدو عليه الاستياء كثيراً”
“لكن الجميع في الحريم يشعرون بالاستياء أيضاً”
“كلاين جاء من الخارج، وهو الزوج ذو المكانة الأعلى.”
رغم أنه قد يكون جاسوساً أرسله هيسينت، إلا أن مكانته الاجتماعية لا تزال مرموقة، علاوة على ذلك، فهو شخص متكبر وذو كبرياء قوي، حتى لو لم تتمكن من قضاء الليل معه، فإن حفظ ماء وجهه قد يكون الخيار الأفضل.
“آه، ماركيز سابيل، أمر آخر”
“نعم، جلالتكِ”
“ذاك… كارلين”
“نعم”
“حقق في ماضيه”
“هل هناك شيء مريب؟”
“لا، ليس الأمر كذلك”
فقط يبدو أنه لديه الكثير من الخبرة مع النساء، وعلاوة على ذلك، يزعم أنه يعرفني منذ زمن طويل، وهذا غريب بعض الشيء.
ترددت لاتيل فيما إذا كان ينبغي أن تخبره أو لا، لكنها في النهاية اكتفت بطلب التحقيق بشكل عام، دون الخوض في تفاصيل محددة.
“سأحقق بدقة”
لكن رئيس الخدم كان قد فهم بطريقة ما نبرة لاتيل الملتبسة، وابتسم كأنه يرى شيئاً لطيفاً قبل أن يغادر.
‘أوه… يبدو أنه يفكر في الامر بشكل خاطىء’
شعرت لاتيل بالحرج من ابتسامته ورفعت يدها كما لو كانت تريد الاعتراض، لكنها أدركت أن التفسير قد يجعل الأمر يبدو أسوأ، لذا أسقطت يدها مرة أخرى.
‘لا بأس، فليفسر الأمر كما يشاء’
حكت لاتيل رأسها ودخلت إلى الحمام، وبينما كانت تلعب بالفقاعات في حوض الاستحمام، نادت إحدى الخادمات من الخارج على عجل.
“ادخلي”
عندما أعطت الأمر ونهضت قليلاً من الماء، فتحت إحدى الخادمات الباب وركعت.
“ما الأمر؟”
سألتها لاتيل، فأجابت الخادمة بوجه مضطرب.
“جلالتكِ، يجب أن تذهبي بسرعة إلى قصر الأسد”
‘قصر الأسد’ هو اسم جميل لقصر، لكنه في الواقع مجموعة صغيرة من البيوت، بيوت للأموات، تحتها توجد أقبية تحتوي على جثث الأباطرة السابقين وزوجاتهم.
“ما المشكلة؟”
نهضت لاتيل من حوض الاستحمام وهي تسأل، مهما كان الأمر، إذا كان عليها الذهاب إلى هناك في هذه الساعة، فلا بد أنه شيء سيء، كان وجه الخادمة يوحي بذلك.
“لقد قام أحدهم بكتابة خربشات غريبة بطلاء أسود فوق منزل الإمبراطور الراحل!”
“خربشات؟”
بالطبع، كانت كارثة، صرخت الخادمات اللواتي كن يساعدن لاتيل في الاستحمام بصوت خافت، اختطفت لاتيل المنشفة وخرجت مسرعة، حتى دون أن ترتدي رداء الاستحمام، وهي تجفف جسدها على عجل.
‘خربشات على قبر الإمبراطور الراحل؟’
كان هذا غير معقول، ارتدت لاتيل ملابسها بسرعة وركضت إلى الخارج، ووصلت إلى قصر الأسد بسرعة، توقفت فجأة بالقرب من القصر، تلهث قليلاً، بدا ‘قصر الأسد’ من الخارج وكأنه منزل جميل وسلمي من طابق واحد، لكن واجهة المنزل كانت مغطاة بطلاء اسود قبيح، من قريب، كانت تبدو كخربشات عشوائية، لكن من بعيد، كانت تشكل حرف ‘V’ تحتها خط أفقي.
“يا لجرأة هذا الوغد…!”
صرت لاتيل علي أسنانها بغضب.
“من المسؤول هنا؟”
عند سؤالها، اقترب جنديان من الحرس الأول المسؤولين عن هذه المنطقة بسرعة، بوجوه قلقة خوفاً من العقاب.
“متى حدث هذا؟”
تساءلت لاتيل وهي تفكر فيما إذا كان ينبغي أن تعاقبهم أم لا، إذا كان هناك أي تقصير في الواجب، فإنها ستعاقبهم بشدة.
“حدث أثناء فترة تبديل الحراسة”
“كانت فترة التبديل في السادسة صباحاً”
“هل كان هناك أي شخص أثناء التبديل؟”
“لا، جلالتكِ، كانت المنطقة خالية لمدة 7 دقائق”
“من كان الحارس السابق؟”
أجاب الجنديان بالتناوب في النظر بينهما، ثم خرج جندي آخر من خلفهما.
“أنا يا جلالتكِ”
“هل كانت هناك خربشات عندما كنت تحرس؟”
“لم تكن هناك”
“هل رأيت أي شخص مريب؟”
“لم أرى شيئاً”
“كيف يمكن ألا ترى شيئاً ويتم رسم هذا خلال 7 دقائق؟!، حتى لو كان هناك شخص يحمل علبة طلاء، لكان ملحوظاً!، هل كان هناك شخص مريب ولم تلاحظه؟”
ارتفع صوت لاتيل فجأة، مما جعل الجنود يشعرون بالخجل وينكسون رؤوسهم، كادت لاتيل ان تصرخ بأنهم عديمو الفائدة، لكنها تماسكت، بدلاً من توبيخهم أكثر، أخذت نفساً عميقاً وأشارت لهم بالعودة إلى مواقعهم. عاد الجنود إلى مواقعهم بوجوه قلقة.
“يا قائد الفرسان!”
عندما عادوا إلى مواقعهم، نادت لاتيل سير سونوت. تقدم سير سونوت بوجه جاد عند سماع صوت لاتيل المختلف عن المعتاد.
“نعم.”
“تحقق من المسؤولين عن هذا”
لم تستخدم لاتيل الألقاب المعتادة مع سير سونوت، كإشارة له بعدم خلط الأمور الشخصية مع التحقيق الجدي.
“حسناً”
في تلك اللحظة، رفع الجندي الذي كان أول من اكتشف الموقع يده بحذر.
“جلالتكِ… ليس الأمر مجرد خربشة، لقد وجدنا أيضاً رسالة بالقرب من المكان”
استدارت لاتيل فجأة لتنظر إليه، فتراجع الجندي قليلاً في دهشة، ثم أدرك خطأه وتقدم بسرعة، ممسكاً بالرسالة بيديه الاثنتين، أخذت لاتيل الرسالة ونظرت إليها بسرعة من كل جانب، لم يكن هناك اسم مرسل أو مستقبل مكتوب على الرسالة.
‘هل تركها الجاني؟’
قررت أخذها واحتفظت بها، ثم أصدرت أمراً.
“يا قائد الحرس!”
“نعم، جلالتكِ”
“اتبعني”
* * *
عندما دخلت لاتيل مكتبها، لم تجلس على كرسيها بل أصدرت أمراً فورياً.
“علينا أن نكتشف من فعل هذا، هذه الحادثة تمثل إهانة للإمبراطورية، إنها إهانة للإمبراطور الراحل الذي قتل غدرًا، هل فهمت؟”
“نعم، جلالتكِ”
أجاب قائد الحرس وهو في وضع الركوع عند الباب.
“كيف يجرؤ…”
لم يكن غضب لاتيل قد هدأ بعد، فأطبقت قبضتها وأخذت نفساً عميقاً، فكرت في والدها الذي لم يمت بشكل جيد، والآن هذا الإذلال بعد موته، لكن سرعان ما استعادت لاتيل رباطة جأشها، لم يكن هذا هو الوقت المناسب للغضب، لم يكن عليها أن تغضب وحدها، بل كان عليها العثور على الجاني، أشارت لاتيل لقائد الحرس بالاقتراب.
“يا قائد الحرس، ما رأيك؟”
“في ماذا؟”
“هل تعتقد أن لهذا علاقة بالقاتل الذي اغتال الإمبراطور السابق؟”
“في الواقع… جلالتكِ، لدي شيء لأقوله”
“تحدث”
“تلك العلامة التي رُسمت بالصبغة السوداء تشبه علامة تُستخدم من قبل جماعة من القتلة، لكنني لست متأكداً تماماً…”
فوجئت لاتيل بكلام قائد الحرس وسألت بسرعة.
“جماعة قتلة؟، أي جماعة تقصد؟”
أجاب قائد الحرس بتردد.
“لا أعلم بالتحديد، إنها تشبه علامة رأيتها مصادفة، لكننا بحاجة إلى التحقق منها”
“إنها علامة تستخدمها منظمة ‘الغابة السوداء'”
تدخل سير سونوت ليكمل الحديث، نظرت لاتيل بدهشة إلى سير سونوت بعد سماع كلام قائد الحرس.
“سير سونوت، هل تعرفها؟”
“نعم”
أجاب سير سونوت بهدوء.
“إنها جماعة قتلة مشهورة”
“مشهورين؟، لم أسمع بها من قبل”
“حتى لو قيل إن القاتل مشهور، فهو يظل قاتلاً، أليس كذلك؟، حتى وإن كان مشهوراً، فالأمر يتعلق بمحيطهم الخاص، ومن الطبيعي ألا يعرفها الجميع”
“وما الذي يجعلك تعرف ذلك؟” تساءلت لاتيل للحظة، لكنها سرعان ما تخلت عن ذلك التساؤل، ربما اكتشف الأمر بطريقة ما، المهم الآن ليس سير سونوت، واصل سير سونوت حديثه.
“بالإضافة إلى مهارتهم، كانوا كلما حلوا قضية، يتركون دائماً تلك العلامة المميزة الخاصة بهم، مما جعلهم أكثر شهرة”
“إذا كانت تلك المجموعة قد تركت هذه العلامة على قبر أبي، فإن هناك احتمالاً كبيراً أن القاتل الذي اغتال أبي كان منهم”
“نعم، من المحتمل أن يكون الأمر كذلك، لكن الأمر الغريب هو…”
“لماذا نقشوا العلامة بعد مرور كل هذا الوقت، أليس كذلك؟”
“نعم”
“إذاً قد يكون من عمل الغابة السوداء، وقد لا يكون كذلك، العلامة ليست رسماً معقداً لذا يمكن لأي شخص رسمها، ويمكن لأي مجموعة اخري أن تتركها عمداً”
“نعم، هذا ما أعتقده أيضاً”
“……”
فكرت لاتيل للحظة وهي عابسة ثم سألت سير سونوت مجدداً.
“سير سونوت، هل حدث شيء مشابه في الماضي؟”
“ماذا تعنين؟”
“هل استخدم شخص آخر علامة الغابة السوداء بشكل غير مصرح به من قبل؟”
“نعم، حدث ذلك عدة مرات”
“هل تعاملت الغابة السوداء مع الأمر بتجاهله؟، ترك العلامات يعني أنهم يريدون أن يتباهوا بجرائمهم، هؤلاء الناس لديهم كبرياء قوي، ولا يحبون أن يُحاكيهم أحد”
“صحيح، في تلك الحالات، يبحثون عن القاتل المزيف، ويقتلونه ثم يرسمون العلامة مقلوبة على جثثه لتحذير الاخرين من عدم التزييف”
نقرت لاتيل بأصابعها.
“إذاً، يا قائد الحرس، استخدم هذا لتتبعهم”
تفاجأ قائد الحرس، الذي كان يستمع بهدوء إلى حديث سير سونوت والإمبراطورة، عند استدعائه فجأة من قبل لاتيل، وسأل بدهشة: “نعم؟” كان يبدو غير قادر على فهم ما قالته لاتيل.
“قم بتتبعهم سراً، ولكن أعلن عن الأمر علناً”
رغم تكرار لاتيل لشرح الأمر، ظل قائد الحرس يواجهه بتعبير غير مفهوم.
“نعم؟، علناً؟”
رمش قائد الحرس بعينيه وهو يراقب لاتيل، بدا الأمر وكأنه فضيحة، وعادةً ما يتم تجنب الحديث عنها، ولكن لاتيل تطلب إعلان الفضيحة علنياً ومتابعة التحقيق سراً، مما جعل قائد الحرس مستغرباً، عادةً يكون الأمر معكوساً، أليس كذلك؟، كما نظر سير سونوت أيضاً باندهاش، ضحكت لاتيل ساخرة.
“لماذا لا يفهم أحد؟، إذا لم يكن الأمر من عمل الغابة السوداء، فإننا سنرى جثثاً تحمل العلامة مقلوبة في مكان ما، فهم سيودون إخبار الجميع أنهم لم يقوموا بالعمل، ونتيجة لذلك، سيتمكنون من القبض على القاتل بأنفسهم”
“آه! فهمت الآن!”
“ومع ذلك، لنتوخى الحذر، وسنزيد من عدد الحراس في القصر”
بعد أن غادر قائد الحرس معبراً عن إعجابه، خففت لاتيل من تعبيراتها الساخرة على شفتيها وظهرت على وجهها ملامح الجدية، قبضت بيدها وأخذت تحدق في المكتب بتركيز.
“إذا كان والدي قد تعرض لعملية اغتيال على يد قاتلين محترفين، فيجب أن يكون هناك شخص ما طلب ذلك، وهذه هي أكبر مشكلة، سير سونوت، هل لديك أي تخمين حول من قد يكون؟”
“حالياً، ليس لدي أي فكرة”
“يقال إن القتلة محترفون في تحمل التعذيب، إذا كان الأمر فعلاً من عمل الغابة السوداء، فقد نواجه مشكلة، لن يكشفوا عن اسم العميل، أليس كذلك؟”
“نعم، سيكون من الصعب علينا جعلهم يكشفون عن اسم العميل”
“قد يصبح البلاط صاخباً في الفترة المقبلة”
ضغطت لاتيل على صدغها المتهيج ثم تذكرت الرسالة التي أعطاها إياها الجندي وأخرجتها.
‘قبر الإمبراطور الراحل يقع في أطراف القصر، إنه مكان ناءٍ، ومع ذلك، هو داخل جدران القصر، القاتل الذي يمكنه القيام بذلك خلال 7 دقائق…’
كم من الوقت يستغرق رسم العلامة؟، بما أن العلامة لم تكن صغيرة، فمن غير المرجح أن يتم رسمها دفعة واحدة، لا، الأهم من ذلك هو الوقت، هل كان القاتل يعلم أنه سيكون لديه فترة زمنية قدرها 7 دقائق؟، إذاً، هل هو شخص من الداخل؟
‘هل هناك احتمال أن يكون أحد حراس القصر هو القاتل؟’
بينما كانت تفكر بعمق، كانت يديها تزيل الشمع من ظرف الرسالة بمهارة، وعندما أزالت الظرف تماماً، أخرجت الرسالة وفتحتها بلا تفكير، ولكن عندما قرأت الرسالة، تجعدت ملامح وجهها أكثر من ذي قبل.
“ماذا؟ ما هذا الجنون…؟”
ضحكت لاتيل بسخرية، إذا كانت الرسالة قد اكتشفت في موقع إهانة قبر الإمبراطور الراحل، فكان من المتوقع أن تكون محتوياتها سيئة، ولكن محتوى الرسالة كان أكثر غرابة مما توقعت.
“الذي قتل والدكِ هو أنتِ”