رجال الحريم - 16
عبست لاتيل في وجه الحارس، شعرت بالإهانة من طلب اناكاشا لرؤيتها، ومن يبالي إذا صامت خمسة أيام أو أكثر؟.
على الرغم من أن لاتيل لم تكن تحب محظيات والدها، إلا أنها كانت تعاملهن بلطف كما جرت العادة، ومع ذلك، كانت أناكاشا استثناءً، على الرغم من أنها كانت الأقل تفضيلاً لديها، إلا أن انقلاب ثالا لم يفعل شيئًا لتهدئة كراهيتها، والحق يقال، لاتيل لم تكن تريد أن تهتم بأناكاشا تتضور جوعا حتى الموت.
من ناحية أخرى، ايضا لم تعد لاتيل تريد رؤية الدم يراق في القصر، علاوة على ذلك، في حين أنها كانت قد أرعبت رعاياها بالفعل من خلال إعدام أخيها غير الشقيق ثالا بلا رحمة، إلا أنها لم ترغب في أن يتم الاعتراف بها على أنها طاغية لا ترحم من خلال تركها والدته لتموت أيضًا.
يمكن أن تنتظر موت أناكاشا حتى تتلاشى ذكرى إعدام ثالا.
“حسنا، أرني الطريق”
***
بقدر ما تستطيع لاتيل أن تتذكر، كان انطباعها الأول عن أناكاشا ملونًا، كانت ترتدي قلادة كبيرة تفوق قلادة والدة لاتيل، الإمبراطورة السابقة، وتاجًا رائع الجمال، لقد تألقت بشدة عندما كانت تشبك ذراعيها مع الإمبراطور الراحل.
بدت أناكاشا وكأنها زهرة متفتحة بالكامل، في كل مرة تبتسم، كان والد لاتيل يبتسم بسرور وفرح باعتباره أسير الحب، وبجانبه كان هناك صبي يحث الإمبراطور على الانضمام إليه في صيد السمك، تتذكر لاتيل جلوسها في حضن والدتها وتفكر : لماذا تلك السيدة بين ذراعي والدي؟، ماذا يفعل والدي هناك بينما تبقى أمي وحيدة؟.
كانت لاتيل تشعر بالحيرة أكثر من الغضب، لأنها كانت صغيرة جدًا لتفهم موقف كهذا، بعد النزهة عادت والدتها الي غرفتها وظلت تبكي.
الشيء التالي الذي تذكرته لاتيل عن أناكاشا كان عندما كانت غاضبة.
على حد علمها، كان لديها أخ واحد فقط، ريان، ثم في أحد الأيام، خرج شقي غريب من العدم وادعى أنه شقيقها الأكبر، (المشكلة انهم انولدو بنفس اليوم😭) لقد طلب الصبي من لاتيل ان تطيعه، شعرت بالإهانة، فأجابته بركلة في ساقها.
بكى الصبي على الفور، وركض بحثًا عن والدته، عندما كانت على وشك أن تريه بعض الدروس بركلة أخرى، سارعت أناكاشا نحوهم.
“كم أنتِ سيئة المزاج!، تمامًا مثل صاحبة الجلالة!، فتاة صغيرة لا تطاق وتحتاج إلى تربية!”، صرخت أناكاشا ودفعت لاتيل بعيدًا، عندما تعثرت لاتيل وسقطت في البركة، بدا أن أناكاشا ندمت على أفعالها للحظة، لكنها سرعان ما غادرت مع ابنها.
“من فعل هذا بك يا لاتيل؟، من يجرؤ على فعل مثل هذا الشيء؟”
كانت ملابس لاتيل قد تبللت بالكامل، مما أثار غضب والدتها، لم تقل لاتيل أن ذلك كان من فعل أناكاشا، لم يكن بإمكانها فعل ذلك، لأنها لم تكن تعرف اسمها في ذلك الوقت، كما أنها آثرت الصمت خشية أن تحزن والدتها أكثر.
ومع ذلك، في المرة التالية التي التقت فيها بمدلل الماما الذي ادعى أنه شقيقها الأكبر، ركلت ساقه بقوة أكبر من الركلة السابقة، وانسحبت قبل أن تتمكن والدته من فعل أي شيء.
خلال لقائها الثالث مع أناكاشا، قوبلت لاتيل بنظرة شرسة منها، كانت تلك هي المرة الأولى التي تضحك فيها لاتيل على أناكاشا، السيدة التي جلبت هذا الحزن لأمها بدت أفضل وهي تعبس بدلاً من أن تبتسم.
***
“هذا يذكرني بالأيام الخوالي”
تمامًا مثل تلك الأيام، كانت أناكاشا تحدق بها، وبدورها كانت لاتيل تشبك يديها خلف ظهرها، وشفتاها ملتويتان، وتنظر إلى السجينة خلف القضبان، لقد اعتقدت أن هذا الاجتماع سيكون مضيعة للوقت، لكنها ربما كانت مخطئة، لقد بدأت بالفعل في الاستمتاع بهذا.
كانت لاتيل ستستمتع بالأمر أكثر لو لم تعزل والدتها نفسها في المعبد، وأعربت عن أسفها لأن والدتها لم تكن هنا، ولكن بعد ذلك خطرت لها فكرة جيدة، ربما لا بأس في إرسال رسالة إلى والدتها، تروى فيها قصة عن سقوط أناكاشا ستثير إعجاب الإمبراطورة السابقة.
امتنعت لاتيل ازعاجها بالكلام، لكنها عرفت أن صمتها وتعبيرًا معينًا يمكن أن يساهم في إضفاء جو من العداء، عضت أناكاشا شفتها وأعطت لاتيل نظرة تحدي.
“لقد كنتِ ماكرة وملتوية حتى عندما كنتِ طفلة يا صاحبة السمو”
“تقصدين يا صاحبة الجلالة”
“هناك شخصان فقط أعرفهما يستحقان لقب الجلالة، هما زوجي وابني!”
لوت لاتيل جانب واحد من شفتيها، “لا بد أن العرش علمني أن أصبح متسامحة، لقد كنتِ جيدة في استفزازي، ولكن الآن… بغض النظر عن مدى محاولتكِ، فإنكِ تصدمني فقط مثل المهرج”، انفجرت لاتيل ضاحكة عندما رأت عبوس أناكاشا.
لكي نكون منصفين، لم يكن هناك شيء غير مفهوم بشأن أناكاشا، كان ابنها ثالا، وكان أطفال الإمبراطورة السابقة أعداء ثالا المحتملين، لقد تفوقت دائمًا على الآخرين في كسب تأييد الإمبراطور الراحل.
ومع ذلك، فقد فرصته في العرش، ونتيجة لذلك، انتهى بها الأمر محاصرة في قلعة، تاركة وراءها عشرين عامًا من الحياة الفاخرة و البذخ، لم تكن كراهيتها تجاه لاتيل مفاجأة.
قد تكون نواياها مفهومة ومنطقية، لكن أناكاشا لم تكن مجرمة بسيطة تستحق العفو، ماذا لو انتهت القصة بالعكس؟، ماذا لو نجح ثالا في سرقة العرش؟، من المؤكد أن أناكاشا لم تكن لتترك الإمبراطورة السابقة ولاتيل وشأنهما.
على أي حال، لم تعد تشعر بالرغبة في إضاعة الوقت مع عدو خاسر، اعتقد لاتيل أن الوقت قد حان للتوقف عن الاستهزاء بها والدخول مباشرة في صلب الموضوع، “ما الذي جعلكِ تريدين رؤيتي بالمناسبة؟”
عند كلمات لاتيل، تحولت أناكاشا إلى سيدة عجوز ضعيفة، وأزالت نظرة التحدي الشرسة من وجهها، كانت مترددة في الرد لكنها بدأت في التحدث بعد لحظة صمت قصيرة، وصوتها يرتجف.
“ابني… أين ابني؟”
ماذا؟، انها لا تعرف حتى الآن؟، قوست لاتيل حاجبها.
بالطبع، لم تكن أناكاشا قريبة عندما أصدرت لاتيل أمر الإعدام، تم احتجاز ثالا في الزنزانة لبعض الوقت قبل إعدامه، وبما أن أناكتشا قد سجنت أثناء سجن ابنها، فمن المحتمل أنها كانت تجهل وفاته.
لكن مضى أكثر من شهر على سجنها، وهي فترة طويلة بما يكفي لتلقي مثل هذه الأخبار من أي من الحراس أو الأفراد المحيطين بها، التفتت لاتيل إلى الحارس المسؤول عن مراقبة أناكاشا، الذي تجنب نظرتها كرد فعل، أعادت لاتيل انتباهها إلى أناكاشا التي رفعت عينيها خائفة.
“أم…” ترددت لاتيل، ماذا يمكن أن تقول؟، وبما أن أناكاشا حُكم عليها بالسجن مدى الحياة، فإن الكذبة البيضاء لن تؤذيها، إذا خدعتها لاتيل بالقول إن ثالا على قيد الحياة، فإنها ستعيش على أمل أن يقتل ابنها لاتيل يومًا ما ويأتي لإنقاذها، هل تتركها تعيش على أمل أم لا؟.
“ابنك لم يعد على قيد الحياة” اختارت لاتيل أن تتركها تعاني، “لقد كنت انا، لقد أمرت باعدامه”

وبينما ضحكت لاتيل بعد هذه الكلمات، أصبح وجه أناكاشا شاحبًا، كما لو كانت قد غرقت في الماء المثلج، اتسعت عيناها، غير قادرة على تصديق ما سمعته للتو، ارتعدت شفتيها الشاحبة، “لا… كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنا! ثالا كان أخوك!”
“إن إبنك… “
بدأت أناكاشا بالاحتجاج، لكن لاتيل تابعت : “لقد حاول قتلي”
“هذا….”
“لقد حاول أن يأخذ ما كان لي”
“أنتِ….”
“لقد جعلتِ والدتي تذرف الدموع”
“ايتها الحقيرة!”
الغضب تبع الصدمة، أمسكت بالقضبان وصرخت، “أين تعاطفك مع لحمك ودمك؟، لو أمنتِ ثالا العرش لما قتلك”
“لا تنسى أنه اعتمد على قوات أجنبية للتغلب علي، هل تعتقدين بجدية أنه كان سيترك شوكة مثلي في طريقه؟”
“ثالا ليس وحشًا بدم بارد مثلكِ”
“نعم، نعم، والدتي سيكون لها نفس الرأي عني، القرد في عين أمه غزال”
بمجرد أن انتهت، بصقت عليها أناكاشا، أولئك الذين كانوا حولها جفلوا من هذا المنظر.
“أوه…” مدت لاتيل يدها نحو سونوت، الذي قدم لها منديلًا، مسحت وجهها به وتمتمت: “أنت تجعلين صبري ينفذ”
سحب سونوت سيفه ودفعه إلى داخل الزنزانة، لك لم يصل إلى حد شق حلق أناكاشا.
“أنت خائن!، كيف يمكن لفارس مخلص للإمبراطور الراحل مثلك أن يلعب دورًا في قتل ابنه المفضل؟، أنت خائن!، ايها الجرد!”
ظل سونوت واقف بلا تعبير على الرغم من اتهامات أناكاشا القاسية.
ابتسمت لاتيل وتمتمت له كما لو كان هناك سر مثير للاهتمام لتخبره.
“دعها تستمتع يا سير سونوت، لا أريد أن تنهي حياتها بسيفك”
بناءً على لفتة لاتيل، قام سونوت بوضع سيفه في غمده على الفور، ربما تكون أناكاشا قد ابتعدت عن النصل، لكنها لم تستطع تجنب ملاحظة لاتيل المخيفة.
“حسنًا، إذا كان هذا كل ما اردتِ قوله، فسوف نغادر”
“أنت حقيرة، ذات دم بارد-“
“أوه، نعم، أنا حقيرة، حسنًا، أنا حقيرة جدًا لدرجة أنني لن أرمش حتى إذا صمتِ حتى الموت، لذا لا تزعجي نفسك بالنضال من أجل جذب انتباهي”، لوحت لاتيل بيدها واستدارت.
“تعتقدين أنكِ فزت، أليس كذلك؟”
عندما كانت لاتيل على وشك المغادرة، معتقدة أن أناكاشا قد سكتت بعد محاولاتها غير المثمرة للترهيب والتوسل، أوقفتها صرخة من تلك العجوز، وقفت لاتيل على الحد الفاصل بين الممر والطريق للخارج، وأدارت رأسها نحو أناكاشا، التي كانت تمسك بقضبان زنزانتها بإحكام وتحدق بها بشراسة كما لو كانت ستعذبها بكوابيسها.
“أنتِ مخطئة يا لاتراسيل، إن شيطانة حقيرة ذات دم بارد مثلكِ سوف تتعرض للخيانة يومًا ما من قبل الشخص الذي تثقي به كثيرًا!، من الأفضل أن تحذري” أطلقت أناكاشا ضحكة هستيرية، لا بد أن خبر إعدام ابنها قد هزها بشدة، “هذه ليست خدعة او لعن، أنا أقول الحقيقة فقط، في يوم من الأيام، في يوم من الأيام سوف تتذكرين كلماتي هذه!”
***
لم يتم البصق عليها فحسب، بل تم لعنها أيضًا في وجهها، ربما لم تنجح أناكاشا في إخافة لاتيل، لكنها بالتأكيد نجحت في حرمانها من شهيتها، قررت لاتيل تخطي العشاء وعادت إلى غرفة نومها.
تبعها سونوت إلى غرفة النوم بقلق، “هل انتِ بخير؟”
أجابت لاتيل بصراحة، “لقد تركت بالتأكيد انطباعًا عميقًا، سأكون كاذبة إذا قلت إنني لم أتزعزع”
“إنها تنطق بالأكاذيب فقط لإزعاجكِ، الأمر لا يستحق الاهتمام به كثيرًا”
“قد تكون على حق…” مع عبوس على وجهها، فكت لاتيل حزامها وسيفها ووضعتهما على السرير، “ومع ذلك، مازلنا أيضًا لم نعثر على أي أدلة حول سارق الرسائل وقاتل والدي، وبالتالي، أنا قلقة قليلاً”
لو لم تكن هناك مخاوف بشأن الأطراف التي لم يتم القبض عليها والمتورطة في السرقة وقتل الإمبراطور، ربما كانت قد استجابت بتساهل أكبر للعن أناكاشا، لكن كلامها زاد من مخاوفها.
ألقى سونوت نظرة جادة وتمتم قائلاً: “يجب أن أقلل وقت نومي لأنظر في كل رسالة وسجل أحضرته من ميلوسي”
“هل يمكنني الانضمام إليك؟”
“العمل في المناوبة الليلية مع جلالتك قد يكون هذا من دواعي سروري، ولكن…”
“لكن؟”
“لكن كبير الخدم سيكسر رقبتي إذا علم بأمر المناوبة الليلية”
ضحكت لاتيل وهي توافقه، “أفترض أنك على حق”
الضحك لم يخفف من مخاوفها، العيون المخيفة التي ارتدتها أناكاشا أثناء الإمساك بالقضبان الحديدية تركتها بصورة مخيفة.
“سير سونوت، من فضلك ضاعف المراقبة على أناكاشا، أريد فرقة من الرجال المؤهلين عليها”
“مفهوم”
فكرت لاتيل لبعض الوقت، “أيضًا، يجب أن أخرج متخفية غدًا”
“ماذا تعني جلالتكِ بالتخفي؟”
“أنا لست صديقة مقربة لجيستا، لكن على الأقل أعرف الكثير عنه، ومع ذلك، لا أعرف الكثير عن تسير التاجر أو كارلين ملك المرتزقة”
“أنت لا تقصدين أن تقولِ…” تصلبت تعابير وجه سونوت، “هل تخططين لرؤية ازواجك بنفسك؟”
“رؤيتهم شخصيًا أو رؤيتهم من بعيد، كنت أعتقد أنه لن يكون هناك أي ضرر في إلقاء نظرة خاطفة عليهم”
كان من المقرر أن يكونوا مع لاتيل في الأيام القادمة، وربما يتشاركون السرير معها، بغض النظر عن مدى كثافة الحراس الإمبراطوريين التي كانت محاطة بها، لم يُسمح لأي منهم بالوصول إلى خصوصيتها، ومع ذلك، كان الزوج مختلف.
“بعد رؤية أناكاشا، اعتقدت أنه سيكون من الأفضل رؤيتهم بنفسي قبل قبولهم في الحريم، أريد أن أعرف كيف هم، إذا كانوا من يشكلون تهديد او لا، وما إلى ذلك”
قامت لاتيل بفك ربطة شعرها العالية، لتضحك بشكل محرج بعد أن أدركت أن سونوت كان يشاهد.
“أوه نعم، هناك شيء آخر يا سير سونوت”
“هل تريدين مني انا اساعدكِ بتسريح شعركِ؟” (مش حاس انك مدلوق حبتين يا سونوت؟)
“لا، ولكن ماذا أفعل بالمنديل؟، إنه ملطخ ببصاق أناكاشا، هل تريد… ان اعيده؟”